مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 65 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 65 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. وما زلنا في كتاب العلم
في وظائف المعلم، قال إنها ثمانية وعددنا منها سبعة. اقرأ يا شيخ محمد، قال رحمه الله. تعالى ونفعنا الله بعلومه وعلوم الدارين آمين. الوظيفة السابعة أن المتعلم القاصر ينبغي أن يُلقى إليه الواضح اللائق به، ولا يُذكر له أن وراء هذا تدقيقاً وهو يدخره عنه، فإن ذلك يُفتِّر رغبته في الواضح ويشوش عليه قلبه ويوهم إليه البخل به عنه، إذ يظن كل أحد أنه أهل لكل علم. علمٌ دقيق، فما من أحد إلا وهو راضٍ عن الله سبحانه في كمال عقله، وأشدهم حماقة وأضعفهم عقلاً هو أفرحهم بكمال عقله. وبهذا يُعلم أن من تقيّد من العوام بقيد
الشرع ورسخت في نفسه العقائد المأثورة عن السلف من غير تشبيه ومن غير تأويل، وحَسُنَت مع ذلك سريرته، ولم يحتمل. عقله أكثر من ذلك فلا ينبغي أن يشوش عليه اعتقاده بل ينبغي أن يُترك وحرفته، فإنه لو ذُكر له تأويلات الظاهر انحل عنه قيد العوام ولم يتيسر قيده بقيد الخواص، فيرتفع عنه السد الذي بينه وبين المعاصي وينقلب شيطاناً مريداً يهلك نفسه وغيره، بل لا ينبغي أن يُخاض مع العوام. في حقائق العلوم الدقيقة بل يقتصر معهم على تعليم العبادات وتعليم الأمانة في الصناعات التي هم بصددها ويملأ قلوبهم من الرغبة والرهبة في الجنة والنار كما نطق به القرآن ولا يحرك عليهم
شبهة فإنه ربما تعلقت الشبهة بقلبه ويعسر عليه حلها فيشقى ويهلك وبالجملة لا ينبغي أن يفتح للعوام باب البحر فإنه يعطل عليهم صناعاتهم التي بها قوام الخلق ودوام عيش الخواص. هذا افتقدناه فكدنا أن نهلك. هذا الذي يقوله الإمام منذ نحو ألف سنة. بدلاً من أن نتقدم تأخرنا بدعوة السلفية وبدعوة المتشددين وبدعوة النابتة إلى آخره. تصدروا قبل أن يتعلموا. انتبه إلى أنهم جميعًا غير متعلمين الذين يعملون. بائع والذي يعمل في مجال
السيراميك والذي يعمل لا أعرف ماذا والذي تخرّج من كلية الإعلام والذي تخرّج من كلية الآداب والذي تخرّج من كلية لا أعرف ماذا، لم يدرس أحدهم الطب، وأين درسوا الباقي يا عيني! ضحكوا على شخص هنا أو هناك أو هناك من الذين درسوا وهم لم يدرسوا هذا الشيء، المخرج. من هذا دراسة الحديث لأن الحديث يُعلّم الناس التوثيق، ولذلك تجد هؤلاء الناس يحاولون أن يتمسحوا بالحديث. تدرس الحديث فتتعلم التوثيق، وتعرف أن كل هذا الكلام مثل الرجل الذي قال له الطبيب: "امشِ على الدواء"، فوضعه على الأرض ومشى عليه. هذا ما نحن فيه، لا لغة ولا أصول.
عقيدة لا معقول ولا منقول وكأن الدنيا قد خلت ليس فيها علم حتى ظهر الشيخ ابن تيمية، وبعد الشيخ ابن تيمية خلت الدنيا من العلم، ليس هناك أحد، بل الكل مبتدع إلى أن ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبعد ذلك انتهت الدنيا إلى أن ظهر. الشيخ ابن باز فقط يا سيدي، كل شخص يُؤخذ من قوله ويُرد إلا صاحب هذا القبر الشريف صلى الله عليه وسلم. وإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم، ومن شذَّ شذَّ في النار. لا، هذا
الحديث ضعيف، لابد أن يكون ضعيفاً عندهم، نُضعِّفه هكذا قبل أن ننظر فيه، لماذا؟ لأنه... ضدهم حتى ضعفوا. حديث "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله" قال: إنه حديث ضعيف. لماذا؟ لأنه ليس من هؤلاء الخلف، وليس هو من الحملة، فقام بتضعيفه. إذاً هذا تضعيف بالهوى وليس بالعلم. حسناً، أليس الله تعالى يقول لك؟ لا، ليس لنا شأن بذلك. قال تعالى نحن... يريدون السُّنة والسُّنة على هواهم، يأخذون منها ما يريدون ويتركون ما لا يريدون. الخير كله الخير في اتباع مَن سلف، والشر كله الشر في ابتداع مَن خلف. فهؤلاء بدعة،
لماذا؟ لأنهم زادوا على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما هو منهج رسول الله؟ قال: فكان يسمع تلك التلبية، التلبية. كل شخص أصبح يقول ما لديه ويدعو الناس، فيأتي ويقول لك: ماذا تقول أنت؟ تعالَ. وأنت في الطواف تقول له: هذا في كتاب أهو يذكر أدعية الطواف. كل الأدعية هذه الشوط الأول، يقول: هذا يدعو بهذه الأدعية. صحيحٌ أنها غير واردة عن رسول الله، إنما هي واردة عن الصالحين الذين وُجدوا. قلوبهم مع الله فوضعوها، استفدنا منها لأن منهج الدعاء قائم على السعة فجعلوه ضيقاً. فالبدعة من هنا، ما هي البدعة؟ هي التي تَرُدُّ على السنة بالبطلان حكماً أو منهجاً. فهذه
ردت على السنة بالبطلان. يقول لك: ماذا تقول؟ أذكار "يا الله، يا الله، يا الله، يا الله"، فيقول لك: لا، هذه بدعة. لماذا؟ بدعة لماذا؟ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، لكنها لم ترد. إذن ماذا تريد أكثر من ذلك؟ يقول لك: ولله الأسماء الحسنى وردت فادعوه بها. يا الله، ما المشكلة في ذلك؟ قال: لا، على كل حال هي "الله" مقبولة، لكن "الله الله الله الله الله" هذه غير مقبولة. لماذا؟ حسناً، قل الله ثم... ذرهم في خوضهم يلعبون، كيف سينفذها؟ نفذ لي هذه الآية هكذا، قل هكذا: الله، الله، الله. ثم ذرهم في خوضهم يلعبون. النبي عليه الصلاة والسلام قال: حيث لا يقال في الأرض الله الله. أي أنه كان يُقال:
الله الله. لا، ولكن لم ترد، ما الذي لم يرد؟ إذن أنا أقول له ما هذا؟ لا، لا، لا، لا، لا، يعني لم نرَ في العالم بل ولا في التاريخ أتعس من هذا. ها هو كتابه وها هي السنة. يقول لك أبداً لم ترد. لماذا هو يفعل هكذا؟ لأنه جاهل، لم يتعلم. إذاً يجب علينا أن... أن... أنه فيه أفقٌ، يرحمك. الله يرحمك، الوظيفة الثامنة أن يكون
المعلم عالماً بعلمه، فلا يكذب قوله فعله، لأن العلم يُدرك بالبصائر والعمل يُدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر، فإذا خالف العمل العلم منع الرشد، وكل من تناول شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك، سخر الناس به واتهموه فزاد. حرصهم على ما ابتعدوا عنه فيقولون: "لولا أنه أطيب الأشياء وأغلى الدهان ما كان يستأثر به". ومثل المعلم المرشد مع المسترشدين كمثل النقش في الطين والظل من العود، فكيف ينتقش طين بما لا
نقش فيه؟ ومتى استوى الظل والعود أعوج؟ ولذلك قيل في... المعنى لا تنهى عن خلق وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ. وقال الله تعالى: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم". ولذلك كان وزر العالم في معاصيه أكبر من وزر الجاهل، إذ يزل بزلته عالمٌ كثير ويقتدون به. ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها. ولذلك قال... قال علي رضي الله عنه: "قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك،
فالجاهل يغر الناس بتنسكه والعالم يغرهم بتهتكه". والله أعلم. وهذا هو الثامن من وظائف المعلم: أن يكون أسوة حسنة. وأيضاً هذا ضُربنا فيه في مقتل، وكثير من العلماء بعد تحصيلهم العلم لا يدركون أن هذا العلم متصل بالتقوى وأنه... لا يعد إلا بذلك وأن المجتهد لو كان فاجراً لا يُؤخذ باجتهاده، وهل يمكن أن يكون المجتهد كافراً؟ بحث الأصوليون في هذا وقالوا: وهل المجتهد معصوم؟ المجتهد غير معصوم، اليوم
كان مجتهداً ثم كفر في اليوم الثاني، يحصل شيء من الكفر قدَّر الله عليه هكذا، إذاً اجتهاده لا يُسلَّم لأنه الاجتهاد. معلومات وقوة ذهن وحضور وهكذا إلى أهمية اجتهاد الكافر، لكن لا يُؤخذ منه حتى لو كان مجتهداً، إلا أنه كافر. وكذلك "اتقوا الله ويعلمكم الله"، فالوصية هنا أيضاً في تكليف للمتصدرين والمرشدين إلى أن يكونوا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة "لقد كان لكم في رسول". لقد كان في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً،
فلا بد على المرشد أن يذكر الله كثيراً، وهذا هو في النهاية الذي جعل الفقهاء بعد الإمام الغزالي كلهم أصبحوا صوفيين، كلهم أصبحوا صوفية. فالفقيه يجب أن يعمل فيه التصوف، حتى دفن ابن تيمية في مقابر الصوفية لأنه... كان معدوداً منه وكان له ورد، وهكذا دُفن في مقابر الصوفية في دمشق. ما أنت تعرف يا شيخ عبد، فإذا لا بد من التصوف، فتصوف الذي هو ماذا؟ تزكية القلب، يعني تخلية القلب من القبيح وتحليته بالصحيح. لا بد لكل المشارب والطوائف،
خاصة المرشد، أن يتمسك بهذا حتى يجعل العلم. لوجه الله فإذا جُعِل ذلك بورك فيه ووُفق وأُعين من عند الله سبحانه وتعالى. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.