مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 40 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 40 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين، وفي أول ما كتب الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين، عن العلم في كتاب العلم، نبه
إلى خطورة التلاعب بالمصطلحات وأنها عندما يحدث احتلال يحدث... اختلال والتباس، ولذلك تكلم عما أسماه بالألفاظ الخمسة، وأن هناك التباساً حدث حولها. من هذه الألفاظ "الفقه"، فالفقه قديماً كان هو ما يؤدي إلى معرفة الله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" على سيدنا حبر الأمة ابن عباس. "فقهه في الدين" أي فقهه فقهاً. يصل به إلى الله وقد كان لأن النبي كان مستجاب الدعاء. ويتكلم
الإمام الغزالي عن هذه الألفاظ الخمسة ليحرر ما كانت عليه، وأن التلاعب بالأسماء منهي عنه شرعًا. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على أمتي زمان يستحلون فيه الخمر، يسمونها بغير اسمها". سيجعل الناس... زمانًا كانوا يسمون الخمر بغير اسمها، كالبيرة والويسكي والشامبانيا، فيستحلونها بذلك. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان عندنا هنا في مصر ملك اسمه الملك فاروق، كان يحب الشامبانيا كعينيه، وكان يقول: "أنا ملك مسلم لا أشرب الخمر أبدًا"، وهو
يشرب الشامبانيا. هو صادق مع نفسه لكنه مخطئ صادق. مع نفسه لأنه لم يظن أن الشامبانيا خمر ويظن أن الشامبانيا هذه عصير تفاح، لكنه جهل أن الخمر ليس هو الذي يأتي من العنب فقط. لعله لو كان يفهم هذا، لكان خطأ التسمية قد جعل هذا الملك الذي يصر على ألا يشرب الخمر يقع في شرب الخمر. إذاً هناك يعني مصائب للتغيير. الأسماء لاحتلال المفاهيم واختلالها. نقرأ يا شيخ محمد: قال حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه
وعلومكم في الدارين آمين: "وسُئل سعد بن إبراهيم الزهري رحمه الله: أي أهل المدينة أفقه؟ فقال: أتقاهم لله تعالى". فكأنه أشار إلى ثمرة الفقه، والتقوى ثمرة العلم الباطني دون... الفتاوى والأقضية. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه؟" قالوا: "بلى". قال: "من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه". وهذا الحديث رواه ابن لال في مكارم الأخلاق وأبو. بكر بن السني وابن عبد البر من حديث علي رضي الله عنه، وقال ابن عبد البر: أكثرهم
يوقفونه عن علي. إذاً فهو حديث موقوف أو مرفوع، وأكثر الرواة يوقفونه على سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، فهو كلام بليغ، وأيضاً هو من كلام الأئمة الذين نصحنا رسول الله صلى الله. عليه وسلم أن نتبع هداهم فقال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور". نعم، ولما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من غدوة إلى طلوع الشمس أحب إلي من" أن أعتق أربع رقاب. قال: فالتفت إلى زيد الرقاشي وزياد النميري وقال: لم تكن مجالس
الذكر مثل مجالسكم هذه، يقص أحدكم وعظه على أصحابه ويسرد الحديث سرداً. إنما كنا نقعد فنذكر الإيمان ونتدبر القرآن ونتفقه في الدين ونعد نعم الله علينا تفقهاً. فسمى تدبر القرآن وعد النعم تفقهاً. قال صلى... الله عليه وآله وسلم: "لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، وحتى يرى للقرآن وجوهًا كثيرة". وروي أيضًا موقوفًا على أبي الدرداء رضي الله عنه: "القرآن واسع لأنه كلام الله، فمن ضيّقه ضيّق الله عليه". القرآن واسع يشمل كل البشر إلى يوم الدين،
ولذلك فهو حمّال. إن القرآن واسع لأن الإسلام هو هداية الله إلى العالمين وإلى يوم الدين، وليس هناك نبي بعد ذلك، فمن أراد أن يختزله في عادات البدو أو عادات العرب أو عادات أمة دون أمة فقد أجرم في حق سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضيّق واسعاً فلا يكون متبعاً. للنبي المصطفى والحبيب المجتبى أبداً، لأن النبي جاءنا بالسعة وهذا النابت جاءنا بالضيق. النبي صلى الله عليه وسلم وسّع علينا وهو يريد أن يضيق علينا، إذاً منهجه مختلف عن منهج النبوة. هو من الشيطنة أنه تمسك بظاهر
