مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 48 | أ.د علي جمعة

شكرا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب إحياء علوم الدين للإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين وفي كتاب العلم الذي استهل به
هذا الكتاب العظيم إحياء علوم الدين وما يتكلم في العلم المذموم والعلم الممدوح وما تردد بينهما نعم قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين آمين فإن كنت مريدا للآخرة وطالبا للنجاة وهاربا من الهلاك الأبدي فاشتغل بعلم العلل الباطنة وعلاجها على ما فصلناه في ربع المهلكات ثم ينجر بك ذلك إلى المقامات المحمودة المذكورة في ربع المنجيات لا محالة، فإن القلب إذا فرغ من المذموم امتلأ بالمحمود يعني العالم لا يعرف الفراغ، فإذا تمت
التخلية تمت معها التحلية، فالتخلي مع التحلي هما وجهان لعملة واحدة والعالم لا يعرف الفراغ، ولذلك إذا انسحبت أنت من مجال الدعوة شغل غيرك، وإذا انسحبت من مجال القضاء وكان حتما عليك أن تأخذه شغل غيرك ولو من غير أهله، ولذلك تكلم الفقهاء عن أن القضاء يتهرب منه لأنك قد تخطئ ولكن قد يتعين، فإذا تعين وجب عليك طلبه وقبوله، وهكذا سائر المهام والرئاسات إذا خلت من ذوي
الصفة وتصدر لها الشخص غير المناسب فيجب على الإنسان الذي يرى في نفسه الكفاءة أن يأخذها إذا فشأن القلب أن نبدأ بالتخلية وفجأة بعد ما ننتهي منها نجد أنه قد تحلى بالصفات الجميلة الصحيحة ثم بعد ذلك نكمل هذه الصفات إلى أن ندخل في المقامات العليا بداية التخلية ثم التحلية وقالوا العبارة المشهورة "من تخلى فتحلى، على قلبه الله تجلى" تعني أن الله سبحانه وتعالى يتجلى، وتجلي الله يكون بالأنوار وبالأسرار،
بالأنوار بملء الأنوار وكشف الأسرار. أنوار ماذا؟ أنوار العبودية، أنوار الأدب مع الله. وأسرار ماذا؟ قال أسرار العبادة: الصلاة لها سر، والصيام له سر، والحج له سر. عندما تستشعر تكتشف وتعرف كيف تصلي لربك كيف تناجيه كيف تذكر كيف تحج كيف تصوم كيف تزكي هذه الأسرار عندما تنكشف تؤدي العبادة بطريقة مختلفة عما كنت تؤديها تخرج العبادة من نطاق العادة إلى نطاق الطاعة يعني الإنسان يصلي وبعد ذلك يسرح ويصلي أداء للواجب ويصلي يريد أن
ينهي ما عليه هذه قضية الثانية يشتاق إلى العبادة فيقوم إلى الصلاة وهو يشتاق إلى الصلاة، ويقوم بالحج وهو مشتاق إلى الحج لا يريد أن ينتهي. كان العباد إذا انتهوا من العمرة أو من الحج رجعوا باكين يبكون لأنهم يتركون الأراضي المقدسة والأماكن التي تتنزل فيها الرحمات، بخلاف ذلك نقول الحمد لله غدا سنسافر هذا مختلف إلى هذا الحد الذي عليه الآن وانتهى إثبات حالة مختلف قضية الشوق إلى الله وإلى عبادته من قضية أداء الواجب وإنهاء التكليف ويشعر بنفسه في تكليف مشقة لكن هذا هكذا لا هذا يتلذذ بالعبادة فهذه قضية وتلك قضية فالإمام
الغزالي هنا يبين الدرجات أن التخلية قبل إن التخلية والتحلية وجهان لعملة واحدة لأن العالم لا يعرف الفراغ ولذلك إذا تمت تخلية القلب من القبيح تم في الوقت نفسه تحليته بالصحيح والثالثة أن هذا هو العلم المحمود هو العلم الذي يأتينا بثمرة العلم ليست ثمرة العلم معلومات ندركها قال فلان قال فلان وليست ثمرة المعرفة هي معرفة التاريخ الشافعي قال والأشعري قال ومالك لا ثمرة العلم عبادة الله عبادة صحيحة عبادة تتجلى فيها الأنوار
وتنكشف الحيات والعقارب تحت ثيابه وهمت بقتله وهو يطلب مذبة يدفع بها الذباب عن غيره ممن لا يغنيه ولا ينجيه مما يلاقيه من تلك الحيات والعقارب إذا همت به كان الإمام الغزالي في كثيرا ما تضرب الأمثال وبالمثال يتضح الحال
فشبه هذا الذي يشتغل بشيء يراه مهما إلا أن هناك ما هو أهم وأولى بذلك الذي دخل الثعبان تحت ثيابه فهو في خطر داهم والثعبان يمكن أن يسمه ويعضه فيقضي عليه لكنه يبحث عن المذبة التي نقول عنها لكي يضرب ذبابة على كتف أخيه هذا أحمق يترك الأفعى تقتله فلا يصلح معه نفع ولا ضرر ولا كذا إلى آخره من أجل البحث عن ما يقتل ذبابة على كتف أخيه لا يتركها الذبابة وهنا يقول الأصوليون ارتكاب أخف الضررين واجب لأنك إذا لم ترتكب
هذا الضرر فإنك سترتكب ما هو أعظم منه فبالعقل يجب أن ترتكب الضرر الأخف بأن تترك الذبابة هذه التي على كتف أخيك وتترك المطرقة التي ستبحث عنها وتلتفت إلى الأفعى التي فيها هلاكك، كل العقلاء يقولون هكذا، عندما نركب الطائرة يقول لك إذا حدث نقص في الهواء ستنزل لك شيء كهذا قناع للأكسجين، علقه لنفسك أولا ثم من ترعى الذي هو الطفل الصغير الذي هو واحد عاجز بجانبه محتاج للمساعدة فلماذا لا نقدم هؤلاء الناس حتى يعني أنا فارس نبيل قبل أن أقدم هؤلاء الناس يغمى علي فلا أنا أنفع ولا
هو ينفع منطق يبقى ابدأ بنفسك ثم بمن يليك كما قال النبي ابدأ بنفسك ثم بمن تعتمد ولكن كونك أنت لا يعني ألا تضع الشيء المناسب هذا ما ليس بما يرضي الله فهو يتحدث عن هذا لا بد من ترتيب الأولويات انظر الإمام الغزالي لا يقول هذه الكلمة ولكنه يقولها يقول لا بد من ترتيب الأولويات تقضي أولا على الأفعى وبعد ذلك تبحث على المذبة لكي تضرب بها الذباب الذي على كتف أخيك والذي سيطير والذي لن يؤذي أذى الثعبان، فكذلك الامتثال للعلم الممدوح والعلم المذموم. لا تشغل بالك بما لا يوصلك إلى الله،
فإذا شغلت نفسك بما يوصلك إلى الله عرفت الاثنين معه، عرفت هذا وذاك وفتح لك وعليك. وبكم واتقوا الله ويعلمكم الله نعم وراعوا التدرج فيها فابدؤوا بكتاب الله تعالى ثم بسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ثم بعلم التفسير وسائر علوم القرآن من علم الناسخ والمنسوخ والمفصل والموصول والمحكم والمتشابه وكذلك في السنة ثم اشتغلوا
بالفروع وهو علم المذهب من علم الفقه دون الخلاف ثم الفقه وهكذا إلى بقية العلوم على ما يتسع له العمر ويساعد فيه الوقت، ولا تستغرق عمرك في فن واحد منها طلبا للاستقصاء، فإن العلم كثير والعمر قصير، وهذه العلوم آلات ومقدمات وليست مطلوبة لذاتها بل لغيرها، وكل ما يطلب لغيره فلا ينبغي أن ينسى فيه المطلوب ويستكثر منه، وقالوا قلة الكلام يكفي عن كثيرة يعني في كلمات صغيرة كذلك تكفي ويجب أن تتقن شيئا من كل شيء
وهذه يسمونها الآن في لهجتنا العلوم المساعدة والفرق بين العالم وبين المثقف هو هذه العلوم المساعدة ولكن لا تستقص وتتبحر فإنك لن تحيط بمعلومات ما بين السماء والأرض كنا في التعيين أهل الأزهر يضعون لنا صفحة أو صفحتين للامتحان فنذهب إلى المشايخ نقرأ عليهم هاتين الصفحتين وبعد ذلك نقف عند كل كلمة ونتعمق فيها في النحو والصرف والأصول والفقه والعقيدة والحديث وغير ذلك وهكذا ننهي الصفحة والنصف دراسة جيدة
فأقول للشيخ زهير رحمه الله تعالى هل هناك شيء آخر يا مولانا ندرسها ونحفظها فيقول لي والله هذا الذي يظهر في الورقة ولكن هل تريد أن تحيط بمعلومات ما بين السماء والأرض يأتيك سؤال لم تكن تحسب له حسابا ولم تأخذه في الاعتبار لكن سؤال من الأسئلة يعني إذا أجبت عن ثمانية أسئلة من كل عشرة أسئلة تنجح لكن ستحيط وتمنع ذهن لم يخطر على بالك ولا بال من قرأت عليهم وقد كان ومن شروط حكم الأصل ألا يخرج عن سنن القياس يقولون
هكذا من شروط حكم الأصل ألا يخرج عن سنن القياس ودرسنا وعملنا وكل شيء صحيح الكلام فيأتي الشيخ يسألني يقول لي من شروط كيف شرط وكيف يكون عدمي قال لا أن لا يخرج عن سنن القياس ما ذكرناه هذا الشرط يستفاد من عدمه العدم ومن وجوده لا يستفاد لا وجود ولا عدم لذاته، حسنا هذا الشرط هل قد يكون عدميا؟ كلمة قرأناها قديما الشرط قد يكون وجوديا
وقد يكون عدميا، فقلت له ما هو الشرط قد يكون وجوديا وقد يكون عدميا، قال لي: "صحيح، لكن أنا أسأل سؤالا أعمق من هذا الشرط العدمي، كيف تستسيغ في عقلك وهو عدم أن يبقى شرطا؟" فقلت له: "موضوع هذا موجود، موضوعه موجود، لكن لو كان موضوعه غير موجود، هذا الذي صحيح لا يتصور." فقال لي: "آه، يعني أنت فاهم، لكن... ما أنه لم يدرس قلت له كيف
قال لي ما هو العدم نوعان عدم نسبي وعدم محض والشرط ألا يكون عدما محضا لكنه قد يكون عدما نسبيا وفعل له ذلك فقط نجحت يعني نجحت لأنني قلت له الموضوع هنا موجود والموضوع هنا يعني عندما نقول عدم الصحة التي هي المرض إنه عدم الاستقرار يعني الذي هو الاضطراب، عدم الاستقرار موجود محسوس، عدم العلم الذي هو الجهل يعني هذا عدم نسبي، أما العدم المحض الذي هو لم يخلق بعد يعني فهو عدم محض كذلك، إنه هذا لا يصح أن يكون شرعيا، فيكون العدم على قسمين: العدم النسبي والعدم المحض هذا. لغة أهل العلم ليست الفهم،
الذي قلته ليس لغة أهل العلم، وإنما لغة أهل العلم: العدم قسمان. عندما كنت أقول له هكذا: العدم قسمان نسبي ومحض، والشرط ألا يكون محضا، نعم هكذا تماما. وإنما هذه التعمقات كلها لن نتخلص منها، لن نتخلص منها، وإنما عندما تدرس كثيرا وتهتم كثيرا ما تكفي الحال ليكون فيها كفاية لها، التفت في كل شيء إلى الله فالله مقصود الكل، هذا الذي يريد أن يقوله الشيخ الغزالي، وأنت عندما تدرس اجعل الله هو المقصود، هذا الذي أضافه الشيخ الغزالي إلى الفقهاء فأزال الخلاف ما بين الفقهاء وبين التصوف وجعل
الفقهاء من حينئذ متصوفة هذه هي نتيجة الدين وأن هذا هو الذي يجب أن نصل إليه، إلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.