ما هو التراث الإسلامي؟ أ.د/ علي جمعة | أفيقوا يرحمكم الله |

تراثنا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لو كان على الله، بسم الله. ها من الذي يريد السؤال: ما هي الدراسة الإنسانية وكيف نتعامل معها؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هذه الكلمة نجدها في معاجم اللغة في مادة وريثا وعلى ذلك. فاصل، تلك التاء واو، والعرب على
هذا النحو تقلب الواو تاءً، فكان تراث وراث، والوراث بمعنى الموروث الذي ورثناه، ومنه علم المواريث الفرائض، ومثلها تجاه من وجاه من الوجه، ففيها إنك تضع وجهك هكذا، أي تتجه هكذا وهكذا، فإذاً عندما تبحث عن هذه الكلمة تردها إلى أصلها وتبحث في القواميس. أو المعاجم فلا تجد كلمة التراث
هكذا "ت ر ا ث" لا تجدها في ورثة، فيتكلم أثناء ما هو يتكلم في ورثة عن تراث. فالتراث الشيء الذي قد ورثناه من الماضي، والشيء هذا قد يكون محفوظاً مقدساً مثل القرآن الكريم ومثل سنة النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، وقد يكون محترماً مثل إنتاج الأئمة فهو ليس معصوماً وهو اجتهاد قابل للصواب والخطأ وقابل للمناقشة وللأخذ والرد، إلا أننا نحترمه لأنه صدر من الأتقياء الأنقياء العلماء
مثل سيدنا الإمام أبي حنيفة وسيدنا الإمام الشافعي والإمام مالك إمام أهل المدينة رضي الله تعالى عنه وسيدنا الإمام أحمد بن حنبل وأمثالهم وأمثال هؤلاء من الأئمة المجتهدين نتاجهم الفكري أيضاً يسمى تراثاً، وأيضاً التراث كلما جاءنا وتقادم في الزمان، فتقريباً نحن الآن نعد التراث كلما مضى عليه مائة عام، فكل ما كان من مائة عام أو يزيد نقول عنه تراثاً. فإنتاج سيدنا الشيخ البجرمي، حاشية البجرمي، والشيخ قليوبي، والشيخ عميرة، والشيخ
الباجوري، وهكذا. أيضاً من التراث إلا أنه من التراث القريب لأن الشيخ الباجوري توفي سنة ألف ومائتين وسبعة وسبعين هجرية، ونحن الآن في سنة ألف وأربع مائة وستة وثلاثين، فيكون قد مضى على وفاته مائة وخمسة وسبعون سنة تقريباً. هذا تراث، حاشية الباجوري تراث، لكنه تراث قريب، نعم، وكل ما كان بعد القرن الخامس بعد. الإمام الغزالي يُعد من التراث الأصيل، فالغزالي هو الحد بين السلف والخلف. فالإمام الباجوري يُعد ما كان قبل الخمسمائة. الغزالي توفي سنة خمسمائة وخمسة. كل ما كان قبل الإمام الغزالي
فهو من التراث الأصيل، وكل ما كان بعد الإمام الغزالي فهو من الخلف، وكل. الخير في اتباع من سلف والشر كله شر في ابتداع من خلف. الله الله في السلف الصالح، تُطلق ويُراد منها القرون الثلاثة الأولى: جيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. وتُطلق ويُراد منها ثلاثمائة سنة، ويكون حدها الإمام أبو الحسن الأشعري المتوفى سنة ثلاثمائة وثلاثين. ويكون المعنى الثالث خمسمائة سنة. ويكون حدها الإمام الغزالي رضي الله تعالى عن الجميع. إذاً فالتراث
منه مقدس ومنه محترم. أما المقدس فهو الكتاب والسنة وهي مصادر الشريعة وهي معصومة عن الخطأ إذا ثبتت. قرآننا هو في شك لا في قراءات شاذة، هو في قراءات متواترة. كم عدد المتواترة؟ عشرة، منهم ثلاثة مندرجة في السبعة. ثلاثة مندرجة في السبعة: أبو جعفر ويعقوب وخلف العاشر، فهؤلاء مندرجون في السبعة. فأحياناً نقول عشرة وأحياناً نقول سبعة، هي هي نفسها، لأن أبا جعفر هو نفس رواية قالون عن نافع، هي هي لا تختلف إلا في أربعة مواضع. وخلف هو راوٍ من رواة حمزة،
ويعقوب وهكذا، يعني مندرج بعضه، ولذلك. الإمام اجتهد عندما اختار سبعة، هل أنكر الثلاثة؟ لا، لأنها مندرجة تحت روايات السبعة. فبعضهم قال سبعة، وبعضهم قال عشرة، وهي هي هي هي مقدس. والشاذ يختلف فيه الأصوليون، فمنهم من يرده، ومنهم من يقيمه مقام الرواية، رواية الآحاد. وألف فيه ابن جني "المحتسب في القراءات الشاذة" فعد. نحو تسعين قراءة والقراءات الشاذة سندها ضعيف وكأنها خطأ، وجاءت
سكرة الموت بالحق. هذا يقول: "وجاءت سكرة الحق بالموت". قلب، خطأ. "عذابي أصيب به من أساء"، من أساء في حقيقة الآية؟ من أساء. لكن هذا يقول: "عذابي أصيب به من أساء"، هو المعنى صحيح لكن ليس فيه رواية هكذا، لا. لا ينال عهدي الظالمين، لا ينال عهدي الظالمون. ولكن لأن كل ما هو متلقيك فأنت متلقيه، معنى صحيح لكن "الظالمون" لم ترد. رواية ابن مسعود خطأ وقع فيه، زلة لسان، سبق اللسان، حفظ خطأ، وهكذا يعني. فنسمي القراءة الشاذة: "إنما يخشى الله
من عبادي العلماء"، قال: "إنما يخشى الله من عبادي". العلماء نعم فلا بد حينئذٍ أن نفسر الخشية بالاحترام، يعني أن الله يحترم أو يرفع شأن العلماء. الخشية هنا لا يمكن أن تكون الخوف، حاشا لله. نحن نخاف الله، الله مالك الملك، هكذا مقدس لا يمس. "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" كذلك "وما آتاكم الرسول فخذوه وما" نهاكم عنه فانتهوا قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وهكذا إذًا أيضًا السنة مقدسة لأنها من المعصوم وما ينطق عن الهوى إن هو إلا
وحي يوحى علمه شديد القوى اكتبوا عني فوالله لا أقول إلا حقًا عليه الصلاة والسلام وقال صلوا كما رأيتموني أصلي وقال خذوا عني مناسككم، إذاً فالكتاب والسنة مصادر الحق، مصادر التشريع، مصادر الهداية، هدى للمتقين، مصادر الخير، وهي من التراث لقول أبي هريرة: عليكم بتراث محمد، فذهبوا في المسجد فوجدوا الناس يقرؤون القرآن، يعني تراث محمد الذي هو ماذا؟ الذي هو القرآن، إلا أنه في العصر الحديث أطلقناه على جزءٌ فقط لم نُطلقه على الكتاب
والسنة لغةً. يصلح أن نقول تراث محمد: الكتاب والسنة، ولكن اصطلاحاً لا. خصَّصناه بالنتاج الفكري لعلماء المسلمين عبر القرون، سواءٌ كان في الشريعة أو في غير الشريعة من الأدب واللغة ومن العلوم الأخرى كالجغرافيا والكيمياء والسيمياء وكذا، كل هذا اسمه تراث، كل ما... كان قد ورثناه من النتاج الفكري لعلماء المسلمين وحواضرهم، وهذه الكلمة شاعت وذاعت من قِبَل الدكتور طه حسين. طه حسين هو الذي أذاع هذه الكلمة. طه حسين رحمه الله تعالى كان أزهرياً،
لكن روحه كانت وثّابة تريد أن تطّلع على العالم وتريد أن تفعل شيئاً، وهكذا فحدث عداء بينه. وبين المشايخ وسافر إلى أوروبا إلى فرنسا وتعلم هناك وأخذ الدكتوراة في ابن خلدون من السوربون وتزوج فرنسية كان اسمها سوزان وجاء مرة ثانية إلى مصر ولم يكن على الجهة المرضية لدى عموم العلماء إلا أنه لا زال يحب القرآن وكان يحفظ القرآن وكان لا يزال يحب العربية حتى أنه كان أحد أعضاء مجمع اللغة
العربية وكان يريد أن يخرج النتاج الفكري للمسلمين للناس، فلما تولى هذا الشأن وقد تولى وزيراً للمعارف وتولى عضواً لمجمع اللغة العربية وتولى عميداً لكلية آداب جامعة القاهرة وتولى هكذا شيئاً، أنشأ سلسلة تصدر عن دار الكتب المصرية فأسماها "تراثنا" وبدأت الكلمة تشيع فأخرج تفسير. القرطبي من سلسلة تراثنا، وأخرج صبح الأعشى للقلقشندي في صناعة الإنشاء، وأخرج
الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني أو الأصفهاني وجهاً، وأخرج هذه المطولات: نهاية الأرب في آداب العرب للنويري وهو من بلدنا النويري، وأخرج مطولات هذا التفسير القرطبي في عشرين مجلداً، وصور الطبعة الأميرية القديمة للسان العرب لابن منظور في عشرين. مجلد صبح الأعشى والأغاني وغيرها، أي مطولات أخرجها من تحت تراكمها ولم يتكلم عنها. وكما رأيت أنه أخرج أشياء في الأدب مثل كتاب الأغاني أو في التفسير الشرعيات أو مثلاً
في نهاية الأرب وهو كتاب جامع لفنون كثيرة إلى آخره. وأيضاً أخرج كتب المعتزلة من مكمنها وكانت كتب المعتزلة مهملة لما... هو معروف أن هذه الفرقة لم تكن على عقيدة أهل السنة والجماعة فلم يهتم العلماء بنشر كتبها وإشاعتها، وكذلك أُخرج من تراثنا أيضاً ما كان لا يُلتفت إليه إلا عند خاصة الخاصة، كالشفاء لابن سينا. في هذه السلسلة عشرون مجلداً، وقد جلسنا نطبع في الشفاء هذا أكثر من ثلاثين سنة. والشفاء كان يدرسه الشيخ محمد بخيت المطيعي، وكان يدرسه في يوم
الثلاثاء في بيته، يذهب إليه العلماء الخاصة ويقرأ الشفاء، لأن الشفاء يهتم بقضايا البرهان، والبرهان شيء عظيم يهتم بوحدة العلم، وهو ما ليس عليه الغرب الآن، لأن الغرب يهتم بكلية العلم وليس بوحدة العلم، فكان الشيخ بخيت حريصاً. على أن يقرأ الشفاء والأوراق للقطب الشيرازي حتى يكون العقلية التي تواجه هذا الخضم الهائل مما نحن فيه رحمهم الله تعالى، فهذه كلمة تراثنا بدأت وشاعت وذاعت من حينئذ
على النتاج الفكري للمسلمين عبر القرون من غير تقسيم لما قبل الخمسمائة أو بعد الخمسمائة أو قبل الثلاثمائة. أو بعد الثلاثمائة أو قبل العصور الثلاثة الخيرية أو بعدها إلى آخره، ولكنها عندما فعلت هذا أخرجت الكتاب والسنة من كلمة تراثنا، وإن كان يجوز أن نطلق عليها ذلك لغةً إلا أنه اصطلاحاً لا يجوز لأنها أصبحت هذه الكلمة خاصة بالنتاج الفكري، وحيث إن القرآن والسنة إنما هي من الوحي حتى سمى الشافعي نبي الله صاحب الوحيين: الوحي المتلو والوحي الذي هو يفسر القرآن والسنة. إلا أننا لا
نُدرج كلمة القرآن والسنة أو القرآن والسنة تحت كلمة تراثنا، لا، لا نفعل هذا لأنهما يختصان بالتراث. حاول بعضهم أن يلمحوا: لمَ لا تُدخلون القرآن والسنة في تراثنا؟ وهذه المحاولة... باتت بالفشل ولم يلتفت إليها أحد. لماذا؟ لأن عقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق. غير مخلوق يعني ماذا؟ أنه متجاوز الزمان والمكان، أنه قد خرج عن وقت نزوله فلم يرتبط به، وهؤلاء يريدون أن يرتبطوه به. فإذا كان القرآن قد ارتبط بزمنه فهو لزمنه إذاً.
كلام أهل السنة أن القرآن ليس بمخلوق كلام متين، الغرض منه أن يبقى القرآن خارجاً عن الزمان والمكان وإلى يوم الدين، والذي يقول بأن القرآن مخلوق يربطه بزمنه فلا يكون له أثر خارج زمنه لأن الزمن جزء من الحياة، فإذا كان كذلك والله أعلم بما هنالك فيكون في عقيدتهم. الكاسدة الفاسدة أن القرآن يختص بزمن دون زمن وأنه قد ذهب أوانه في حين أن أهل السنة والجماعة يقولون إنه صالح لكل زمان ومكان ولكل شخص وحال وأنه
لا يجب علينا أبداً أن نحصره في وقت نزوله أو أن نخرجه عن الحجية وكلامنا هذا لا يناقض ما ذهب إليه مثل الشاطبي وغيره من أننا لا نفهم كلام القرآن إلا بكلام العرب هذه قضية أخرى لا يلبس أحدهم عليك. نعم نفهمه بكلام العرب على عصر النزول، نعم نفهمه بكلام العرب على عصر النزول، إلا أنه ليس مندرجاً في الزمان، هو خارج الزمان، وأدوات الفهم إنما هي بلغة العربي وقت نزوله. فلو... أن كلمة "تطور" معناها فسرناها في القرآن بدلالة
تلك الكلمة في وقت النزول وليس في وقت التغيير، وبالرغم من ذلك إلا أنه مطلق، مطلق من ماذا؟ من الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، لأنه صالح للتطبيق حيث أنه العهد الأخير بين الله وبين البشر، فلا نبي بعده ولا رسول صلى الله عليه. وسلم فالقرآن هو العهد الأخير، إذن هناك العهد القديم التوراة والعهد الجديد الإنجيل والرسائل، ولكن هذا هو العهد الأخير، العهد الأخير خلاص.