مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 32 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 32 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع كتاب إحياء علوم الدين لإمام الأئمة وبدر الأتمة حجة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين، ومع
كتاب العلم وهو بداية الكتب جعله الإمام الغزالي مدخلا لكل الدين، وفي هذا الكتاب حاول الإمام الغزالي أن يرسل إلينا مفهوما ورسالة وهو أننا لا نقف عند الرسوم فلا بد لنا أن نتدبر المعاني ولا يكفينا التصديق بها فلا بد لنا أن نتخذها منهجا للحياة ولا بد في ذلك كله من إحسان النية ومن تعلق القلب بالله سبحانه وتعالى وإلا صارت هذه العلوم كعلوم التاريخ سرد للأحداث ووصف للأشخاص ولا يبقى منها إلا ظاهرها ورسومها، ولذلك
فإن الله سبحانه وتعالى يعدها حينئذ من علوم الدنيا والمعول عليه علوم الآخرة، فإذا نحن اهتممنا بعلوم الآخرة وأخلصنا النية فيها لله فإننا نكون قد فزنا بسعادة الدارين، والفقه الظاهر يضبط حركة العمران على مراد الله وأحكامه ولكن هو وحده لا يوصل في طريق الله إلى الله بل يجب أن ينضم إليه علم الآخرة أو علوم الآخرة علم الآخرة باعتبار جنسه وعلوم الآخرة باعتبار تنوعها وتفرعها وبنى كتابه على هذا وبين حال المجتهدين العظام
فذكر إمامه وإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أول ما ذكر والشافعي دفن بمصر فهو صاحب مصر، والإمام مالك دفن بالبقيع في المدينة فهو صاحب الحجاز، والإمام أبو حنيفة دفن في الأعظمية ببغداد فهو صاحب العراق وما والاها، والإمام الأوزاعي دفن في بيروت فهو صاحب الشام، والإمام أحمد لحق ببغداد أيضا، وعلى كل حال فهؤلاء الأئمة الأعلام قاموا بواجب وقتهم ومع كتاب العلم نستمر في سماع نصيحة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين وعسى أن نكون من أولئك الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه يقول الإمام الباجوري في تحديد معنى السلف الصالح وقيل آخرها القرن الخامس الهجري نهايته فيكون الإمام الغزالي من السلف الصالح عند هؤلاء الأئمة فهو من السلف الصالح الذي أحيا الله به الدين وألهمه أن يسمي كتابه بهذا الاسم الرائع الفائق الرائق الماتع المانع الجامع إحياء علوم الدين فكان بحق مجددا لهذه المدة من الزمان وداخلا في وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لأمتي أمر دينها اقرأ يا شيخ محمد قال
الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى وهو يتحدث عن الفقهاء الذين هم زعماء الفقه وقادة الخلق وكل واحد منهم كان عابدا وزاهدا وعالما بعلوم الآخرة وفقيها في مصالح الخلق في الدنيا ومريدا بفقهه وجه الله تعالى ثم قال عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ورضي عنه وأما إرادته بالفقه والمناظرة فيه وجه الله تعالى فيدل عليه ما روي عنه أنه قال وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب إلي شيء منه فانظر كيف اطلع على آفة العلم وطلب الاسم له وكيف كان منزه القلب عن الالتفات إليه مجرد النية
فيه لوجه الله تعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم وغيره منكم من يقاد إلى الجنة بالسلاسل الإمام الشافعي لا يريد أن يذكر اسمه وإنما يريد أن ينتفع الناس به فإذا برب العالمين ينشر اسمه ولا ينشره في عصره بحيث أن من بعده لا يعرفه وهذا كثيرا ولكنه يجعل اسمه على ألسنة الناس إلى يوم الدين وهذا أمر لا حول للشافعي فيه ولا قوة وإنما هو الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويختار نعم وقال الشافعي رضي الله عنه ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ وقال ما كلمت أحدا قط إلا أحببت
أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله تعالى وحفظ وما كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو لسانه وقال ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته واعتقدت محبته ولا كابرني أحد على الحق ودافع الحجة إلا سقط من عيني ورفضته فهذه العلامات هي التي تدل على إرادة الله تعالى بالفقه والمناظرة، فانظر كيف تابعه الناس من جملة هذه الخصال الخمس على خصلة واحدة فقط، ثم كيف خالفوه فيها أيضا. ولهذا قال أبو ثور رحمه الله: ما رأيت ولا رأى الراؤون مثل الشافعي رحمه الله تعالى. وقال
