مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 44 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 44 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
شكرا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه نواصل القراءة في كتاب ماتع للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي
رضي الله تعالى عنه وأرضاه وهذا الكتاب وفق بين ما كان عليه أهل الله من الصوفية حاملين درسا وتنفيذا وفعلا وسلوكا ظاهرا وباطنا، وبينما كان على الفقهاء تحصيل العلوم الظاهرة التي تحمي ظاهر الشريعة عقيدة وشريعة، فانتهى الخصام المرير بين الفقهاء والصوفية منذ أن توفي الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى في سنة خمسمائة وخمس من الهجرة، وتوفي صغيرا وكأن لديه خمسة وخمسين عاما فقط، ولكن فتح الله
عليه الخير الكثير وكان شافعي المذهب، وألف في المذهب كتبا كثيرة فألف كتاب الوسيط وكتاب المبسوط ثم الوسيط ثم الوجيز ثم الخلاصة، وعلى الوجيز شروح شرحه الإمام الرافعي في الشرح الكبير وأسماه فتح العزيز شرح كتاب الوجيز، والوسيط طبع لكن المبسوط يبدو أنه لم يصل إلينا أو لم يصل إلينا كاملا، نقرأ الآن بعدما
توقفنا في رمضان الماضي، نقرأ ما يقوله الإمام، تفضل الشيخ محمد وسام بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين آمين، وأما الطامات فيدخلها ما ذكرناه في الشطح وأمر آخر يخصها وهو صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام فائدة كدأب الباطنية في التأويلات، فهذا
أيضا حرام وضرره عظيم فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضي ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع، ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به والباطن لا ضبط له بل تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه شتى، وهذا أيضا من البدع الشائعة العظيمة الضرر، وإنما قصد أصحابها الإغراب لأن النفوس مائلة إلى الغريب ومستلذة له، وبهذا الطريق توصل الباطنية
إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم كما حكيناه من مذاهبهم في كتاب المستظهري المصنف في الرد على الباطنية إذا هو ينعى على طائفة ظهرت قبله ذهبوا إلى الشرع فاستثقلوه وأرادوا أن يخرجوا منه بالجملة ولكنهم خافوا كشأن المنافقين فذهبوا إلى ألفاظ الشرع فأولوها وصرفوها عما يتبادر إلى أذهان الناس وإلى أذهان المسلمين فذهبوا إلى الحج والحج في اللغة القصد فقالوا الحج هو أن تقصد الإمام وليس أن تذهب إلى الكعبة
وتطوف بها سبعة أشواط وتعتمر أو تحج أو نحو ذلك، قالوا المقصود بها الإمام والصيام قالوا كتمان سر الإمام يعني إمامهم، أقول له من هو؟ فيقول لي لا هذا أنا صائم، فأقول والصيام الذي هو الامتناع عن الطعام والشراب وشهوة البطن والفرج من الفجر إلى المغرب يقول ما معنى هذا؟ هذا شهر رمضان، هذا إشارة إلى ماذا؟ الإمام الذي إذا أدخلونا في أوهام وخيالات وألفاظ أتوا هم بها لا علاقة لها باللغة ولا علاقة لها بالشرع ولا علاقة لها بالفهم، فردوا الشريعة بجملتها، استطاع بهذا الشكل أن يتخلص من الشريعة، وما زال إلى يومنا هذا
بعض الناس على مذهب هؤلاء وهؤلاء يرون أن الله فكرة وليس موجودا، الله هذا فكرة نحن صنعناها وليس هو موجود سبحانه وتعالى، والإسلام جاء فأقر وجود الله حقيقة وأنه متصف بالصفات العليا وأن له إرادة وعلم وحكمة وقدرة وقوة وأنه عزيز حكيم عليم موجود فعلا وليس وهما وفكرة أن الإله قد يكون موجودا وهذه هي فكرة من أرسطو لأن أرسطو يتحدث عن طبقتين من
