مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 66 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 66 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين لإمام الأئمة وبدر التتمة حجة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى، وصلنا إلى تنبيه على آفات العلم بعد أن تكلم عن
وظائف المتعلم وما ينبغي عليه، ثم... وظائف المعلم وما ينبغي عليه، تكلم عن تلك الآفات التي يجب أن تُحذَر في العلم. اقرأ يا شيخ محمد: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين آمين. الباب السادس في آفات العلم وبيان علامات علماء الآخرة والعلماء السوء. قد ذكرنا ما ورد من فضائل العلم والعلماء، وقد ورد في العلماء السوء تشديدات عظيمة دلت على أنهم أشد الخلق عذاباً يوم القيامة، وهذا يدل على أن الإسلام اهتم بقضية العلم، ولذلك فإن المسلمين من أهل العلم يهتمون كثيراً
بالعلم، هكذا دائماً منذ البعثة، والإسلام اهتم بالمتعلم وآدابه ووظائفه. وبالمعلم كذلك وتصنيف العلوم وتمييز خصائص هذه العلوم حتى تكون لوجه الله سبحانه وتعالى. إنما المسلمون من أهل العلم يشبههم في ذلك في الاهتمام بالعلم اليهود، يعني اليهود طلبوا العلم وكانوا يهتمون به ويبحثون عنه، وهناك ديانات كالمسيحية تهتم بالعبادة أكثر من العلم حتى أنه عندما حدثت
الثورات على الكنيسة ورأوا أن هذه الثورات إنما هي محاولة علمية ضد محاولة الكنيسة لأن تجعل الناس من العباد. بدأت الكنيسة تهتم بالعلم مرة أخرى، لكن في التاريخ أهل العلم هم المسلمون واليهود. الهندوس لا يهتمون بالعلم في الديانة، ولكنهم يهتمون بالعلم كشعوب تبني حضارات وفنوناً وآداباً وعمارة ونحو ذلك. لكنهم ليس في دينهم ما يدعو إلى شيء اسمه العلم، لكن في ديننا ما يدعو إلى شيء اسمه العلم ويجعله وسيلة للوصول إلى الله سبحانه وتعالى. لكن ليس هكذا في الهندوسية ولا في البوذية ولا في
الشنتو ولا في المسيحية قبل عصور التنوير وما إلى ذلك، أما أهل... الإسلام وأهل اليهودية كانوا من طلاب العلم، ومن هنا رأيناهم وهم يجتمعون في الأندلس على أبحاث علمية، أي أن اليهود والمسلمين جلسوا مع بعضهم في مؤتمرات وندوات، وهي الفعاليات المشابهة لما يقام في أيامنا هذه، في الأندلس للأبحاث العلمية. بحثوا معاً بحوثاً علمية وافية في تفاصيل كثيرة غابت في خضم التاريخ. لا يعلمها إلا العالمون. نعم، فمن المهمات العظيمة معرفة العلامات الفارقة بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة. ونعني بعلماء
الدنيا علماء السوء الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا والتوصل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها. ويريدون بها عادة في عصرنا المجد والفخار، أن يكتب اسمه، أن يذكر، أن يكون هناك معهد أو... مركز أبحاث أو ما شابه باسمه وهذا هو مقياسهم، لكن هذا ليس نهاية المطاف. نعم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه". قال الحافظ العراقي: رواه الطبراني في الصغير والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد. ضعيف ويرد عليه أنه قد أثبته جماعة من الحفاظ كأبي نعيم وجزم
بعضهم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم كالحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس والقرطبي المفسر والقرطبي المحدث والشاطبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل العلم وأنهم ذكروا له شواهد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحافظ العراقي جاء بعده في التخريج المرتضى الزبيدي، فجمع ما فات العراقي من التصحيح والتوثيق. والقرطبي صاحب التفسير يختلف عن القرطبي المحدث الذي شرح مسلم في كتاب أسماه "المفهم في شرح صحيح مسلم". أما أبو عبد الله القرطبي صاحب التفسير فهو مدفون في محافظة المنيا، وقبره معروف يُزار.
