مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 52 | أ.د علي جمعة

شكرا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب إحياء علوم الدين للإمام الأئمة حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى وهو ما يزال يتحدث في
كتاب العلم الذي صدر به هذا الكتاب الإحياء ما يزال يتحدث عن العلم والعلم المذموم وما يتردد بينهما وملخص ما يقول إن العلم المحمود هو الذي يوصل إلى الله وأن ما سواه إنما هو نافلة فإن كان يوصل إلى الله ولو بواسطة فبها ونعمت وإلا فهو مذموم وإشغال للزمان الذي لا يبقى، الزمان لا يبقى، إشغال للزمان بغير واجب الوقت وأهل الله يتكلمون عن واجب الوقت وواجب الوقت أن تشغل نفسك بالباقيات الصالحات بشيء يوصلك إلى الله، فإذا أنت
لهوت وملأت الأزمان بغير هذا فقد ضيعت على نفسك فرصة عظيمة. قد أفلح المؤمنون، ومن صفات هؤلاء المؤمنين الذين هم عن اللغو معرضون. نعم، اقرأ قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى. ونفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين آمين الثاني إلا يرى فرض كفاية أهم من المناظرة فإن رأى ما هو أهم وفعل غيره عصى بفعله وكان مثاله مثال من يرى جماعة من العطاش أشرفوا على الهلاك وقد أهملهم الناس وهو قادر على إحيائهم بأن يسقيهم الماء فاشتغل بتعلم الحجامة وزعم أنه من فروض الكفايات، ولو خلا البلد منها لهلك الناس. وإذا
قيل له إن في البلد جماعة من الحجامين وفيهم كفاية، فيقول هذا لا يخرج هذا الفعل عن كونه فرض كفاية. فحال من يفعل هذا ويهمل الاشتغال بالواقعة الملمة بجماعة العطاش من المسلمين كحال المشتغل بالمناظرة، وفي البلد فروض كفايات مهملة قائم بها فأما الفتوى فقد قام بها جماعة ولا يخلو بلد من جملة الفروض المهملة ولا يلتفت الفقهاء إليها وأقربها الطب إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبيب مسلم يجوز اعتماد شهادته فيما يعول فيه على قول الطبيب شرعا ولا يرغب أحد من الفقهاء في الاشتغال به وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو من فروض الكفايات، وربما يكون المناظر في مجلس مناظرته
مشاهدا للحرير ملبوسا ومفروشا وهو ساكت، ويناظر في مسألة لا يتفق وقوعها قط، وإن وقعت قام بها جماعة من الفقهاء، ثم يزعم أنه يريد أن يتقرب إلى الله تعالى بفروض الكفايات، وقد روى أنس رضي الله عنه أنه قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عليه الصلاة والسلام إذا ظهرت المداهنة في خياركم والفاحشة في أشراركم وتحول الملك في صغاركم والفقه في أراذلكم رواه ابن ماجه بإسناد حسن إذا هو يتحدث عن واجب الوقت فدائما الإنسان يكون مدركا لواجب الوقت وعندما فهم بعض الناس في
هذه القضية أيضا تحايلوا عليها وبدأوا يختلفون في واجب الوقت، ولذلك فغاية المراد من رب العباد التوفيق الرباني، فإن التوفيق الرباني هو الذي يرشدك إلى واجب وقتك، وكلما وفقك الله سبحانه وتعالى إلى واجب وقتك الصحيح كلما شعرت بالطمأنينة وكلما شعرت بالسعادة فيما تفعل وكلما شعرت بأنك ما عليك وكلما زال عنك قضية الكبر وقضية النظر إلى الآخرين في بعض الناس ينظرون إلى الآخرين يريد أن يجادل معه طوال النهار والليل فتعرف أنك لست قائما بواجب الوقت
أما إذا شعرت أنك تفعل شيئا في السر كما تفعله في العلن وأن الأمر استوى عندك فهذا هو واجب الوقت ينبغي أن يقوم فيه نعم الثالث أن يكون المناظر مجتهدا يفتي برأيه لا بمذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما حتى إذا ظهر له الحق من مذهب أبي حنيفة ترك ما يوافق رأي الشافعي وأفتى بما ظهر له كما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم والأئمة فأما من ليس له رتبة الاجتهاد وهو حكم كل أهل العصر وإنما يفتي فيما يسأل عنه ناقلا عن مذهب صاحبه، فلو ظهر له ضعف مذهبه لم يجز له أن يتركه، فأي فائدة له في المناظرة ومذهبه معلوم وليس له الفتوى
بغيره، وما يشكل عليه يلزمه أن يقول لعل عند صاحب مذهبي جوابا عن هذا فإني لست مستقلا بالاجتهاد في أصل الشرع، ولو كانت مباحثته عن المسائل التي فيها وجهان أو قولان لصاحبه لكان أشبه به، فإنه ربما يفتي بأحدهما فيستفيد من البحث ميلا إلى أحد الجانبين ولا يرى المناظرات جارية فيها قط، بل ربما ترك المسألة التي فيها وجهان أو قولان وطلب مسألة يكون الخلاف فيها مبتوتة وهذه هي قضية الاختيار الفقهي وكان هذا شأن السلف الصالح والإمام الغزالي ينبه إلى أن مرتبة الاختيار الفقهي تحتاج إلى مزيد إلهام وإلى مزيد نظر وإلى
تمكن في هذا وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ومن تمرس بالفقه يدرك هذا المعنى ويدرك أنه يفتح له ما لم يفتح لغيره وأنه عندما يختار بين أبي حنيفة وبين الشافعي فإن المسألة تكون أوضح في ترتيب المقاصد وفي تحصيل المصالح وفي مراعاة المآلات ونحو ذلك فالاختيار الفقهي من عادة السلف الصالح إلا أنه يحتاج إلى رجال قلما يوجدون نعم الرابع ألا يناقش إلا في مسألة واقعة أو قريبة الوقوع غالبا فإن الصحابة رضي الله عنهم ما تشاوروا إلا فيما تجدد من الوقائع أو
ما يغلب وقوعه كالفرائض ولا نرى المتأخرين ولا نرى المناظرين يهتمون بانتقاد المسائل التي تعم البلوى بالفتوى فيها بل يطلبون المسائل التي يسمع فيها فيتسع مجال الجدل فيها كيفما كان الأمر وربما يتركون ما يكثر وقوعه ويقولون هذه مسألة أو هي من الزوايا وليست من الطبليات فمن العجائب أن يكون المطلب هو الحق ثم يتركون المسألة لأنها خبرية ومدرك الحق فيها هو الأخبار أو لأنها ليست من الطبول فلا نطيل فيها الكلام والمقصود في الحق أن يقصر الكلام ويبلغ الغاية على القرب لا أن يطول يعني اعترض
اللغويون على الطبوليات هذه وإنما عندما نريد النسب ننسب إلى المفرد إلا إذا حدث خلل في المعنى فطبول جمع طبلة يبقى طبلي وكان يعني هذا يقولون ما الطبليات جاءت من هذه المسائل ذات الصوت العالي التي تسمع من بعيد كالطبل ثم إن الطبل نفسه أجوف لا شيء فيه فسميت مثل هذه الأشياء التي تحدث في عصرنا الحاضر تحويل المسائل إلى قضايا وهذا يقوم به الإعلام قياما فائقا وهو تحويل المسائل والتوافه والحبة إلى قبة فهذه الطبوليات لكن
في اللغة تبقى الطبليات لأن الطبول إنما هي جمع ولذلك أخطؤوا هذه سيارة ملوكية وقالوا قل ملكية نسبة إلى الملك ليس إلى الملوك وهذا معرض دولي نسبة إلى الدولة وليس إلى الدول فلا تقل دولي يكون خطأ لأنه نسب إلى قالوا إلا إذا كان فيما يشتبه كما أطلقنا على بائع الكتب والمشتغل بنشرها كتبي لأنني لو قلت ويكون كتابي وينصرف الذهن إلى أصحاب الكتب السابقة كاليهود والنصارى فيقول كتبي كتابي هذا لأجل جمعة
هذه ما يصح، وكذلك أطلقوا على الصحابة من أهل المدينة فقالوا هذا أنصاري وأنصاري يعني هو نصير، فكان يقول نصيري فيشتبه بهذا المذهب المعروف ونحو ذلك، فهناك استثناءات الغرض منها تحرير المقال، لكن قولي ما فيها تحرير مقال، ما هو لو قال اتركني تنفع أيضا. نعم إذن فالنسبة تكون للمفرد هذه هي القاعدة إلا إذا حدث اشتباه فنذهب بالاشتباه مثل كتبي وأنصاري فتبقى جمعا أيضا والكلام معروف، حسنا هيا تفضل بالخامس: أن تكون المناظرة في الخلوة أحب إليه وأهم
من المحافل وبين أظهر الأكابر والسلاطين فإن الخلوة أجمع للفهم وأحرى بصفاء الذهن والفكر وإدراك الحق وفي حضور الجمع ما يحرك دواعي الرياء ويوجب الحرص على نصرة كل واحد نفسه محقا كان أو مبطلا وأنت تعلم أن حرصهم على المحافل والمجامع ليس لله وأن الواحد منهم يخلو بصاحبه مدة طويلة فلا يكلمه وربما يقترح عليه فلا يجيب وإذا ظهر مقدم أو انتظم مجمع لم يغادر في قوس الاحتيال منزعج حتى يكون هو المختص بالكلام، ولذلك عندما دعونا كثيرا يقولون تعال ننظر نظرة نقول لهم في الغرف المغلقة نقول لهم هكذا
في الغرف المغلقة تعال واجلس أنا وأنت، أما أن تأتي لتشوش على الناس وتعمل مونتاجا وتقطع الكلام وتركبه وتصنعه لا، فأضيف أيضا إلى هذا الرياء. والسمعة كذلك أضيف إليها التلاعب مما يجعل ما يسمى بحكاية الغرف المغلقة هذه التي هي التعبير المعاصر أمرا مهما ليس فقط لمنع التلاعب بل أيضا لمنع المباهاة والافتخار وما إلى ذلك وهذا أمر مهم لأن من أراد الحق فإنه يريده ولكن من أراد إثارة هذه الضوضاء فإنه لا ينام نعم السادس أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق
بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه ويرى رفيقه معينا لا خصما ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق كما لو أخذ طريقا في طلب ضالته فنبهه صاحبه على ضالته في طريق آخر فإنه كان يشكره ولا يذمه ويكرمه ويفرح به فهكذا كانت مشاورات الصحابة رضي الله عنهم حتى إن امرأة ردت على عمر رضي الله عنه ونبهته إلى الحق وهو في خطبته أمام جمع من الناس فقال أصابت امرأة وأخطأ رجل وسأل رجل عليا رضي الله عنه فأجابه فقال ليس كذلك يا أمير المؤمنين ولكن كذا وكذا فقال أصبت وأخطأت وفوق كل
ذي علم عليم واستدرك ابن مسعود على أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال أبو موسى رضي الله عنه لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم وذلك لما سئل أبو موسى عن رجل قاتل في سبيل الله فقتل فقال هو في الجنة وكان أمير الكوفة فقام ابن مسعود رضي الله عنه فقال أعيدوه على الأمير فلعله لم يفهم فأعادوه عليه فأعاد الجواب فقال ابن مسعود رضي الله عنه وأنا أقول إن قتل فأصاب الحق فهو في الجنة فقال أبو موسى رضي الله عنه الحق ما قال وهكذا يكون إنصاف طالب الحق ولو ذكر مثل هذا الآن لأقل فقيه لأنكره واستبعده وقال لا،
وقال لا يحتاج إلى أن يقال أصاب الحق فإن ذلك معلوم لكل أحد، فانظر إلى مناظري زمانك اليوم كيف يسود وجه أحدهم إذا اتضح الحق على لسان خصمه وكيف يخجل منه وكيف يجتهد في مجاحدته بأقصى جهده قدرته وكيف يذم من أفحمه طوال عمره ثم لا يستحيي من تشبيه نفسه بالصحابة رضي الله عنهم في تعاونهم على النظر في الحق، حدث أي كان هناك اثنان وكانا رحمهما الله من العلماء فقال أحدهما عندما لقيني: يا شيخ علي
