مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 59 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين لإمام الأئمة وحجة الإسلام الشيخ أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى، وفي كتاب العلم الذي
بدأ به الكتب العشرة في إحياء علوم الدين، ما زلنا نتعلم منه العلم المحمود والعلم. المذموم وما بينهما من علوم تتردد بين الأمرين، وملخص العلم المحمود أن يوصل إلى الله أو أن يزيد الأدب معه سبحانه وتعالى، والعلم المذموم بخلاف ذلك فهو حجاب يحجب الإنسان عن ربه، وما يتردد بينهما من علوم كذلك، فإذا كان فيه معنى القرب إلى الله كان من الممدوح أو. من صفاته وإن كان قريباً من الحجاب كان منه
أو من صفاته، اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين آمين، وهو يتحدث عن وظائف المتعلم وآدابه: الوظيفة السابعة ألا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله فإن العلوم مرتبة ترتيباً ضرورياً وبعضها طريق إلى بعض، والموفق من راعى ذلك الترتيب والتدريج. قال الله تعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته" أي لا يتجاوزون فناً حتى يُحكموه علماً وعملاً. وليكن قصده في كل علم يتحراه الترقي
إلى ما هو فوقه، فينبغي ألا يحكم على علم بالفساد. لوقوع الخلاف بين أصحابه فيه ولا بخطأ واحد أو آحاد فيه ولا بمخالفتهم موجب علمهم بالعمل، فترى جماعة تركوا النظر في العقليات والفقهيات متعللين فيها بأنها لو كان لها أصل لأدركه أربابها، وقد مضى كشف هذه الشبهة في كتاب معيار العلم، وترى طائفة يعتقدون بطلان الطب لخطأ شاهدوه من طبيب. وطائفة اعتقدوا صحة علم النجوم بسبب صواب اتفق لواحد منهم، وطائفة اعتقدوا بطلانه بسبب خطأ اتفق لآخر، والكل مخطئ، بل ينبغي أن يُعرف الشيء في
ذاته، فليس كل علم يستطيع كل شخص الإحاطة به. ولذلك قال علي رضي الله عنه: "لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله". هذا أول كلام في العالم فلم... لم يكن في حضارة من قبل أن تكلم أهلها بهذا الكلام، هذا أول كلام يُخط في العالم. بعد ذلك تطور هذا إلى ما أسماه الغرب الميثودولوجي، ثم ترجمناه عنهم بالمنهجية، والإبستمولوجي وترجمناه عنهم بالمعرفية. نترجم تلك بضاعتنا رُدّت إلينا، ولكن هذا أصله، أول من كتب في هذا كان هو الإمام أبو. حامد الغزالي من خبرة المفكرين والعلماء
والمجتهدين من أهل الإسلام، لم ترَ حضارة قط أن تؤصل هذا التأصيل وأن تجعل غايتها الله وأن تجعل الله مقصود الكل إلا الإسلام، ولذلك شاع وذاع وتمكّن. وأنكروا، أي بعدما أخذوه منا، أن هذا الكلام اطّلع عليه توماس أكوينوس لأنه كان يعرف العربية. واطّلع عليه روجر بيكون الذي كان يعرف العربية وغيره ممن نُسِبَت إليهم قيام الحضارة الغربية، وقد بالغوا فيه وأنكروا أنهم نقلوه عن الإسلام، ثم بعد ذلك ألغوا الله ولم يعد لهم شأن به، وعاشوا بهذا المنهج في دراسة الدنيا حتى سموا
هذا بالعلمانية، وخرجوا من دين الله أفواجاً لظروف عندهم في كنيستهم ولتركيبتهم. ثم بعد ذلك تأسس العلم الدنيوي وأسموه "العلم" من هذا، وبعد إلغاء الله، إذا خرجت من المنظومة عندما يخرج الله من المنظومة، فلا يبقى إلا هذا العبث الذي يسعون فيه. ولذلك سُمِّيت هذه الحضارة بأنها حضارة عرجاء لأنها لا تقوم إلا على أساسين فقدت مقصدها، ولذلك ذهبت كل مذهب وسارت. في كل طريق ونجحت بقدر ما نجحت من ضبط هذا الضبط الذي وضعه علماء الإسلام. بعد ذلك رأيناهم وهم يقسمون
مراحل التعليم إلى الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعة والدراسات العليا من أجل أن يصلوا إلى الغرض السابع الذي يتكلم عنه الإمام. ورأيناهم يضعون ما أسموه بالمناهج "الكريكيولم"، والكريكيولم معناها المساقات الدراسية. من أجل هذا، من أجل أن يضعوا شيئاً يصدُّ في النهاية للتدرُّج، ثم يصدُّ في النهاية للتدريب، ويصدُّ في النهاية لإنشاء المعارف والملكات والمهارات. وجعلوا حتى امتحان الطالب على هذا، فلم يجعلوه للمعلومات فقط، ولا للملكات فقط، ولا للقيم فقط، بل جعلوها لهذه السلاسة كما
أفاد فيما ذكرناه هكذا. الحال أننا فقدنا مصطلحاتنا وفقدنا الأساس الفكري لها، وجلسنا نستورد ونخلط من هنا ومن هناك. والبركة فيكم أن يعود الأمر على أيديكم إلى ما كان عليه من فكر مستنير أضاء للبشرية حالها، ثم أخذت البشرية منه جانب الشكل وتركت المقصد، مقصد الكل وهو الله سبحانه وتعالى. نعم، الوظيفة الثامنة هي أن يُعرف السبب. الذي به يدرك أشرف العلوم أن يعرف السبب الذي به تدرك
أشرف العلوم، وأن ذلك يراد به شيئان: أحدهما شرف الثمر، والثاني وثاقة الدليل وقوته، وذلك كعلم الدين وعلم الطب، فإن ثمرة أحدهما الحياة الأبدية وثمرة الآخر الحياة الفانية، فيكون علم الدين أشرف، ومثل علم الحساب وعلم النجوم، فإن علم الحساب أشرف لوثاقة أدلته وقوتها وإن نسب الحساب إلى الطب كان الطب أشرف باعتبار ثمرته والحساب أشرف باعتبار أدلته وملاحظة الثمرة أولى ولذلك
كان الطب أشرف وإن كان أكثره بالتخمين وبهذا تبين أن أشرف العلوم العلم بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله والعلم بالطريق الموصل إلى هذه العلوم فإياك وأن ترغب إلا فيه وأن تحرص إلا عليه، وهنا أساس آخر لقضية كبرى شغلت الحضارات، شغلت الحضارة الغربية وشغلت الحضارة الشرقية، وهي قضية تصنيف العلوم. وتصنيف العلوم مبناه على رؤية للإنسان والكون والحياة وما قبل ذلك وما بعد ذلك. ضبطها الإمام هنا في الثامنة، وتطور
تصنيف العلوم في الغرب واستقر على. ما فعله جون ديوي، وهو من فلاسفة التربية الكبار، أنه أنشأ تصنيفاً للعلوم ما زال شائعاً في المكتبات العامة. وهذا التصنيف يتطور، ولكن الأساس كان من وضعه. وهذا يعني أنه لا بد من تصنيف العلوم ومعرفة مراتبها، ثم وضع معيار لذلك التصنيف. وقد وضعوا معياراً آخر، ولذلك نراه. لقد وضع المعارف أولًا جيوت ثم بعد ذلك الأديان الثانية وهو
تقسيم عشري يعني يصل بهم إلى عشرة ثم بعد ذلك نجد أنه في ثانيًا هذه يحدث واحد واثنين وثلاثة يعني واحد وعشرين اثنين وعشرين ثلاثة وعشرين وفي اثنين وعشرين يحدث واحد اثنين ثلاثة وهكذا فأصبح الإسلام مائتين واحد وعشرين. يعني كل ما يُقصد لله أصبح مئتين وواحداً وعشرين من هذا التقسيم الضخم، وجاء في طبعته الحادية والعشرين من طبع ديوي وجعله مئتين واثنين وعشرين في ديانات أخرى، أي لم يذكر الإسلام، ذكره في طبعات
ثم اختل النظام معه في طبعات أخرى. كيف أدخلوا في هذا الشيء القليل ملايين؟ العناوين التي تركها لنا المسلمون هذه ليست مهمتهم هم، أي أنهم تركوها مختلطة ببعضها، ونحن منذ أن بدأ الناس ماذا يفعلون وقد تمكنت هذه التصنيفات في مكتبات العالم، فإذا أردنا أن نتصل بهم فلا بد أن نصنف مثل تصنيفهم. قامت روسيا بتصنيف آخر بمعيار آخر يتلاءم مع أفكار ماركس. والشيوعية، وظل المسلمون في حالة حيرة، وبذلوا ما أسموه
بتعديل ديوي، وجلسوا يُنشئون هذا التعديل، فتعددت هذه التعديلات من أجل أن تستوعب مكتباتنا هذا النظام، ومن أجل ألا ينقطعوا عن العالم، فأصبحنا بعد أن كنا متبوعين أصبحنا تابعين، وبعد أن كنا في المقدمة أصبحنا مُقادين، وهذا يؤثر في كل... شيء حتى في الابتكار ويؤثر في خدمة العلوم بعضها من بعض. نعم، الوظيفة التاسعة أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة، وفي المآل القرب من الله
سبحانه والترقي إلى جوار الملأ الأعلى من الملائكة والمقربين. ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران. وإذا كان هذا مقصده طلب لا محالة أقرب إلى مقصوده وهو علم الآخرة، ومع هذا فلا ينبغي له أن ينظر بعين الحقارة إلى سائر العلوم أعني علم الفتاوى وعلم النحو واللغة المتعلقين بالكتاب والسنة وغير ذلك مما أوردناه في المقدمات والمتممات من ضروب العلوم التي هي فرض كفاية، ولا تفهمن من غلونا. في الثناء على علم الآخرة تهجيناً لهذه العلوم، فالمتكفلون بالعلوم كالمتكفلين بالثغور
والمرابطين بها والغزاة المجاهدين في سبيل الله، فمنهم المقاتل، ومنهم الرِّدء، ومنهم الذي يسقيهم بالماء، ومنهم الذي يحفظ دوابهم ويتعهدهم، ولا ينفك أحد منهم عن أجر إذا كان قصده إعلاء كلمة الله تعالى دون حيازة الغنائم، فكذلك العلماء. قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾، وقال تعالى: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ﴾. والفضيلة نسبية، واستحقارنا للصيارفة عند قياسهم بالملوك لا يدل على حقارتهم إذا قيسوا
بالكناسين، فلا تظنن أن من نزل عن الرتبة القصوى ساقط القدر، بل الرتبة العليا للأنبياء، ثم الأولياء، ثم العلماء الراسخين. في العلم ثم للصالحين على تفاوت درجاتهم، وبالجملة من يعمل مثقال ذرة خيراً يرى، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرى، ومن قصد الله تعالى بالعلم أي علم كان نفعه ورفعه لا محالة. وبهذا تمكنت الحضارة الإسلامية وتشعبت حتى وصلنا إلى هذه الحالة المحيرة، فحالة العالم الإسلامي محيرة للفكر الغربي، لماذا؟ تتمسكون بالإسلام ولماذا ينتشر ولماذا يبقى
لأن هذا التاسع ذهب وانعكس في الحضارة الغربية وأصبح الإنجاز هو المقياس ولم يعد طلب الله هو المقياس بل أصبح الإنجاز. فإذا كان رئيس الدولة عندهم قد انحرف وأصبح ملوث السمعة لكنه استطاع أن ينقذ ميزان المدفوعات فإنه يبقى ويستمر وما علينا أن يكون. فاسداً أو مفسداً، المهم الدرهم والدينار، وأن الدولار هو مقياس الحق. وعندما
جاء أحدهم وأنشأ نظرية - وهو فريدمن - أن الدولار هو مقياس الحق، وأن كل شيء في الكون يُباع ويُشترى، غاية الأمر أن تعرف ثمنه، فإذا عرفت ثمنه ودفعته، فاقتله من غير مبادئ ولا أخلاق ولا قيم ولا مقصود لله. سبحانه وتعالى قالوا له: نعم، أنت جئت هكذا وأتيت بالتيه، فأصبح المعيار ليس القرب والبعد من الله، وليس تحقيق قصد الله من عدمه، بل أصبح المعيار هو الإنجاز. أصبحت معايير العلوم هي التجاوز، فإذا ألفت كتاباً ورجعت مثلاً فيه إلى
مراجع من خمسين سنة، يُرفض هذا الكتاب لأنه كتاب. يعيش في الماضي ونحن نريد تطويراً وتطوراً دائمين، فيرفض منك هذا. إخواننا في الأزهر يعملون عكس هذا، يقول له: أين المراجع الأصيلة؟ وعلى الفور، عندما تكون هناك مراجع أصيلة تصبح مراجع متخلفة ولا يقبلها، إذ لا بد من التجديد. فكل عشر سنوات تتحول الأمور في تطور، إذ لا يبقى للمبادئ [ثبات]. شأننا هنا يقول إنك لا تفعل من أجل مقارنة الأقران
ومنافسة الأقران، هناك يجعل بناء المجد أساساً للقضية، ولذلك تراه يسمي الجائزة باسمه: جائزة نوبل، منحة فورد، فولبرايت، لأنه يريد الخلود لأنه ليس هناك آخرة في هذه المنظومة. ليس هناك قصد لله ولا يفعل شيئاً لوجه الله، ويتعجب غاية العجب. منك أيها الذي تفعل شيئاً أو تتصدق بصدقة في الخفاء، أمجنون أنت لأنك لم تطلب المجد أو المقارنة أو المنافسة في منظومة قد تكون قد استقرت في كثير من وجدان من ينطقون بلغتنا ويعيشون في أوساطنا؟ كأنهم أهملوا
هذا التاسع ورفعوه ومحوه وعكسوه، نسبية مطلقة، نعم نحن نعترف بالنسبية وهنا. قال إن الفضل نسبي ولكنهم يجعلون النسبية خاصة بعد نيتشه هي نسبية مطلقة لدرجة أن النسبية المطلقة أصبحت هي المطلق الذي يعيشون به. نحن عندنا المطلق هو الله لأنه يتجاوز الزمان والمكان والأشخاص والأحوال وهو لا يتحول ولا يتبدل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً لكن... هو يقول لا، إن كل شيء نسبي. افعل
ما شئت والكون كما تراه أنت. كيف ترى الكون؟ هو هكذا. انظر إلى ما تراه لكي نستطيع أن نجلس مع بعضنا. هذا التاسع رفعوه بذاته فانعكس معهم كل شيء فيه. تأملوا كلمة كلمة كلمة كلمة. هذا التاسع هو الذي بيننا وبينهم. هو هذا الذي حدث بيننا وبينهم أنهم رفضوا هذا التاسع فأزالوه ونبذوه، فانعكس الحال معهم. ثم عندما تعلموا هناك، جاؤوا من غيره وتعجبوا من هذا الكلام جداً لأنهم لم يجدوا هذا الكلام هناك. قليل من المدارس
حاولت أن ترجع شيئاً من هذا التاسع أما أنها... تاهت في وسط الركاب. نعم، الوظيفة العاشرة أن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد كي يؤثر الرفيع القريب على البعيد، والمهم على غيره. ومعنى المهم ما يهمك، ولا يهمك إلا شأنك في الدنيا والآخرة. وإذا لم يمكنك الجمع بين ملذات الدنيا ونعيم الآخرة، كما نطق به القرآن وشهد له من نور. البصائر هي ما يجري مجرى العيان وشهد كما نطق به القرآن وشهد له من نور البصائر ما يجري مجرى العيان. فالأهم ما يبقى أبد الآباد، وعند ذلك