وهو كان إماماً في التفسير واستعان كثيراً في تفسيره المشهور بتفسير ابن عطية حتى أنه في بعض المواضع كأنه ينقل منه بالصفحات الطويلة وهو يتطابق مع ابن عطية. لم نعرف هذا القرطبي، طُبِعَ قديماً في دار الكتب، ولكن ابن عطية طُبِعَ حديثاً في المغرب وفي الإمارات وما إلى ذلك. ثم في بيروت إلى آخر ما هناك، فلما قارن بين التفسيرين وجدنا أن القرطبي قد استعان به قطعاً، وأن هناك مساحات كبيرة طويلة في النقول نقلها من ابن عطية. نعم، أما "المفهم في شرح صحيح مسلم"
فقد طُبع أيضاً، وهذا قرطبي آخر غير القرطبي صاحب التفسير، وهو من العلماء الكبار. ولكن قد يحدث الخلط في بعض النقل عندما يُطلق ويقول: "قال القرطبي"، فيظن الناس على البداهة أنه صاحب التفسير، ويذهبون إلى التفسير وإلى التذكرة وما إلى ذلك، فلا يجدون النقل. إنه القرطبي صاحب المفهم، وقرطبة مدينة يُنسب إليها كثيرون. نعم، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا يكون المرء..." عالِماً حتى يكون بعلمه عاملاً. قال الحافظ العراقي: أخرجه ابن حبان في كتاب روضة العقلاء والبيهقي في المدخل موقوفاً على أبي الدرداء، ولم أجده مرفوعاً. ويُقال
عليه: ورد مرفوعاً من حديث ابن مسعود رضي الله عنه فيما أخرجه العسكري في الأمثال كما ذكر المتقي الهندي في كنز العمال وأخرجه أيضاً. الحسين الجرجاني في "الاعتبار وسلوة العارفين" وأبو طالب الهاروني، كلاهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً. وهذا يدل على أن العلم لا نهاية له، وأنه كلما تم التفتيش كلما وجدنا أشياء. وكان الشيخ أحمد بن الصديق الغماري يتحير في زيادة في حديث "من قال لأخيه انصت والإمام يخطب". فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له ومن لغا فلا جمعة له ليست في الصحيح وإنما هي زيادة، وقد أخذت أبحث عنها سنين طويلة
حتى وجدت تاريخ واسط لبحشل فوجدت فيه الزيادة مُسندة، وكان الشيخ أحمد رحمه الله تعالى وقد توفي سنة ألف وثلاثمائة وثمانين الموافقة لألف وتسعمائة وستين. كان رضي الله تعالى عنه يشتري المخطوطة من كتب الحديث بوزنها ذهباً، يعني يقول له: "أنا أريد شراء هذا المخطوط"، فيقول له: "لا، أي لست أريد بيعه"، فيقول له: "حسناً، ضعه هكذا في الميزان"، ويضع الذهب أمامه ويشتريه تعظيماً لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب، نعم، هو كان يقول. والشيخ محمد يقول إذا كان مُسندًا كان يقول إنني
أهتم بالسند هذه حتى لو ذكره البكري في سيرته. أبو الحسن البكري سيرته مثل ألف ليلة وليلة، يعني هذا يُضرب به مثلًا في الموضوعات، ولكن لو وُجد سندٌ فيه أو لو وُجد سندٌ في نحو كتاب الأذكياء لابن الجوزي. أو كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي لاشتراه بوزنه ذهبًا كله. هذا إنما هو اهتمام بالتوثيق، وإن علم التوثيق هذا علم كالبحر المواج. فهؤلاء الصبية الذين خرجوا وابتُلينا بهم من النابتة، يعني أول ما يرى أحدهم حديثًا يحكم عليه ويرفضه هو ومعناه، ثم يفسره. فضلوا
وأضلوا، والغريب أن ذلك باسم الدين. والنبي نبّه على هذا الصنف من الناس وسماه بالخوارج وقال: "الخوارج كلاب النار". لماذا؟ لأنه يأخذ من الدين عنواناً يهدم به الدين، ثم إنه ضال لا يعلم، فهو يهدم الدين لمصلحة العدو من غير أن يعلم. ولذلك فهذا الجهل المركب وهذا التجرؤ على الدين أمر مذموم، وينبغي علينا أن نتنبه. إليه وأن نقف ضده، وهذا الإمام الغزالي ينبهنا لكل هذا. فما رأينا أحدهم إلا وقد ظهر الكبر على وجهه، رافعاً عنقه هكذا إلى السماء، وجهه قبيح يشع منه الظلام،
وأحواله غير مرضية. أما الذي اشتغل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدائماً وجهه ينير. ولما زار الشيخ أحمد بن الصديق الشيخ أمين البغدادي في خلوته وتباحث فيما تباحث فيه وقام وخرج، فجاءه الشيخ أحمد ووقف وقال للشيخ أمين: "تفضل" لأنه أكبر منه سناً وربما أمكن منه في الطريق إلى الله، فقال: "يتقدم من تلألأت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، والله لا يكون"، وأخرج الشاب الصغير أحمد. ابن الصديق قبّله تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهكذا كانوا يتعاملون مع السنة النبوية المشرفة على صاحبها الصلاة والسلام. نعم،
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "العلم علمان: علم على اللسان، فذلك حجة الله تعالى على خلقه، وعلم في القلب، فذلك العلم النافع". قال الحافظ العراقي: أخرجه الترمذي. الحكيم في النوادر وابن عبد البر من حديث الحسن مرسلاً بإسناد صحيح، وأسنده الخطيب في التاريخ من رواية الحسن عن جابر بإسناد جيد، وأعله ابن الجوزي. والمرسل عند الأقدمين غير المرسل عند المتأخرين، فالمرسل عند المتأخرين ما سقط منه الصحابي. قال صاحب البيقونية: "والمرسل منه الصحابي سقط، وقل غريب". ما روى راوٍ فقط،
فالمرسل منه الصحابي سقط، وعلى هذا الأقدمون. بقي أنَّ المرسل هو ما سقط منه راوٍ أياً كان، سواءٌ كان من الصحابة أو ممن بعدهم، وعليه أيضاً ابن همات الدمشقي. يعني ابن همات يقول كلام الأولين وهو من المتأخرين. نعم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم يكون. في آخر الزمان عبادٌ جهال وعلماءُ فساق. قال الحافظ العراقي: "أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث أنس رضي الله عنه وهو ضعيف"، وتُعُقِّب بأنه قد صححه الحاكم. وقال القرطبي: "هذا الحديث صحيح المعنى لما ظهر من ذلك في الوجود". نقله
المناوي في فيض القدير. وهذه مدارس، فبعضهم يهتم بالتوثيق في... ذاته وبعضهم يقول إن الحديث الضعيف قد يكون صحيحاً في ذاته لكنه نُقِلَ إلينا بسند ضعيف فينتظر الوجود، فإذا وُجِدَ دل ذلك الوجود على أن إخبار الصادق المصدوق صحيح صحة المصدر، صحيح يعني لا تقل أريد أن أقول إن خبر الصادق المصدوق صحيح، يعني قم وقل ماذا؟ خبر الصادق أن خبر الصادق المصدوق صحيح، لكن إذا أردت أن تقول أنه صحيح بمعنى أنه حدث منه وأنه صحيح في أخباره، فتقول "صحّ"، وهذا فعل، أما المصدر الخاص به
فهو "صُح". مثل الصعايدة عندما يقولون لك "صح"، فالصعايدة هم الذين يقولون الكلام الصحيح. حسناً، فهذه مدرسة، أي تقول إنه إذا وُجِدَ أخبر. ذكر النبي باسم شخص في حديث بسند ضعيف، ثم جاء هذا الشخص فعلاً بهذه الصفة. قال: "ويكون على كنز بني سليم رجل يقال له فرعون". هذا الكلام أخرجه نعيم بن حماد في الفتن، ومضت سنوات وجاءت سنوات حتى رأينا فرعون ابن رشاد، فرعون مستشار الملك فيصل، يتولى كنز بني سليم، حسناً. أي أن نعيم بن حماد كيف عرف؟ فيصبح الخبر صحيحاً. فهذا يعني أن الوجود يصحح
الخبر، لأنه إذا جاء بهذا التعيين قوم، فهذا يدل على صحة الخبر الذي كان قبل ذلك محل نظر في التوثيق. سند نعيم بن حماد لهذه الرواية قد يكون فيه مؤاخذة أو شخص ضعيف. أو كذا أو عدم وجوده، يعني بالقواعد نقول عليه ضعيف إلى أن يتحقق، فإذا تحقق بهذه الكيفية يصير صحيحاً. هذا تحقق فعلاً لأنه ليس شيئاً عاماً ولا موعظة. إننا يقول يُقال له عليه رجل يُقال له فرعون، وقد كان هو في وقتٍ يُسمى فرعون، الآن، نعم، رشاد فرعون كان من. سوريا وعمل مستشاراً للملك فيصل، ثم عندما ظهرت الكنوز في منطقة الزلفي
وما حولها وهي مضارب بني سليم، ذهب وعيّن عليها ابن رشاد فرعون، يعني رئيس الشركة التي كذا والتي كذا، يقال له فرعون. وتوفي رشاد فرعون رحمه الله، وكان رجلاً مسلماً وكل شيء، لكن ماذا؟ الأسماء هكذا وسمّى. ابنه على اسم أبيه "فرعون بن رشاد فرعون"، لكن هذه القضية ولأجل أن النبي يُصدق أخبر بالغيب فصُدق، لكن كانت الرواية من ناحية الصناعة الحديثية كانت ضعيفة. فهذه مدرسة السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. نعم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا لا تتعلموا العلم لتباهوا". به العلماء ولتماروا به السفهاء
ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو في النار. قال الحافظ العراقي: أخرجه ابن ماجه من حديث جابر رضي الله عنه بإسناد صحيح. وابن ماجه بالهاء وليست بالتاء، يعني تقول: "أخرجه ابن ماجه في سننه"، ولا تقل: "ابن ماجة في سننه". هناك أناس... تخطئ وتضع عليها نقطتين. الشيخ أو السيد أو الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي عندما أخرج سنن ابن ماجه من النسخة التيمورية التي كانت عليها خطوط ستة من الحفاظ، قال إن فيها وجهين: فيها بالهاء وفيها بالتاء. هذا كلام من عند نفسه رحمه الله تعالى، هي بالهاء.
قولاً واحداً وليست هناك حكاية التاء هذه ولم توجد في بعض الكتب إلا أنها من قبيل الوقوع في الخطأ مثل سيبويه ونفطويه وحربويه وعامويه ورخويه وهكذا. فابن ماجه على سبيل النطق الفارسي وهي تنطق هاء وتفتح هكذا ابن ماجه. فيه ماذا في سننه. نعم على أساس أنه أعجمي. والعلم الأعجمي ماذا نفعل به؟ نمنعه من الصرف، وعندما يُمنع من الصرف ماذا يُجر به؟ يُجر بالفتحة، حسناً، مثل إبراهيم هكذا. ولذلك ابن ماجه في سننه أخرجه ابن ماجه
في سننه. طيب هيا، والله نعم، والله تعالى أعلى وأعلم.