مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 88 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 88 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب "إحياء علوم الدين" وفي كتاب العلم، ننهل من علم الإمام الغزالي ورؤيته الثاقبة وتعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، وهو يعلم الأمة من
بعده كيف يحيون أمور الدين في قلوبهم. تفضل، دع ما لم تفعله الصحابة. رضي الله عنهم، وقيل إن أول كتاب صُنِّف في الإسلام هو كتاب ابن جُرَيج في الآثار وحروف التفاسير عن مجاهد وعطاء وأصحاب ابن عباس رضي الله عنهم بمكة، ثم كتاب مَعْمَر بن راشد الصنعاني باليمن، جمع فيه سُنناً منثورة مبوبة، ثم كتاب الموطأ بالمدينة لمالك بن أنس، ثم جامع سفيان الثوري،
في القرن الرابع ظهرت مصنفات علم الكلام وكثر الخوض في الجدال والغوص في إبطال المقالات، ثم مال الناس إليه وإلى القصص والوعظ بها، فأخذ علم اليقين في الاندراس منذ ذلك الزمان. فصار بعد ذلك يُستغرب علم القلوب والتفتيش عن صفات النفس ومكائد الشيطان، وأعرض عن ذلك إلا الأقلون وأعرض عن ذلك إلا أحسنت
يتميز لهم حقيقة العلم عن غيره، ولم تكن سيرة الصحابة رضي الله عنهم وعلومهم ظاهرة عندهم حتى كانوا يعرفون بها مباينة هؤلاء لهم، فاستمر عليهم اسم العلماء وتوارث اللقب خلفاً عن سلف، وأصبح علم الآخرة مطوياً وغاب عنهم الفرق بين العلم والكلام عن الخواص منهم كان إذا قيل لهم فلان أعلم أم فلان يقولون فلان أكثر علماً وفلان أكثر كلاماً، فكان الخواص يدركون الفرق بين العلم وبين القدرة على الكلام. هكذا ضَعُفَ الدين في قرون سالفة، فكيف الظن بزمانك هذا وقد انتهى الأمر إلى أن مَظهر الإنكار
يستهدف للنسبة إلى الجنون والأولى أن... يعمل الإنسان بنفسه ويصمت في بعض الأحوال، ييأس العالِم من أن يصل كلامه إلى الناس بسبب كثرة الاضطراب والفتنة، وكثرة انشغال الناس بالضلالات، وكثرة الكلام حتى قالوا في الحكمة العامية: الإلحاح على الآذان أقوى من السحر، فيستمر بالإلحاح على أذنيك، وقالوا: اكذب ولا تزال كاذباً حتى يصدقك الناس. مِن كثرة الكذب فهذا حال عندما يتكلم وليُّ الله لا يُسمَع ولا يُفهَم ولا يصل كلامه لا إلى الآذان ولا إلى القلوب ولا إلى العقول، فحينئذٍ يُفضِّل السكوت. لا
يكن أحدكم إمَّعةً يقول مع الناس: إن أحسن الناس أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ. وطِّنوا أنفسكم على أنكم إن أحسنوا فأحسِنوا. وإن أساؤوا فلا تظلموا، أي لا تظلموا أنفسكم ولا غيركم، ولذلك فالإنسان يظل على ما هو عليه مما فتح الله به عليه من نِعَم، ومنها أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور وإن اتفق عليها الجمهور، فلا يغرنه إطباق الخلق على ما أُحدِث بعد الصحابة رضي الله عنهم، وليكن حريصاً على التفتيش عن أحوال الصحابة وسيرتهم وأعمالهم وما كان فيه أكثر همهم، أكان في التدريس والتصنيف والمناظرة والقضاء والولاية وتولي
الأوقاف والوصايا ومال الأيتام ومخالطة السلاطين ومجاملتهم في العشرة، أم كان في الخوف والحزن والتفكر والمجاهدة ومراقبة الباطن والظاهر واجتناب دقيق الإثم وجليله والحرص على إدراك خفايا شهوات النفس ومكائد الشيطان. إلى غير ذلك من علوم الباطن، واعلم تحقيقاً أن أعلم أهل الزمان وأقربهم إلى الحق أشبههم بالصحابة وأعرفهم بطريق السلف، فمنهم أُخذ الدين، ولذلك قال علي رضي الله عنه: "خيرنا أتبعنا لهذا الدين" لما قيل له: "خالفت فلاناً"، فلا ينبغي أن يكترث بمخالفة أهل العصر في موافقة
أهل عصر رسول الله. الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن الناس رأوا رأياً في ما هم فيه لميل طباعهم إليه ولم تسمح نفوسهم بالاعتراف بأن ذلك سبب الحرمان من الجنة وادعوا أنه لا سبيل إلى الجنة سواه ولذلك قال الحسن محدثان محدثا في الإسلام رجل ذو رأي سوء زعم أن الجنة لمن رأى مثل رأيه والمترف يعبد الدنيا، لها يغضب ولها يرضى وإياها يطلب، فارفضوهما إلى النار. إن رجلاً أصبح في هذه الدنيا بين مترف يدعوه إلى دنياه وصاحب هوى يدعوه إلى هواه، قد عصمه الله تعالى منهما،
يحن إلى السلف الصالح، يسأل عن أفعالهم ويقتص آثارهم، متعرض لأجر عظيم. فكذلك كونوا هكذا. في باب الأفعال والمقامات والأحوال والأفكار أنه يتتبع ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم من الأئمة المتبوعين المنيرين، وليس في عالم الأشياء أن الأشياء تتطور. فكان الصحابة مثلاً لا يفرشون مساجدهم بالسجاد لكن كانوا يدخلون بالنعال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر حتى بالصلاة في النعال ويصلي. في نعاله، فلما فُرشت المساجد وطُلبت نظافتها، فإن المسلمين
رأوا أن يتخلوا عن النعال فتخلوا عنها وخلعوها، لأن الوطء على السجاد بالنعال كان من شِيَم ومن سمات المجوس. فإننا قد نُهينا عن مشابهة المجوس، وأن نستقل في آدابنا ولياقتنا ولباقتنا بحالنا. فإنه فُرشت المساجد طلباً للنظافة، وفي الترمذي فإن الله... نظيفٌ يحب النظافة وفي نفس الوقت تُرِكَتْ سنة الصلاة بالنعال، وهكذا عالم الأشياء لم يكن هناك هذا المنبر، ولما كان منبر الخطابة منبراً
طويلاً من أجل مساحة المسجد التي اتسعت حتى تشمل زيادة عدد المسلمين، وكان منبر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث درجات، ولكن إذا وقفت على ثلاث درجات. لا يصل صوتك إلى آخر المسجد فلا يسمع الناس الموعظة ولا الدرس ولا الخطبة ولا شيئاً من هذا، ولذلك أطالوا في المنبر حتى يصل الصوت إلى منتهى المسجد الذي اتسع باتساع رقعة الإسلام وبكثرة المسلمين، وكذلك حتى يستقيم الصف أوجدوا تجويفاً في الحائط والمحراب، وذلك حتى لا يضيع صف في العدد بعد كثرة الناس وبعد ازدحامهم، فهذا لم يكن على عهد رسول الله، ولكنها كلها من باب
الأشياء الجديدة، كالإسفلت والسيارة وفرشاة الأسنان وهكذا. أشياء لم تكن موجودة فوجدت، فلما وجدت ضُبطت بالضابط الشرعي. إنما الذي يعنيه الإمام هو الأفعال سواء كانت أفعال الأبدان أو أفعال القلوب، أي الأحوال. هي المقامات مع الله سبحانه وتعالى، فبعض الناس يريد أن نعود إلى عالم الأشياء، وهذا خطأ لا يقره علماء المسلمين، فإن كل عصر له ما خلقه الله سبحانه وتعالى له من اتصالات ومواصلات وتقنيات وما إلى ذلك. لم يكن عند الصحابة الكهرباء، ولم يكن عند الصحابة الميكروفون، فلما دخل الميكروفون... اعترض أهل مكة وقالوا: هذا لم يكن على عهد رسول الله،
من أين أتاهم هذا؟ أتاهم من الخلط بين عالم الأشياء وعالم الأفعال والأحوال والمقامات. فالذي أُمِرنا أن نتابع الصحابة فيه إنما هو هذا الشيء الذي يبني الإنسان: هذا القلب، هذا العقل، هذه النفس، وليس ما منَّ الله به علينا. من تطور الأشياء من حولنا فإن الله سبحانه وتعالى هو الخالق ولا يكون في كونه إلا ما أراد وهو سبحانه وتعالى أصل هذه الأشياء. العلاج لم يعد الآن كالعلاج الذي كان في عهد الصحابة إطلاقاً، فإن هذا النظام العلاجي الجديد لا أحد يقول إننا لن ندخل فيه لأنه ليس. من الصحابة إلا إذا كان جاهلاً، لأنه خلط بين عالم الأشياء وبين عالم الأفعال. نعم، وقد
رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً ومسنداً أنه قال: "إنما هما اثنان: الكلام والهدي، فأحسن الكلام كلام الله تعالى، وأحسن الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ألا وإياكم ومحدثات". الأمور فإن شر الأمور محدثاتها إن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة. ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم. ألا إن كل ما هو آتٍ قريب، ألا إن البعيد ما ليس بآتٍ. وهذا ابن مسعود الذي يروي الحديث يفسره بقوله رضي الله تعالى عنه: ما رآه المسلمون حسناً فهو عند. الله حسن وذلك حتى يحدد للناس معنى هذا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي خطبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عيبه عن عيوب الناس وأنفق من مال اكتسبه من غير معصية وخالط أهل الفقه والحكم وجانب أهل الزلل والمعصية طوبى لمن ذل في نفسه وحسنت خليقته وصلحت سريرته وعزل عن الناس شره طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعدها إلى بدعة فطوبى هى شجرة على ميسرة مائة عام فيها الظلال وفيها النسيم وفيها الراحة فصارت كناية على كل هذا أنها مكان الراحة والسعادة والاطمئنان وعدم
الفزع وعدم النكد والكدر وعدم الزيادة في الحرارة أو النقصان في درجاتها وهكذا فطوبى أصبحت وهي الشجرة التي في الجنة التي هي على مسيرة مائة عام أصبحت عنواناً وكناية عن الراحة والسعادة. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سألها: أنت