تصير الدنيا منزلاً، والبدن مركباً، والأعمال سعياً إلى المقصد، ولا مقصد إلا لقاء الله تعالى، ففيه النعيم كله وإن كان لا يُعرف في هذا. العالم قدره إلا الأقلون والعلوم بالإضافة إلى سعادة لقاء الله سبحانه والنظر إلى وجهه الكريم أعني النظر الذي طلبه الأنبياء وفهموه دون ما يسبقوا إلى فهم العوام والمتكلمين على ثلاث مراتب تفهمها بالموازنة بمثال وهو أن العبد الذي علق عتقه وتمكينه من الملك بالحج وقيل له إن حججت وأتممت وصلت. إلى العتق والملك جميعاً، وإن ابتدأت
بطريق الحج والاستعداد له وعاقك في الطريق مانع ضروري، فلك العتق والخلاص من شقاء الرق فقط دون سعادة الملك. فله ثلاثة أصناف من العمل: الأول تهيئة الأسباب بشراء الناقة وخرز القربة وإعداد الزاد والراحلة، والثاني السلوك ومفارقة الوطن بالتوجه إلى الكعبة منزلاً بعد منزل. والثالث الاشتغال بأعمال الحج ركناً بعد ركن، ثم بعد الفراغ والخروج من هيئة الإحرام وطواف الوداع استحق التعرض للملك والسلطنة، وله في كل مقام منازل من أول إعداد الأسباب إلى آخره، ومن أول سلوك البوادي إلى آخره، ومن أول أركان الحج إلى آخره،
وليس قرب من ابتدأ بأركان الحج من. السعادة كقرب من هو بعيد في إعداد الزاد والراحلة، ولا كقرب من ابتدأ بالسلوك، بل هو أقرب منه. فالعلوم أيضاً ثلاثة أقسام: قسم يجري مجرى إعداد الزاد والراحلة وشراء الناقة، وهو علم الطب والفقه وما يتعلق بمصالح البدن في الدنيا، وقسم يجري مجرى سلوك البوادي وقطع العقبات، وهو تطهير الباطن. عن كدورات الصفات وارتقاء تلك العقبات الشامخة التي عجز عنها الأولون والآخرون إلا الموفقين، فهذا سلوك الطريق وتحصيل علمه كتحصيل علم جهات الطريق ومنازله. وكما لا يغني علم المنازل
وطرق البوادي دون سلوكها، كذلك لا يغني علم تهذيب الأخلاق دون مباشرة التهذيب، ولكن المباشرة دون العلم غير ممكنة. وقسم ثالث. يجري مجرى نفس الحج وأركانه وهو العلم بالله تعالى وصفاته وملائكته وأفعاله وجميع ما ذكرناه في تراجم علم المكاشفة، وها هنا نجاة وفوز بالسعادة، والنجاة حاصلة لكل سالك للطريق إذا كان غرضه المقصد الحق وهو السلامة، وأما الفوز بالسعادة فلا يناله إلا العارفون بالله تعالى وهم المقربون المنعمون في جوار. الله تعالى بالروح والريحان وجنات النعيم، وأما الممنوعون دون ذروة الكمال فلهم
النجاة والسلامة، كما قال الله عز وجل: "فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم، وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين"، وكل من لم يتوجه إلى المقصد ولم ينتهض له. أو انتهض إلى جهته لا على قصد الامتثال والعبودية بل لغرض عاجل فهو من أصحاب الشمال ومن الضالين فله نزل من حميم وتصلية جحيم، هذا على حد سنة التوازن، فهنا يريد التوازن بين كل شيء.
والمتأمل فيما ذُكر ثم في تنبيه الإسلام وتنبيه القرآن على السنن الإلهية فيه ومنها سنة. التوازن يدرك هذا الحال توازن النظر والعمل، وهي مشكلة كبيرة في علوم اليوم، توازن بين النظر والعمل، بين الفكر والتنفيذ، مشكلة كبيرة يتحدث عنها علماء النفس، ويتحدث عنها الإداريون، ويتحدث عنها الأطباء. هنا يتحدث بهذه البلاغة العالية التي لا تستطيع أن تسبر غورها أو أن تصل إلى أعماقها إلا
بهذه. الكلمة: ضع في ذهنك وأنت تقرأ هذا البند التوازن. تُحَل معك الإشكالات وتفهم بصورة أفضل. فإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكراً.