مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 30 | أ.د علي جمعة

لا أم أم أم أم أم أمه ومن والاه مع كتاب إحياء علوم الدين وفي كتاب العلم في أوله يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين عن
أحوال الأئمة المجتهدين المتبوعين وقد عدهم خمسة وهم في الحقيقة أكثر من ذلك الذين تصدروا للمذاهب واتبعهم الناس نحو تسعين، سقيم بعضهم في جيل الصحابة وبعضهم من التابعين وبعضهم من تابعي التابعين، إلا أن كثيرا من هذه المذاهب اندثرت وانقرضت لأنها لم تجد رجالا يقومون بخدمتها، ولذلك كان الشافعي يقول في حق الليث بن سعد: كان أعلم من الشافعي ومن مالك، إلا أن أصحابه أضاعوه. الليث بن سعد كان فقيها مصريا وكان أعلم من مالك لكن لم يجد طلبة يحملون مدرسته ويحملون
مذهبه ويبلغونه للآفاق، نجد آراء الليث بن سعد منثورة في الكتب موجودة، ولكن هذه الآراء لم تجمع في صورة مذهب يقدم وتوضع له القواعد وتوضع له الأصول والمداخل وتوضع له المصطلحات وتؤلف فيه الكتب كما حدث مع مذاهب أخرى، هناك مذهب الأوزاعي. مثلا ظلوا يقلدون مذهب الأوزاعي حتى القرن الرابع والخامس الهجري، هناك مذهب مثلا الحمادين والسفيانيين، هو هنا النص على سفيان الثوري، ولكن سفيان بن عيينة أيضا كان له مذهب، وهناك مذهب الحسن البصري وغير ذلك كثير، إذا عددتهم وصلت
بهم إلى نحو خمسة وثمانين أو تسعين مجتهدا، لكن حتى سفيان الثوري الذي أشار إليه الشيخ أيضا لم يجد من يكمل المسيرة، والذي وصل إلينا الآن من المذاهب المتبعة هو مذهب الإمام أبي حنيفة ثم مالك ثم الشافعي ثم أحمد بن حنبل ثم الزيدية وهم في اليمن ثم الجعفرية وهم في إيران والعراق والهند وهكذا، وابن حزم الظاهري أو داود بن علي الأصبهاني لأن المحلى وصل إلينا لكن بعض الناس أفرادا قليلين يعتمدونه حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى إن من عنده المغني لابن
قدامة والمحلى لابن حزم فإن ذلك يكفيه في الفقه الإسلامي ومن هذه المقولة طبع المغني وطبع المحلى من مقولة الشيخ رشيد رضا الذي أرشد إلى هذه القضية رحمه الله الجميع ولكن العلماء يقولون لا يغني كتاب عن كتاب يعني ما من كتاب تقرؤه إلا وتجد فيه فائدة وهكذا اقرأ يا شيخ محمد في أحوال المجتهدين العظام نعم وقال الشافعي رحمه الله ما حلفت بالله تعالى لا صادقا ولا كاذبا قط فانظر إلى حرمته وتوقيره لله تعالى ودلالة ذلك على علمه بجلال الله سبحانه وسئل الشافعي
رضي الله عنه عن مسألة فسكت فقيل له ألا تجيب رحمك الله فقال حتى أعلم أن الفضل في سكوتي أو في جوابي يعني أنه يتفكر أيتكلم أم لا يتكلم فكان يقول الكلمة أنت تملكها حتى تنطق بها فإنها تملكك نعم فانظر إذن في فانظر في مراقبته للسانه مع أنه أشد الأعضاء تسلطا على الفقهاء وأعصاها عن الضبط والقهر، وبه يستبين أنه كان لا يتكلم ولا يسكت إلا لنيل الفضل وطلب الثواب. وقال أحمد بن يحيى بن الوزير: خرج الشافعي رحمه الله تعالى يوما من سوق القناديل فتبعناه، فإذا
