مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 63 | أ.د علي جمعة

شكرا، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع كتاب إحياء علوم الدين وفي كتاب العلم وهو أول كتاب وفي ركن من أركانه وهو آداب المعلم، نعيش هذه اللحظات مع سيدنا الشيخ
الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين، نعم قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه وعلومكم وبكم في الدارين آمين. الوظيفة الثالثة ألا يدع من نصح المتعلم شيئا، وذلك بأن يمنعه من التصدي لرتبة قبل استحقاقها والتشاغل بعلم خفي قبل الفراغ من الجلي، ثم ينبهه على أن الغرض بطلب العلوم القرب إلى الله تعالى دون الرئاسة والمباهاة والمنافسة ويقدم تقبيح ذلك في نفسه بأقصى ما يمكن فليس ما يصلحه العالم الفاجر بأكثر مما يفسده فإن علم من باطنه أنه لا يطلب العلم إلا للدنيا نظر
إلى العلم الذي يطلبه فإن كان هو علم الخلاف في الفقه والجدل في الكلام والفتاوى في الخصومات والأحكام فليمنعه من ذلك فإن هذه العلوم ليست من علوم الآخرة ولا من العلوم التي قيل فيها تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله وإنما ذلك علم التفسير وعلم الحديث وما كان الأولون يشتغلون به من علم الآخرة ومعرفة أخلاق النفس وكيفية تهذيبها فإذا تعلمه الطالب وقصد به الدنيا فلا لا بأس أن يتركه فإنه يثمر له طمعا في الوعظ والاستتباع، ولكن قد يتنبه في أثناء الأمر أو آخره إذ فيه العلوم المخوفة من الله تعالى المحقرة للدنيا المعظمة للآخرة، وذلك يوشك أن يؤدي إلى الصواب في الآخرة حتى
يتعظ بما يعظ به غيره، ويجري حب القبول والجاه مجرى الحب ينثر حوالي الفخ ليقتنص به الطير وقد فعل الله ذلك بعباده إذ جعل الشهوة ليصل الخلق بها إلى بقاء النسل وخلق أيضا حب الجاه ليكون سببا لإحياء العلوم وهذا متوقع في هذه العلوم فأما الخلافيات المحضة ومجادلات الكلام ومعرفة التفاريع الغريبة فلا يزيد التجرد لها مع الإعراض عن غيرها إلا قسوة في القلب وغفلة عن الله تعالى وتماديا في الضلال وطلبا للجاه، إلا من تداركه الله تعالى برحمته أو مزج به غيره من العلوم الدينية. ولا برهان
على هذا كالتجربة والمشاهدة، فانظر واعتبر واستبصر لتشاهد تحقيق ذلك في العباد والبلاد، والله المستعان. وقد رئي سفيان الثوري رحمه الله حزينا فقيل له ما لك فقال صرنا متجرا لأبناء الدنيا يلزمنا أحدهم حتى إذا تعلم جعل قاضيا أو عاملا أو قهرمانا. التذكير والنصيحة النبي صلى الله عليه وسلم يقول الدين النصيحة وأولى النصيحة ما تكون بين الأستاذ وبين التلاميذ حيث أنه يرشده إلى حاله فيقول له هل أنت وصلت إلى المرتبة التي تستقل بها أو إنك قد انتهيت من هذا العلم فخذ في علم آخر يكون أمينا
معه فإن النصح مبني على الأمانة لا يجامله من أجل محبته ولا يستعجله وإنما يصف حاله على ما هو عليه والإنسان وهو يسير في الحياة يسير سيرا مختلفا فمرة تكون عنده همة وتارة تفتر هذه الهمة وتارة يكون لديه ضعف وتارة تكون لديه صحة وطاقة وعمل ومذاكرة أو أنه يترك المذاكرة ويمل وهكذا فيأتي دور التذكير فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين فالإنسان من طبيعته أنه يتحول ويتغير ويعلو ويهبط ولكن
الأستاذ عليه أن يراقب هذه الحالة ويذكر فيكون من ناحية ناصحا ومن ناحية مذكرا إن الذكرى تنفع المؤمنين فإذا هناك أمانة في التقويم وعدم خلل في هذا لأن الأمانة ضدها الخيانة وهذا يكون من باب النصح وهناك معونة في التذكير نذكره ونعينه أن يرجع مرة أخرى إلى حالة الهمة إلى حالة العطاء إلى حالة القوة إلى حالة المذاكرة فدوام العلم مذاكرة فحياة العلم مذاكرته وقالوا للإمام البخاري كيف وصلت إلى هذا الحفظ العجيب الغريب قال بكثرة النظر
إلى الكتب بكثرة المذاكرة والمذاكرة قد تكون بالمفرد وقد تكون مع إخوانك وقد تكون مع الأستاذ نفسه ولذلك المذاكرة ينبغي أن تشمل السؤال والتداول فيها وحضور الدروس وكذلك إلى آخره والقراءة والمراجعة ولا تمل من هذا أبدا نعم الوظيفة الرابعة وهي من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ويهيج الحرص على الإصرار إذ
قال صلى الله عليه وآله وسلم وهو مرشد كل معلم لو منع الناس عن فت البعر لفتوه وقالوا ما نهينا عنه إلا وفيه شيء، قال عن الحديث لم أجده وينبهك على هذا قصة آدم وحواء عليهما السلام وما نهيا عنه، فما ذكرت القصة معك لتكون تسلية بل لتتنبه بها على سبيل العبرة، صناعة
التعليم لها صناعة وهذا أظن إننا سبقنا العالم، كل هذا الكلام مكتوب منذ ألف سنة، يعني هذا كلام كأنه كتب اليوم، هذا الكلام مكتوب منذ ألف سنة وهو يتحدث عن صناعة التعليم، صناعة التعليم يعني كأنها أصبحت علما مستقلا بذاته له قواعده وله مبادئه وله أدلته وله تتابعه وله مصادره، صناعة التعليم كما أنه جعلها صناعة فجعلها متصلة بالملكات لأن الصناعة تحتاج إلى ملكة، والقضية الثانية فيما ذكرناه أنه جعل مسألة القيم والتربية
جزءا من تلك الصناعة، يعني أن التعليم ليس مقتصرا على المعلومات وإنما لا بد فيه من أمرين آخرين من تربية الملكات بالمهارات ومن تربية النفس بالقيم والأخلاق، ثلاثة: تعليم، تدريب، تربية وهذه هي صناعة التعليم، فالتعليم ليس مقتصرا على التلقي ولا مقتصرا على ما يفعله بعضهم من اختبار الحفظ: هل حفظت أم لا؟ كلا، وإنما هذا مرتبط ارتباطا عضويا في ذاته بالتربية، ولذلك
لا بد لهذا الأستاذ حتى يكون أستاذا حقيقيا أن يراعي تلاميذه من ناحية القيم والأخلاق ويتابعهم ويوجههم ويذكرهم وينبههم ويرقق قلوبهم لهذا المعنى وكل ذلك أخذوه عندما وقفوا أمام هذا الكلام المعجز واتقوا الله ويعلمكم الله كلمة بسيطة يعني في ربع سطر إلا أنها يبنى عليها صناعة التعليم والتربية فتكون صناعة التعليم تتكون من المعلومات وتتكون من التربية الأخلاقية وتتكون من التدريب وإذا أردت كما ذكرنا مرارا إن
أردت أن تختبر فلا بد أن تختبر الثلاثة، وإذا أردت أن تجيز فعليك أن تجيز بعد أن يجتاز الثلاثة وليس أن يجتاز واحدة فقط. فمن حصل على المعلومات ولم تكن لديه أخلاق فيتبين هنا أن هذا من علماء السوء وأن ضرر هؤلاء ضرر بليغ، وقد كان عندما تركنا الأمر للمعلومات دون تربية ودون شيخ يعني أنا سمعت واحدا من إخواننا المتصدرين أصحاب الفتن يقول أنا قرأت المغني في شهر، مغني ابن قدامة قرأوه في شهر، المجرم في شهر، نحن لم ننته بعد، قال فماذا أفعل لكم أنتم أغبياء هذا نحن قضينا أربعين سنة نقرأ
فيه ولم نزل يعني يوجد يعني لا نزال قد قرأته في شهر قال ماذا قرأته في شهر نعم هذا من علماء السوء هذا ليس عالما أصلا هو يعني فقط هو في الهيئة هكذا الإبليسية الخارجية هذا ما له علاقة بالحكاية كلها عندما قال هذا عرفنا هذا قديما فإذا به فعلا الدنيا أصبحت تثبت أنه فتنة وأنه كاذب وأنه ظالم وأنه سارق وأنه كل البلاء فيه، سبحان الله! وكان هذا الرجل ينظر إلى الغيب من ستر رقيق فيخبرنا بما سيكون، لماذا سنة الله في كونه هكذا؟ فينبغي لنا أن نحرر هذا الأمر تحريرا، نعم الوظيفة
الخامسة أن المتكفل ببعض العلوم ينبغي ألا يقبح في نفسه المتعلم للعلوم التي وراءه كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه، ومعلم الفقه عادته تقبيح علم الحديث والتفسير وأن ذلك نقل محض وسماع وهو شأن العجائز ولا نظر للعقل فيه، ومعلم الكلام ينفر عن الفقه ويقول ذلك فروع وهو كلام في حيض النساء فأين ذلك من الكلام في صفة الرحمن. فهذه أخلاق مذمومة للمعلمين ينبغي أن تجتنب، بل المتكفل بعلم واحد ينبغي أن يوسع على المتعلم طريق التعلم في غيره، وإن كان متكفلا بعلوم فينبغي أن يراعي التدرج في ترقية المتعلم من رتبة إلى رتبة. يبقى إذا لا بد أن نهتم
بالعلم كعلم، أي لا يقدح في علم لأنه لا يدرسه أو لأنه تخصص في غيره وهذا أيضا من البلايا التي رأيناها وسمعناها وعشناها كثيرا من الناس ما يحتقر العلوم لماذا لأن الجهل بالشيء يجعلك عدوا له يقول لك الناس أعداء ما جهلوا فلأنه جاهل بهذا العلم فلا يعرفه فيسبه وهذه بلية في المعلم نعم إذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا ابن جهل نعم ونستمر إن شاء الله مع الإمام الغزالي وهو يبين لنا الأخلاق الحميدة للمعلم التي إذا افتقدها لم يصبح معلما وإنما صار متصدرا هكذا
فإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته