مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 1 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر الأمة المحمدية المصطفوية الإسلامية بأن الله سبحانه وتعالى يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها، وهو
حديث. صحيح أخرجه أبو داود في سننه وتلقاه الناس بالقبول. وهذا الحديث يبين أن الإسلام أرسله الله الكلمة الأخيرة للعالمين، أرسله الله لكل زمان ولكل مكان ولكل الناس، فهو نسق مفتوح، لم يرسل إلى العرب فقط، بل أرسل إلى كل العالم. فالستة مليار مطالبون بالإسلام، ويجب علينا أن نعرض عليهم الإسلام. عرضاً حسناً فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولكن كلمة الله سبحانه وتعالى ينبغي أن تكون على ما تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن هنا جاء مفهوم
التجديد، إننا نريد أن نجدد عرض الإسلام وليس الأحكام ولا العقائد، وإنما عرض الإسلام بلغة تتناسب مع الناس يفهمها الخلق. لأن هنا لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ما على الرسول إلا البلاغ وما أرسلناك عليهم حفيظا لست عليهم بمصيطر وهكذا في آيات متكاثرة تبين أنه ما على الرسول إلا البلاغ بلغ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء فضل العلماء عبر القرون يقدمون الإسلام بلغة عصرهم بما يتوافق مع عقول ناسهم فدخل الناس في دين الله أفواجًا عبر العصور، ومن
هذا أن في العصر الأول ظهر الإمام عمر بن عبد العزيز ومات في سنة مائة وواحد من الهجرة النبوية، وبعد ذلك ظهر الإمام الشافعي فأصَّل لأصول الفقه على ما كان في عقل الصحابة. الكرام وألّف كتابه الماتع "الرسالة" أسس فيه كيف تفهم القرآن والسنة، وتوفي على رأس مائتين وأربعة من الهجرة. ثم بعد ذلك جاء الإمام أبو الحسن الأشعري فقعّد القواعد التي كانت في عقول الصحابة وعرضها على العالمين، وألّف كتاباً ماتعاً أسماه وهو صغير "استحسان الخوض في علم الكلام" بيّن فيه. أنه يقدر أن يرد على أرسطو
وعلى أفكار الشرق والغرب وأن الإسلام يجيب على كل سؤال وعرض الإمام رضي الله تعالى عنه عقائد أهل السنة والجماعة فاتبعته الأمة كما اتبعت الإمام الشافعي وكما جعلت عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس ومات سنة ثلاثمائة وعشرين أو ثلاثة وثلاثين أو أربعة وعشرين. قيل وقيل، طيب، ثم بعد ذلك جاء أبو الحسن الأشعري في أربعمائة. قالوا إن ابن فورك وكان أشعرياً قد حرر المذهب وعرضه. وفي سنة خمسمائة وخمس توفي الإمام أبو حامد الغزالي وهو محمد بن محمد بن محمد بن محمد الغزالي، وقد توفي سنة خمسمائة وخمسة
فعدوه. مجدداً لهذا القرن عاش من أربعمائة وخمسين إلى خمسمائة وخمسة، وكان تلميذاً للجويني، وألّف كتاباً ماتعاً أشار فيه إلى هذا الحديث، واسم الكتاب "الإحياء". انظر إلى الكلمة "إحياء" تعني تجديداً وعرضاً جديداً، لم يأتِ فيه بشيء مخالف، وإنما أتى فيه بشيء أعاد للعبادة روحها، وأعاد للإسلام إحسانه، وأعاد. للسلوك أخلاقه وأعاد للإنسان نفسه، وهي الأمور التي يدعو إليها الله ورسوله عبر الأديان وختامها الإسلام. فأحيا بذلك
علوم الدين، أي صحّاها، أي أقامها. ونريد أن نلقي طرفاً من هذا الكتاب الكريم. عندما يظهر المجدد تظهر أمامه شياطين الجن والإنس، لا يريدون تجديداً ولا يريدون إحياءً ولا يريدون دفعاً ولا. يريدون روحاً جديدة وثابة، ولا يريدون إلا أن يقدحوا في أمرين: في المصادر من جهة، وفي العلماء من جهة أخرى. وربنا قال: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". فتصدر للتدريس كل مهووس بليد تسمى بالفقيه المدرسي، فحق لأهل العلم
أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس: "لقد هزلت". حتى بدا من هزالها كلاها وسامها كل مفلس. هذا أمر مستمر في كل العصور وليس خاصاً بعصرنا، بل هو في كل العصور. أهل العلم يقومون ويبلغون العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه بعد أن درسوا وبعد أن أفنوا حياتهم في ذلك، وأهل الجهل يتصدرون لهم ويريدون. أن يتصدروا من غير أن يتعلموا وأن يتكلموا من غير أن يعلموا فيهرفون بما لا يعرفون، ويؤدي هذا إلى فتنة شديدة عمياء صماء بكماء؛ لأن الناس، بعض الناس، تصدقهم فيحدث
من ذلك بلبلة في دين الله. ولو أنهم وقفوا مع أنفسهم لاعتزلوا هذا الجانب وصاروا - ما داموا لا يعرفون. فلا تتحدث بما لا تعرف، ولذلك نقرأ كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي الذي سُمّي بحجة الإسلام لأنه جمع بين العقل والنقل، وجمع بين الفقه والتصوف والأخلاق الكريمة ودرجة الإحسان، وجمع بين العمل والسلوك وبين الصواب الذي أخذه وقيّده بكتاب الله وبسنة رسوله، والطريق إلى الله سبحانه وتعالى قد سُدّ إلا... من كتاب الله ومن
سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال سيد الطائفة: "طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة". نقرأ إحياء علوم الدين عسى الله سبحانه وتعالى أن يحيي قلوبنا، وبعد ذلك جاء المرتضى الزبيدي هناك في القرن الثالث عشر. مرتضى الزبيدي توفي سنة ألف ومائتين وخمسة هجرياً قبل دخول الحملة. الفرنسية وأراد هو وتلاميذ الشيخ عبد القادر البغدادي أن يُحدثوا نهضة في الأمة الإسلامية، فالشيخ عبد القادر البغدادي اهتم باللغة وقال إن اللغة السليمة تؤدي إلى الفكر المستقيم، فاللغة والفكر وجهان لعملة واحدة، ولذلك اهتم
باللغة وألَّف كتباً منها "خزانة الأدب ولب لسان العرب" شرح فيه الشواهد وتعمق فيها حتى تصير العربية ملكة، فإذا صارت عندك العربية ملكة استقام فكرك واستطعت أن تفكر تفكيراً صحيحاً. تلامذته مع الشيخ مرتضى الزبيدي قالوا: نضيف إلى اللغة الأخلاق والسلوك، ونضيف إلى ذلك التوثيق. ما الكتاب الذي إذا خدمناه وقرأناه فعلنا الأخلاق والتوثيق؟ توثيق الأحاديث وبيان درجتها ومعرفتها. إحياء علوم الدين، فشرح في... نحو أربعين مجلداً، وهذا الشرح
مطبوع في عشر مجلدات ضخمة، لو طُبعت الآن بالطريقة الحديثة لأصبحت أربعين. وقد شرح القاموس المحيط والقاموس الوسيط فيما تفرق من لغة العرب في كتاب أسماه "تاج العروس في شرح القاموس" في أربعين مجلداً أيضاً، فيكون شرح الإحياء أربعين وشرح القاموس أربعين - شرح الإحياء. سماه "إتحاف السادة المتقين". يمدح القارئ: "أنت ستقرأ إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للمرتضى الزبيدي الذي توفي سنة ألف ومائتين وخمسة، أي بعد الإمام الغزالي بسبع مائة سنة". نقرأ إحياء علوم الدين الذي جمع فيه، رضي الله تعالى عنه،
أسس العبادات والمعاملات والمنجيات والمهلكات، فأدى ذلك إلى... تخلية القلب من كل قبيح وتحلية القلب بكل صحيح فلنتكلم حتى نصل العمل بالعلم بالتقوى حتى ننشئ الإنسان السوي، إنسان الحضارة الذي يعبد الله وحده والذي يعمر الأرض والذي يزكي النفس. ولنرَ ماذا يقول الإمام الغزالي وكأنه قد ألف الكتاب الآن، وعلينا ونحن نقرأ أن نحول هذه القراءة إلى عمل. وأن نحول هذه القراءة إلى عرض للإسلام بأسلوب عصرنا وبعقل الناس
المعاصرين، فإننا يجب أن نخاطب الناس على قدر عقولهم حتى تصل إليهم المعاني وتكون للغة فائدة، وإلا فإذا تكلمت ولم تفهمني فإن كلامي ذهب سدى. الشيخ محمد يقرأ لنا كما كنا نفعل في الحوزة القديمة، قائلاً: "يا عبد"، الشيخ محمد: "بسم..." بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن محمد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين آمين. بسم الله الرحمن الرحيم، أحمد الله أولاً حمداً كثيراً متوالياً. وإن كان يتضاءل دون حق جلاله حمد الحامدين،
وأصلي وأسلم على رسله ثانياً صلاةً تغرق مع سيد البشر سائر المرسلين، وأستخيره تعالى ثالثاً بما بعث له عزمي من تحرير كتاب في إحياء علوم الدين، وأن تتوقف عن تعجبك رابعاً أيها العاذل المتغالي في العذل من بين زمرة الجاحدين المسرف في. التقريع والإنكار من بين طبقات المنكرين الغافلين، دائماً هناك من أنكر عليه أن يؤلف الكتاب، وهناك العاذل - والعاذل بالدال أخت الذال - معناه اللائم. ما هذا الكتاب؟ نحن لا ينقصنا الكتب! ها هو موجود! رجل توفي سنة خمسمائة
وخمسة، ونحن في سنة ألف وأربعمائة واثنين وثلاثين، يعني منذ تسعمائة سنة تقريباً. ما هي الدنيا إلا تلاهٍ مليئة بالملاهي، تركوها كما هي مثلما هي، فلا تتعجب وتقول: "الله! هذا فساد في بلادنا نحن فقط أو في وقتنا فقط". لا أبداً، لكن كانوا قديماً قليلين، كانوا في الزمن الماضي قليلين. فعندما كتب الشيخ هكذا، ذهب كل الناس معه. أما اليوم فقد جعلتهم التلفزيونات كالقطار، ولذلك يا له من أمر. إننا نشيع الثقافة النبوية المصطفوية حتى تكون وقاية لنا. نعم، فلقد حُلَّت عن لساني عهدة الصمت وطوقني عهدة الكلام وقلادة النطق. ما أنت مثابر عليه من العمى عن جلية الحق مثل ما يحدث الآن، إذ يُضايقون العلماء
فلا يتكلم العلماء، وبعدها يزداد الفساد، لأن العلماء عندما لا يتكلمون يزداد الفساد. الفساد في العلماء ينزل مرة أخرى. والله لقد أكثرتم منها يا أخي، ليس هكذا، أنتم تسيرون بشكل خاطئ. فانظر كيف من حكمته سكت. يقول الشافعي: "لو جادلني جاهل لغلبني من شدة جهله"، ولكن عندما تتفاقم الأمور وتتجاوز حدها، يتدخل العلماء لكي نرى عورات الجهل التي عليها
هؤلاء وهشاشة الدين التي عليها هؤلاء. نعم. إذا هناك منهجان: منهج خاطئ ومنهج صائب. المنهج الخاطئ أنه يذهب ليبحث عن ظواهر النصوص ليتبعها. أما المنهج الصائب فهو أن يذهب إلى مناهج هذه الألفاظ ومعانيها من أجل أن يفهمها، من أجل أن يكون ذلك هو مقتضى العلم. المصيبة هي التي نحن فيها، اختزال الدين في تقصير الثياب أو... في السواك، السواك من
الدين واللحية من الدين، لكن الإسلام لم يُختزَل في هذا. إن الإسلام أكبر من ذلك بكثير، إنه منهج حياة. هذه العلة قديمة، بقيت العلة قديمة. فضل عمر يأس من تمام التلافي والجبر، وانحيازاً عن غمار من قال فيهم صاحب الشرع صلوات الله عليه الصلاة والسلام أشد. الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله سبحانه بعلمه. ولعمري إنه لا سبب لإصرارك على التكبر إلا الداء الذي عم الجم الغفير، بل شمل الجماهير من القصور
عن ملاحظة ذروة هذا الأمر، والجهل بأن الأمر إذ والخطب جد، والآخرة مقبلة والدنيا مدبرة، والأجل قريب والسفر بعيد، والزاد طفيف والخطر. عظيم والطريق مسدود، وما سوى الخالص لوجه الله من العلم والعمل عند الناقد البصير مردود، وما سوى الخالص لوجه الله من العلم والعمل عند الناقد البصير مردود. وسلوك طريق الآخرة مع كثرة الغوائل من غير دليل ولا رفيق متعب ومكد، والله أعلم. إذ الإخلاص والصواب كما يقول الفضيل بن عياض.
كأس