النبوة ونحن نتمسك بمنهج النبوة. منهج النبوة أن النبي فتح الأبواب ولكن هو... يقول هذا الباب لم يكن مفتوحاً، من الذي قال لك أن النبي فتح الأبواب؟ قال: نعم، هو فتح الأبواب، لكن هذا الباب لم يقولوا عنه، لم يقولوا أنه فتح هذا الباب بالذات. ها، هكذا تفهم، إذاً أنت تفهم عكس ما فهم الأئمة الأعلام المجتهدون، وعكس ما هو الواقع، ونفس الأمر، ولذلك... هذا يضيّق ما وسّعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفعلون هذا في الأذكار ويفعلون هذا في العبادات ويفعلون هذا في كل شيء في حياتهم. فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم
الوكيل، سيغنينا الله من فضله ورسوله. لكن آن الأوان أن لا نسكت على هذا الهراء وأن ندافع. عن ديننا وعن نبينا صلى الله عليه وسلم وأن ندافع وأن نبرز المنهج النبوي الصحيح الذي تلقيناه كابراً عن كابر وتلقيناه خلفاً عن سلف، وهذا الإمام الكبير حجة الإسلام الذي سمته الأمة حجة الإسلام ينقل لنا هكذا كلام، ولذلك يجب علينا أن نبرز ما كان خفياً. هذا الكتاب غصة في قل لصدور أولئك النابتة هكذا مرة: "إحياء علوم الدين" فقط وكفى، لا تقل شيئاً آخر، قل له هكذا. "إحياء الإحياء" تجد وجهه قد تغير ألواناً لأنه يكشف زيفهم، لأنه يؤسس للعقل المسلم المستقيم وللتفكير المستقيم. فإياك
إياك أن تترك السلف الصالح وأن تتمسك بمن أسموا أنفسهم السلف الطالح هؤلاء. بالاسم فقط ولا يبقى من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه. اقرأ يا شيخ محمد، وقد سأل فرقد الحسنَ عن الشيء فأجابه، فقال: إن الفقهاء يخالفونك. فقال الحسن رحمه الله: ثكلتك أمك يا فرقد، وهل رأيت فقيهاً بعينك؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه الورع الكاف نفسه عن أعراض المسلمين العفيف عن أموالهم الناصح لجماعتهم، ولم يقل في جميع ذلك
الحافظ لفروع الفتاوى، ولست أقول إن اسم الفقه لم يكن متناولاً للفتاوى في الأحكام الظاهرة، ولكن كان بطريق العموم والشمول أو بطريق الاستتباع، وكان إطلاقهم له على علم الآخرة أكثر ما بَان. من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد له والإعراض عن علم الآخرة وأحكام القلوب ووجدوا على ذلك معيناً من الطبع فإن علم الباطن غامض والعمل به عسير والتوصل به إلى طلب الولاية والقضاء والجاه والمال متعذر فوجد الشيطان مجالاً لتحسين ذلك في القلوب بواسطة تخصيص اسم الفقه الذي هو اسم "محمود" في الشرع، إذاً فهذا حال
الفقه، لا بد أن يرتبط بعلوم الآخرة وأن يكون لوجه الله وأن ينضم إليه قضية التخلية والتحلية والنية، وأن يُربط. ولذلك فإن الخطأ هنا هو التخصيص، يعني أن الفقه كان دائرة كبيرة فجعلوه دائرة صغيرة، وأكد في آخر كلامه أن الدائرة الصغيرة هي... ضمن الدائرة الكبيرة كانت دائرة كبيرة تتضمن دائرة صغيرة، لكنهم اختزلوه وخصصوه في دائرة صغيرة. هذا هو الخطأ، هذا تلاعب بالمفاهيم إزاء المصطلحات.
له أساليب، من ضمن هذه الأساليب واحد وهو التخصيص، هذه واحدة. لنستمع الآن إلى واحدة ثانية، تفضل. اللفظ الثاني هو العلم، وقد كان يُطلق ذلك على العلم بالله. تعالى وبآياته وبأفعاله في عباده وخلقه، حتى إنه لما مات عمر رضي الله عنه قال ابن مسعود رحمه الله: "لقد مات تسعة أعشار العلم"، فعرّفه بالألف واللام ثم فسره بالعلم بالله سبحانه وتعالى. وقد تصرفوا فيه أيضاً بالتخصيص حتى اشتهر في الأكثر بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في المسائل الفقهية. وغيرها فيقال
هو العالم على الحقيقة وهو الفحل في العلم، ومن لا يمارس ذلك ولا يشتغل به يُعدّ من جملة الضعفاء ولا يعدونه في زمرة أهل العلم، وهذا أيضاً تصرف بالتخصيص، ولكن ما ورد من فضائل العلم والعلماء أكثره في العلماء بالله تعالى وبأحكامه وبأفعاله وصفاته، وقد صار الآن مطلقاً. على من لا يحيط من علوم الشرع بشيء سوى رسوم جدلية في مسائل خلافية فيعد بذلك من فحول العلماء مع جهله بالتفسير والأخبار وعلم المذهب وغيره، وصار ذلك سبباً مهلكاً لخلق كثير من أهل طلب العلم. والله تعالى
أعلى وأعلم.