مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 25 | أ.د علي جمعة

زكاة عُرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزنه، وعلى كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. وفي كتاب العلم يقول رضي
الله تعالى عنه: وقد كان أهل الورع من علماء الظاهر مُقِرِّين بفضل علماء الباطن وأرباب القلوب، كان الإمام الشافعي. رضي الله عنه يجلس بين يدي شيبان الراعي كما يقعد الصبي في المكتب ويسأله كيف يفعل كذا وكذا، فيقال له: "مثلك يسأل هذا البدوي؟" فيقول: "إن هذا وُفِّق لما أغفلناه". وكان أحمد بن حنبل رضي الله عنه ويحيى بن معين يختلفان إلى معروف الكرخي، ولم يكن في علم الظاهر بمنزلتهما. وكانا يسألانه: وكيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قيل له: كيف نفعل إذا جاءنا أمر لم نجده في كتاب ولا سنة؟ فقال
صلى الله عليه وآله وسلم: "سلوا الصالحين واجعلوه شورى بينكم"، وهذا الحديث رواه الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه عبد. الله بن كيسان ضعَّفه الجمهور، ولذلك قيل: علماء الظاهر زينة الأرض والمُلك، وعلماء الباطن زينة السماء والملكوت. وقال الجنيد رحمه الله: قال لي السري شيخي يوماً: "إذا قمت من عندي فمن تجالس؟" قلتُ: "المحاسبي"، فقال: "نعم، خذ من علمه وأدبه ودع عنك تشقيقه الكلام ورده على المتكلمين". ثم لما وليت... سمعته يقول: "جعلك الله صاحب حديث صوفياً، ولا جعلك صوفياً
صاحب حديث". أشار إلى أن من حصّل الحديث والعلم ثم تصوف أفلح، ومن تصوف قبل العلم خاطر بنفسه. هنا الإمام الغزالي رحمه الله تعالى يرسم لنا برنامج المعاملة مع الله في قضية التخلية ثم التحلية، أول ذلك ألا يبقى في... قلبك شيء لعلماء الظاهر، بل لا بد عليك أن تحترم هذا العلم. أداء النصيحة لهم بأن يلتفتوا إلى الآخرة لا يستوجب منك احتقارهم، بل لا بد عليك أن تحترم الفقه الظاهر وأن تحترم أيضًا المعاملة،
وتوجِّه النصح لأهل الفقه بأن يتواضعوا وأن يعلموا حال أهل علوم الآخرة، وهكذا كان الأولون. بل وهكذا كان المتأخرون، فكان كل علماء الأزهر الشريف يقرّون بذلك ولا يخرجون عنه، فشاع فيهم الأدب، ورأيت أحدهم وهو يقول: "الشافعي مذهباً، الخلوتي طريقةً"، وهكذا يعني هو له مذهب وله طريقة. كل مَن مِن خمسمائة سنة ليس هناك عالم في الأزهر ليس له طريقة، إلى أن نبتت تلك. النابتة
شتتت الأمور وجعلتها مشوشة، وجعلت الأمر وكأنه فيه قولان وهو قول واحد تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتقل إلى الرفيق الأعلى به. ومن المضحكات أن نابتة من هذه النوابت رآني دائماً أقول "عندما انتقل إلى الرفيق الأعلى" ولم أقل "مات النبي"، قال هذا. يعتقد صوفي أن النبي حي، فرددنا عليه أنه حي في قلوبنا وفي قلب كل مسلم وفي قلب كل مؤمن. موتوا بغيظكم، سيُهزم الجمع ويولون الدبر. والنبي
صلى الله عليه وسلم - والكلام للجاهل نقول له - أنه عندما حان وقت فراق روحه الشريفة وصعودها إلى بارئها، قال: "إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق". الأعلى مرتين وفاضت روحه صلى الله عليه وسلم. أولاً نقول إنه التحق بالرفيق الأعلى، أم أن حقد قلوبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن نكرر "مات رسول الله"؟ أعوذ بالله من هذه النابتة ومن قلوبهم ومما يستدرجهم الشيطان إليه. حسبنا الله ونعم الوكيل. نعم نحن نحب رسول. الله لأن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
ركن الإيمان ولا إيمان بغير حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. نعم نحن نعظم رسول الله تعظيماً يظهر شعور أبي بكر وهو يتقدمه خيفة أن يأتيه شيء من أمامه، ثم يخطر في باله أن قد يأتيه الشيء من خلفه. فيذهب من خلفه ثم يذهب عن يمينه وعن يساره. في الهجرة المباركة، شعور الأم على ابنها، هذا الشعور هو الذي جعل أبا بكر صديقًا، حب النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن للأسف الشديد أن هذه النابتة استدرجت حتى ضلت الطريق ولم تعرف معنى الحب ولا معنى الاتصال برسول الله
صلى. الله عليه وسلم فحسبنا الله ونعم الوكيل. سيغنينا الله من فضله ورسوله. شرك؟ هذا عندهم. الآية ستكون أي شرك؟ سنتمسك بالقرآن وسنتمسك بالسنة ولا علينا من هذه النابتة، فإنها ستزول إلى داهية أو يهديها الله سبحانه وتعالى فتعود خير عودة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان العلماء... كالشافعي إمام الأئمة وأحمد بن حنبل إمام الأئمة، كانوا يذهبون إلى أهل الله، فكان الشافعي يذهب إلى شيبان الراعي. وشيبان ترك الدنيا وما فيها وجلس في البادية
يرعى الغنم، لكن الله سبحانه وتعالى - وعلى حد قوله: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ" - قد فتح قلبه للأنوار وكشف الأسرار ومعرفة المعاملة مع الله سبحانه. وتعالى وبما ورد في هذا الشأن حتى نعلم ما الحاصل ومن هم هؤلاء. رجل قلبه معلق بالله وليس عالماً. الشافعي هو العالم، هو المجتهد، حفظ القرآن، تعلم العربية، حفظ الحديث، ثم إن عقله كان يعمل بالليل والنهار في حل المعضلات وفي ربط المعلومات. هذا هو العالم، عالم الفقه الذي بقي. فقهه حتى يومنا هذا حتى قال قائلهم أنا شافعي ما حييت فإن
متُّ فوصيتي للناس أن يتشفعوا من شدة علمه وورعه وتقواه. هذا هو العالم، أما شيبان فلا يسمع به أحد منا الآن لأنه في الحقيقة كان منعزلاً وكان مفتوحاً عليه، منفوحاً عنده أدب مع الله سبحانه وتعالى، والأدب هو زيادة على الأحكام الشرعية هو يحيط بها دائرة الأحكام الشرعية هكذا، فالأدب هكذا، فالأدب أوسع من الأحكام الشرعية. فجاء رجل وسأل سؤالاً: كم الزكاة؟ زكاة الغنم. وقيل إن شيبان هو الذي سأل الشافعي، وقيل إن الشافعي هو الذي سأل شيبان.
إذاً العبرة ليست بالقصة وإنما العبرة بمعناها وحكمتها. شيبان الذي سأل الشافعي الذي سأل واحد سأل ليس ضرورياً ما الذي حدث قال كم الزكاة في الغنم فنظر الشافعي لشيبان ها أجب قال عندنا أم عندكم قال له يعني عندنا هي فيها خلاف معروف عندما تبلغ الغنم إلى أربعين غنمة نخرج غنم الحديث هكذا والشرع هكذا والحكم هكذا والصحيح هكذا فقال قال له: أنت لديك أربعون غنماً، كيف تُخرج زكاتها؟ قال له: أعندنا أم عندكم؟ قال له: حسناً، عندكم. قال: كل هذا
ملك الله، يعني الأربعون ملك الله، يعني يخرجون كلهم. طيب، وبعد ذلك؟ إن هذا لا يطيقه أحد، لا يطيقه الناس. أنا آتي وأقول لهم بسهولة: هاتوا اثنين ونصف في المائة. واحد على أربعين اثنين ونصف في المائة ولا يريدون أن يدفعوا. مصر يا جماعة فيها ما يقرب من عشرة مليارات جنيه مصري، والذي نجمعه من زكاة الناس لم يكمل المليار بعد. تخيل أننا لو استطعنا إخراج أموال الزكاة التي هي ملك الله وملك الفقراء. والله لا يوجد في مصر فقير. تُنفق
عشرة مليارات كل سنة. أعطني خمسة [مليارات] وأنا سأغير لك وجه مصر. إذا كم لديك من الزكاة؟ قال: "عندنا أم عندكم؟" قال: "لا، بل عندكم". قال له: "المال كله". وهذا معناه أن أحداً إذا طُلب منه شيء أعطاه فوراً. يوجد فقير يذهب حسناً. أنت هكذا لم تخرج. قال له أحدهم: أنا أخرجت الأربعين. وهكذا كان أبو بكر، فقد أخرج ماله كله وصرف في الإسلام ثمانين قنطار ذهب، حتى أن السيدة عائشة (أبوها عنده ثمانين قنطار ذهب، يعني عدة مليارات)، كانت بنت أناس أغنياء. السيدة
فاطمة جالسة ويحدث بين البنات هكذا، فقالت لها أن... أبي أنفق في الإسلام ثمانين قنطاراً من الذهب. السيدة فاطمة من أزكياء العالم عليها السلام فبكت، إذ عرفت أنها كأنها تتفاخر عليها. فلما جاء النبي ووجد أثر الدموع في عيني فاطمة، قال: "ما بكِ؟" قالت: "تقول إن أباها أنفق في الإسلام ثمانين قنطاراً من الذهب". قال: "يا عائشة، والله إن فضلي عليكِ". وعلى أبيك أعلى من فضلي، أبي زرع على أم زرع. وأرادت عائشة
أن تخرج من الموقف فقالت: "وما أبو زرع وما أم زرع يا رسول الله؟" تريد أن تجعله يتحدث في موضوع آخر. فقال: "اجتمعت إحدى عشرة امرأة في الجاهلية وتعاهدن ألا يخفين من أخبار أزواجهن شيئاً. فالأولى قالت... وصف كذا وفلان أزواجهم في حديث طويل شرحه الشرّاح مرات، وهو حديث أم زرع الموجود في صحيح البخاري وليس في مسند أحمد. وهذه فائدة يغفل عنها بعضهم، فهو في البخاري لكنه ليس في مسند أحمد. كل ما في البخاري موجود في مسند أحمد، ولكن ليس كل ما في مسند أحمد موجود في البخاري. إلا حديث أم زرع وأحياناً يُسمى حديث أبي زرع، وهو الحديث الذي علّمه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب الزوجية والأسرة وما إلى ذلك. الحاصل أن فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفوق هذه المليارات وغيرها، فهناك من يخرج من ماله كله، وهناك من يخرج من نصفه لدينا. أم عندكم؟ قال: بل عندكم. قال: كل المال لله. وطبعاً معروف أنه عندنا اثنان ونصف في المائة هي الزكاة. إذاً هذا حال أهل المعاملة مع أهل الظاهر. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.