مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 71 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 71 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نواصل الرحلة الطيبة في إحياء علوم الدين في كتاب العلم، والإمام الغزالي ينبهنا إلى إخلاص النية لله. وفي تلك الليلة المباركة ندعو
الله سبحانه وتعالى: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا اللهم". إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. اقرأ يا شيخ محمد: بسم الله الرحمن الرحيم. قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى. ونفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين آمين، وهو يتكلم عن آفات العلم. قال الله تعالى: "فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا
يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن" الآية. فعرف أهل العلم. بإيثار الآخرة على الدنيا، ومنها ألا يخالف فعله قوله، بل لا يأمر بالشيء ما لم يكن هو أول عامل به. قال الله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، وقال تعالى في قصة شعيب: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا﴾. أنهاكم عنه،
وقال تعالى: "واتقوا الله ويعلِّمكم الله"، وقال تعالى: "واتقوا الله واسمعوا"، وقال تعالى لعيسى عليه السلام: "يا ابن مريم عِظْ نفسك، فإن اتعظت فعِظِ الناس، وإلا فاستحِ مني"، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مررت ليلة أُسري بي بأقوام تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من أنتم؟ فقالوا: كنا" نأمر بالخير ولا نأتيه، وننهى عن الشر ونأتيه. قال الحافظ العراقي: أخرجه ابن حبان من حديث أنس رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "هلاك أمتي عالم فاجر وعابد جاهل،
وشر الشرار شرار العلماء، وخير الخيار خيار العلماء". قال الحافظ العراقي: أخرجه الدارمي من رواية الأحوص بن حكيم. عن أبيه مرسلاً بآخر الحديث نحوه وقد تقدم ولم أجد صدر الحديث. وقال الأوزاعي رحمه الله: شكت القبور ما تجد من نتن جيف الكفار، فأوحى الله إليها: بطون علماء السوء أنتن مما أنتم فيه. وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: بلغني أن الفسقة من العلماء يُبدأ بهم يوم القيامة. قبل عبدت الأوثان وقال أبو الدرداء رضي الله عنه ويل لمن لا يعلم مرة وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع
مرات، وقال الشعبي يطلع يوم القيامة قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون لهم ما أدخلكم النار وإنما أدخلنا الله الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم، فيقولون إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله وننهى عن الشر ونفعله. وقال حاتم الأصم رحمه الله: "ليس في القيامة أشد حسرة من رجل عَلَّم الناس علماً فعملوا به ولم يعمل هو به، ففازوا بسببه وهلك هو". وقال
آخر: "لا تنهى عن خُلُقٍ وتأتي مثله، عارٌ عليك إذا فعلت عظيم". وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: مررت بحجر بمكة مكتوب عليه "اقلبني تعتبر"، فقلبته فإذا عليه مكتوب: "أنت بما تعلم لا تعمل، فكيف تطلب علم ما لم تعلم؟". وقال ابن السماك رحمه الله: "كم من مذكّر بالله ناسٍ لله، وكم من مخوّف بالله جريء على الله، وكم من مقرّب إلى الله بعيد من الله". الله! وكم من داعٍ إلى الله فارّ من الله، وكم من تالٍ لكتاب
الله منسلخ عن آيات الله. وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: "لقد أعربنا في كلامنا فلم نلحن، ولحنّا في أعمالنا فلم نُعرب". وقال الأوزاعي: "إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع". وروى مكحول عن عبد الرحمن بن غنم أنه... قال: حدثني عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: كنا ندرس العلم في مسجد قباء إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن يأجركم الله حتى تعملوا". قال الحافظ العراقي: ذكره ابن عبد البر في بيان العلم. هكذا من غير أن يصل إسناده، وقد رُوِيَ من حديث معاذ وابن عمر وأنس رضي الله عنهم. أما حديث
معاذ فرواه الخطيب في كتاب الاقتضاء من رواية عثمان بن عبد الرحمن الجمحي عن يزيد بن يزيد عن يزيد بن يزيد بن جابر عن أبيه عن معاذ عن النبي صلى الله. عليه وآله وسلم فذكر مثله، ثم قال: وقد رواه الدارمي في مسنده وابن المبارك في الزهد والرقائق موقوفاً على معاذ بإسناد صحيح. وقال عيسى عليه السلام: "مثل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت، فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله تعالى". يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وقال معاذ رحمه الله: احذروا زلة العالم لأن قدره عند الخلق عظيم فيتبعونه على زلته. وقال عمر رضي الله عنه: إذا زل العالم زل بزلته عالَمٌ
من الخلق. وقال عمر رضي الله عنه: ثلاث بهن ينهدم الزمان، إحداهن زلة العالم. وقال ابن مسعود رضي الله. سيأتي على الناس زمانٌ تملح فيه عذوبة القلوب فلا ينتفع بالعلم يومئذٍ عالمه ولا متعلمه، فتكون قلوب علمائهم مثل السباخ من ذوات الملح، ينزل عليها قطر السماء فلا يوجد لها عذوبة. وذلك إذا مالت قلوب العلماء إلى حب الدنيا وإيثارها على الآخرة، فعند ذلك يسلبها الله تعالى ينابيع الحكمة. ويطفئ مصابيح الهدى من قلوبهم فيخبرك عالمهم حين تلقاه أنه يخشى الله بلسانه والفجور ظاهر في عمله فما أخصب الألسن يومئذ وما أجدب القلوب فوالله الذي لا إله
إلا هو ما ذلك إلا لأن المعلمين علموا لغير الله تعالى والمتعلمين تعلموا لغير الله تعالى وفي التوراة والإنجيل مكتوب لا تطلبوا علموا ما لم تعلموا حتى تعملوا بما علمتم، وقال حذيفة رضي الله عنه: إنكم في زمان من ترك فيه عُشر ما يعلم هلك، وسيأتي زمان من عمل فيه بعُشر ما يعلم نجا، وذلك لكثرة البطالين. واعلم أن مثل العالم مثل القاضي، واعلم أن مثل العالم مثل القاضي، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "القضاة ثلاثة: قاضٍ قضى بالحق وهو يعلم، فذلك في الجنة، وقاضٍ قضى
بالجور وهو يعلم أو لا يعلم، فهو في النار، وقاضٍ قضى بغير ما أمر الله به، فهو في النار". قال: أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة رضي الله عنه وهو صحيح. وقال كعب رحمه... الله يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون، ويخوفون الناس ولا يخافون، وينهون عن غشيان الولاة ويأتونهم، ويؤثرون الدنيا على الآخرة، يأكلون بألسنتهم، يقربون الأغنياء دون الفقراء، يتغايرون على العلم كما تتغاير النساء على الرجال، يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره، أولئك الجبارون أعداء الرحمن. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الشيطان ربما
يسبعكم بالعلم"، فقيل: "يا رسول الله، وكيف ذلك؟". قال صلى الله عليه وآله وسلم: "يقول اطلب العلم ولا تعمل حتى تعلم، فلا يزال للعلم قائلاً وللعمل مسوفاً حتى يموت وما عمل". لم أفهم كلمة "يسوفكم" المذكورة هنا، فقد كُتبت "يسوفكم" لكن الشيخ... يقول الزبيدي في نسخة من نسخ المُغني عن حمل الأسفار في الأسفار للحافظ العراقي بخطه وعليها: "وقُرئت عليه"، ربما يشبعكم بالعلم، يُشبعكم من سبعة. نعم، أين التخريج؟ أنت تشرح الآن، أين التخريج؟ وليس تحته تخريج. نعم، قال الحافظ العراقي، نعم أخرجه
في الجامع. هكذا، نريد أن نسمع هذا الكلام. يعني في كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للحافظ الخطيب البغدادي من حديث أنس رضي الله عنه بسند ضعيف، لكن حسناً، نعم. وقال سري السقطي: اعتزل رجلٌ للتعبد كان حريصاً على طلب علم الظاهر فسألته، فقال: رأيت في النوم قائلاً يقول لي: إلى كم تضيع؟ إلى كم تضيع؟ العلم ضيعك الله. فَقُلْتُ إِنِّي لَأَحْفَظُهُ، فَقَالَ: حِفْظُ الْعِلْمِ الْعَمَلُ بِهِ، فَتَرَكْتُ الطَّلَبَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْعَمَلِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، إِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ. لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، إِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ. وَقَالَ
الْحَسَنُ: تَعَلَّمُوا مَا شِئْتُمْ أَنْ تَتَعَلَّمُوا. أن تعلموا، فوالله لا يأجركم الله حتى تعملوا، فإن السفهاء همتهم الرواية، والعلماء همتهم الرعاية. وقال مالك رحمه الله: "إن طلب العلم لحسن، وإن نشره لحسن إذا صحت فيه النية، ولكن انظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فلا تؤثرن عليه شيئاً. أُنزل القرآن ليُعمل به فاتخذتم دراسته". عملًا وسيأتي قوم يثقفونه مثل القناة ليسوا بخياركم. والعالم الذي لا يعمل كالمريض الذي يصف الدواء،
وكالجائع الذي يصف لذائذ الأطعمة ولا يجدها. وفي مثله قوله تعالى: ﴿ولكم الويل مما تصفون﴾. وفي الخبر: "مما أخاف على أمتي زلة عالم وجدال منافق في القرآن". قال الحافظ العراقي: أخرجه الطبراني من حديث. أبي الدرداء رضي الله عنه ولابن حبان نحوه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما، ومنها أن تكون عنايته بتحصيل العلم النافع في الآخرة. هذا نبدأ به لقاءً جديداً إن شاء الله، فإلى لقاء آخر. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته.