مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 39 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 39 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي الشافعي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين آمين. وفي كتاب العلم نستمع
ونجلس هذه اللحظات، اقرأ يا شيخ محمد قال. حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين آمين. بيان ما بُدِّل من ألفاظ العلوم: اعلم أن منشأ التباس العلوم المذمومة بالعلوم الشرعية تحريف الأسماء المحمودة وتبديلها ونقلها بالأغراض الفاسدة إلى معانٍ غير ما أراده السلف الصالح والقرن الأول، وهي خمسة ألفاظ: الفقه... والعلم والتوحيد والتذكير والحكمة، فهذه إن هناك ما يسمى بالاصطلاح، والاصطلاح كان على عهد السلف، ثم الاصطلاح
تضعه الجماعة العلمية، وإذا وُضع الاصطلاح خارج الجماعة العلمية حدث الخلل. كان الاصطلاح وضع ألفاظ مخصوصة بإزاء مفاهيم ومعانٍ مخصوصة، ولذلك إذا وضعنا الألفاظ لا في مقابلة تلك المعاني وقام بذلك لا الجماعة. العلمية إذا نصل إلى الخلط، وهنا ينبه الإمام الغزالي على شيء مهم وهو أن الاصطلاح من شأن الجماعة العلمية، وأنه إذا خرج عن الجماعة العلمية حدث الخلط، وأنه إذا حدث الخلط حدث الالتباس بين الممدوح والمذموم وبين القبيح والحسن، ولذلك أصبح العوام
يأخذون هذا الكلام، وقد درس العوام هذه الأمور. بالمساجد عبر القرون ومن المشايخ بعقولهم التي تشبعت بعلم الأولين فيقول لك يقول ماذا؟ أعطِ الخبز لخبازه، أعطِ الخبز لخبازه ولو أكلوا نصفه، لأن النصف الثاني سيخرج سليماً صالحاً للأكل، لكن لو أعطيته لغير الخباز، فسيأتيك به كله محروقاً إن شاء الله، فماذا تفعل؟ ستحدث المجاعة، أعطِ الخبز لخبازه ولو. كلوا نصاً، يعني لا تتحجج بأن المختص يقول لك: "لا، أنا لن أذهب إلى هذا الطبيب، أجره مرتفع". نعم، هذه
قضية أخلاقية. نقول له: "لا أيها الطبيب، من باب النصيحة، خفف عن المرضى، هذا إنسان، لا تأخذ منه هكذا". يعني أيضاً نعترض، نعم، لكن عمرنا ما ننهى الناس أنها... تذهب إليه تذهب إليه في أمانة الله وتتعالج في أمانة الله بالعلم وبعد ذلك المسألة الأخلاقية هذه نحلها بالموعظة وبالتزكية. عندما فقدنا هذا الكلام الجميل البسيط حدث الالتباس، فكيف حدث الالتباس في هذه القضايا الخمس كما حدث الالتباس في الكلم الثماني في أواخر القرن التاسع عشر ونبه عليها الإمام المرصفي في... كتابٌ اسمه الكلِم الثماني، كلامٌ فيه ما نسميه بالاحتلال والاختلال، احتلال المعاني
بإزاء الألفاظ واختلال التفاهم بين الناس، لأنك ستقول اللفظ فيفهمها مَن أمامك بمعناها الصحيح وأنت تريد معناها غير الصحيح، وهذا يُحدث التباساً في الفهم، وهذا الذي نسميه الاحتلال والاختلال، بينهما نقطة على الحرف، بين الحاء والخاء: احتلال واختلال، فاحتلال المفاهيم. استخدام المصطلحات بمفاهيم مغلوطة يؤدي إلى اختلال في الفهم واختلال في التفكير. وفي هذا السياق، يشير الإمام الغزالي إلى أن هناك في عصره خمسة من الألفاظ قد اختلت معانيها فاختلت مفاهيمها. انظر كيف حدث ذلك. وهذا هو
مبدأ الإصلاح، والاصطلاح افتعال. حسناً، كلمة "تاء" أصلها "اصطلاح افتعال"، تحولت إلى "طاء". نعم لا، لأن التاء إذا وقعت بعد حرف من حروف الإطباق الأربعة: الصاد والضاد والطاء والظاء، تنقلب طاءً. مثل: اضطراب، اصطلاح. الصاد هي، لكن احتكار تبقى كما هي، افتعال الفهم يبقى كما هو، اهتبال تبقى كما هي، لأنها ليست من الحروف الأربعة. رد أثر مطبقي. ادَّانَ وازدد و ادّكر دالا بقي‌ صار طاء تفتعل رد، يعني التاء الخاصة
بالافتعال إذا جاءت بعد الحروف الأربعة المطبقة، والحروف الأربعة المطبقة هي: صاد، ضاد، طاء، ظاء. هذه أربعة حروف، فيصبح عند "اصطلح" تكتبها بالطاء، لماذا؟ تُطاع، كفانا الله الشر. ما هي على وزن افتعال، فيجب أن تُكتب بالتاء، قالوا صحيح، ولكن هناك... عندما تأتي هذه الحروف الأربعة أولاً وبعدها التاء، تتشبع منها لأنه من قواعد الصوتيات أن تُقلَب، فهذه خاصية في أحرف الصاد والضاد والطاء والظاء، فتتحول التاء الرقيقة إلى طاء مفخمة. هذه أسماء محمودة والمتصفون بها أرباب المناصب في الدين، ولكنها نُقلت الآن إلى معانٍ مذمومة فصارت القلوب تنفر عنها. مذمة من يتصف
بمعانيها لشيوع إطلاق هذه الأسامي عليهم. الاحتلال، الاختلال، احتلوا المفاهيم، تخلت المعاني. نعم، اللفظ الأول الفقه، فقد تصرفوا فيه بالتخصيص لا بالنقل والتحويل، إذ خصصوه بمعرفة الفروع الغريبة في الفتاوى والوقوف على دقائق عللها واستكثار الكلام فيها وحفظ المقالات المتعلقة بها، فمن كان أشد تعمقاً فيها وأكثر. اشتغالاً بها يُقال إنه الأثقل، ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول مُطلقاً على علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة
الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب، ويدلك على ذلك قوله عز وجل: "ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم". وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة، فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف، بل التجرد له على الدوام يُقسِّي القلب وينزع الخشية منه، كما نشاهد الآن من المتجردين له. ولذلك بعد الإمام الغزالي صار تقريباً كل الفقهاء من أهل التصوف لأنهم... عَرَفوا أنَّ
الفِقهَ بِمُجَرَّدِهِ بالمَعنى الجَديدِ هَذا الّذي يَتَكَلَّمُ عَن الزَّواجِ والطَّلاقِ والبَيعِ والشِّراءِ والقَضاءِ والشَّهاداتِ فَقَط مِن غَيرِ أن يَعرِفَ الحِكمَةَ، مِن غَيرِ أن يَعرِفَ العَلاقَةَ بَينَهُ وبَينَ اللهِ، مِن غَيرِ أن يُفَرِّقَ بَينَ العادَةِ والعِبادَةِ، لا يُوصِلُ إلى الآخِرَةِ، ويَصيرُ تاريخاً: فُلانٌ قالَ وعِلانٌ قالَ. أمّا إذا رَبَطناهُ بالعقيدة والأخلاق يصل المرء إلى الآخرة، ولذلك رأينا كل من تصدر للفقه بعد ذلك اشتغل بالتصوف، حتى إن ابن تيمية رحمه الله بعد ما فعل ما فعل وثارت ثورة في عقله، فإنه رجع إلى التصوف ومات وهو يقرأ قوله تعالى
"في مقعد صدق عند مليك مقتدر" بعد أن ختم القرآن. ثمانين مرة في الحبس ولبس الخرقة، يقولون إن الخرقة بدعة. ها هو ابن تيمية ظل يلبس الخرقة ودُفن في مقابر الصوفية لأنه كان معدوداً منهم في آخر حياته. فإذا بهم يتركون هذا كله ويتمسكون بمشاحنات أثارها. لا، هذا غير صحيح هكذا. انظروا إلى ما وصل إليه الرجل بعد تلك المعاناة، وصل إلى التصوف وتكلم. كلاماً عجيباً غريباً في المجلد العاشر والحادي عشر من مجلداته هذه عن التصوف وعن السلوك إذ يجب علينا أن نربط الفقه بالآخرة
وإلا فقد معناه. نعم، وقال تعالى: "لهم قلوب لا يفقهون بها" وأراد به معاني الإيمان دون الفتاوى. ولعمري إن الفقه والفهم في اللغة اسمان بمعنى واحد وإنما... يتكلم في عادة الاستعمال به قديماً وحديثاً، وقال تعالى: "لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله" الآية، فأحال قلة خوفهم من الله واستعظامهم سطوة الخلق على قلة الفقه. فانظر إن كان ذلك نتيجة عدم الحفظ لتفريعات الفتاوى أو هو نتيجة عدم ما ذكرناه من العلوم. هناك لفظان: فعل،
فقه. الفقه وهو في اللغة على ثلاثة معانٍ: أما فقه أي أدرك، وفقه سبق غيره في الفقه والفهم، وفقه صار الفقه له سجية. ولذلك تسمى هذه الأفعال في اللغة أفعال السجايا، مثل شجُعَ وكرُمَ، يعني صار الكرم له سجية من غير معاناة. يعطي من غير معاناة، عنده جرأة، شجُعَ يعني عنده جرأة هكذا. من غير معاناة، من غير أن يفكر: "إنني يجب أن أقوم وأتحرك الآن"، لا، هذا ليس شجاعاً. واللفظة الثانية، الشيخ محمد يقرؤها بالفصحى "الفتاوي"، وكل ما
على وزنها فيها وجهات: "الفتاوى" و"الفتاوي"، والأفصح "الفتاوي"، نعم. و"الفتاوى" ضعيفة وهي الشائعة على الألسنة، لكنها ليست هي الأفصح عند العرب "الفتاوي". جمع فتوى فتاوى وبلاوى مثل يعني كل ما كان على فتوى فتاوى وهكذا. أحد الصحفيين يحاول أن يعني يقول أنه يعرف في اللغة يعني شيئاً كهذا، فيعترض على القاضي الذي قال الدعوتين، وقالوا له لماذا هذا؟ الدعوة دعوة، هذا شيء والدعوى هذه شيء آخر، وما دامت دعوى فينبغي
أن الدعوى. الدعويان وجهل أنهما بمعنى واحد نص عليها السيوطي في المزهر، فالدعوى ودعوة الاثنين واحد في اللغة. عرف شيئاً وغابت عنه أشياء. هذا هو الفرق بين الأزهر الذي حفظ اللغة وبين شخص هنا أو شخص هناك اعترض على الصحيح ظناً منه أنه يريد أن يمارس السياسة، ولكن بقليل من العنترة والتكبر. نعم لا لا يناسبنا. الذي يناسبنا أن نرجع إلى كتب اللغة، سنجد الدعوة، والدعوى سياسة. فإذا كان الرجل لم يخطئ، فكيف نخطئه هكذا؟ هذه غوغائية، غوغائية. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.