أحمد بن حنبل رضي الله عنه: ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي رحمه الله تعالى فانظر إلى إنصاف الداعي وإلى درجة المدعو له دعائه له قال له ابنه أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء فقال أحمد يا بني كان الشافعي رحمه الله تعالى كالشمس فانظر هل لهذين من خلف، وكان أحمد رحمه الله يقول: ما مس أحد بيده محبرة إلا
وللشافعي رحمه الله في عنقه منة. وقال يحيى بن سعيد القطان: ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو فيها للشافعي، لما فتح الله عز وجل عليه من العلم ووفقه للسداد فيه الشافعي. أسس الأسس ووصل الأصول ولذلك كانت منة على كل من كتب بعد ذلك إلى يوم الدين وألف الرسالة وجمع فيها مفاتيح الفقه والتفسير بل واللغة وكان قد فتح الله عليه بالربط بين كل هذه العلوم تعلم اللغة فى البادية حتى قرأ أشعار الهذليين وكان الأصمعي على جلالة قدره في اللغة يصحح أشعار الهذليين وهي صعبة جدا
على الشافعية، بلغ الغاية في الحفظ وفي الإتقان وفي تلقي القرآن حتى في حفظ الحديث، فانبهر به مالك ومالك هو أستاذ الأساتذة وقد شهد له سبعون إماما من أئمة المدينة المنورة، هؤلاء الناس بنوا وبنوا بناء مركبا عميقا حتى
النابتة فكوا ما ركبوه وسطحوا ما عمقوه وألغوا ما قرروه وتجرأوا عليهم بما يجعلنا نقول حسبنا الله ونعم الوكيل، سيغنينا الله من فضله ورسوله. اذا اطلعت على كلام هؤلاء الأئمة وعلى تراكيبهم وعلى تقواهم على إخلاصهم وعلى للكتاب والسنة وللغة العرب ولمقتضيات المصلحة والمقاصد والمآلات التي يؤول إليها الحال لعرفت أنهم قد بعثوا من عند الله سبحانه وتعالى لحفظ هذا الدين وأن الله جعلهم أسبابا لهذا الحفظ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فحفظ الله هذا الدين بأولئك الأئمة أنار قلوبهم وطهر أرواحهم وفتح عقولهم وجعلهم على هذه الدرجة العالية من الخلق الكريم ومن العلم العظيم حتى ظهرت النابتة عبر القرون في كل مكان وزمان يعظمون هؤلاء ويجلونهم ويتبعونهم حتى نبتت النابتة من أحداث الأسنان سفهاء الأحلام الذين يدعون أنهم يقولون من
كلام خير البرية وخير البرية منهم بريء فقالوا نحن رجال وهم رجال هذا الجاهل الذي لا يعرف من أمر نفسه شيئا صار عالما، بل صار يمنح العلم، فالتف حوله أراذل الناس كالتفاف الذباب على القمامة. أراذل الناس التفوا حوله لأنه أفهمهم أنهم سيصبحون علماء بعد جلسة أو جلستين من الجلوس إليه، وهذا خطر على الملة وعلى الإسلام في العالمين، وهذا فيه سوء قصد. هو الله الذي لا إله إلا هو، لو بذل أعداء الإسلام الجهد والمال والنفس والوقت ما وصلوا من الأضرار بالإسلام والمسلمين إلى ما وصل
إليه هؤلاء، فإنهم نابتة نبتت في أوساط المسلمين اعتدت على ما فعله السلف الصالح تحت عنوان السلف الصالح واعتدت على الأحاديث النبوية الشريفة تحت دعوى أنهم الأحاديث النبوية الشريفة الأمة بحالها أخذت بالحديث الضعيف وجمع الإمام الأردبيلي كتابا اسمه المعيار جمع فيه ألفا وخمسمائة حديث استدل بها الأئمة في فقههم وهي ضعيفة ولكن ليس في الباب غيرها كل السلف الصالح وكل الخلف العالم أخذوا بهذه الأحاديث وجاء هؤلاء فألحقوا الضعيف بالموضوع وألقوه وراءهم ظهريا
فمن الذي يأخذ بالسنة ومن الذي يحاربها، الذي فضل الحديث الضعيف على الرأي والهوى أم من سوى بين الضعيف والموضوع وأراد هدم الدين، أي الفريقين أحق بالأمن يا قوم إن كنتم تعلمون؟ هؤلاء جاءوا وجعلوا السنة فوق القرآن وقالوا إن السنة تكفينا، كذبوا، الأمة كلها قدمت القرآن على السنة حيث إنه عند التعارض يقدمون القرآن لأنه قطعي الثبوت ولأنه متواتر ولأنه محفوظ على مستوى الحرف والأداء والسنة ليست كذلك فهي حجة عند المسلمين جميعا إلا
أنها تأتي تابعة للقرآن شارحة للقرآن كالوصية المنفذة المعصومة تطبيقا للقرآن أما أنها تكر على القرآن بالبطلان فهذا يهدر القرآن والسنة فمن الذي يدافع عن السنة ومن الذي ينكر السنة تلبيس إبليس كما وصفهم أبو الفرج الجوزي في تلبيس إبليس شيء عجيب غريب يحدث في الأمة في حين نيام بعضهم عنها اللهم أيقظنا وأيقظ قلوبنا ونور قلوبنا لفهم تلك النابتة وللوقوف حتى نطهر الإسلام والملة من هذه الأفكار المنحرفة إلى لقاء
آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،