مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 27 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 27 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. وقد أوضح لنا ما يمكن
أن نلخصه وأن نفهمه فيما يليه حديث جبريل، تكلم فيه سيدنا جبريل مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان ومرتبة الإيمان، قام لها أناسٌ حفظوها وفق ما جاء في الكتاب والسنة، لم يخرجوا عنها وهم أهل السنة والجماعة. وتصدر الإمام أبو الحسن الأشعري بصياغة هذه العقيدة، ووافقه في ذلك الإمام أبو منصور الماتريدي، ولذلك فإن أهل السنة والجماعة تسمّوا بالأشعرية والماتريدية. نظروا إلى الكتاب وفهموا معانيه ونظروا إلى السنة وفهموا معانيها، هؤلاء
هم أهل علم العقيدة، ولهم مقامات ثلاثة: المقام الأول هو مقام البيان، والمقام الثاني هو مقام الرد، والمقام الثالث هو مقام الهجوم. أما البيان فهو من فروض الكفايات، والمشتغل به وحده هو من خيار علماء الأمة، والمشتغل به إنما يريد نقل. ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقيدة الصحيحة لعموم الناس وهو لا يرد على أحد لا من أهل الأديان ولا من أهل الفلسفات، بل
إنه يوضح ما عليه الإسلام، يخاطب الناس على قدر عقولهم، يلتزم بالكتاب والسنة لا يخرج عنهما، ويصوغ بعد الاستقراء والتتبع العقيدة للناس بالبيان. هذا لم يختلف فيه اثنان أن القائمين به هم من أفاضل الأمة. الإسلام قام به الفقهاء، والإحسان قام به أهل الآخرة أو أهل السلوك أو أهل الطريق أو المتصوفة، سمِّهم ما شئت. وحفظ العلماء على الأمة أمر الدين، فإنكار العقيدة وعلم العقيدة
والتوحيد كإنكار التصوف تماماً، وهو يؤدي بما في... القرآن أصلاً قد نزل بلغة العرب ليوضح لنا العقيدة، ونزل بالأخلاق الكريمة وربطها بالعقيدة، وكانت الأخلاق المرتبطة بالعقيدة أغلب الدين. فهناك نحو ستين ألف حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها الصحيح ومنها الحسن ومنها الضعيف. ألفان فقط في الإسلام، وثمانية وخمسون في الأخلاق المرتبطة بالعقيدة. من ستين واحداً على ثلاثين يعني ثلاثة في المائة، والقرآن ستة آلاف آية ومائتان وستة وثلاثون منها ثلاثمائة آية في
الإسلام، فيكون ثلاثمائة على ستة آلاف واحد على عشرين يعني خمسة في المائة، والباقي كله في الأخلاق المرتبطة بالعقيدة. إذاً الدين هكذا، جاءت نابتة تذكر أن الأمر كله. محصورٌ في هذه الخمسة في المائة وتركوا الخمسة وسبعين والخمسة وتسعين تركوها، أو يريدون أن يهدموا نقلة الدين والعلم. فيهما شيءٌ لا يصدقه عقل، شيءٌ يقف الإنسان أمامه مذهولاً. لِمَ يفعلون هذا والأمة كلها على هذا الأمر؟ إذا عُلِمَ الكلام فله مقام البيان، هذا
البيان لم يختلف فيه اثنان من... المسلمين ولم ينكره أحد منهم أبداً لأنه قائم ببيان ما المعتقد في الكتاب والسنة على ما تقتضيه الأمور اللغوية والأمور العقلية ويمثل ذلك أحسن تمثيل أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي رحمهم الله تعالى وتوفي في القرن الرابع الهجري. القسم الثاني هو قسم الردود أنه نشأت بدع وهذه البدع بدأت. تسري إلى قلوب العوام وهذه البدع مخالفة للدين وما يترتب عليها خطر عظيم، ولذلك فإن الردود تأتي
عند الحاجة إليها. الحاجة إليها هي واجب الوقت، فليس كل وقت يحتاج إلى ردود. هناك عصور تقل فيها البدعة وعصور تكثر فيها البدعة، عصور لا تنتشر فيها البدعة وإن كانت موجودة، وعصور. تنتشر فيها البدعة وحينئذٍ ينتقي العلماء الكلام والعقيدة الصحيحة من دور البيان ولا يكتفون به بل يضمون إليه الردود، وحينئذٍ يكون واجب الوقت أن ترد. فإذا لم تكن هناك بدعة واشتغلنا بالردود فهذه ليست حكمة، بل إنها قد تُثبِت البدعة. لا توجد بدعة ولا شيء، لكن يوجد تخوف أو
يوجد... شخص مبتدع غير منتشر رددت عليه وألفت كتاباً، ألا يؤدي ذلك إلى أن يعرفه الناس؟ أنت تقول إن هناك شخصاً تنبه الناس إليه، ولذلك هذا التصرف ليس من الحكمة كما قال. أما الهجوم فليس من عادتنا أن نهاجم أحداً من الناس، ولا أن ننشغل بالتعمق في الفلسفة ونرد على أوهام وترهات. ما أنزل الله بها من سلطان ولا يهتم بها إلا القلة، وإذا كان ولا بد من هذا النوع فليكن في الغرف المغلقة وفي المجادلات الثنائية، لا أن يصير علماً ويصير فناً مستقلاً قائماً يُعلَّم ويُنقل، وهذا هو الذي ذمه العلماء. علم الكلام من هذا المستوى هو الذي ذمه
العلماء وتكلموا عنه. هذا موجود في تاريخنا مثل كتاب "الشفاء" لابن سينا و"الإشارات" له، فهذا القليل من المؤلفين هم من تعمقوا جداً وترى عباراتهم صعبة ولها مصطلحات لا بد من دراستها. وكان العلماء إذا أرادوا ألّا ينقطعوا عن التراث يدرسون هذا ولكن في البيوت وليس في المساجد، فنرى الشيخ محمد بخيت المطيعي. وهو يقرأ الشفاء في بيته، في بيته يعني ماذا؟ يعني سيكون محدوداً، سيكون الحاضرون عشرة، والذين يحضرون من العلماء الكبار. نعم،
هذه قضية أخرى، هذا لا يعتبر نشراً، بل يعتبر دراسة وحفظاً للتراث. وكان الشيخ حسنين محمد أبو حسنين مخلوف يحضر ويقول: والله كان الشيخ يتكلم فيزداد. تعمُّقًا حتى يُصبح كلامه كالإنجليزي، أي أن كلام الشيخ بخيت غير مفهوم، فلا يُعرف ما يقوله وهو يشرح الشفا ويشرح الأوراق للقط الشيرازي. إذا كانوا يفعلون هذا في البيوت ولا يفعلونه في نشر العلم في المساجد وما إلى ذلك، فإن البيان والرد والهجوم كان واضحًا
في أذهانهم، وساروا على هذا النهج مع النابتة لأنها لم... تتعلم على هؤلاء الشيوخ ولم يقل لها أحد هذا خلطت بين السلاسة وحرمت الكلام مطلقاً، وهذا كلام تضحك منه الثكلى وتسقط منه الحبلى ويشيب منه الأقرع. وقد بدؤوا في نشر كتب في ذم الكلام وهم لا يعرفون أي كلام هو مذموم وأي كلام ممدوح، إذاً الذي لا يتخذ شيخاً له سيتعب. سيكون ضائعاً وسيضيع في خضم هذه التكوينة لأنه لا يعرف المداخل ولا يعرف المصطلحات ولا يعرف القيود والحيثيات، ويهجم مسكين ليفهم على ظاهر القول حتى تصبح هذه المفهومية عنده هي
الأساس الذي يفهم به القرآن، فيفهم القرآن والسنة أيضاً على ظاهر القول فيضل ويضل، فإنا لله وإنا إليه راجعون. الشيخ الغزالي أنه يفتح لنا المواضيع ويتكلم بكلام العارفين، ففي البداية يذم الكلام حتى تعتقد أنك ستحرم الكلام، ثم يقول ولكن تغير العصر، لماذا؟ لأنه انتقل من دور البيان إلى دور الردود، ثم هناك من انتقل إلى دور الهجوم. الرجل واضحة أفكاره في ذهنه لكن لا تهتم بهذه العبارات، نعم لكن... مشايخنا قالوها وهم يشرحون ما هو: لازم أن يكون لك شيخ!
شرك الشيخ يظهر أم ماذا؟ لا أعرف! لا إله إلا الله! نعم والله، والله أنا الآن لا أعرف. خلاص، لقد ضجرنا من هذه النائبة. شيخ أصبح شركاً أم ماذا؟ لا أعرف، لست فاهماً. استعانة بغير الله في شيء من هذا يقول. لك استعانة بغير الله؟ خرج واحد كان عندنا هنا في شبرا قال: "النظارة حرام". قلنا له: "لماذا؟ ما الدليل؟" قال: "قال تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)". طيب وبعد ذلك؟ وبعد ذلك النظارة حرام؟! لبست نظارة منذ ساعتين. قلت له: "حسناً، أهو النظارة حرام". هذا هو ترك الأسباب، جهل ضد سنن الأنبياء، فكيف؟ تقول هذا، نعم، وجدته هكذا، وكان
له جماعة كبيرة، ثم أهلكه الله سبحانه وتعالى. المهم الحاصل أن الإمام الغزالي رحمه الله تعالى فتح لنا المواضيع، وكلامه كلام يُوزن بالذهب. علم الكلام الذي هو الهجوم مذموم، يجب أن نكتفي بالكتاب والسنة. حسناً، والردود حسب الحال، فيكون إذاً الفرض هو البيان المذموم. هو الهجوم والبيان حسب الحال نفعله إذا كان واجب الوقت يستلزمه ولا نفعله إذا كان واجب الوقت لا يستلزمه، كلام المجرِّب، كلام الذي عاش في المسألة، كلام من تعلم على المشايخ من كتب وعانى وفكر واتقى
الله سبحانه وتعالى في نفسه، كلام من حمل وحمّل هم الإسلام في قلبه والذي... لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم.