ما هي الكيفية الصحيحة لطلب العلم؟ أ.د/ علي جمعة | أفيقوا يرحمكم الله |

نعم يا سلام، يقول الشافعي: "أخي، لن تنال العلم إلا بستة، سأنبئك عن تفصيلها ببيان: ذكاء وحرص واجتهاد وبُلغة وإرشاد أستاذ وطول زمان". ستة: ذكاء، والحمد لله متوفر، نعم ذكاء وحرص، والحرص معناه الاستمرار، فداوم للعلم مذاكرة، فحياة العلم مذاكرته. حرص يكون حريصاً على
الكتاب، وحريصاً على الدروس، وحريصاً على... الحفظ وحريص على التدريس والتأليف وحريص على الطلب، من غير هذا الحرص يضيع عليك خير كثير. وكان الإمام البخاري يقول عندما يسألونه عن حفظه، كان يقول: "بكثرة مداومة النظر إلى الكتب". دائماً ينظر إلى الكتب ويراجع، ولذلك كان يحفظ هذا الحفظ الغريب الذي أقرّ به القاصي والداني، واجتهاد كان الإمام. النووي كان يدرس اثني عشر علماً كل يوم، وكان يجهد
نفسه في ذلك. ولم يكن ينام على جنبه، بل كان ينام وهو جالس هكذا، ثم يستيقظ. لم ينم على جنبه لمدة سنتين. وكان يأكل مما تصنعه أمه من خبز وفطير، فيذهب إلى نوى ويأتي بها ليتزود بها أربعين يوماً، وكان يصوم. الدهر وحرر المذهب تهذيب الأسماء واللغات وشرحه على مسلم والمجموع والروضة والمنهاج شيء عجيب. وكان رضي الله تعالى عنه نحيفاً جداً مثل القلم الرصاص، حتى أن أحدهم كان يأتي ليرى الإمام النووي، فيظن أنه في
هيئةٍ عظيمة هكذا، فيقول: "أين الإمام النووي؟"، فيقول هذا مشيراً إلى من. بجانبه فيذهب إلى من بجانبه ما هم صدق أن هذا الإمام حتى قال شاعرنا: وجدت خيراً يا نووي، ووقيت من ألم الفراق، فلقد نشأ بك عالم لله أخلص ما نوى، وعلى علو مكانته وفضله فضل الحبوب على النوى. فالإمام النووي عاش قليلاً وأعطى كثيراً، مات وعمره خمسة وأربعون سنة وملأ الأرض. علماً وتدقيقاً وتحقيقاً وترقيقاً وتنميقاً وتزويقاً، خمسة كما قال الإمام الباجوري هكذا أنه
هناك التدقيق والتحقيق، فالتدقيق فالترقيق فالتنميق فالتزويق. العبارة هكذا جميلة مزوقة. فالإمام النووي رضي الله تعالى عنه ألّف كثيراً وأعطى كثيراً، وهو ممن آثر العزوبة على الزواج من أجل العلم، يعني هو من العلماء الذين لم يتزوجوا. سؤال: نحن ذكرنا السؤال، ما كان السؤال؟ كيفية طلب العلم بهذا الشكل ذكاءً وحرصاً واجتهاداً. وبلغة أخرى، هو التفرغ، لا بد من منحة من منح الدراسة تتفرغ فيها، وإلا فليس هناك طلب للعلم. أعط للعلم كل وقتك
يعطك بعضه. بلغة أخرى، البلغة هي التفرغ. والبلغة هي ما تتبلغ به إلى المعاش من الأكل والشرب. واللباس والعلاج وما إلى ذلك، المسألة ذكاء وحرص واجتهاد وتبليغ وإرشاد أستاذ. لا بد من المشايخ، لا تنفع القراءة من الكتب وحدها، لا بد أن يكون هناك شيخ. نحن لدينا الطالب والكتاب والمنهج والشيخ، ولابد من وقت طويل، فلا تتعجل. الشباب الناشئون حديثاً يأتي إليك ويقول لك: تعال أنا سأجعلك عالماً في شهر، نعم، ستعرف أنه... إبليس على طول الشهر يقول لك: "أنا قرأت المغني لابن قدامة في أربعين يوماً"، طيب أنا منذ
أربعين سنة لم أُنهِ المجلد الأول. يقول لي: "طيب ماذا أفعل لك إذا كنت أنت غبياً؟". حسناً، لا بأس، لكنني أقول لك إنك رجل ضال. وهو ما لا يُقرأ هكذا، والذي أنت فيه هذا ليس علماً وإنما هو جهل. هذا هو الحاصل الذي بنا، ماذا سنفعل؟ فصبرٌ جميلٌ والله المستعان. إذا كانت أركان العلم خمسة: الطالب، والأستاذ، والمنهج، والكتاب، والجو العلمي الذي هو طوال الزمان تذاكر مع إخوانك وتسقط وتنجح وتحضر وتمرض وتصح. جوٌّ كهذا، العلم ذكاء.
وحرصٌ واجتهادٌ وبلاغةٌ وإرشادٌ أستاذٍ وطوال زمانٍ، بذلك يكون هناك علمٌ صحيح. العلم يحتاج إلى تأصيلٍ ثم إلى علومٍ مساعدةٍ للفهم ثم إلى تخصصٍ بعد ذلك. فالإمام ابن حجر العسقلاني يعني مال إلى الحديث، هو كان فقيهاً وكان لغوياً وقرأ على الفيروز آبادي، الفيروز آبادي وما أدراك ما الفيروز آبادي. الفيروزابادي صاحب القاموس المحيط والقاموس الوسيط فيما ذهب من لغة العرب شماطيط، قد جمع الفيروزابادي أربعين ألف مادة. فلو علمت أن القرآن والسنة كلها فيها ثلاثة آلاف وست مئة مادة، ستدرك أن ذلك يمثل عشرة في المئة فقط من
لغة العرب. وقد ألف الفيروزابادي كتاباً سماه "الروض المألوف فيما له". في لغة العرب أسماء تصل إلى الآلاف، وقد جُمِع فيها نحو سبعمائة اسم للأسد، والبحر والخمر نحو تسعين اسماً للخمر في لغة العرب، جُمِع فيها ما تعدد. وكل فاكهة فإن لها في لغة العرب اسمان فأكثر، كل فاكهة هكذا، أي فاكهة لها اسمان أو أكثر، ليس هناك فاكهة لها اسم واحد وكانت. العرب إذا أحبوا شيئاً أكثروا من أسمائه، ولذلك تجد على هذه القاعدة أسماء الله الحسنى. إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً،
من أحصاها دخل الجنة. في القرآن أكثر من مائة وخمسين اسماً.