المتحكمين في الكون، الطبقة الأولى تسمى القضاء، يقول أرسطو إن هذا القضاء لا يتصف بالصفات ولا بأضدادها، فهو لا عليم ولا ليس بعليم ولا مريد ولا ليس بمريد، إنه شيء فوق العقل وفوق الكون ولا علاقة لنا وفيه وفي الأورغانون العظيم يتحدث عن الآلهة الذين هم في مقابل الملائكة في الأديان السماوية، هناك إله للعدل، وإله للجمال، وإله للحرب، وإله لكذا إلى آخره. عندما تتأمل تجد أن هؤلاء الآلهة
كأنهم ملائكة يعني، أي الملائكة ملك الريح، وملك واقف على جهنم، وملك واقف على الجنة، شيء من هذا يسمونهم الآلهة، حسنا، ربما لا يوجد عليه شيء، قد تكون الترجمة فيها شيء. القضاء أخذ نصف صفحة وهو يتحدث عن القضاء الذي كأنه يتحدث عن الله، أخذ نصف صفحة من الأورجانون، والآخر أخذ صفحات كثيرة. ما هو القضاء؟ هذا القضاء الذي سماه كذلك، القضاء شيء لا علاقة لنا به ولا ولن نستطيع أن نصد لها أكثر الله خيرك متشكرين، القرآن أنبأنا عنه سبحانه وتعالى وأنبأنا عن صفاته بالتفصيل، مائة واثنتان وخمسون صفة في القرآن، مائة وأربع
وستون صفة في السنة، تجمعهما فيصبح مائتان وعشرون صفة جاء بها الإسلام وصفا لربنا سبحانه وتعالى، فنحن لا نعبد وهما، أرسطو فأزاحه وقال هذه فكرة الباطنية عندما اطلعوا على هذه الفلسفات ذهبوا إلى أن هذا مدخل جيد من أجل التخلص من الشريعة وهو أن يؤولوا الألفاظ بطريقة باطنية وهم يضمرون عدم وجود الإله فلا يوجد رب وما دام لا يوجد رب فلا يوجد تكليف وما دام لا يوجد تكليف فكل شيء حلال الذي يحرم الخمر والخنزير، ما الذي يحرم زواج الأم أو البنت؟ هو الذي حرمه الله، أما الطبيعة فيمكن أن
يحدث هذا، فيأكل شخص خنزيرا ولا يموت، يشرب خمرا ولا يتسمم، ينكح أمه ولا يحدث شيء، لا تنخسف به الأرض مثلا، فذهبوا يؤولون كل شيء حتى أسقطوا التكليف بالمرة واستباحوا المحرمات وكل ذلك فرع عن إنكار الله، فهذا الفعل شخص يقول لا أنا لا أنكر الله لكن سأفعل هذا، نقول له هذا حرام يؤدي بك إلى الكفر، لكن الحقيقة أن هؤلاء الناس ولذلك عندما ألفوا فيهم أسموهم فضائح الباطنية فضيحة الفضيحة
جاءت من أين؟ أنه ينكر أصلا وجود الله ثم ذلك يبنى عليه إنكار النبوة والوحي، أي أنه لا يوجد رب، لا يوجد إله يوحي، وعليه فلا يوجد تكليف، وعليه افعل ما شئت، سقط عنك التكليف، وهذا يقول به أناس إلى يومنا الحاضر من المسلمين ومن غير المسلمين، ولذلك فدراسة هذه الكتب ليست عابرة ونافلة وهكذا أبدا، هذا يرد حتى ما يحدث الآن حادث إلى الآن في العصر الجديد من يقول بمثل هذا الكلام تماما لكنه ليس منتسبا إلى المسلمين، سقوط التكليف، عدم وجود الوحي، إنكار الإله، لأن انتبه هذه درجات يعني يمكن أن يقول بسقوط
التكليف حتى مع وجود الوحي، يمكن أن يقول لا يوجد وحي حتى مع وجود الإله لكنه لما ينكر الإله يصبح أنكر كل شيء نعم ومثال تأويل أهل الضلالات قبل مثال التأويل الباطن كما أشار فضيلة الإمام الغزالي غير منضبط قال لتعارض الخواطر كيف تأتي من الباطن الرضا هذا هو الذي بنيت عليه البيع والشراء فقالوا لكن لا ينضبط وأنا أبيع معك واشتري سنأتي بخمسة نسأل الاثنين الأولين أأنتم راضون عن
البيع، قال أنا راض كل الرضا كنت أريد أن أبيع شيئا بمائه عرض علي فيها بمائتين مائتين وأصبح بضاعة كاسدة لا أحد يشتريها ولا أحد يقول لها السلام عليكم فالحمد لله راض، قلنا للثاني الذي قام بالبيع والشراء أأنت راض قال نعم جلبت ثمنها جميل كنت أريد أن أبيعها بمائة فجلبت المائة الثالثة أنت راض قال هاأنذا زوجتي مريضة وأريد أن أسدد فاتورة المستشفى فاضطررت أن أبيعها لو كنت أنا لو لم يكن هذا الظرف ما كنت بعت يعني أنت خاسر قال لا لست خاسرا ولا شيء ولكن يعني لو إن كنا قد جلسنا قليلا لكان بإمكانها أن تأتي بأكثر، يعني هل أنت راض أم غير
راض؟ أنا راض ولكن يعني الرابع قال والله في سمائه لا، ولولا الظرف الذي أنا فيه ما كنت أرسلتها أبدا، هذه من روح أبي هذا الذي يحبني والذي أعطاني ويجلس يبكي، والله يعني هل راض هو قال له بعتك واشتريت فيبقى إذا ضبطوا الرضا بأمر منضبط وهو اللفظ ولم يضبطوه بأمر غير منضبط لماذا؟ لأن الأحوال تتغير، ففي رضا زائد وفي رضا معقول وفي رضا ناقص وفي رضا متردد وفي رضا في الظاهر فقط وهو لا يريد بل وينكر، فما هو الرضا إذن؟ نعم هكذا الرضا درجات وهو غير منضبط
إذا كان هذا في حاجة هي واضحة مثل البيع والمشقة أنت مسافر يجوز لك أن تفطر هذه المشقة إذن أنت نلت مشقة قال والله هذا أنا ارتحت آخر راحة هذا أنا أرتاح أكثر من بيتنا والآخر قال لا هذا أنا هكذا أموت وهم راكبون قطارا واحدا مثلا حسب الجسم حسب النفسية حسب التعود وهكذا فالمشقة أمر بني عليه جواز الإفطار لكنه باطل وليس ظاهرا فذهبنا فعلنا ماذا جاعلين الإفطار بالمسافة خمسة وثمانين كيلومترا في المزيد أنت ذاهب فيجب أن تفطر
إذا هل عليك الصيام يعني الآذان يأذن وأنت ذاهب مسافر في سفر عند الأئمة الأربعة فلو دخل السفر على الصيام فلا تفطر، أي لا يجوز أن تفطر وأنت مسافر عندهم، أي في الساعة العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة لا يجوز طبعا. هؤلاء الأئمة الأربعة ففي مذاهب الصحابة من كان يجيز هذا، لكن هذا خارج الأربعة. نعم، ومثال تأويل أهل الطامات قول بعضهم في تأويل قوله تعالى اذهب إلى فرعون إنه طغى، إنه إشارة إلى قلبه وقال هو المراد بفرعون وهو الطاغي على كل إنسان، وفي قوله تعالى
وأن ألق عصاك أي كل ما يتوكأ عليه ويعتمده مما سوى الله عز وجل فينبغي أن يلقيه، وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم تسحروا فإن في السحور بركة وهو متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه أراد به الاستغفار في الأسحار وأمثال ذلك وأمثال ذلك حتى يحرفون القرآن من أوله إلى آخره عن ظاهره وعن تفسيره المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وسائر العلماء وبعض هذه التأويلات يعلم بطلانها قطعا كتنزيل فرعون على القلب، فإن فرعون شخص محسوس تواتر إلينا النقل بوجوده، ودعوة موسى عليه السلام له، وكأبي
جهل وأبي لهب وغيرهما من الكفار، وليس من جنس الشياطين والملائكة مما لم يدرك بالحس حتى يتطرق التأويل إلى ألفاظه، وكذلك حمل السحور على الاستغفار، فإنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يتناول الطعام ويقول تسحروا وهلموا إلى الغذاء المبارك، فهذه أمور يدرك بالتواتر والحس بطلانها نقلا، وبعضها يعلم بغالب الظن وذلك في أمور لا يتعلق بها الإحساس، فكل ذلك حرام وضلالة وإفساد للدين على الخلق، ولم ينقل شيء من ذلك عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن الحسن البصري مع إقباله على دعوة الخلق. ووعظهم فلا يظهر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم
من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار وهو رواه الترمذي والنسائي في الكبرى فلا يظهر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار معنى إلا هذا النمط وهو أن يكون غرضه ورأيه تقرير أمر وتحقيقه فيستجر شهادة القرآن إليه ويحمله عليه من غير أن يشهد لتنزيله عليه دلالة لفظية لغوية أو نقلية وهذاحادث حتي في عصرنا شاهدنا فرقة خرجت في مصر كانت تدعي من أجل هذه الآية وألق عصاك يعني كل ما تتوكأ عليه حرمة النظارات
الحرام لبس النظارة لماذا قال لقوله تعالى إياك نعبد وإياك نستعين فأنت استعنت بالنظارة فهذا حرام لأنها استعانة بغير الله وبقيت هذه الفرق على هذا الحال على ما يصفه الإمام الغزالي الآن ويأتون من هنا ويؤولون هنا بنفس العقلية هذه وكانوا يلبسون زيا معينا البياض والعمامة الخضراء فتنوا الناس إلى أن مات رجلهم وهلك فانفضوا جميعا ولم نجد أحد يقول شيئا هذا الكلام لأنه مخالف للعقل والنقل، إلى لقاء آخر نستودعكم
الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،