مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 5 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، يقول الإمام الغزالي: "كتاب العلم وفيه سبعة أبواب". وفيه سبعة أبواب فيها مجاز؛ لأن فيه هنا مجازية، لأن الكتاب ليس له احتواء ولا
المظروف له تحيز، الذي هو المسائل ليس لها تحيز. تحيز يعني لها حيز في الفراغ هكذا، لا، ليس لها تحيز، ليست مثل جسمي والمسجد فهذا كيف يكون؟ قال هذه فيها استعارة تبعية تصريحية. كيف ذلك؟ قال إنه شبّه مطلق ارتباط دال بمدلول بمطلق ارتباط ظرف بمظروف، فصار التشبيه من الكليات إلى الجزئيات على سبيل الاستعارة التبعية التصريحية. هذا الحرف إذاً فالبلاغة هنا تتدخل شبه مطلق ارتباط شيء مرتبط بشيء آخر. دال بمدلول ما
هو الكتاب يدل على معاني ألفاظ بظرف ومظروف مثل الرجل في المسجد ارتباط ظرفي أهو، فشبه الدال والمدلول الذي بين الأبواب وبين الكتب كما بين الشخص وما بين المسجد ظرف ومظروف، فصار التشبيه من الكليات هذه إلى الجزئيات على سبيل الاستعارة التبعية وليست الأصلية التصريحية لأنه صرح بالمشبه به في الحرف لأنه الحرف شأنه هكذا. طيب، الله! هذه حدوتة إذن. يمسكك هنا ويبقيك شهراً. أنا لست مُبقيك
شهراً لكي لا تمل، ولكي تأتي في اليوم التالي. لكن عندما تسمع هكذا وتعرف ما القصة، تقوم وتقول هذه الجزئية تنقصنى. فلا تتجرأ في دين الله على ما لست عارفاً به. هل انتبهت؟ يقول لك: الله! المشايخ هؤلاء يعقدونها، لا، بل هم يعلّمونك. حسناً، أنا لست قادراً على التعلم. فقال له: "لا تتصدر إذا لم تكن قادراً على التعلم، لا تتصدر هكذا وتواضع لله، فإن من تواضع لله رفعه". لكن الذي يقول: "أنا عالم هكذا"، فإن الله لا يرفعه أبداً. نحن نقول لك تعلّم وأنت غير راضٍ أن تتعلم، فماذا بك؟ فقال إن هناك سبعة أبواب: الباب والكتاب. الكتاب
جملة مختصة من العلم تشتمل على أبواب، والباب جملة مختصة من العلم تشتمل على فصول، والفصل جملة مختصة من العلم تشتمل على مسائل، والمسألة مطلوب خبري يُبرهن عنه في العلم بدليل. مطلوب خبري يعني جملة مفيدة، يبقى الجمل المفيدة عندما نرصّها تحت بعضها تكوّن لنا فصلاً من الفصول، وتكوّن لنا باباً، والباب مع الأبواب تكوّن كتاباً، والكتاب هو كتاب العلم. سيدنا سيقول لنا فيه سبعة أبواب. والباب مذكر أم مؤنث؟ قال: تعرف المذكر والمؤنث باسم الإشارة، تقول هذا باب أم هذه باب؟ هذا باب، إذن هو مذكر،
فيكون العدد. مِن ثلاثة إلى التسعة عكس على الفور وقال لك: مِن ثلاثة إلى العشرة، العشرة تأتي مفردة بشيء ومركبة بشيء آخر، فمِن ثلاثة إلى العشرة يكون عكس العشرة مفردة، فيكون سبعة. مِن ثلاثة إلى العشرة ماذا يكون؟ يكون سبعة أبواب. فيه سبعة أبواب، لا تقل سبع أبواب. لماذا؟ قال: إن باب هذا جمعه أبواب، فباب مذكر يصبح سبعة مؤنثة. طيب، أبواب أليست مؤنثة؟ هذه أبواب. قال: كل جمع مؤنث، ولذلك لن تكتشف حقيقته عندما تنظر إلى الكلمة الجمع تجدها كلها مؤنثة، ولذلك كان الزمخشري يقول عندما هددوه
مرة بالقتل: "إن قومي تجمعوا وبقتلي تحدثوا، لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنثُ فراح ماذا يعني جعلك إياها تحفظها؟ كل جمع مؤنث، كل جمع مؤنث هذه قاعدة: بيوت، أبواب، مساجد، كلها مؤنثة. حسناً، كيف أكتشف إذا كانت مذكراً أم مؤنثاً لأجل العدد؟ انطقوا بتاء التأنيث إذن أحضر المفرد. إذاً عندما تحضر المفرد هذا يكون من ماذا؟ الكواشف التي تكشف حقيقتها، فيكون سبعةُ أبوابٌ. لماذا؟ لأن باب مذكر. فعرفنا ما هو الكتاب، وعرفنا ما هو الباب، وعرفنا ما هو الفصل، وعرفنا ما هي المسألة،
وعرفنا حكماً من أحكام العدد، وعرفنا أيضاً ما هي الكواشف، أي أن هناك أشياء تكشف لنا أشياء أخرى. فلنقل إذاً: الباب الأول، تفضل. الباب الأول في فضل العلم والتعليم. والتعلُّم وشواهده من النقل والعقل. أجرِ البلاغة فيما سمعت، سيأتي لك في الامتحان هكذا. الشفوى الباب الأول في فضل العلم والتعليم والتعلُّم. الباب الأول: الباب خبر لمبتدأ محذوف. هذا ما درسناه، ألم ندرس كتاب العلم؟ يقول لنا: خبر لمبتدأ محذوف، يعني هذا الباب الأول. طيب، أو الباب الأول في، هذا ما يُسمى بالترجمة الكاملة. فيكون الباب الأول ماذا؟ مبتدأ. عندما نقول
"الباب الأول" ونسكت هكذا، فإننا نقول خبرًا لمبتدأ محذوف. أما إذا قلنا "الباب الأول في، هنا جملة مفيدة كاملة، إذن يكون "الباب الأول" مبتدأ، و"في فضل العلم" الخبر الخاص به. "الباب الأول في فضل العلم" شبه مطلق ارتباط دالٍ بمدلول بمطلق ارتباط ظرف بمظروف، فسرى التشبيه من الكليات إلى الجزئيات على سبيل الاستعارة التبعية التصريحية في الحرف. أنت في كل مرة تقول لنا هكذا، ألن تغير رأيك؟ لا، فهذه تُحفظ وتُفهم وتُطبق وكل شيء، ويرسمونها لنا إلى أن نحفظها، أما لو سمعتها هكذا بدون فهم، لكان ما نقوله كاللغة الصينية أو اليابانية أو أي شيء آخر غير مفهوم. وما فائدة ذلك
لك؟ إنه يفيدك في فهم القرآن، فعندما تقرأ القرآن والسنة، تستطيع أن تميز الاستعارة هنا، وما هو مجاز، وما هو حقيقة، وغير ذلك، لكي تبني الأحكام على ما سمعت وتكون عُمق ولذلك المسلمون خدموا القرآن والسنة جداً فألَّفوا النحو وألَّفوا الصرف وألَّفوا علوم البلاغة الثلاثة وألَّفوا أصول الفقه وألَّفوا الفقه وألَّفوا الدراية والرواية وألَّفوا خدمةً للكتاب والسنة. لابد أن تتعمَّق في هذا الكلام حتى عندما تأتي لتقرأ الكتاب يكون لديك ملكة عربية صحيحة. اتفضل، فضيلة العلم شواهدها من القرآن عز وجل شهد الله أنه لا
إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط، فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه وثنَّى بالملائكة وثلَّث بأهل العلم، وناهيك بهذا شرفاً وفضلاً وجلاءً ونبلاً. وقال الله تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات". قال ابن عباس رضي الله عنهما: للعلماء درجات. فوق المؤمنين بسبع مائة درجة، ما بين الدرجتين مسيرة خمس مائة عام، فهذا هو فضل العلم. والعلم هنا مطلق، إما أن يكون علماً بالأكوان أو يكون علماً بكتاب الرحمن، يعني
