ما هي ضوابط استخدام بطاقة الائتمان (الكريديت كارد) في الإسلام؟ | أ.د. علي جمعة

يسأل سائل فيقول: هل هناك محظور شرعي في فترة السماح التي تقدمها بطاقة الائتمان نظيراً مقابل هذه العقود الجديدة؟ وهل يجوز أن ننشئ عقوداً جديدة في الإسلام؟ فإن الفقه الموروث أصول عقوده نحو خمس وعشرين، فهل يجوز أن ننشئ ستة وعشرين أو سبعة وعشرين أو ثلاثين؟ في الفقه الموروث توجهان: توجه أن... نعم يجوز إنشاء عقود لأن العقود إنما هي لمصالح الناس ولتسيير
حياتهم، ولذلك ننشئ عقداً بحيث يكون هناك توازن بين الطرفين، وأن يحقق ذلك العقد مصالح الطرفين، وألا يشتمل على تدليس ولا غش، وأن يشتمل على فائدة بحيث ألا تضر الغير، وهكذا شروط، فإذا توافرت هذه الشروط في العقد جاز ولو لم يكن مسمى. مشكلة الفقه المعاصر أن بعضهم أراد أن يدرج كل عقد جديد تحت مسمى قديم، فتكلف لذلك تكلفاً بعيداً. مرة ينجح
في هذا فتخرج أحكام تضحك منها الثكلى، وتسقط منها الحبلى، ويشيب منها الأقرع. يعني مخالفة لمقاصد الشريعة ولمصالح الناس ولواقع الخلق، فأصبح هذا ليس... كافيًا وليس حلالًا، حتى ذهب بعضهم إلى حرمة التعامل بالورق النقدي وإلى بطلان عقود الزواج في عصرنا هذا إلا أن تكون على ذهب ماضٍ حاضر سائل. كل هذه الترهات تجعله خارج الزمان وخارج المكان وخارج التفكير الفقهي. هو
يغرد وحده، يريد أن يسحب الماضي على الحاضر دون أن يدرك الواقع. ولا أن يدرك المآل ولا أن يدرك المصالح ولا أن يدرك المقاصد، إذاً هذا كأبي جهل لأنه ضال مضل كما وصفه الإمام القرافي في الأحكام. قال على من يفعل هذا: "فهو ضال مضل". ضيقوا على الناس وأفتوا بغير علم وتمسكوا وصمموا على أن الأحوال كلها واحدة، والأحوال تختلف. نص الإمام. الشافعي على قصور علة الربا في الأم أصبحوا هم يذهبون
ويقيسون الأوراق النقدية على الذهب وعلى الفضة، والشريعة جاءت بتحريم الربا قطعاً إلا أنها جعلته في محل الذهب والفضة كعلة قاصرة لا تتعداها إلى غيره. فلما انفصل هذا الورق النقدي الذي سُمي نقداً من تراجم الأجانب، والنقد عند المسلمين الذهب والفضة. فقط وغيرها يُسمى بالفلوس جمع فلس، تغيرت الأحكام. وكان الفرق بين بعض الفقه المعاصر والأئمة العظام أن عقلية الإمام العظيم عقلية فارقة تفرق بين الأشياء،
وتفرق بين الأحداث، وتفرق بين الأشخاص، وتفرق بين الزمان والمكان، وتفرق في أحوال دون أحوال. كانت عقلية واعية، وكان هناك قلوب ضارعة متعلقة بالله سبحانه. وتعالى فتح عليها فتوح العارفين به، ولذلك نوَّر الله طريقهم وأفادوا الناس وملؤوا الأرض هدايةً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً. أما هذا القصور وهذا التخلف وهذا الجهل الذي يعاند فيه هذا الإنسان ويثير أسئلة كلها من جهالة إدراك الواقع، فلا
يُرضي الله سبحانه وتعالى. فإذا تقرر هذا عرفنا أن هذا ليس محلاً للربا وأن هذه عقود جديدة وأنها تفيد الطرفين وأن كلاهما راضٍ عن ذلك بما يعني أن هذه الفترة فترة السماح في مقابل أو غير مقابل أنها جائزة لأن المسلمين عند شروطهم، وقس على هذا ليس هذا فقط بل كل ما جدَّ في أسواق الأموال وفي الأسواق العالمية. وفي البورصات يقول ربنا: "وأعدوا لهم ما
استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". أمرنا أن نصنع السلاح حتى يخافنا العدو تقليلاً للحرب وللدماء، فالهدف حماية الإنسان. ولكن هذا الإنسان في عناده وفي تصميمه لا بد أن يخاف "ترهبون به عدو الله وعدوكم" حتى يمتنع عن. شيءٌ من الفساد لأنَّ الإنسان بُنيان الرب، كما أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني عن رسول الله: "ملعونٌ من هدم". فأنا لا بدَّ لي أن أصنع السلاح وأن
أستقل بذلك. كيف تصنع السلاح؟ لا بدَّ من الحديد. صناعة الحديد صناعة غير مربحة، صناعة ثقيلة لأنها لا تكفي وحدها، إنما لا بدَّ من صناعات تتلوها تستغل هذا الحديد في البناء وكيف يكون ذلك بشركات كبيرة ضخمة تحتاج إلى رؤوس أموال لا يطيقها الفرد، ولذلك فالإعداد للقوة إذا أردت مرتبط بشركات، والشركات مرتبطة بسوق المال لتدبير هذا التمويل الذي تستطيع فيه لا أن تصنع سيفاً وخنجراً، بل
أن تصنع دبابة وطائرة إذا نحن. في عصر غير العصر لكن المبادئ واحدة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". عندما لم نفعل هذا وقام بعضنا يحرم الشركات المساهمة لأنها ليست من صيغ العقود الموروثة، ولم يدرك العصر ولم يدرك المآل ولم يدرك المصلحة ولم يدرك المقصد الشرعي من... حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال، تخلفنا وأمسك بصناعة السلاح غيرنا، وأصبحنا في حالة ثانية لا في حالة أولى. فإذا
حرمنا هذا وذاك ولم نعِ ما نحن فيه، لم نستطع أن ننفذ مراد الله سبحانه وتعالى. لم يستوعب الإرهابيون هذه المفاصلة وأن هذا عمل دول ومؤسسات وشركات عابرة للقارات، فاحتاروا. ولأنهم لم يحضروا عندنا في الأزهر ولم يتعلموا لا قليلاً ولا كثيراً تولوا هم القتال والدفاع، وما دمنا قد ظُلمنا في مكان فلا بد أن ننتقم من مكان آخر على حد قول الجاهلي: "خذ ثأرك من جارك" وليس ممن ظلمك، حتى
نزل القرآن فنبهنا أن لا، وأن هذا ظلمٌ لا يجوز. ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. الظلم ظلماتٌ يوم القيامة. إن الله يستجيب للمظلوم ولو كان كافراً. علمنا أن أخذ الثأر من الجار وليس من أهل العدوان ممنوعٌ في خلق الإنسان القويم مما يرضي الله سبحانه وتعالى هذا له. علاقة بالإجابة لأن هذا معناه أننا نسعى إلى عدم إفساد الأرض بكل وسيلة، ولكن بالتتابع وحتى نُعِدّ، وهذا
الإعداد بالجماعة، بالمجموع، بالدول، وليس بالأفراد التي تكون هذه المسخرة من إرهاب ومن إراقة دماء. فلأنهم لم يسيروا في أنوار طريق الله، اختلط عليهم الأمر وظنوا الخير شراً وظنوا الشر خيراً ورسول. الله ينبهنا إلى هذا في حديثه، يقول: "كيف، وأشر من ذلك سيكون؟". "أرأيت لو أنهم أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف؟". قال: "أوكائن ذلك يا رسول الله؟". وفي حديث المغيرة بن شعبة يقول: "أومعهم عقولهم يومئذ يا
رسول الله؟". قال: "يسلب الله عقول أهل هذا الزمان". إذا وارد أن... العقل الجمعي يسلب حتى نرى خلافاً فيما لا خلاف فيه، ويقوم هذه العصابات بمقام الدول، ولا يعرف أحدهم كيف يفرق بين هذا وذاك، فتراق الدماء في الأرض الزكية. كل هذا لأننا قلبنا الهرم، جعلنا أعلى الهرم فوق، جعلنا قاعدة الهرم فوق وقمة الهرم تحت، فينهدم الهرم على رؤوسهم أول شيء. يواجهك في القرآن بسم الله الرحمن
الرحيم، اقرأ القرآن من خلال هذا لأنه كان قادراً أن يقول بسم الله المنتقم الجبار أو بسم الله الرحمن المنتقم. إذاً فهذه عقود جديدة خالية من الربا تحقق مصالح أطرافها، تتواءم مع السرعة المطلوبة في عصرنا بعد تغير الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة وفي حكمة. آل داود فيما أخرجه ابن حبان أن يكون المؤمن مدركاً لشأنه عالماً بزمانه، لكن لما غاب علينا إدراك الزمان وغاب علينا إدراك حالنا مما نحن فيه من ضعف
وهوان، أفتى من أفتى بجهالة بما لم يتقن ولم يفرق بين المعاني والأشياء.