مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 12 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 12 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين، وفي الإحياء ذكرنا حديثا طويلا عن معاذ ومن ملامح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسلم. إن
غالبيتها كانت في الأحاديث القصيرة ولكن هناك أحاديث طويلة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفردها بعضهم بالجمع والتأليف وهي الأحاديث الطويلة فنجد الحديث ونجد فيه طوله ونجد فيه أيضا من غريب اللغة العربية ما جعل الشراح يشرحون ويهتمون به لكن هذا هو الأقل ولا بد فيه من وإلا فإن السمة الغالبة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن فيها غرابة ولا وحشية في الكلام وخشونته ولا
طول فكلما طال الحديث جدا كان ذلك يخرجه من سنن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن هناك أحاديث طويلة بالفعل جمعت ولكنها صحيحة الإسناد أو تشتمل على غريب احتاج الناس إلى فكه، تفضل قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى بالشواهد العقلية: اعلم أن المطلوب من هذا الباب معرفة فضيلة العلم ونفاسته، وما لم تفهم الفضيلة في نفسها ولم يتحقق المراد منها لم يمكن أن تعلم وجودها صفة للعلم أو لغيره. من الخصال فلقد ضل عن الطريق من طمع
أن يعرف أن زيدا حكيم أم لا وهو بعد لم يفهم معنى الحكمة وحقيقتها فاقد الشيء لا يعطيه أنت ذاهب لتقايس وترى هذا عالم أم لا وأنت لست بعالم طيب فكيف ستعرف أنت ليس معك المسطرة التي تقيس بها أنت تريد تقيس قطعة قماش، فإن لم يكن معك المتر فماذا ستفعل؟ ألا تذهب أولا لتحضر المتر؟ ولذلك قالوا هنا: فاقد الشيء لا يعطيه. نعم، والفضيلة مأخوذة من الفضل وهو الزيادة، فإذا تشارك شيئان في أمر واختص أحدهما بمزيد يقال فَضَلَه وله الفضل عليه، مهما كانت زيادته فيما هو كمال ذلك الشيء. كما يقال: الفرس أفضل من الحمار
بمعنى أنه يشاركه في قوة الحمل ويزيد عليه بقوة الكر والفر وشدة الجري وحسن الشكل، فلو فرض حمار اختص بعضو زائد لم يقل إنه أفضل لأن تلك زيادة في الجسم ونقصان في المعنى وليست من الكمال في شيء، والحيوان مطلوب لمعناه وصفاته لا لجسمه. فإذا فهمت هذا لم يخف عليك أن العلم فضيلة إن أخذته بالإضافة إلى سائر الأوصاف، كما أن للفرس فضيلة إن أخذته بالإضافة إلى سائر الحيوانات، بل شدة العدو فضيلة في الفرس وليست فضيلة على الإطلاق، والعلم فضيلة في ذاته وعلى الإطلاق من غير إضافة، فإنه وصف كمال الله سبحانه وبه شرف الملائكة
والأنبياء، بل الذكي من الخيل خير من الغبي، فهي فضيلة على الإطلاق من غير إضافة. واعلم أن الشيء النفيس المرغوب فيه ينقسم إلى ما يطلب لغيره وإلى ما يطلب لذاته وإلى ما يطلب لغيره ولذاته جميعا، فما يطلب لذاته أشرف وأفضل مما يطلب لغيره، والمطلوب لغيره الدراهم والدنانير. فإنهما حجران لا منفعة لهما، ولولا أن الله سبحانه وتعالى يسر قضاء الحاجات بهما لكانا والحصباء بمنزلة واحدة. والذي يطلب لذاته فالسعادة في الآخرة ولذة النظر لوجه الله تعالى، والذي يطلب
لذاته ولغيره فكسلامة البدن، فإن سلامة الرجل مثلا مطلوبة من حيث أنها سلامة للبدن عن الألم ومطلوبة للمشي. بها والتوصل إلى المآرب والحاجات يبقى إذا سمى الذهب والفضة حجارة لأنها تأتي من الحجارة لأن الذهب عبارة عن حجارة موجودة في صورة أعمدة تؤخذ من الأرض وعلى ذلك يمكن أن نسمي الحديد والنحاس والكوبلت وكذلك حجارة لأنها آتية من الحجارة وعندما ترى الحديد في خامته قبل دخول الفرن تجد أنها حجارة حمراء ولذلك سميت الذهب والفضة حجارة لأنها كانت ملقاة في وسط الطين وفي وسط ذلك يقال أن بحيرة
ناصر الآن مملوءة بالذهب حيث ترسب الذهب من الطمي فامتلأت الآن بالذهب ويريدون استخراج هذا الذهب حتى تغتني البلاد والعباد والله سبحانه وتعالى يفتح عليها إن شاء الله فهذا تسمية الذهب والفضة بالحجر هو موجود في الطين وموجود في المناجم فكله حجر نعم، وبهذا الاعتبار إذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذا في نفسه فيكون مطلوبا لذاته، ووجدته وسيلة إلى دار الآخرة وسعادتها وذريعة إلى القرب من الله تعالى ولا يتوصل إليه إلا به، وأعظم الأشياء رتبة في حق الإنسان. السعادة الأبدية وأفضل الأشياء ما
هو وسيلة إليها ولن يتوصل إليها إلا بالعلم والعمل ولا يتوصل إلى العمل إلا بالعلم بكيفية العمل فأصل السعادة في الدنيا والآخرة هو العلم فهو إذن أفضل الأعمال إن هذا الكلام يكتب بالذهب للمسلمين أليس هذا في سنة خمسمائة وخمس هجرية انظر إلى هذا الكلام يقول لك إن الحكاية كلها العلم، فما زلنا نقول الآن هكذا إن الحكاية كلها العلم، نقولها من قلوبنا، نقولها لما تورطنا في الورطة التي نحن فيها الآن من قلة العلم، هو فعلا ما من شيء إلا العلم، هو الذي سينقذنا، العلم هو الذي سيجعل لنا قيمة، العلم هو الذي سيفهمنا العلم فلما ضاع وضيعوا معالمه ضاعت
الأمة نعم وقد تعرف فضيلة الشيء أيضا بشرف ثمرته وقد عرفت أن ثمرة العلم القرب من رب العالمين والالتحاق بأفق الملائكة ومقارنة الملأ الأعلى هذا في الآخرة وأما في الدنيا فالعز والوقار ونفوذ الحكم على الملوك ولزوم الاحترام في الطباع حتى إن أغبياء الترك وأجلاف العرب يصادفون طباعهم مجبولة على التوقير لشيوخهم لاختصاصهم بمزيد علم مستفاد من التجربة، بل البهيمة بطبعها توقر الإنسان لشعورها بتمييز الإنسان بكمال مجاوز لدرجتها. هذه فضيلة العلم مطلقا، يعني حتى البهائم فهمت. ثم تختلف
العلوم كما سيأتي بيانه وتتفاوت لا محالة فضائلها بتفاوتها. وأما فضيلة التعليم والتعلم فظاهر مما ذكرناه أن العلم إذا كان أفضل الأمور كان تعلمه طلبا للأفضل وكان تعليمه إفادة بالأفضل وبيانه أن مقاصد الخلق مجموعة في الدين والدنيا ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا فإن الدنيا مزرعة الآخرة وهي الآلة الموصلة إلى الله عز وجل لمن اتخذها آلة ومنزلا لا لمن يتخذها مستقرا ووطنا وليس ينتظم أمر الدنيا إلا بأعمال الآدميين وأعمالهم وحرفهم وصناعاتهم تنحصر في ثلاثة أقسام أحدها
أصول لا قوام للعالم دونها وهي أربعة الزراعة وهي للمطعم والحياكة وهي للملبس والبناء وهو للمسكن والسياسة وهي للتأليف والاجتماع والتعاون على أسباب المعيشة وضبط هذه الأصول الأربعة نعم الثاني ما هو مهيئة لكل واحدة من هذه الصناعات وخادمة لها كالحدادة فإنها تخدم الزراعة وجملة من الصناعات بإعداد آلاتها كالحلاجة والغزل فإنها تخدم الحياكة بإعداد عملها الثالث ما هي متممة للأصول ومزينة كالطحن والخبز للزراعة، وكالقصارة
للحياكة، وذلك بالإضافة إلى قوام أمر العالم الأرضي مثل أجزاء الشخص بالإضافة إلى جملته، فإنها ثلاثة أضرب أيضا: إما أصول كالقلب والكبد والدماغ، وإما خادمة لها كالمعدة والعروق والشرايين والأعصاب والأوردة، وإما مكملة لها ومزينة كالأظفار والأصابع والحاجبين، وأشرف الصناعات أصولها وأشرف أصولها السياسة بالتأليف والإصلاح، ولذلك تستدعي هذه الصناعة من الكمال فيمن يتولاها ما لا تستدعيه سائر الصناعات، ولذلك يستخدم حتما صاحب هذه الصناعة
سائرَ الصناع أو سائرُ الصناع والسياسة في الإصلاح. الإصلاح. الخلق وإرشادهم إلى الطريق المستقيم المنجي في الدنيا والآخرة على أربع مراتب، إذن فأصول الصناعات أو الأصول أربعة: الزراعة والحياكة، هذه معدودة من الصناعة، والبناء للسكن، ثم بعد ذلك السياسة، والسياسة هي رعاية شؤون الأمة، وهنا عرفها بأنها التأليف لأن السياسة هي كما يسري الماء في الورد أي يجب أن تكون في كل جزء من الوردة حتى تكون
الوردة طيبة، فالسياسة تسري في الأصول سريان الماء في الوردة وبدونها تذبل الوردة وتضيع، لا توجد سياسة. ولذلك عندما لما سموا "السياسة الشرعية" والله
تعالى أعلى وأعلم.