العلم قد يكون موضوعه كتاب الله المسطور الذي هو القرآن، أو كتاب الله المنظور الذي هو الكون الذي حولنا. ومن الذي قال أن العلم عام هكذا؟ كلما قلت القيود كثُرَ الموجود. يعني عندما أقول لك اذهب وأحضر لي رجلاً، رجلاً هكذا فقط، فأنت تذهب وتحضر لي أي رجل: أجنبي، مصري، عربي، إنجليزي، طويل، قصير، أسمر، أبيض. لا توجد قيود محددة. لكن لو قلت لك أحضر لي رجلاً مصرياً، نعم. هذا قيد قل إذن لأنه إذا خرج كل الذين ليسوا من مصر، طويل هذا قيد ثانى،
وسيخرج كل القصير، والأبيض سيخرج كل الأسمر، وهكذا. كبير في السن يعني إذاً سيخرج الشباب أيضاً. الله! أنت كلما تضيف قيداً، كلما تضيق دائرة الاختيار، وكلما تحذف قيداً تتسع الدائرة. فصاروا يضعون هذه القاعدة: كلما قلّت القيود كثُر الموجود، وكلما زادت القيود قلّ الموجود. حسناً، قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". ربنا يقول هكذا، يعلمون ماذا؟ فهو لم يقل هل يعلمون الفقه أو
اللغة أو التاريخ أو الهندسة أو الطب أو الفلك أو أي شيء محدد. ما الأمر؟ من أين أتيت بأي شيء؟ لقد قلت القيود لو كان قال: "قل هل يستوي الذين يعلمون دين الله"، نعم هذا قيد، ها هو قد وضع قيداً، "والذين لا يعلمون"، أي دين الله، حينئذٍ يكون هناك اكتفاء، اكتفاء بالقيد هنا عن هناك، لكنه لم يفعل ذلك، ماذا قل الذين يعلمون أين أصبح القيد؟ لا يوجد. إذًا العلم يشمل كل شئ والذين لا يعلمون، ما هذا يعني؟ الكلام الذي نقوله والقيود الموجودة هذه لها أثر في فهم الكتاب، وسيترتب عليه فهم العلم. "إنما يخشى
الله من عباده العلماء" الذين هم من؟ علماء ماذا؟ علماء الفقه أم علماء الحديث؟ علماء الدين أم علماء الدنيا؟ علماء الكون أم علماء الروح؟ أم علماء ماذا بالضبط؟ [علماء] كل شيء. ولذلك الرجل عندما جاء، كلما تعمق في الطب، كلما قال: "سبحان الله، لا إله إلا الله، ما هذا؟ إنه جسم عجيب غريب. لا يمكن أن يكون هذا صدفة؟" فذهب وألّف كتاباً في ثلاث مجلدات أسماها "الطب محراب الإيمان"، أي أنك إذا أردت أن تكون مؤمناً حقاً فتعلم الطب. ولذلك فإن الطبيب المسكين هذا الذي هو تائه ولا يعرف شيئاً، يصبح
ملحداً لماذا؟ لأنه لم يرَ الإيمان. لكن الذي لاحظه وانتبه إليه، وصل مباشرة إلى الله وهو طبيب جراح، سبحان الله، فالطب محراب للإيمان. انتبهوا. يا إخواني، هو يقول هكذا في الكتاب، يقول: "التفتوا أنتم إلى كل هذه الأشياء"، ثم تقول: "لا يوجد إله"، كيف؟ أو أنك لست متأكداً من وجود الله ومن أنه قادر. نحن نكون يائسين، "ويُحيي الله العظام وهي رميم"، ونكون متأكدين، والرجل يموت في اليوم التالي، "فإنا لله وإنا إليه راجعون". نحن لا حول ولا قوة إلا بالله، رآها رآها بعينيه في الطب. فالطبيب المؤمن هذا، هذا شيء جميل جداً، والطب يجعله ماذا؟ يؤمن بالله بعمق. ولا تستطيع أن
تجعل الطبيب المؤمن هذا، هو لا تستطيع أن تجعله يكفر، دعه يكفر، لا لن تستطيع لأنه رأى بعينيه. ها، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، ينظر إلى العصفورة فيقول: لا إله إلا الله. ما أعظم العصفورة! نعم، إنها شيء مذهل. العصفورة وهي تطير بجناحيها هكذا تدل على وجود الله سبحانه وتعالى، والله أعلم.