مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 85 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 85 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
شكراً، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين لإمام الأئمة وبدر التتمة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ورضي الله عنه وجزاه عنا خير ما جازى عالماً
عن أمته. نعيش في كتاب العلم هذه اللحظات، تفضل. بسم الله الرحمن الرحيم. قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا بعلومه وعلومكم في الدارين آمين في كتابه إحياء علوم الدين: وقال الحسن: "الحلم وزير العلم، والرفق أبوه، والتواضع سرباله". وقال بشر بن الحارث: "من طلب الرئاسة بالعلم فتقرب إلى الله تعالى ببغضه، فإنه مقيت في السماء والأرض". وقال: قال بشر بن الحارث: "مَن طلب الرئاسة بالعلم فتقرب إلى الله تعالى ببغضه، فإنه مقيت في السماء والأرض". نعم، هذا سبب لهذا. نعم، وروي في الإسرائيليات أن حكيماً صنف ثلاثمائة وستين مصحفاً
في الحكمة حتى وُصِف بالحكيم. فالمصحف هنا هو الورقة، يعني ألّف ثلاثمائة وستين ورقة في الحكمة أو... المصحف هو الكتاب لأنه من الصحف، فسمي حتى القرآن مصحفاً لأنه مكون من الصحف، ألف ثلاثمائة وستين كتاباً في الحكمة يعلمها كبير جداً، وبعد ذلك سمي حكيماً. نعم، فأوحى الله تعالى، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم: "قل لفلان ملأت الأرض نفاقاً ولم تردني بشيء من ذلك، وإني لا أقبل من". نفاقك شيئاً، فندم الرجل وترك ذلك وخالط العامة ومشى في الأسواق وأكل مع بني إسرائيل وتواضع في نفسه، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم: "قل له الآن وافقت رضائي".
يبقى إذاً هناك من يعمل من أجل المجد والشهرة والرؤية، أي الرياء، يعني أنه يريد أن يُرى ويُعرف هكذا، وهناك من يعمل. لوجه الله لا يريد منا جزاءً ولا شكوراً، وكان كثير من علماء الأزهر الشريف كذلك، ولذلك نجد أشياء بارك الله فيها وأصحابها ليس لهم ترجمة ولا نعرف من هم، مثل البيقونية في علم الحديث، ستة وثلاثين بيتاً فقط، نحفظها فنصبح متقنين لعلم الحديث كله، من هو الشيخ؟ هذا البيقوني لا نعرف له ترجمة، ولا نعلم أين هو، ولا أين كان، وكذلك العديد من المتون كهذه، فالأئمة أصحابها لا نعرف تراجمهم، ولا "الخلاصة" للشيخ
الخزرجي الأنصاري لا نعرف له ترجمة. وأين نجد في البحوث هكذا كلمة أو عبارة أو سطراً نعرف منه ترجمة الشيخ الخزرجي؟ من أين يحصلون عليها؟ من الكتاب، من الكتاب يقول: والخزرجي هو فلان الفلاني، سطرين هكذا ولم نجد من هو هذا الخزرجي. وهو أجود كتاب تقريباً ضابط لأسماء رجال الكتب الستة، هو الخلاصة، هذا الذي نظموه، وإنشاء بديع ودقيق. ولكن لوجه الله، هو لا يريد منا جزاءً ولا شكوراً، إنما يفعل. ذلك لوجه الله. فقضية الكثرة والتفاخر، ومرة دعونا شخصاً يخطب في الأزهر، فبدأ
يتحدث عن نفسه طوال الخطبة: "أنا فعلت، وأنا صنعت، وأنا عملت، وأنا أنجزت". والله، ما شأننا بما فعلت أو صنعت؟ بماذا تنصح المسلمين؟ أبأنك فعلت وصنعت؟ فالأمر لله. وينبه الإمام الغزالي إلى أن انظر إلى هذا الرجل، هو الحكيم. ألف وثلاثمائة وستين كتاباً كثير، حتى ألف وثلاثمائة وستين صفحة أيضاً، يعني في الحكمة فقط في الأمور والعبارات الحكيمة، يعني التي هي الجامعة، حتى سُمي بين الناس أنه حكيم، وانبسط كثيراً أنه حكيم، فأوحى الله إلى نبيه أن قل له كذا وكذا، فتاب لأنه أيضاً هو وهو. يعمل بالعلم، أي في إيجاز كما ذكرنا مرةً أنه قال: "لو أدركت الحلاّج الشيخ
الجنيد لأدركته بقشة"، يعني هو قريب لأنه متعلم. فعلى الفور حين قال له ذلك، قال له: "لا، دعك منه، أنال هكذا لوجه الله فقط، لكن ماذا؟ قد التبس عليّ الأمر"، فيتوب قريباً ويذهب ويتواضع. ويمشي ويأكل ويشرب بنو إسرائيل. نعم، وحكى الأوزاعي رحمه الله عن بلال بن سعد أنه كان يقول: "ينظر أحدكم إلى الشرطي فيستعيذ بالله منه، وينظر إلى علماء الدنيا المتصنعين للخلق المتشوقين إلى الرئاسة فلا يمقتهم، وهم أحق بالمقت من ذلك الشرطي". الشرطي كان في هذا العصر يظلم الناس في الطرقات. ولأنه مصدر قوة فإنه يقوم
مقام المفتي أو البلطجي فيوقع الأذى بالناس، هكذا خلاص يكون قد خرج منها. فإذا رأى الشرطي قال له: "هذا سيأتي ليأخذ مني أموالي الآن بالباطل هكذا"، وإذا رأى علماء الدنيا أقام لهم وهلل لهم وقدسهم وأعلى من شأنهم يقول لك: "حسناً، هو هذا". كيف أن هذا يعتدي عليك فقط في الظاهر وهذا يعتدي عليك فقط في الدين. نعم، وروي أنه قيل: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: اجتناب المحارم، ولا يزال فمك رطباً من ذكر الله تعالى. قيل: فأي الأصحاب خير؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: صاحب إن ذكرت أعانك، وإن... نسيت ذكرك، قيل:
فأي الأصحاب شر؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "صاحب إن نسيت لم يذكرك، وإن ذكرت لم يعنك". قيل: فأي الناس أعلم؟ قال: "أشدهم لله خشية". قالوا: فأخبرنا بخيارنا. قالوا: فأخبرنا بخيارنا نجالسهم. قال: "الذين إذا رُؤوا ذُكِر الله تعالى". قالوا: فأي الناس شر؟ قال: "اللهم". غفر اللهم غفر، قالوا: أخبرنا يا رسول الله. قال: "العلماء إذا فسدوا". قال: رواه صاحب القوت. قال: وقد روينا حديثاً حسناً مقطوعاً عن سفيان عن مالك بن مغول. قال وذكره. نعم، مقطوع
يعني سقط منه الصحابي، وسقط منه أيضاً التابعين، فهو من تابعي التابعين، لكن يقول: "قال رسول الله" يعني. بَلَّغَه مَنْ في الأخبار وكذا مَنْ غير سدن سند متصل. نعم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أكثر الناس أماناً يوم القيامة أكثرهم فكراً في الدنيا، وأكثر الناس ضحكاً في الآخرة أكثرهم بكاءً في الدنيا، وأشد الناس فرحاً في الآخرة أطولهم حزناً في الدنيا"، رواه أبو نعيم في الحلية. نحو هذا يؤدي إلى أنه يشرح الظاهر الذي يخرج عندما توجد السكينة والتأمل والتدبر والخوف في قلب المؤمن، فإنه يحدث
أن تسكن جوارحه وتظهر عليه سمات الخير ويظهر في وجهه النور. وأمثال هذه الآثار إنما هي آثار لا تُطلب، بعض الناس يمثلها فيكون منافقاً، يعني يتصرف هكذا أنه... خاشعٌ قال يعني هو يمثّل، لكن هيئته من غير تكلّف، هي ظاهرة عليه أنه من غير تكلّف ولا وضع في ذهنه، فهذا كله من الآثار التي تظهر وليس من الأمور التي تُطلب، ولذلك كان سيدنا عمر صاحب فراسة وصاحب نظرة، فإذا رأى هذا الذي يتماوت ويتخاشع وما إلى ذلك كأنه... يُمَثِّل كأنه يُنافق، كأنه يُظهر ما ليس في داخله، يضربه بالضر ويقول له: "مُت علينا"، دينُنا أماتك الله. إنما عندما تنزل السكينة في قلب
المؤمن، تراها أنه في شيءٍ من الحزن، في شيءٍ من الفِكر، في شيءٍ من السكينة، في شيءٍ من الرهبة، في شيءٍ من الخوف وجهُه. منير بحيث أنه يتعامل بلا إكثار للكلام والحركات الحادة وهكذا، ولذلك يسمونه سمته الصالحين، شكله هكذا صالح، وأول ما تراه يذكرك بالله، تقول ما شاء الله، انظر هذا الرجل جميل هكذا. أنت الذي تقول من غير تكلف، من غير تمثيل، لأن الأمر هنا ليس هو مقام التمثيل، نعم وقال علي. رضي الله عنه في خطبته: "ذمتي رهينة وأنا به زعيم أنه لا يهيج على التقوى زرع
قوم، ولا يظمأ على الهدى سنخ أصل، وإن أجهل الناس من لا يعرف قدره، وإن أبغض الخلق إلى الله تعالى رجل جمع علماً أغار به في ظلمات الفتنة، سماه عالماً أشباه له من الناس وأرذلهم." عالِماً ولم يتعب في العلم يوماً سالماً، بكّر فأكثر، فما قلّ منه خيرٌ مما كثر. حتى إذا ارتوى من ماءٍ آسن، وأكثر من غير فائدة، جلس للناس مفتياً لتوضيح ما التبس على غيره. فإن نزلت به إحدى المسائل المهمة، هيّأ حشواً من رأيه، فهو في قطع الشبهات كمن ينسج خيوطاً واهية. العنكبوت لا يدري أخطأ أم أصاب، رُكّاب جهالات، خبّاط عشوات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم،
ولا يعض على العلم بضرس قاطع فيغنم. تبكي منه الدماء وتُستحل بقضائه الفروج الحرام. لا مليء والله بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما فُوِّض إليه. أولئك الذين حلّت عليهم المثلات وحقت عليهم. النياحة والبكاء أيام حياة الدنيا، فهذا حال أهل الدنيا وعلماء الدنيا، وهو يحذرنا منهم تحذيراً شديداً أولاً ألا نكون منهم، بأن نعلق قلوبنا بالله سبحانه وتعالى. وعندما يتعلق قلبك بالله فإنه يوفقك، والتوفيق هو الهداية للطاعة. والله سبحانه وتعالى في الحقيقة هو الذي يستر على عبده في الدنيا ويوفقه وهو. الذي أيضاً يسلب
عنه الستر في الدنيا والعياذ بالله أو يضله، فالأمر كله بيد الله، والمخلص والمنجى من هذا هو التعلق بالله. فإذا تعلقت بالله وفقك الله، وإذا لم تتعلق بالله تركك ونفسك، وحينئذٍ سنرى أمثال هذا وهو في خبط عشواء، ويتكلم عن أنه لا يحرر مسألة الدماء ولا مسألة. الأموال ولا مسألة الأعراض ولا مسألة مقاصد الشريعة التي حفظتها على الناس، وكثيرٌ في هذا العصر خاض في الدماء حتى تعلقت يده بالدماء. كل هذا الدم السائل إنما أتى من التجرؤ على أحكام الله سبحانه وتعالى المسطورة التي يعلمها، وإنما
هو الهوى والشهوة، وشهوة قليلة يغيب فيها الإنسان عن نفسه. وعن ربه فيقع في المحظور والعياذ بالله تعالى، نجانا الله سبحانه وتعالى من هذه الدنيا على خير، وعلّق قلوبنا به سبحانه وتعالى بالليل والنهار، حتى نخرج منها سالمين غانمين غير خزايا ولا مفتونين. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.