مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 87 | أ.د علي جمعة

شكرا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع الكتاب إحياء علوم الدين وفي أوله كتاب العلم نعيش مع الإمام الغزالي رضي الله تعالى عنه وأرضاه فضيلة قال الإمام حجة
الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا الله وعلومكم في الدارين آمين بكتابه إحياء علوم الدين، ولذلك قيل إنه كان في البصرة مائة وعشرون متكلما في الوعظ والتذكير، ولم يكن من يتكلم في علم اليقين وأحوال القلوب وصفات الباطن إلا ثلاثة: سهل التستري والصبيحي وعبد الرحيم بن يحيى الأسود. إذن فعلم التصوف علم النخبة وليس هو علم العامة. الناس وهذا أمر يغفل عنه كثير من الناس، علم التصوف دائما هو قليل، مائة وعشرون واحدا من الوعاظ المشهورين المدرسين المتصدرين،
لكن منهم ثلاثة فقط هم الذين يتكلمون في مرتبة الإحسان، نعم وكان يجلس إلى أولئك الخلق الكثير الذي لا يحصى، وإلى هؤلاء عدد يسير قلما يتجاوز العشرة لأن النفيس العزيز لا يصلح إلا لأهل الخصوص وما يبذل للعموم فأمره قريب، فلما تجد الحكاية هكذا بالآلاف وكذلك إلى آخره تعرف أن الحكاية تعني بالظاهرة، لما تجد حوله عشرة أو عشرين تعرف أن هذا هو الصحيح يعني في هذا العصر، نعم ومنها أن يكون اعتماده على علومه ومنها أن يكون اعتماده علومه على بصيرته وإدراكه بصفاء قلبه لا على الصحف والكتب ولا على تقليد ما يسمعه من غيره وإنما
المقلد صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلام فيما أمر به وقاله وإنما يقلد الصحابة رضي الله عنهم من حيث إن فعلهم يدل على سماعهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم إذا قلد صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه في تلقي أقواله وأفعاله بالقبول، فينبغي أن يكون حريصا على فهم أسراره، فإن المقلد إنما يفعل الفعل لأن صاحب الشرع صلى الله عليه وآله وسلم فعله، وفعله لا بد وأن يكون لسر فيه، فينبغي أن يكون شديد البحث عن أسرار الأعمال. والأقوال فإنه إن اكتفى بحفظ ما يقال كان وعاء للعلم
ولم يكن عالما، ولذلك كان يقال فلان من أوعية العلم وكان لا يسمى عالما إذا كان شأنه الحفظ من غير اطلاع على الحكم والأسرار. يبقى نسخة، يسمونه كان عندنا مشايخنا نسخة، يعني ماذا؟ نسخة البخاري، ما هو إلا حافظ فنسخة مثل نسخة توضع في المكتب ولكن غير فاهم وغير واع ولكنه حافظ تماما فكانوا يسمونه من ضمن الوعاء وكانوا يسمونه نسخة ومما هو لطيف وظريف في هذا المقام أن أحدهم كان شافعيا يحفظ المنهاج فكنت إذا سألته عن أي لفظ موجود داخل المنهاج يتلو لك
طوال المنهج دون وعي بالسؤال يعني أنه دائما يجيب، أي تقول له عن الزواج فيقول لك إن الزواج سنة مستحبة للقادر عليها ويفعل لك هكذا، أي أن هذه هي عبارة المنهج، تأتي له بأي كلمة فحسب فيقول هكذا، لذلك أسماه زملاؤه حمار المنهج، فهو يحمل المنهج فقط ولكنه لا يفقه يوجد شيء إذا سألته سؤالا مركبا لا يجيب عليه ولا يعرفه، لكنه يعرف هذا الحفظ والوعي وما إلى ذلك، فسمي وعاء وسمي نسخة وسمي بغير ذلك. نعم، ومن كشف عن قلبه الغطاء واستنار بنور الهداية صار في نفسه متبوعا مقلدا، فلا ينبغي
أن يقلد غيره، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما ما من أحد إلا يؤخذ من علمه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان تعلم من زيد بن ثابت الفقه وقرأ على أبي بن كعب ثم خالفهما في الفقه والقراءة جميعا، وقال بعض السلف ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبلناه على الرأس والعين وما جاءنا عن الصحابة رضي الله عنهم فنأخذ منه ونترك وما جاءنا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال طبعا هذا كلام الأئمة وليس يصلح فيه للناشئة أن يقولوا نحن رجال وهم رجال أبدا الناشئة هؤلاء لا يعرفون
شيئا عن أنفسهم أبدا هذه الفتنة العمياء الصماء الموجودة في البلاد والعباد ليس فقط بلادنا بلاد جاءت من هؤلاء الناس الذين يدعون العلم وليسوا يعرفون منه شيئا أصلا فأما هؤلاء الذين قالوا فهم رجالنا نحن رجال هذا أبو حنيفة هذا الشافعي هذا مالك الذي يقول هكذا وشهد له سبعون من أهل المدينة من علماء المدينة وأجازوه بالفتوى يعني أخذ سبعون شهادة سبعون دكتوراه ما لك عقل حتى يتكلم في الفقه وأمثال الشافعي يقول في أبي حنيفة الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة وضع ثان هؤلاء هم
الذين قالوا فهم رجال ونحن رجال لأنهم من طبقتهم هذا أبو حنيفة رأى أناسا يعني من التابعين يعد من التابعين ولم يرو لكنه رأه هؤلاء وأمثال هؤلاء هم الذين يقولون هذا الكلام، قوم يأخذه المسكين الغر ويقيم في نفسه وهو لا يعرف شيئا عن أمر نفسه، ثم بعد ذلك فجأة يصير زعيما، ثم الزعامة تنقلب إلى أنه بلطجي، ثم يتحول من بلطجي إلى حرامي، الله ما هذا؟ نعم، هذه هي البداية كان الخطأ من البداية أنه ركب قطار أسوان ظنا أنه يذهب إلى الإسكندرية، وكلما مضى الوقت ابتعد عن الهدف وابتعد عما يريد إن
شاء الله. نعم وإنما فضل الصحابة لمشاهدتهم قرائن أحوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعلق قلوبهم بأمور أدركوها بالقرائن فسددهم ذلك إلى الصواب من حيث الرواة والعذارى إذ فاض عليهم من نور النبوة ما يحرسهم في الأكثر من الخطأ، يبقى إذن لا بد من التربية ولا تكفي المعلومات، والمعلومات من غير تربية هي هباء وقد تضل وقد تصل بالإنسان إلى طريق المسود، فلا بد من التربية وأثر هذه التربية كان شديدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه ثبت أنه كان يربي بالنظرة أي ينظر إليك هكذا فيحدث فيك شيئا يمنعك من
الكذب على الشريعة ويقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر إلى أحد منهم أحدث فيه ما يوجب التعديل وهذا ما يسمى أهل الله بالتربية بالنظرة، فالنظرة لها وضع ولها أثر، وكما عرفنا الفراسة أنها النظر إلى عين الخيل فتعرف حالها، فالعين لها سر وفيها سر حتى في الخيل، ولذلك لما عرفوا الصحابي عرفوه بأنه من رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من رأى رسول الله لأنه قد يكون ضريرا فلا يرى رسول الله لكنه رسول
الله رآه فيقولون من رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم وإن وإذا كان الاعتماد على المسموع من الغير تقليدا غير مرضي فالاعتماد على الكتب والتصانيف أبعد بل الكتب والتصانيف محدثة لم يكن شيء منها في زمن الصحابة وصدر التابعين وإن ما حدثت إلا بعد سنة مائة وعشرين من الهجرة وبعد وفاة جميع الصحابة وجلة التابعين رضي الله عنهم وبعد وفاة سعيد بن المسيب والحسن وخيار التابعين بل كان الأولون يكرهون كتابة الأحاديث وتصنيف الكتب لئلا يشتغل الناس بها عن الحفظ وعن القرآن وعن التدبر والتفكر وقالوا احفظوا
كما كنا نحفظ ولذلك كره أبو بكر الصديق وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم جمع القرآن في مصحف وقالوا كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخافوا اتكال الناس على المصاحف وقالوا نترك القرآن يتلقاه بعضهم من بعض بالتلقين والإقراء ليكون هو شغلهم وهمهم حتى أشار عمر رضي الله عنه وبقية الصحابة بكتابة القرآن خوفا من تخاذل الناس وتكاسلهم وحذرا من أن يقع نزاع فلا يوجد أصل يرجع إليه في كلمة أو قراءة من المتشابهات فانشرح صدر أبي بكر رضي الله عنه لذلك
فجمع القرآن في مصحف واحد فكل هذا بإذن الله أما بالفكر البشر فكانوا لا يريدون الكتابة ولا يريدون الكتاب ويريدون العلم العملي من صحيح التعبير، لكن الله وفقهم أن يصححوا المصحف، أن يكتبوا المصحف في مكان مرجع يرجعون إليه. وكلما تقدم الناس كلما حاولت المحاولات الإبعاد عن الكتاب، فلما خرج الفهرس، فهرس القرآن الكريم، عاب المشايخ عليه وقالوا هذا يجعل المشايخ ينسى القرآن وإذا أراد أي آية فيفتح الفهرس على الفور وهو جالس وكان قديما يحافظ على الحفظ حتى يستحضرها فلما ظهر الحاسوب وأصبح
في لحظات على الهاتف تأتي الآية اشتد النسيان في الناس إلا من رحم ربي فكلما يأتي التسهيل يأتي معه النسيان فيأتي شيء مع هذا النسيان وشيوعه وهو أمر الله بالحفظ فترى أن الله سبحانه وتعالى قلب المسألة مرة أخرى واشتد الحفظ ففي هذه الموجات نرى أن الله سبحانه وتعالى كلما صنع شيئا يؤدي إلى النقصان أدى إلى الزيادة ولكنه في الأصل هكذا يؤدي إلى النقصان لكن فجأة نرى أنه هو ذلك الذي أدى إلى النقصان يؤدي إلى اللقاء مرة أخرى، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح علينا كما هو وارد
هنا في إحياء علوم الدين فتوح العارفين به، وأن يعلمنا الأدب معه. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.