أعطاك الله كل ما تتمناه، فاعترض عليه أخوه. العالم الثاني وقال لعله يتمنى الشر فلا بد أن تقول اللهم أعطه كل ما يتمنى في الخير يعني مشابه هنا لقصة سيدنا ابن مسعود وفي قيد يجب أن تقيد للخير فرد عليه وقال أعلم أنه لا يتمنى إلا الخير فقال له وهل تعلم الغيب ودخلوا في مناقشة جدية ساعة في العبارة وفي تصحيح كلام كل منهم فيبدو أنهم ليس لديهم اطلاع على ما يتعلق بسيدنا الشيخ
الغزالي ففي بعض الأحيان انتهى الأمر بسهولة يقول له خيرا وانتهى ونتفق أي ونرى أن نذكر الله في مكان آخر لكن أحيانا من كثرة العلم وتمكنه الشديد أحيانا تعز عليه نفسه أن أي ما معنى أن ينسى كلمة في الخير أو كذلك إلى آخره أو يطلق ما كان حقه التقييد فينبهنا الإمام الغزالي على أمور تقع فعلا ولكن انظر إلى حال كمال الصحابة أنه لما حدث عنده هذا وأطلق ما كان حقه التقييد رجع على الفور بل إنه قال لا تسألوني وهذا فيكم وانتهى الأمر، فإذا كلما اطلعنا كلما وجدنا حال الصحابة على حال الكمال، كلما اطلعنا على شيء
جديد نرى أن حال الصحابة على حال الكمال، فيعز علينا الناس الذين يشتمون الصحابة لأنكم هكذا تكونون كأنكم لم تقرؤوا عن الصحابة أو لم تعرفوا الصحابة وهذا هو الأمر الحال مع من ينتقص الصحابة أو ينتقدهم أو يسبهم أو ما إلى ذلك، يبقى يعني نشعر بالجهل لأننا كلما بحثنا عن الصحابة من غير قصد وجدناهم على حال الكمال، ووجدنا أنفسنا على حال يحتاج إلى هذا الكمال. نعم، ومن إشكال إلى إشكال، فهكذا كانت مناظرات السلف ويخرج من كلامهم جميعا دقائق الجدل المبتدعة
فيما له وعليه كقوله هذا لا يلزمني ذكره وهذا يناقض كلامك الأول فلا يقبل منك فإن الرجوع إلى الحق مناقض للباطل ويجب قبوله وأنت ترى أن جميع المجالس تنقضي في المدافعات والمجادلات حتى يقيس المستدل على أصل بعلة يظنها فيقال له ما الدليل على أن الحكم في الأصل معلل بهذه العلة فيقول هذا ما ظهر لي فإن ظهر لك ما هو أوضح منه وأولى فاذكره حتى أنظر فيه فيصر المعترض ويقول فيه معان سوى ما ذكرته وقد عرفتها ولا أذكرها إذ لا يلزمني ذكرها ويقول المستدل عليك إيراد ما تدعيه وراء هذا ويصر المعترض على أنه لا يلزمه ويتوخى
مجالس المناظرة بهذا الجنس من السؤال وأمثاله ولا يعرف هذا المسكين أن قوله إني أعرفه ولا أذكره إذا يلزمني كذب على الشرع فقد فسق بإخفائه ما عرفه من أمر الشرع وقد سأله أخوه المسلم ليفهمه وينظر فيه ليفهمه وينظر فيه فإن كان قويا رجع إليه وإن كان ضعيفا له ضعفه وأخرجه عن ظلمة الجهل إلى نور العلم ولا خلاف أن إظهار ما علم من علوم الدين بعد السؤال عنه واجب لازم فمعنى
قوله لا يلزمني أي في شرع الجدل الذي أبدعناه بحكم التشهي والرغبة في طريق الاحتيال والمصارعة بالكلام لا يلزمني وإلا فهو لازم بالشرع فإن امتناعه فإنه بامتناعه عن الذكر إما كاذب وإما فاسق، فتفحص عن مشاورات الصحابة ومفاوضات السلف رضي الله عنهم، هل سمعت فيها ما يضاهي هذا الجنس؟ وهل منع أحد من الانتقال من دليل إلى دليل ومن قياس إلى أثر ومن خبر إلى آية؟ بل جميع مناظراتهم من هذا الجنس، إذ كانوا يذكرون كل ما يخطر لهم كما يخطر وكانوا ينظرون فيه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم فقد كانوا على علم بالأدب لأدب الاختلاف وأدب المناظرة
وما وضعه المتأخرون من آداب إنما هي للمماحكة ولقلة الكلام في بعض الأحيان ولكن المثال الأتم هو ما كان عليه الصحابة من أن الإنسان يعين مناظره لأنهما يبحثان عن الحق إلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،