رجل يسفه على رجل من أهل العلم فالتفت الشافعي إلينا وقال نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به فإن المستمع شريك القائل وإن السفيه لينظر إلى أخبث شيء في إنائه فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم ولو ردت كلمة السفيه لسعد رادها كما شقي بها قائلها وهنا كان ينبهنا مشايخنا رحمهم الله تعال قبل أن ينفرط العقد وينهار الحال الذي نحن فيه إذ أن الاستماع إلى الغيبة والنميمة والكذب والبهتان والضجيج واللغو يؤثر تأثيرا قويا في القلب
وأن من تأثيره أن يهون المنكر علينا أي نرى المنكر لا شيء فيه ما هو عادي وقد كان هؤلاء الناس لم يستمعوا وأصبحنا الآن بين ضرورات فإذا انعزلنا بالكلية عن المجتمع يعني هذا لعق الدماغ وهروب من مواطن المسؤولية وإذا بقينا وصبرنا على كيف الناس وغيبتهم ونميمتهم وبهتانهم وكذا إلى آخره فإن هذا يؤثر في القلب والمخرج من هذا هو ذكر الله الذكر هو واجب الوقت فاذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه غدوة وعشيا لأن الذكر لا يحتاج
إلى مؤونة ولا يحتاج إلى وقت والنبي صلى الله عليه وسلم قال وأفضل الأعمال عند الله سبحة الحديث قالوا وما سبحة الحديث يا رسول الله قال الناس القوم يتكلمون والرجل يسبح يعني هو جالس هكذا خلوته في جلسته يعني هو جالس مع الناس وفي الاجتماعات وفي ذلك إلى آخره ويسير عاديا وهذا يعمل جالسا يذكر الله، فلو تدرب الإنسان على هذا فإن نور الذكر يحمي من طمس الفحشاء، فالإمام الشافعي كان يستطيع بسهولة لأن هذا واحد في السوق يسب الآخر، ولكن عندما كل المجتمع يسب فعن أي شيء ستغض سمعك ولا
ستكون عندما يكون الإنسان فيه امرأة يغض بصره عنه، ولكن عندما تتبرج جميع النساء فعن أي شيء سيغض بصره؟ ما وراء النهر ووجد النساء سافرات وقد خلعن الحجاب وقيل له في ذلك ماذا نفعل؟ قال سقطت حرمة النظر إليهن، أي أنهن أسقطن ذلك، الله جعل ذلك لكي يجعل لها حرمة، يجعل لها قيمة، هي تنازلت عن أي واحد يراها فماذا سنفعل؟ انتهى الأمر، تجاهلها إذن، أي اتركها واسلك طريقك. وقد كان وفعل هذا المسلمون في كل البلدان في أفريقيا وفي إندونيسيا وفي غيرها، كلما دخلوا بلدا ووجدوا هذا
الحال تجاوزوه، أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وهكذا إلى آخره، لكن لم يعد هذا له معنى فتجاوزوه. وبقدر الإمكان يفعل الإنسان ما أمر به ويذكر الله ذكرا كثيرا فيجد حلاوة ذلك في قلبه ويقوم ذكر الله بتحصينه من مساوئ الذنب أو مساوئ الحال لأنه حتى ما في الذنب هذا هو في حال معصية وعدم القدرة على مقاومة هذه المعصية لانتشارها في الأرض وإحاطة الكافة بها فذكر الله هو المخرج من هذا كله، نعم. وقال الشافعي رضي الله عنه: كتب حكيم إلى حكيم قد أوتيت علما
فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم. وأما زهده رضي الله عنه فقد قال الشافعي رحمه الله: من ادعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب ومن هنا كان دعاء الصالحين اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا وقال الحميدي خرج الشافعي رحمه الله إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مكة بعشرة آلاف درهم فضرب له خباء في موضع خارج من مكة فكان الناس يأتونه فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي
مالا كثيرا وسقط صوته من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين دينارا يعني الدينار كان أربعة غرامات وربعا ومعنى ذلك أنه تقريبا نصف جنيه ذهب يعني في حدود ألف جنيه الآن فخمسون ألف خمسون دينار يعني خمسون ألف جنيه هذه أسعار اليوم هذه فكان البنك المركزي عندنا سيعمل وراء بخمسمائة فإذا كان الباكو سيبقى باكو بخمسين ألف جنيه بهم الخمسون دينارا هذا فتخيل أنه وضع يديه هكذا فوجد الخمسمائة هؤلاء باكو خمسمائة فذهب ووضعهم للرجل هذا انباق يعني الخط الفاصل
بين الدنيا والآخرة كأنه مرتفع، أي أنه لا يلتفت إلى الدنيا ولا الخمسون ألف جنيه تأتي بشيء أم لا تأتي بشيء، هو في موقف أن معه الآن كيس الرجل الذي أعطاه إياه حتى لا تكون عليه منة، وذهب فوضعه له هكذا، وطبعا هذا الكلام لا تتقبله النفوس تقبلا واحدا بعضهم يعتبر أن هذا غباء وما إلى ذلك وبعضهم يرى أن هذا تقوى ولكن الأمر أن هذا حال مع الله حال مع الله لا يعرفه إلا من جربه فهو لا يقول لك اعمل هكذا هو يقول لك الرجل هذا كان زاهدا وكان يفعل كذا وكذا مما
روي عن الشيخ أحمد بن الصديق رحمه الله تعالى وهو شيخ مشايخنا أنه كان لا يرد سائلا أبدا، أي أحد يسأله يعطيه، فسأله سائل فوضع يده في جيبه فخرجت مائة جنيه، كان حينذاك المائة جنيه هذه قديما قبل أن تلغى وبعدئذ ترجع ثانية، مائة جنيه هذه كانت تشتري بيتا على طوال بيت من ثلاثة طوابق هكذا مائة جنيه فأعطاها ولم ترجع يده على الفور أعطاها للسائل وكانت هذه المرة الثالثة التي لاحظ هكذا أحد السماسرة جالسا فرأى المائة
جنيه فاقترب من المائة جنيه وعرف أنها مائة جنيه وذهب وقال للناس تصوروا أن الشيخ دفع مائة جنيه لهذا الرجل وأنا سأمسكه اضربوه الذي هو الأخذ أي استخسر فيه المائة جنيه وفي ذلك كرمه هكذا أو وضعه هكذا أو حاله مع الله هكذا وبعد ذلك مرة أخرى جاء سائل وسأل فأخرج الذي في جيبه ورماه على الأرض وقال له خذه واغرب عن وجهي هذا الجلوس قالوا له قالوا لا يصح أنت الآن لماذا هكذا وأنت معروف عنك الكرم ومعروف عنك أنك تلقيه على الأرض قال
رأيته يضرب أمه هذا السائل رآه أمس وهو يضرب أمه فهذا عقاب للاعتداء على الأم ولكنه لم يمنعه أي لم يستطع أن يمنعه هذا حاله مع الله هكذا هو لا يستطيع أن يرد سائلا كما ورد في السنة لكن غضب عليه لأمر شرعي آخر وهو أنه اعتدى والعياذ بالله تعالى على أمه التي أمره الله ألا يقول لها أف فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما لا بل ضربها يعني هذه من الكبائر العظام عقوق الوالدين بل أشد من عقوق الوالدين وبالرغم من ذلك جمع أي بين الأمرين اجتهاده هكذا حاله هكذا مع الله أنه ذهب راميا هذا الشيء فهؤلاء الناس
لهم أحوال مع الله كلها تدل على أن الدنيا كانت في أيديهم وليست في قلوبهم فنحن ندعو الله سبحانه وتعالى أن نكون على شاكلتهم أن تكون الدنيا في أيدينا فنبقى أغنياء وأقوياء وهكذا وإلا تكون في قلوبنا فلا نحزن على المفقود ولا نفرح بالموجود ونستعمل الدنيا فيما هي له ولو فعلنا هذا اتقينا من الشرور الكثيرة وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته