ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يمل الله حتى تملوا )) ؟ | أ.د علي جمعة

سؤال آخر يقول ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم فإن الله لا يمل حتى تملوا ذكرها في حديث زينب وكانت عابدة أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها فكانت تصنع حبلاً تستند إليه عندما لا يتحملها جسدها من كثرة العبادة فدخل عليها النبي فوجد هذا الحال وأراد أن يشرع لأمته وأن يعلمنا فقال: "فليعبد أحدكم ربه طاقته"، يعني على قدر طاقته، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإن
الله لا يمل حتى تملوا. لا يزال الله سبحانه وتعالى مقبلاً عليك إلى أن تصل إلى هذه الحالة من الإعياء والمجهود والإجهاد بحيث إنك تسقط إذا لم تجد حبلاً. تتمسك به لا قدْرَ طاقتك الجسدية والنفسية والوقت والتكاليف التي عليك، فربما أثابك الله سبحانه وتعالى على أمر تفعله لعمارة الدنيا وخدمة الناس بأكثر مما يثيبك بركعتين أو بعبادة. وهذا التعبير "إن الله لا يمل حتى تملوا" ليس على حقيقته، وإنما هو من قبيل المشاكلة، فإن الله منزه
عن هذه. المشاعر الإنسانية إنما من أجل التقريب لأن الرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، وهناك مفارقة للإله المفارق سبحانه وتعالى بأنه خارج الأكوان وأنه مختلف عن هذه الأكوان، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ليس كمثله شيء أصلاً، ولذلك لما كان الأمر كذلك أصبحت اللغة وسيطاً لتبليغ بعض. المعاني يخادعون الله وهو خادعهم. قال العلماء: لا يجوز أن تسميه الخادع، لأن هذا جاء في المشاكلة ولم يأتِ. وإن كانت جملة "وهو خادعهم" هي جملة مفيدة لكنها جاءت
في نطاق المشاكلة. و"جزاء سيئة سيئة مثلها" لم تُسمَّ سيئة العقوبة إلا في مقابل السيئة التي صدرت منك، لكنها في... ذاتها ليست سيئة بل مطلوبة من كل عاقل من أجل درء مادة الفساد، "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين". المكر بمعنى التدبير الخفي، وكذا إلى آخره، هو منزه عنه، ولكن في هذا التعبير ما يُؤذِن بأن الجزاء من جنس العمل، ليس يُؤذِن بأن تُفرد اسماً لله سبحانه وتعالى باستقلال. وقد أورده مشاكلة، لا يجوز، لا يجوز لك هذا. فلا تقل إذن: "الخادع" أو "الماكر"
أو "المُمِل" أو "المال" أو ما شابه ذلك. لا تقل هذا الكلام، لأنها جاءت على سبيل المشاكلة، وهذه قاعدة: أن ما لم يرد من أسماء الله الحسنى أو من أسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى يُشترط فيها أن ترد المادة. نُمرةُ واحد: نُمرةُ اثنين إلَّا تُوهِمُ نَقصًا. نُمرةُ ثلاثة: إلَّا تُطلَقُ على سبيلِ الاسمِ بل الصِّفة، والاسمُ عَلَمٌ على الذاتِ، والصِّفةُ معنًى قائمٌ بالذاتِ. فلمَّا سَمَّينا صِفاتِ اللهِ أسماءً، وللهِ الأسماءُ الحُسنى: الرحمنُ والعَفُوُّ والمُنتَقِمُ إلى آخِرِه، سَمَّيناها كذلك لأنَّ الصِّفةَ قد بَلَغَتْ فيهِ سبحانَهُ وتعالى إلى مُنتَهاها
حتى أصبَحَ. إطلاقها دالاً عليه فأصبحت اسماً، لأن الاسم علامة على الذات، إذا ذُكر على الفور ينتقل ذهنك إلى صورة هذا الاسم. طيب، والصفات معنى قائم بالذات، هذا أبيض وهذا أحمر وهذا أسود وهذا طويل وهذا رفيع وهذا قصير. متى تصبح الصفة اسماً؟ إذا كانت تامة في المتصف بها. بحيث إذا ما أُطلقت انصرف الذهن إليه، ما الذي إذا أُطلق انصرف الذهن إليه؟ الاسم، ولذلك تسمى بأسماء الله الحسنى. الرحمن، أول ما أقول لك هكذا "الرحمن"، إلى أين سيذهب ذهنك؟
إلى الله. عندما أقول لك اسأل الرحيم، إلى أين يذهب ذهنك؟ أليس النبي رحيماً؟ انتبه! ألست أنت رحيماً بابنك؟ لكن... لا يذهب عقلك إلى ذلك لأن رحمته رحمة تامة، متى أُطلقت انصرف الذهن إليه سبحانه وتعالى، فكانت من قبيل الأسماء.