مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 49 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. وما زلنا في كتاب العلم نبحث في قضية العلم الممدوح
والعلم المذموم. وما تردد بينهما. نعم، قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله به وبعلومه وعلومكم في الدارين آمين: وكل ما يُطلب لغيره فلا ينبغي أن يُنسى فيه المطلوب ويُستكثر منه، فاقتصر من شائع علم اللغة على ما تفهم منه كلام العرب وتنطق به، ومن غريبه على غريب القرآن. وغريب الحديث ودع التعمق فيه واقتصر من النحو على ما يتعلق بالكتاب والسنة، فما من علم إلا وله اقتصار واقتصاد واستقصاء، ونحن نشير إليها في الحديث والتفسير والفقه والكلام لتقيس بها غيرها. نعم، اللغة العربية واسعة حتى
قال الإمام الشافعي: "لا يحيط باللغة إلا نبي"، ولمّا جاء المؤلفون يؤلفون في وجدنا مثلاً الفيروز آبادي في كتابه "القاموس المحيط والقابوس الوسيط فيما ذهب من لغة العرب شماطيط"، سماه هكذا "القاموس" يعني وسط البحر. "القاموس المحيط" يعني البحر الواسع، لذلك نسمي المحيط الأطلسي، المحيط الهندي، المحيط الهادئ محيطاً لأنه أوسع من البحر. "القاموس المحيط" و"القاموس الوسيط" قابوس ولذلك تجد بعض
الناس يسمون قابوس قابوس، يعني شخصاً جميلاً. فالكتاب هذا جميل في اللغة. فيما ذهب من لغة العرب شماطيط، يعني لن يترك شيئاً، سيأتي بأربعين ألف جزء، أربعين ألف جزء. وألّف غيره واحداً، ألف كتاباً اسمه "العباب"، والعباب يعني البحر الزخار، والثاني ألّف، والثالث ألّف، وجمعهم. ابن منظور في مؤلفه المسمى "لسان العرب"، يذكر لسان العرب ثمانين ألف جذر. يعني الفيروزآبادي بعد أن بذل كل الجهد جمع أربعين ألفاً، وآخر غيره جمع أربعين ألفاً أخرى، فأصبح المجموع ثمانين ألف جذر. حسناً،
والقرآن كم جذراً فيه؟ ألف وثمانمائة وعشرون جذراً. ما هذا! ألف وثمانمائة وعشرون من أصل ثمانين ألفاً. ألف. طيب، السنة كلها بصحيحها وحسانها وضعيفها وكل شيء الذي ورد كله كم حديث؟ ثلاثة آلاف وست مائة. طيب، يعني من ثلاثة آلاف وست مائة، كم منهم من ألف وثمانية مائة؟ ألف وثمانية مائة كلهم موجودون. يعني نقول الكتاب والسنة ثلاثة آلاف وست مائة. اقسم الآن ثلاثة آلاف وست مائة. على ثمانين ألف، هل أنت منتبه؟ كم تكون النسبة المئوية؟
إنها شيء ماذا؟ شيء حوالي خمسة في المائة مثلاً، أقل من خمسة في المائة. فيكون لديك لكي تدرس الكتاب والسنة دراسة متعمقة، لا توجد كلمة تفوتك أبداً، تعرف كل الكلام. خمسة في المائة وخمسة وتسعين في المائة زيادة عندما تعرف منهم عشرة في المائة أيضاً، يعني تصبح "أوه ما هنا وما هناك". تخيل أنك تملك خمسة في المائة من الكتاب والسنة، لو قرأتهم تعرف أي حديث حتى لو كان ضعيفاً، وتعرف القرآن. يأتي القرآن ويستخدم كلمة "قسورة"، "فرت من قسورة"، يعني أسد. عندما...
لننتقل الآن لنرى ما جاء به الفيروزآبادي أو ابن منظور، كم جمعوا من أسماء؟ لقد جمعوا مئات الأسماء للأسد. هو أسد، لكن يقولون لك: لا، اسمه درباس، ودربال، وناهد - وناهد من أسماه الأسد - وأسامة من أسماء الأسد، وهندروس، وليث، وسبع، وغضنفر، وهيضم، وهيضام، وأشاوس. ما هذه الأسماء؟ أسماه "الروض المألوف فيما له اسمان في لغة العرب إلى ألوف".
هل أنت منتبه؟ ماذا يقول لك في هذا الكتاب؟ يقول لك أنه ما من فاكهة إلا ولها في لغة العرب ثلاثة أو أربعة أسماء. لا يوجد شيء اسمه فاكهة ولها اسم واحد فقط. فمثلاً الجماعة الشوام يسمونه إجاصاً، والبطيخ له رجي أن يقول دلاع، ويقول له وهو بطيخ بالكسر، بطيخ بالكسر هكذا، ويقول عليه شمام. هذا البطيخ الأحمر الذي لنا يقولون عليه شمام، وعلى الشمام بطيخ. وشغلانة جبسي الجماعة في الشمال هناك. ها
جبس أهو شامي. أهو يعرف الجبس. الجبس يعني ماذا؟ البطيخ الاحمر، ويتكلم قائلاً: كثر الجح والجراوة، الجدال الذي هو... البطيخ الأحمر والبطيخ الشمام وما شابهه، ما شأننا بكل هذا الكلام؟ حتى البطيخ لا يأتي إلا مرة واحدة في السنة، انتهى الأمر، بطيخ وكفى. نعم، ولكن أن يكون له ستة أو سبعة أو ثمانية أسماء، هذه مجرد معلومة. اللغة واسعة ولا يحيط باللغة إلا نبي، أما الذي أنت... مكلف بماذا؟ ألف وثمانمائة، خمسة في المائة، مقدور عليه. يعني خمسة في المائة مقدور عليها. قس على هذا في النحو وفي الصرف وفي البلاغة وفي الحديث وفي التفسير وفي
الفقه. قس على هذا ستجد أن ما أنت محتاج إليه محدود مقدور عليه، وكذلك إذا أردت التمكن ثم أردت التبحر. دون أن تصل إلى الغاية. ماذا يعني هنا؟ صنفهم ثلاث مرات: الاقتصاد والاقتصار والاستقصار الذي هو التبحر. وبالرغم من ذلك، لم يصل إلى حد الانشغال، وتذهب فتتوه في هذا، حتى قالوا إن نحاة فساق قالوا هكذا: إن نحاة في العلم إلا أربعة هم الذين لم يكونوا. فساق
مَن هم الكسائي؟ الكسائي هذا إمام القراءة، نعم، لم يكن رجلاً طيباً وصالحاً وعالماً، وأبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد وسيبويه، حسناً والباقي الله. وبعد ذلك في "نزهة الألباء في طبقات الأدباء" يقول هذا الكلام لابن الأنباري، يقول: والنحاة فساق هكذا، هو طبعاً إلا من رحم. ربي لأنه جاء بعدهم نحاة مثل الإمام ابن مالك صاحب الألفية الذي كان من الأتقياء، وابن هشام كان من الأتقياء الأنقياء من أولياء الله الصالحين، وهكذا. إذاً، القاعدة هذه لماذا قالوها؟ قالوها لأن كثيراً من
النحويين توغلوا حتى رد بعضهم على القرآن، هذا أنت غير عاقل أم ماذا؟ يقول لك... مثلاً الباء لا تكون ظرفية أبداً. قال له: لكن لقد نصركم الله ببدر. ليست ظرفية، كيف؟ أليست "ببدر" تعني "وأنتم في بدر"، أي أنها ظرفية؟ كان ينبغي حينئذٍ أن يقولوا: حسناً. لكن عندما ينظر هكذا إلى الأعلى وينظر هكذا... هل ترفض القرآن إذاً؟ نعم، النحو الذي سيرفض القرآن هذا. فاسق، لكن الإمام ابن هشام لم يفعل ذلك، بل جعل كل النحو من خلال القرآن، نعم في قطر الندى وبل الصدى، أو في كتاب حروف المعاني، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، أو في كتاب
شذرات الذهب، جعل كل ذلك من القرآن، والشواهد من القرآن، نعم هذا رجل تقي، هذا أصبح عارفًا. الحقيقة أنَّ القرآن هو الأصل وأنه هو أبو النحو، أي أنك تأخذ النحو منه، والراجح هو ما ورد في القرآن. أما أن يأتي شخص ويعترض على القرآن بسبب الأوهام التي في ذهنه، فقد وقع في هذا المأزق الذي نبهنا عليه الإمام الغزالي. نعم، ونحن نشير إليها في الحديث والتفسير والفقه وعلم الكلام لتقيس. بها غيرها فالاقتصار في التفسير ما يبلغ ضعف القرآن في المقدار كما صنّفه علي الواحدي النيسابوري وهو الوجيز، والاقتصاد ما يبلغ ثلاثة أضعاف القرآن كما صنفه في الوسيط،
