مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 76 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 76 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع إحياء علوم الدين وفي كتب آفات العلم نستمر مع هذا المنير الإمام الغزالي الذي علق
قلبه بالله وجلس في منارة المسجد تسع سنين. وكنت أتعجب يعني كيف أنه ساكن في منارة المسجد كيف ذلك حتى رأيت منارة مسجد. الشيخ زيد رحمه الله، فهي منارة يسكن فيها، أي إن فيها شقة أو شقتين وفيها مكتبة ضخمة. فالإمام الغزالي اعتزل الخَلْق لماذا؟ لأن الإمام الغزالي تزوج وأنجب تسع بنات، لم ينجب أي ذكر، لكن كان الناس يحبون الأولاد الذكور لأنهم يحملون الاسم. ها هو اسمه بقي وهو أبو البنات، وسيدنا النبي عليه. الصلاة والسلام عليه، لم يبقَ له ولد وبقيت البنات، ولكن بقي اسمه خالداً وذكره مرفوعاً صلى الله عليه وسلم. اقرأ يا شيخ محمد: بسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا مولانا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: ونفعنا الله به وبعلومه وعلومكم في الدارين آمين. وقال الحسن: كان فيمن كان قبلكم رجل له قدم في الإسلام وصحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال عبد الله بن المبارك: عنى به سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قال: وكان لا يغشى السلاطين وينفر عنهم، فقال له. بنوه يأتي هؤلاء من ليس هو مثلك في الصحبة والقدم في الإسلام فلو أتيتهم فقال: "يا بني، إنها جيفة قد أحاط بها قوم، والله لئن استطعت أن - والله لئن استطعت - لا أشاركهم فيها". قالوا: "يا أبانا، إذاً نهلك هزالًا". قال:
"يا بني، لأن أموت مؤمنًا مهزولًا أحب إلي من أن..." أموت منافقاً سميناً. قال الحسن: "خصمهم والله، إذ علم أن التراب يأكل اللحم والسمن دون الإيمان". وفي هذا إشارة إلى أن الداخل على السلطان لا يسلم من النفاق البتة، وهو مضاد للإيمان. وقال أبو ذر لسلمة: "يا سلمة، لا تغشَ أبواب السلاطين، فإنك لا تصيب شيئاً من دنياهم إلا أصابوا من دينك". من دينك أفضل منه، وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان عليهم، لا سيما من له لهجة مقبولة وكلام حلو، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في وعظك لهم ودخولك عليهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم شعائر الشرع، إلى أن يخيل إليه أن الدخول
عليهم من الدين، ثم إذا... دخل لم يلبث أن يتلطف في الكلام ويداهن ويخوض في الثناء والإطراء وفيه هناك الدين، وكان يُقال: العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شُغلوا، فإذا شُغلوا فُقدوا، فإذا فُقدوا طُلبوا، فإذا طُلبوا هربوا. وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الحسن: أما بعد، فأشر عليَّ بأقوام أستعين بهم على... أمر الله تعالى فكتب إليه: أما أهل الدين فلا يريدونك، وأما أهل الدنيا فلن تريدهم، ولكن عليك بالأشراف فإنهم يصونون شرفهم أن يدنسوه بالخيانة. هذا في عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وكان أزهد أهل زمانه. فإذا كان شرط أهل الدين الهرب منه،
فكيف؟ يُستحسن طلب غيره ومخالطته، ولم يزل السلف العلماء مثل الحسن والثوري وأبره وابن المبارك والفضيل وإبراهيم بن أدهم ويوسف بن أسباط يتكلمون في علماء الدنيا من أهل مكة والشام وغيرهم، إما لميلهم إلى الدنيا وإما لمخالطتهم السلاطين. هذا الحسن لما مات علي في سنة أربعين من الهجرة كان عنده خمسة. عشر سنوات عُمر بن عبد العزيز، مات سنة مائة وواحد، جلس ثلاث سنوات في الخلافة حتى عُدَّ الخليفة الخامس. مائة وواحد إذاً هذا الحسن بالتأكيد البصري، ليس هو الحسن بن
علي، هذا بالتأكيد الحسن البصري كما ذكرت. وهم يذكرون كلمة الحسن فيقصدون بها الحسن البصري فقهاً وأخلاقاً وعقيدة، إذاً ما... قالوا إن الحسن ينصرف في الذهن إلى الحسن البصري، لأن كثيراً من الناس يظنونه الحسن بن علي. عمر بن عبد العزيز لم يرَ الحسن بن علي، وإنما رأى الحسن البصري. الحسن عندما يكون في سنة أربعين، كان عمره خمسة عشر سنة، فيكون مولوداً في سنة خمسة وعشرين، وبالتالي عندما توفي عمر بن عبد العزيز... كان عمره خمسة وسبعين سنة أو ستة وسبعين سنة، أمعقول أن يصبح... إذا هذا الإمام الحسن، دائماً
تنتبه عندما يُروى عن الحسن، أهو الحسن البصري؟ هو الذي قال: "لا يجوز الوضوء بماء البحر". قيل له في ذلك: "لماذا لا يجوز الوضوء؟" قال: "سمعت أن تحته ناراً". سمع... من كتب الأقدمين أن تحت قاع البحر ناراً، وهذا بالطبع يتوافق مع الكتلة الحارة التي في باطن الأرض. وهذا ليس عيباً، بل يبدو أن علومهم كانت مستمدة من علوم الأنبياء السابقين المذكورة عند أهل الكتاب، الذين قال الرسول عنهم: "لا تصدقوهم ولا تكذبوهم"، حتى لا تكذبوا بما قد يكون حقيقة علمية. سمِعَ الحَسَنُ أنَّ تحتَ هذا البحرِ ناراً، فقالَ: حسناً، إذَنْ دَعْنا نأخذ مِنَ الآبارِ الحُلوةِ. لم يَنتَبِهْ إلى أنَّ تحتَ هذا الرملِ ناراً أيضاً، وتحتَ البحرِ نارٌ، وتحتَ النهرِ نارٌ، وتحتَ كلِّ شيءٍ، لأنَّ المقصودَ بذلك هو عُمقُ
الحالِ. وكلمةُ "البتَّةَ" اختلفوا في كتابتِها، فمنهم مَنْ... يكتبها بالهمزة ومنهم من يكتبها من غير همزة. الذي كتبها من غير الهمزة يعتبر أن الألف واللام هنا للتعريف، يعني كأنها "بتة" ودخلت عليها الألف واللام، فتكون مثل "الحمد لله رب العالمين" و"الشكر لله"، فلا نضع عليها همزة. أما الذي وضع عليها همزة فقد اعتبر أن الهمزة هذه من أصل الكلمة "البتة". فيضع عليها همزة هكذا وتقرأها بهمزة القطع لا الوصل، وفيها القولان كما أفاده شرّاح القاموس: البتة بهمزة القطع وبهمزة الوصل. في هذا الذي سمعناه سيدنا عمر بن عبد العزيز، أولًا سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: أنا لن أدخل عليهم. أولاده
قالوا له: كيف لا تدخل عليهم؟ نريد أن نأكل. أهو يعمل. لك راتب جيد يمنحك منحة إذا حدث أمر ما، لكن هكذا لا عمل ولا وظيفة ولا أموال ولا شيء. حسناً، سنستمر في النحول والهزال حتى نموت. قال لهم: "والله، من الأفضل أن نموت ويصيبنا هذا الهزال. لا يحدث شيء، فالموت أفضل من..." أن أجد الله سبحانه وتعالى في سمنة. السمنة هي الزيادة عن المعتاد. ما هو المعتاد؟ قيل لك قس طولك واطرح منه مائة، فكم يبلغ طولك؟ مائة وثمانون سنتيمترًا، إذًا يكون وزنك ثمانين كيلوجرامًا. حسنًا، أنا وزني مائة كيلوجرام، فهذا يعتبر
سمنة. إذًا ما هي السمنة؟ والله لا يحب الحبر السمين. حسنًا، استطعت أن أنقص وزني قليلًا. أصبحت خمسة وتسعين فهذا يعني زيادة خمسة عشر كيلوجرام. أنا مائة وسبعين كيلوجرام. نعم، هذه زيادة فوق الحد المطلوب. حسناً، إذا كان الإنسان - وفقاً لحساب ابن آدم - يكتفي بلقيمات، فهذا يستمد من رسول الله، فقد تربى هكذا. سعد بن أبي وقاص تربى هكذا، كان سعد بن أبي وقاص من حراس سيدنا. رسول الله سعد بن أبي وقاص والذي جمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين أبيه وأمه فقال: "ارمِ فداك أبي وأمي". صلى الله عليك، إنها مكانة عظيمة جداً لم يقلها سيدنا رسول الله إلا مع سيدنا سعد، فلكي تعرف من هو سعد هذا، هو سعد وجهت. نظرة... ماذا قال؟
تعال، أنا الآن مثل قلم رصاص. ينبغي أن أكون ثمانين كيلوجراماً، لكنني ستة وخمسون كيلوجراماً، وأشبه قلم الرصاص هكذا. وإذا دفنتموني، ماذا سيحدث؟ التراب سيأكل الجسد. حسناً، وهل سيأكل الإيمان؟ هل التراب يأكل الإيمان أم يأكل اللحم والأشياء الأخرى؟ إنه يأكل اللحم فقط. حسناً، أنا مائة وسبعون كيلوجراماً و... لا يوجد إيمان. كان في الماضي عندما كنا نتشاجر نقول ماذا؟ إن الشخص البدين بينكم الذي يظهر، هذا البدين هو من؟ أي الفتوة، يعني الذي لديه بدانة هكذا. ثم يبدأ بالضغط على أحدنا ويركب عليه هكذا وينتهي الأمر. الشخص البدين ذو البدانة هذه
يعني مظهره مظهر القوة مثلاً أو مظهره يدل على العز أو شيء من هذا القبيل. آخره قال: حسناً، حملتموني مائة وسبعين كيلوغراماً، وضعتموني والتراب كان وانتهى الأمر. لكنني عندما أكون كالرصاص وأمتلك إيماناً، فهذا هو المقصود. فسيدنا عمر بن عبد العزيز أحضر الحسن البصري وقال له: تعال اختر لي أناساً هكذا من أهل الكياسة. فقال له: كيف أختارهم لك؟ من أين آتي بهم لك؟ أهل الدنيا ستكون أنت غير راغب فيهم لأنك رجل زاهد في الدنيا، وإذا أحضرتهم لك من أهل الدين سيكونون هم غير راغبين فيك. إذا أحضرتهم لك ليلاً، يعني هؤلاء المحيطون به إذا كانوا من أهل الدين سيكونون غير راغبين، وإذا كانوا من أهل الدنيا ستكون أنت غير
راغب. وذلك كان سيدنا عمر يقول: "اللهم إني..." أشكو إليك ضعف التقوى وفجور القوي، عندما يأتي يستعين بقوم ويقول: تعال، أنت كف! وإنك إذا وُضعت لتكون في المكان الفلاني، لكن ليس بهذا القدر في الدين. حسناً، أحضر المتدين، تعال قف وأعطِ هنا، فإنه يفسد الدنيا، يفسد الدنيا. من أعمق العلماء وأحسن من كتب من المتأخرين حتى سُمي بخاتمة المحققين وشرح لنا. ما كان خفياً علينا من كتب الأولين وحرر الدنيا الشيخ الإمام البرهان الباجوري شيخ الأزهر، وكان
رجلاً صالحاً. تقرأ شروحه لأي متن أو لأي شيء فتعرف ما هي القضية، إنها مادة علمية رفيعة المستوى، أي شيء علمي متقن، هذا هو العلم الحقيقي الذي يعلمك من الألف إلى الياء. ولكنه لم يكن بنفس الكفاءة في الإدارة، أي أنه... شيخُ الإسلامِ وخاتمةُ المحققين وعالِمُ الدنيا، فعندما كتب بعضُ الناسِ عنه هكذا في الترجمة، وعندما تولّى الأزهر اضطرب حاله، اضطربت حالتان: حالُ الأزهر. لماذا؟ لأنه رجلٌ طيبٌ على باب الله، فكان يأتيه شخصٌ ويقول له: احذر من الشيخ ربيع، هذا الشيخ ربيع سيذهب بالدنيا في داهية. يقول له هكذا: والله والله. هذه الدنيا في داهية يا أخي، لا لا
لا، أنا لا أقبل هذا. يُطرد ربيع فيأتي الشيخ محمد ويقول له: "أنت طردت أتقى من في الأرض وأولاهم بهذا المكان". فيقول: "لا يا شيخ، أنا أخطأت، أنا أخطأت". حسناً، فيعود ربيع، فيأتي الرجل الآخر ويقول له: "نحن لسنا..." رأيناه معاً بالأمس. كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع، وأنت كلما سمعت شيئاً يا مولانا تفعل. يرفض ربيع ثلاث وأربع وخمس مرات خلال خمسة أيام متتالية. يرفض ربيع، ثم يعود ربيع ثم يرفض ربيع، فاختل الحال. هل هذا الرجل الشيخ البجور سيدخل الجنة أم لا إذن؟ من الذي سيدخل؟ من يعني الذي سيدخل؟ هذا كان رجلاً عالماً وأدى للإسلام خدمات جليلة.
نحن نتطفل على مائدته. ومن هذا حمى الأمة ونقل التراث، لكنه لا يصلح للإدارة. إذاً، على قدر ما نقوله هكذا، حكمة الحكماء: أعطِ العيش لخبازيه ولو كانوا نصف مجانيين. لا تتدخل في... من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. كل فترة نتأكد من مزيد حكمة سيدنا صلى الله عليه وسلم، ومن مزيد نصحه لأمته، ومن مزيد تكراره لذلك. فلا يسعنا إلا أن ننـدهش وأن نتعجب وأن نقول: اللهم جازه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، وأنه ما قصّر في تبليغ الرسالة وأنه... يستحق منا الصلاة والسلام عليه بالليل والنهار صلى
الله عليه وسلم، فاللهم آته الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله.