مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 2 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، نواصل فنقول: قال الإمام العلامة حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: "أدلة الطريق هم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء". أرأيت كيف أن أدلة
الطريق هم العلماء، لا فائدة في غير ذلك، الله هو الذي قال هكذا: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". أمرنا بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر. وفسَّروها بالعلماء، ولذلك كلُّ فرقةٍ ضالةٍ أوَّلَ ما تَضْربُ تَضْربُ في العلماء، والثاني ما تَضْربُه تَضْربُه في المصادر، فيُقَدِّم السُّنَّةَ على القرآن، أو يَختزلُ السُّنَّةَ في الصحيح. والسلفُ كلُّهم أخذوا الصحيحَ وأخذوا الضعيفَ. ويُساوي بين الضعيف والموضوع مصيبةٌ كُبرى، فالإمامُ الأردبيليُّ الشافعيُّ ألَّفَ ثلاثةَ مجلداتٍ اسمُها "المعيار" فيما استُدِلَّ به. الأئمة السلف الصالح استفادوا من الحديث الضعيف في الفقه فاستخرجوا ألفاً وخمس مائة حديث،
ولذلك فإن الذي ينكر هذا يريد أن يهدم الدين، ويريد أن يأتي بدين ليس موروثاً، فليس هو دين آبائنا وأجدادنا ودين النبي، بل هو دين جديد وفهم جديد ابتدعه وحده. ولذلك نقول لهم: يا جماعة، أنا معي سند مسلسل بالشافعية إلى الإمام الشافعي، ويوجد شخص معه سند مسلسل بالمالكية إلى الإمام مالك، ويوجد شخص معه سند مسلسل بالحنفية، ويوجد سند مسلسل بالمحدثين، ويوجد آخر وهكذا. أليس عندكم سند مسلسل بالمتشددين؟ طيب، فهذا يعني أنه ليس لديكم سند يكون
خالياً من الأشعرية. سندٌ واحدٌ فقط، ليس لديكم سندٌ يكون خالياً من السادة الصوفية، أنا أريد سنداً واحداً فقط. إذاً هذا دينٌ مبتدع، هذا كلامٌ مبتدع. أين الأسانيد؟ ما هي الأسانيد؟ إنها خاصة بالأمة التي حفظت. قال: "فانظروا عمّن تأخذون دينكم" فإن هذا السند دينٌ في ميزان الله، أنا أحترط. أنا متعجب كيف يكون هذا، أين السند المسلسل بالمتشددين؟ أين هو؟ أين السند المسلسل بالمجسمة؟ أين السند الذي يخلو من الأشعرية أو من الصوفية في الأمة كلها؟ أين هو هذا السند؟ إذاً نحن الآن نأتي بدين من الخارج. طوال هذه القرون كلها، انظر ماذا يقول الشيخ في أدلة الطريق
هم. العلماء الذين هم ورثة الأنبياء وقد شغر منهم الزمان ولم يبق إلا المترسمون وقد استحوذ على أكثرهم الشيطان واستغواهم الطغيان وأصبح كل واحد بعاجل حظه مشغوفاً فصار يرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً لا حول ولا قوة إلا بالله انقلب عليه الحال نعم حتى ظل علم الدين مندرساً ومنار الهدى في أقطار الأرض منطمساً، أو حتى ظل علم الدين مندرساً، ومنار الهدى في أقطار الأرض منطمساً. وقد خيّلوا إلى الخلق أن لا علم إلا فتوى حكومة تستعين بها القضاة على فصل الخصام عند تهاوش الطغام، أو جدلٌ يتدرع
به طالب المباهاة إلى الغلبة والإفحام، أو سجعٌ مزخرف يتوسل به الواعظ إلى... استدراج العوام إذ لم يروا ما سوى هذه الثلاثة مصيدة للحرام وشبكة للحطام، فأما علم طريق الآخرة وما درج عليه السلف الصالح مما سماه الله سبحانه في كتابه فقهاً وحكمة وعلماً وضياء ونوراً وهداية ورشداً، فقد أصبح من بين الخلق مطوياً وصار نسياً منسياً، إذاً فالطريق إلى الله وصفه ربنا. سبحانه وتعالى بأنه مقيد بالفكر والذكر، قال تعالى: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً
وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار}، فلا بد على كل واحد أن يكثر من الذكر وأن يكون له ورد يومي من الذكر، {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا}. تكفرون والذاكرين الله كثيرا والذاكرات واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون حتى سمى القرآن ذكرا "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". فالذكر قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال لسانك رطبا بذكر الله". والفكر أن تتفكر فيما خلق الله وأن تتدبر في أحداث الكون وأن تعلم أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنه لا يكون في كونه
إلا ما أراد، وأن "لا حول ولا قوة إلا بالله" كنز من كنوز العرش كما في البخاري. بدأ البخاري صحيحه بحديث "إنما الأعمال بالنيات" وختمه بحديث "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". ولذلك ينكر كثير من هذه الشرذمة ذكر الله، ينكرونه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، وينكرون الذكر فلا تجد واحداً منهم له ورد، بل ويقولون إن ذلك بدعة. والبدعة إنما هي في عقولهم، أما الله سبحانه وتعالى ورسوله فقد أمرنا بالذكر كثيراً وأن نشتغل بالذكر ليل نهار حتى تجف
أفواهنا، وسمى رسول الله ذلك الجفاف رطوبة، لا يزال لا يزال لسانك رطباً، لكن أنا عندما أذكر الله كثيراً يجف لساني. فقال: لا، نعم ولكن عند الله هو رطب كدم الشهيد، قد يسيل لكنه عند الله أحلى وأغلى وأعلى من رائحة المسك، كما ورد في الحديث: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". رائحة يعني إنها ليست ما نريده، لكنها أفضل عند الله وأجمل من رائحة المسك. إذ يرشدنا إلى الحقيقة التي عند الله، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. وكل هذه أحاديث صحيحة في البخاري وفي مسلم وهكذا، ولكنهم قوم لا يفقهون.
إذ طريق الله وتكلم العلماء بعدما. درسوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد القرآن ورأوا أن طريق الله مقيد بأربعة: قلة المنام وقلة الأنام وقلة الكلام وقلة الطعام، وكلها مجموعة في رمضان. قلة الطعام قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه". وثلث لشرابه وثلث لنفسه وأمرنا بالصيام وفرض الله علينا الصيام شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه بالأمر هكذا كُتب يا أيها
الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون فطريق الله التقوى وقلة الكلام أمرنا أوصانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرنا الله بها، فنهانا عن اللغو، وقال: "إذا رأيتم الرجل أوتي صمتاً فإنه يُلقى الحكمة"، ويقول: "اضمن لي ما بين لحييك وفخذيك أضمن لك الجنة". وقد جمع ابن أبي الدنيا كتاباً كبيراً في الصمت، لأن الصمت الطويل يقيك من اللغو والكذب وشهادة الزور وما إلى ذلك. آخره وقلة الأنام أمرنا بالاعتكاف وسنه لنا وكان يذهب كما في البخاري إلى غار حراء وفي غار
حراء كان يبتعد عن الناس ويستأنس بالله ولذلك طريقة عند الاعتكاف والعزلة تصفو القلوب وتنفتح للأنوار وانكشاف الأسرار، أسرار عبادة الله سبحانه وتعالى، ويحدث في الروح قدس فتكون مقدسة أي طاهرة ذكية، ولذلك فقلة الأنام هي من طريق الله سبحانه وتعالى وقلة المنام: "قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً". قول هناك: "إن لك في النهار سبحاً طويلاً فاذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً". ويقول: "ومن الليل فتهجد به نافلةً
لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً". محموداً يكون إذا أمره الليل، وما أدراك ما الليل، والليل نزل فيه القرآن: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم" "إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر". الكتاب والسنة يؤديان إلى هذا، إلى طريق الله، إلى قلة المنام، قلة الكلام، قلة. الأنام قلة الطعام، فإذا فعلت ذلك خفَّ جسدك وعلت روحك وأصبحت عبداً ربانياً. إذا ما دعوت ربك فإنه يستجيب. يا رب، يا رب، لماذا؟ لأن مطعمك حلال، ولأن مشربك حلال،
ولأنك غُذيت بالحلال. أما الذي مطعمه حرام ومشربه حرام وغُذي بالحرام، أنّى يُستجاب لذلك؟ كيف يُستجاب لذلك؟ ولذلك فهذا... طريق الله مقيد بالكتاب والسنة، فيه الذكر والفكر، وفيه الأربعة من قلة الطعام والمنام والأنام والكلام. فإذا صار الإنسان في هذا، واستبدل بذلك كله في الدنيا وحطامها ذكر الله بكل أنواعه من الذكر المضبوط ومن القرآن ومن الدعاء، صار عبداً ربانياً. هذا هو طريق الله، لكنهم ينكرون علينا طريق الله. وما سوى طريق الله هو طريق الشيطان لأن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطًا وقال: "هذا سبيلي
أدعو إلى الله على بصيرة". أما السبل الأخرى فتغتاله فيها الشياطين. اقرأوا، ولما كان هذا ثلمًا في الدين، ثلمًا في الدين، يعني يهدم الدين، يعني يخرق الدين، فثلمٌ في الدين. مصيبة أصابتنا ونحن لا نعرف ماذا نفعل بها، نعم، وخطب مدلهم، يعني مصيبة سوداء. خطب مدلهم هذا يعني مصيبة سوداء، نعم. رأيت الاشتغال بتحرير هذا الكتاب مهمًا لإحياء علوم الدين، وكشفًا عن مناهج الأئمة المتقدمين، وإيضاحًا لماهية العلوم النافعة عند النبيين والسلف الصالحين، لم يقف عند رسومهم بل ذهب. إلى مناهجهم مناهج
الأئمة الأولين السابقين من السلف الصالحين، هذا هو السلف الصحيح وليس الدعاوى، نعم، وقد أسسته على أربعة أرباع وهي: ربع العبادات، وربع العادات، وربع المهلكات، وربع المنجيات. أربعة نحفظهم إذًا، أولًا العبادات ونرى فيها الأركان الخمسة من الإيمان: الشهادتين، الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، وبعد ذلك المعاملات ونرى فيها. البيع والشراء وكيف تحضر قلبك في الشراء وفي البيع وفي الزواج وفي الطلاق وتراعي ربنا كيف تفعل هذا، ثم تخلية من المهلكات والتحلية بالمنجيات. وصدرت
الجملة بكتاب العلم لأنه غاية مهمة، لأكشف أولاً عن العلم الذي تعبد الله على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الأعيان بطلبه، إذ قال. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". وأميز فيه العلم النافع من الضار، إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "نعوذ بالله من علم لا ينفع". وأحقق ميل أهل العصر عن شاكلة الصواب، وانخداعهم بلامع السراب، واقتناعهم من العلوم بالقشر عن اللباب. الله أكبر. لأن هذا هو ما عليه المسلمون ولذلك عدُّوه من المجددين، لأن هذا هو ميراث الصحابة الأكرمين. ويشتمل
ربوع العبادات على عشرة كتب: كتاب العلم، وكتاب قواعد العقائد، وكتاب أسرار الطهارة، وكتاب أسرار الصلاة، وكتاب أسرار الزكاة، وكتاب أسرار الصيام، وكتاب أسرار الحج، وكتاب آداب تلاوة القرآن، وكتاب الأذكار والدعوات، وكتاب ترتيب الأوراد في الأوقات، نعم. وأما ربع العادات فيشتمل على عشرة كتب: كتاب آداب الأكل، وكتاب آداب النكاح، وكتاب أحكام الكسب، وكتاب الحلال والحرام، وكتاب آداب الصحبة والمعاشرة مع أصناف الخلق، وكتاب العزلة، وكتاب... آداب السفر وكتاب السماع والوجد وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وكتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة. وأما ربع المهلكات فيشتمل على عشرة كتب: كتاب شرح عجائب القلب، وكتاب رياضة النفس، وكتاب آفات الشهوتين: شهوة البطن وشهوة الفرج، وكتاب آفات اللسان، وكتاب آفات الغضب والحقد والحسد، وكتاب ذم الدنيا، وكتاب ذم... المال والبطن وكتاب ذم الجاه والرياء وكتاب ذم الكبر والعجب وكتاب ذم الغرور. إذاً فهذه كل باب، كل كتاب في عشرة أبواب، سيكون معنا أربعين باباً، ولذلك كان في أربعين مجلداً. إذا ما أردنا أن نجعل كل واحد من هؤلاء مجلداً كبيراً فيه. نعم، وأما ربع المنجيات فيشتمل على...
عشرة كتب: كتاب التوبة، وكتاب الصبر والشكر، وكتاب الخوف والرجاء، وكتاب الفقر والزهد، وكتاب التوحيد والتوكل، وكتاب المحبة والشوق والأنس والرضا، وكتاب النية والصدق والإخلاص، وكتاب المراقبة والمحاسبة، وكتاب التفكر، وكتاب ذكر الموت. فأما ربع العبادات
.