مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 89 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب إحياء علوم الدين، وفي كتاب العلم، نعيش هذه اللحظات مع إمام الأئمة وبدر التتمة سيدنا أبي حامد محمد بن محمد بن محمد بن محمد الغزالي رضي
الله تعالى عنه وأرضاه. تفضل قال الإمام حجة. قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين آمين في كتابه إحياء علوم الدين: وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "حُسن الهدي في آخر الزمان خير من كثير من العمل". وقال: "أنتم في زمان خيركم فيه المسارع في الأمور، وسيأتي بعدكم زمان يكون خيرهم..." المتثبت المتوقف لكثرة الشبهات وقد صدق، فمن لم يتثبت في هذا الزمان ووافق الجماهير فيما هم عليه وخاض فيما خاضوا هلك كما هلكوا. وقال حذيفة: أعجب من هذا أن معروفكم اليوم منكر زمان قد مضى، وأن
منكركم اليوم معروف زمان قد أتى، وإنكم لا تزالون بخير ما عرفتم الحق وكان. العالم فيكم غير مستخف به ولقد صدق، فإن أكثر معروفات هذه الأعصار منكرات في عصر الصحابة رضي الله عنهم، إذ من غرر المعروفات في زماننا تزيين المساجد وتنجيدها وإنفاق الأموال العظيمة في دقائق عماراتها وفرش البسط الرفيعة فيها، ولقد كان يُعد فرش البواري في المسجد بدعة، وهو الحصير المنسوج من. قصر وقيل أنه من محدثات الحجاج، فقد كان الأولون قلما يجعلون بينهم وبين التراب حاجزاً، وكذلك
الاشتغال بدقائق الجدل والمناظرة من أجل علوم أهل الزمان، ويزعمون أنه من أعظم القربات، وقد كان ذلك من المنكرات، ومن ذلك التلحين في القرآن والأذان، ومن ذلك التعسف في النظافة والوسوسة في الطهارة وتقدير. الأسباب البعيدة في نجاسة الثياب مع التساهل في حل الأطعمة وتحريمها إلى نظائر ذلك. ولقد صدق ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال: "أنتم اليوم في زمان الهوى فيه تابع للعلم، وسيأتي عليكم زمان يكون العلم فيه تابعًا للهوى". وكان أحمد يقول: "تركوا العلم وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه". فيهم والله المستعان،
وقال مالك بن أنس: "لم يكن الناس فيما مضى يسألون عن هذه الأمور كما يسأل الناس اليوم، ولم يكن العلماء يقولون حرام ولا حلال، أدركتهم يقولون مكروه ومستحب"، ومعناه أنهم كانوا ينظرون في دقائق الكراهية والاستحباب، فأما الحرام فكان فحشه ظاهراً، وكان هشام بن عروة يقول: "لا..." تسألوهم اليوم عما أحدثوا فإنهم قد أعدّوا له جوابًا، ولكن اسألوهم عن السُّنة فإنهم لا يعرفونها. وكان أبو سليمان الداراني رحمه الله يقول: "لا ينبغي لمن ألهمه الله شيئًا من الخير أن يعمله حتى يسمع به في الأثر، فيحمد الله تعالى إذ وافق ما في نفسه". وإنما قال هذا لأن ما...
أَبْدَعَ مِنَ الآرَاءِ قَدْ قَرَعَ الأَسْمَاعَ وَعَلِقَ بِالقُلُوبِ فَرُبَّمَا يُشَوِّشُ صَفَاءَ القَلْبِ فَيَتَخَيَّلُ بِسَبَبِهِ البَاطِلَ حَقًّا فَيَحْتَاطُ فِيهِ بِالاسْتِظْهَارِ بِشَهَادَةِ الآثَارِ وَلِهَذَا لَمَّا أَحْدَثَ مَرْوَانُ المِنْبَرَ فِي صَلَاةِ العِيدِ عِنْدَ المُصَلَّى قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا مَرْوَانُ مَا هذه البدعة، فقال: إنها ليست بدعة، إنها خير مما تعلم، إن الناس قد كثروا فأردت أن يبلغهم الصوت. فقال أبو سعيد رضي الله عنه: والله لا تأتون بخير مما أعلم أبداً، ووالله لا صليت وراءك اليوم. وإنما أنكر ذلك لأن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم كان يتوكأ في خطبة العيد والاستسقاء على قوسٍ أو غصنٍ لا على المنبر، وفي الحديث المشهور: "من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد"، وفي خبرٍ آخر: "من غش أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"، قيل: "يا رسول الله، وما غش أمتك؟" قال: "أن يبتدع بدعة يحمل الناس عليها، يقوت القلوب". وصلت عند ابن بطة في الإبانة وقال صلى الله عليه وآله وسلم إنّ لله عز وجل ملكاً ينادي كل يوم من خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تنله شفاعته. ذكره صاحب القوت، ومثال
الجاني على الدين بإبداع ما يخالف السنة بالنسبة إلى من يذنب ذنباً مثال. من عصى الملك في قلب دولته بالنسبة إلى من خالف أمره في خدمة معينة وذلك قد يُغفر، فأما قلب الدولة فلا. وقال بعض العلماء: ما تكلم فيه السلف فالسكوت عنه جفاء، وما سكت عنه السلف فالكلام فيه تكلُّف. وقال آخر: الحق ثقيل، من جاوزه ظلم، ومن قصر عنه عجز، ومن. وقف معه اكتفى وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "عليكم بالنمط الأوسط الذي يرجع إليه العالي ويرتفع إليه التالي". رواه ابن أبي شيبة موقوفاً على علي رضي الله عنه. وقال ابن
عباس رضي الله عنهما: "إن الضلالة لها حلاوة في قلوب أهلها". قال تعالى: "اتخذوا دينهم لعباً ولهواً". وقال تعالى: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً، فكل ما أُحدث بعد الصحابة رضي الله عنهم مما جاوز قدر الضرورة والحاجة فهو من اللعب واللهو. وحُكي عن إبليس لعنه الله أنه بث جنوده في وقت الصحابة رضي الله عنهم فرجعوا إليه محسورين، فقال: "ما شأنكم؟"، فقالوا: "ما رأينا مثل هؤلاء، ما..." نصيب منهم شيئًا وقد أتعبونا، فقال: إنكم لا تقدرون عليهم، قد صحبوا نبيهم وشهدوا تنزيل ربهم، ولكن سيأتي بعدهم قوم تنالون منهم حاجتكم. فلما جاء التابعون بث جنوده،
فرجعوا إليه منكوسين منكسرين، فقالوا: ما رأينا أعجب من هؤلاء، نصيب منهم الشيء بعد الشيء من الذنوب، فإذا كان آخر النهار أخذوا. في الاستغفار فيُبدِّل الله سيئاتهم حسنات فقال: إنكم لن تنالوا من هؤلاء شيئاً لصحة توحيدهم واتباعهم لسنة نبيهم، ولكن سيأتي بعد هؤلاء قوم تقر أعينكم بهم، تلعبون بهم لعباً وتقودونهم بأزمة أهوائهم كيف شئتم، إن استغفروا لم يُغفر لهم ولا يتوبون فيُبدِّل الله سيئاتهم حسنات. قال: فجاء قوم بعد القرن. الأول فبث فيهم الأهواء وزين لهم البدع فاستحلوها واتخذوها ديناً لا يستغفرون الله منها ولا يتوبون عنها، فسلط عليهم الأعداء وقادوهم أين
شاؤوا. واضح أيضاً من الكلام أن هذا على عالم الأفكار وعالم الأفعال، بمعنى أنه ليس هناك فرقة ظهرت في الإسلام وأصبحت فرقة لأنها بنت المساجد من الحجر أو... إنها علت المنبر أو إنها فرشت المسجد أو إنها استعملت الكهرباء، ليس هذا، لا علاقة لهذا بالفرق. الفرق كانت لها آراء وأهواء حدثت بعد المئة كما يقول رضي الله تعالى عنه، ولذلك من فقهه قال: كل ما حدث بعد الصحابة من غير ضرورة ولا حاجة، والضرورة ما لم يتناولها الإنسان. هلك أو قارب على الهلاك والحاجة هي إذا لم يتناولها الإنسان أصابته مشقة، ولذلك فعالم الأشياء
في تيسير وفيه جمع للناس وفيه مصالح للخلق. ولذلك لما دخل عمر رضي الله تعالى عنه وهو من الخلفاء الراشدين، أصحاب المكانة في قوله: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، لما دخل... عندما وصل إلى الشام وجد معاوية قد استقبله على برذون، والبرذون حصان له خصائص معينة أي مثل سيارة المرسيدس هكذا، فقال له: "ما هذا يا معاوية؟" يعني نركب حماراً أو نركب حصاناً أو أي شيء آخر، لكن برذون؟ فقال: "إذا لم أفعل هذا أكلني أهل الشام". لابد أن يظهر لهم بهذه الوجاهة وإلا فهم قد اعتادوا طوال عمرهم على ذلك. الحكم الروماني والحكم الروماني
في هذه الفخامة والتصدر وهكذا فقال الله حسيبك، لم يدخل معه في مناقشة. قال له: حسناً، أنت وربك، انظر إلى هذا الكلام، هل أنت فعلت هذا من أجل الدنيا أم فعلته حقاً من أجل المصلحة؟ إذا كان للإصلاح، لتحصيل مصلحة مهمة كأن يكون رئيس الدولة مهاباً وأن تستقر. الدولة وأن وأن وأن يكون صحيحاً جيداً، أما إذا كنت فعلتها لأجل أن تتفاخر وتتباهى وبعد ذلك تختبئ وراء هذا، قد وقد إذاً فالله حسيبك. فعندما يقول عمر هذا، يقول له الله حسيبك وتركه. حسناً ما دمت تقول هذا الكلام وتستحضر هذا، هذا
كلام صحيح، فهكذا هذا كلامه عندما يتحدث عن الضرورة. والحاجة لأن الدنيا بعد ذلك لا تصلح إطلاقًا أن يكون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقد يزوره الملايين أنه ثلاثمائة متر، ليس بالأمر الهين، فالناس ستؤذي بعضها إذا ظل على هذه الحال. لا بد أن يُبنى ولا بد أن يُوسَّع ولا بد أن تتسع أموره إلى هذه الدرجة حتى... يستوعب وإلا ترتب عليه هلاك، فيكون وضعنا كأننا نضع هلاك الناس في مقابل التمسك بما كان عليه حال النبي من أشياء. لا، دع الأشياء، دعها تتطور وتنطلق من غير إنكار. وإن قلت: من أين عرف قائل هذا ما قاله إبليس ولم يشاهد
إبليس ولا حدثه بذلك؟ فاعلم أن أرباب القلوب... يكاشفون بأسرار الملكوت تارةً على سبيل الهين بأن يخطر لهم على سبيل الورود عليهم من حيث لا يعلمون، وتارةً على سبيل الرؤيا الصادقة، وتارةً في اليقظة على سبيل كشف المعاني بمشاهدة الأمثلة كما يكون في المنام، وهذا أعلى الدرجات وهي من درجات النبوة العالية، كما أن الرؤيا الصادقة جزء من. ستة وأربعين جزءًا من النبوة، نعم هذا الحال يحدث ولكنه ليس معصومًا، يحدث ولكنه على سبيل الموعظة والحكمة، لكنه قد يكون خطأً. ولذلك إذا ظهر لك معنى من الكتاب والسنة ضد هذا الإلهام الذي أُلهِمَه الولي أو التقي، فإن
فهمك للكتاب والسنة مقدَّم على هذا الذي أُلهِمَه، نأخذ منه موعظة. حكمةٌ تعلمنا الأدب مع الله تزيد من يقيننا وتساعدنا في العمل هكذا. أما إذا وصل هذا الحال إلى أنه يعارض ما عندنا من فهم الكتاب والسنة، فهذا لا يكون حجة على الأمة. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.