مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 9 | أ.د علي جمعة

مجالس إحياء علوم الدين | مسجد فاضل | المجلس 9 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين
فرسان رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب إحياء علوم الدين ومع فضيلة التعليم والتعليم كما قلنا وذكرنا واجب ولذلك لو
أننا تبنينا في أنفسنا أن التعليم واجب عرفنا أنه رسالة يجب علينا أن نقوم بها وعرف المسلمون هذا في مشارق الأرض ومغاربها ولذلك قاموا بواجب التعليم وكانوا يرون التعليم عبادة، ولذلك هو يرجو من الله ولا يرجو من الناس. أدركنا مشايخنا رضي الله تعالى عنهم، أحدهم يقول للآخر: "أتتصور أن فلاناً من أصدقائنا، شيخ طالب، يدَّعي أنه أكل الفول بالزيت أمس؟"، قال له: "بالزيت؟"، فأجابه: "أتتصور؟". وهما الاثنان غير مصدقين
ويريان أنه قد بالغ في أنه قد أكل الفول. بالزيت قال له. اتَّهمه والأمر أنه يدعي أنه بالليمون. قال له: "بالليمون". يا جماعة، هذا لا يقتضي الضحك. صحيح أننا نضحك، نضحك من المفارقة، لكن عند التأمل يقتضي البكاء. هؤلاء كانوا يأتون. أتى رجل كان اسمه الشيخ أحمد الشامي، يحكي لنا عنه مشايخنا، نحن لم نره. جاء به أبوه. من الشام وأدخله
الأزهر وقال له في الداخل الجنة وفي الخارج النار، فمكث الولد حياته كلها داخل الجامعة. ولما جاء الشيخ المراغي، رحمه الله تعالى، شيخاً للأزهر ورأى شيئاً من التطوير والتحديث وما إلى ذلك، وكان ذلك واجباً، وجد هؤلاء الناس يقيمون في الأزهر يدرسون منذ أربعين سنة دون نظام. فأعطاهم كلهم العالِمية، يقولون العالِمية، قالوا له: لا، لسنا داخلين. فذهب وأعطاهم كلهم العالِمية. فكنت ترى ألم المشايخ في الشارع يبكي، شيخ يبكي. فاستمر الشرطة يقولون لك: أخذتَ العالِمية، لأنه إلى أين سيذهب؟ هو لا يعرف إلا التعلّم والتعليم،
حياته هكذا. إلى أين سيذهب الآن؟ فكان من هؤلاء الشيخ أحمد الشامي، لا. يعرف أين يذهب أصلا، فلما أخذه شيخنا وخرج به وجد رجلا يعرض بطيخا، والبطيخ بالكسر في العربية وله أسماء كثيرة، فكل فاكهة في لغة العرب لها اسمان أو أكثر، لا تقل عن اسمين: البطيخ والجبسي والرقي والحبحب وهكذا. وجد هذا البطيخ يُباع رخيصاً جداً، قطعة بمليم أو شيء زهيد، فقال له ما... هذا قال، فظننته يسخر به. شيخنا ظن في قلبه أن هذا الرجل يضحك عليه، ظننته
يسخر به. بعد ذلك، الشيخ غضب من نفسه لأنه ظن ظن السوء بأن هذا الرجل... فالأصل أنه لا يُعقل، فأنت لم تأكل البطيخ في حياتك، فقال له: "هذا بطيخ". قال: "البطيخ الشيخ ذكر". قال له: "بطيخ" بالفتح كما نقولها، فصحح نفسه: "بطيخ". قال له: "نعم، بطيخ". قال له: "أتأكل منه؟" يعني أنت تسألني هكذا لأنك تتحايل عليّ لتأكل منه؟ فاشترى له شيئاً. قال: فاندهشت أنه وضع الناشف أولاً، فهو لا يعرف أن الطري هو الذي... يُؤكَل ولا أعرف،
قال: فبكيتُ. بكى من نفسه لأنه ظنَّ الظنَّ السيئ أن الرجل يعرف ويريد كذا وكذا، لكن بعدما أكلها رأى أيضاً أنهم قالوا: لا، هذه تُؤكَل هكذا. فبعدما يأكل الأحمر يريد أن يأكل الغلاف أيضاً. الله! ما معنى هذا الكلام؟ إنه الزهد في الدنيا. الذي نسعى إليه في كل وقت وحين، والناس بدأت تتعامل مع الزهد وكأنه منقصة وكأنه عار، بالرغم من أنه هو الذي يبني الأمم وهو الذي يبين هذا الطرف والطرف الآخر، ولا بد أن نعود لنقول عنه أن هذا الطرف هو الذي
أنهار الحضارات لأنهم كانوا قبل ذلك مترفين. وكانوا يصرّون على الحنث العظيم، فماذا يكون؟ اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم، فالتعلم واجب. اقرأ للشيخ محمد فضل التعليم، وقال تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا"، وقال تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"، وقال تعالى: "وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ". نعم، فكل هذا في وجوب التعليم. نعم، وأما الأخبار فقوله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن: "لأن يهدي الله بك
رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها". فالمدرس الذي سوف يعلم طالباً خير له من الدنيا وما فيها لأنه سيهديه على يديه، لأنه سيعطيه مفتاح الحياة فلو عرف. المدرس هذا يحترم نفسه، ولو احترم نفسه ووثق فيها وفعل هذا لوجه الله احترمه الناس. وتأتي القصص التي يسخر منها الشباب أن الأستاذ كان إذا مر في شارع ورآه الطالب يختبئ احتراماً، ليس خوفاً، إنه احتراماً، احتراماً له. فلا بد من هذه العلاقة أن تعود وإلا انفرط العقد الاجتماعي. نعم وقال صلى الله عليه وآله
وسلم: "من تعلَّم باباً من العلم ليعلِّم الناس أُعطِيَ ثواب سبعين صديقاً". لا إله إلا الله، إن صديقاً واحداً يكفي، ولكن فضل الله واسع، ومن أسمائه الواسع، عطاؤه الجزيل. لكن أنت اعمل، أنت غير راضٍ أن تعمل؟ اعمل فقط وسنعطيك. هذا كلام ربنا سبحانه وتعالى. وكلام سيدنا النبي نعم عليه الصلاة والسلام، وقال عيسى صلى الله عليه وسلم: "من عَلِمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ فذلك يُدعى عظيماً في ملكوت السماوات". الإمام الغزالي أكثر في إحيائه من ذكر الكلام المنسوب لسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولو أن باحثاً جمع
ذلك وقارنه بما قد ورد عند النصارى. في الأناجيل لكان جيداً الذي ورد من طريق المسلمين مصوغاً بلغة عربية صحيحة بليغة فصيحة، وهذا مهم طبعاً. الأناجيل لاقت عناية في الصياغة خاصة من أواسط القرن التاسع عشر على يد الشيخ يوسف الطير وعلى يد الشيخ فارس الشدياق، ونحن ثم بعد ذلك الكاثوليك الشرقيين، لكن لو جمعنا هذا لاتضحت. مقارنات عجيبة غريبة، والمشترك
كبير، فالإمام الغزالي استدل كثيراً بكلام سيدنا عيسى وأكثر من ذلك، وهناك أحد الجعفرية من مذهب الشيعة جمع شيئاً من هذا لكنه لم يتقيد بما ورد في الإحياء، فلو أن باحثاً جيداً منوّر القلب جمع ما ورد في الإحياء من كلام عيسى سيكون الأمر سهلاً. نعم، تفضل. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعاً
من الناس بعد أن يؤتيهم إياه، ولكن يذهب بذهاب العلماء، فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم، حتى إذا لم يبق إلا رؤساء جهال، إن سُئلوا أفتوا بغير علم، فيضلون ويُضلون". نسأل الله السلامة، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من علم علماً فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار"، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم العطية ونعم الهدية كلمة حكمة تسمعها فتطوي عليها ثم تحملها إلى أخ لك مسلم تعلمه إياها تعدل عبادة سنة"، يعني
لو عرف المدرسون. كل هذا الأجر والثواب؛ إن الجملة الواحدة من علمه الذي يُعلِّم به الطلبة والتلاميذ لها ثواب عبادة سنة، الجملة الواحدة. والله ما أظن أنه يعني لا يترك هذا الخير الكثير، إنما المصيبة أنه لا يعتقد في هذا أو لم يسمع. هو مولٍ وجهه شطر شيء آخر، الدنيا وما فيها لا. لا بد علينا أن نذوب جميعاً في أمة واحدة يتقوى بعضنا ببعض، فالرجل بإخوانه، ولذلك كان سيدنا عمر يقول:
"أفيضوا مجالسكم بينكم". فيجب علينا أن نعمل وأن نبدأ في العمل بالعلم، والله تعالى أعلى وأعلم.