وما وراء ذلك استقصاء مُستغنىً عنه، فلا مرد له إلى انتهاء العمر. يبقى إذًا لنا أن نرى واحدًا ألّف الوجيز ثم ألّف. الوسيط ثم ألف البسيط، نعلم أن هذه كان وراءها فلسفة وهي فلسفة الاقتصار فالاقتصاد فالاستقصاء. وبالرغم من ذلك إلا أن الاستقصاء هذا سأجعله قبل الانشغال لأن الانشغال ينقلب فيه الحال، متاهة. ويحدث فيه من الأوهام والترهات ما الله به عليم. قل: وأما الحديث فالاقتصار فيه تحصيل ما في الصحيحين. بتصحيح نسخة
على يد رجلٍ خبيرٍ بعلم متن الحديث، ولذلك الإمام ابن مالك في النسخة اليونينية أحضر الشيخ محمد اليونيني من علماء الحديث، كان مثل مولانا الشيخ أشرف هكذا من علماء الحديث، وجلسوا، وجلس الشيخ ابن مالك والشيخ محمد اليونيني يقرأ، وابن مالك يسمع ويبين له وجهها في العربية ويبين حال. الروايتان كانتا في مهنة أهله أو في مهنة أهله وجهان: قوم يقولون له اضبط، اكتب، أيهما الأولى؟قال له: مهنة أهله. يضبط هكذا، وعندما انتهى في سبعين مجلساً وكان العلماء جالسين في هذه المجالس، كان ابن مالك يستمع ويصحح ويختار ويوجه، وقد
حدثت لهم مشكلات في الرواية غير النحو. مشكلات هنا نحلها كيف؟ فقد ألف ابن مالك كتاباً في مشكلات الصحيح. انظر إلى العلم، هذا هو العلم؛ لأنه كل شيء بآيةٍ بعلمها هكذا. في حديث كعب بن مالك قال: "فوالله لا أدري أرَدَّ عليَّ السلام أم لا". الرواية هكذا، وهل لا تأخذ هذه التفاصيل الدقيقة؟ تقول: هل تعلم له اسماً؟ لكن لا تقل "هل تعلم" له، سمِّه أم لا. كلمة "أم لا" هذه زائدة. كان يقول: "والله لا أدري هل رد على السلام" وتنتهي،
لكن في صحيح البخاري "أم لا" تأتي. أما بعد، أول ما نقول "أما بعد" يجب أن نأتي بالفاء بعدها، فما بال أقوام في صحيح البخاري "أما بعد ما بال أقوامٌ يشترطون إلى آخره، الله، النبي سيقول: "أما بعد، ما بال أقوام"، ولا يلزم أن يقول "فما بال أقوام". النحو يقول "فما بال أقوام". فلنحلها ونراها ونحافظ على الرواية كما هي، ثم نعلق عليها خارجاً. قالوا هذا من الرواية وليس من كعب بن مالك العربي الفصيح الذي... لا يقل أبداً "هل" أم "ولا" من سيدنا رسول الله الذي هو لا يقول "أما بعد"، ما باله لازم
هو قال "فما باله"، لكن الراوي قال: "ما هي هذه مثل هذه". الرواية بعد ذلك إذا: هل نستدل بالحديث في النحو أم لا؟ نستدل بالقرآن قطعاً، لماذا؟ لأنه محفوظ بقدره وقضيضه. بكل حروفه لكن السنة لا، السنة تُروى بالمعنى. ثلاثة أقوال: قول قال دعنا نترك السنة تماماً في الاحتجاج في النحو، وقول قال لا بد علينا أن نأخذ بها في كل شيء، وقول قال لا إلا بشروط، نأخذ فقط بشروط أن يكون الحديث صحيحاً، وأن يكون الحديث قصيراً، وأن يكون الحديث له. وجه من الوجوه، فإذا كان كذلك فما الذي نأخذ به؟ وقد فصّل هذا الكلام عبد القادر البغدادي في بداية "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب"
فراجعه. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.