مجلس الجمعة | 12 - 04 - 2019 | مسجد فاضل | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. نعيش هذه الدقائق عسى أن يحتسب الله هذا المجلس عنده يوم القيامة من مجالس العلم التي تحفها الملائكة وتتنزل. فيها الرحمة وتغشانا السكينة ويذكرنا الله سبحانه وتعالى فيمن عنده ويجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة وينفعنا بما تركه لنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هداية للعالمين إلى يوم الدين ونسأله سبحانه
أن يؤتي النبي المصطفى والحبيب المجتبى الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وأن يعلي مقامه في النبيين. على ما يقتضيه قربه منه ومكانته لديه ويرزقه الفردوس الأعلى وأن يجازيه عنا خير ما جازى نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه آمين، وصلى اللهم يا ربنا على رسولنا الأمين الكريم. يسأل سائل: هل ربنا خلق الكون لأجل سيدنا محمد؟ قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، فبيّن أن... هدف الكون إنما هو للعبادة، لكنه سبحانه وتعالى
ارتضى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ليكون الإنسان الكامل وأن يكون العابد الأول، فهو أول المسلمين وهو سيد العابدين. ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ولذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم أول العابدين وأول المسلمين والإنسان الكامل الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى أسوة للخلق "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" ومن هنا جعله سبحانه وتعالى مثالاً
يُحتذى وجعله سبحانه وتعالى ممثلاً لغرض هذا. الكون في العبادة فُرض عليه قيام الليل: "قُمِ الليلَ إلا قليلاً، نصفَه أو انقص منه قليلاً أو زِد عليه، ورتِّلِ القرآنَ ترتيلاً"، "ومن الليل فتهجَّد به نافلةً لك عسى أن يبعثَك ربُّك مقاماً محموداً". فكان مثالاً للعبادة، ومن هنا صَحَّ أن يُقالَ أن الله سبحانه وتعالى إنما خلق هذا الخلق. لأجل هذا الإنسان قل: "إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، وهذه النصوص القرآنية كلها تؤكد هذا المعنى أنه هو المثال الأتم، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال ربنا
فيه: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، فانتهى الأمر إلى هذا المثال، وجعله الله سبحانه وتعالى شهيداً علينا. وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً، فهو الشهيد الأتم والإمام الأكبر الذي ننظر إليه فنقلده في عبادتنا لربنا التي هي من أجلها خُلقت الأكوان، ومن هنا صح ما رواه صاحب المستدرك الإمام الحاكم أمير المؤمنين، والحاكم فيه في الحديث في مستدركه أن آدم عندما خرج فقال: "اللهم إني أتوسل إليك بمحمد، اغفر لي ذنبي". قال
الله تعالى وهو أعلم: "وما أدراك يا آدم بمحمد؟" قال: "يا ربنا، وجدتُ أنك قد قرنتَ اسمه باسمك على قوائم العرش، لأنه مكتوب على قوائم العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وهي خير كلمة قيلت في تاريخ البشرية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولذلك يقول الإمام أحمد: "يجوز الحلف بالنبي وينعقد"، وذلك لأنه أحد ركني الشهادتين، وبهما يدخل الإنسان الإسلام، وبواحدة لا يدخل. فلو قال أحدهم "لا إله إلا الله" وسكت، لا يدخل الإسلام. فإذا قال "محمد
رسول الله" وأكمل، دخل الإسلام. ومن هنا كان فعل المسلمين إنهم عندما يكتبون على المحاريب يكتبون "الله" دلالة على كلمة التوحيد، و"محمد" دلالة على الشهادتين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله". وليس في هذا تساوٍ، والاقتران لا يقتضي التساوي إنما يقتضي المشاركة في الحكم، ولذلك لا... إله إلا الله محمد رسول الله ليست نوعًا من أنواع الشرك، بل هي مأذون بها ومأمور بها من الله سبحانه وتعالى، من أجل
أن نعلم أننا لا نصل إلى ربنا إلا بهذا النبي المصطفى. قال تعالى: "قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، وعلى ذلك يأتي حديث آدم فيما أخرجه الحاكم فى مستدركه قال وجدت أنك قد قرنت اسمه باسمك فعرفت أنه أحب الخلق إليك. قال: يا آدم، لولا محمد ما خلقتك. لولا أن هناك من البشر من سيصل إلى هذه الدرجة العالية من الطاعة والخبوت والخشوع والعبادة والالتزام والتوفيق والحب الذي كان في هذا الإنسان والذي استحق به قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى.
الذي استحق أن يقول أنا سيد ولد آدم ولا فخر، كل هذا فيما ورد في الكتاب والسنة يؤكد هذا المعنى أنه لولاك ما خلقت الأفلاك، لأن الله لو خلق الأفلاك وعلم في علمه القديم أن أحدًا لن يستطيع أن يوفي مراده من خلقه لما خلق الأفلاك، لكنه سبحانه وتعالى عندما علم أن إنساناً هو في مثال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستطيع أن يمتثل لكل همسة ولمسة وكل أمر وكل نهي يبتعد عنه فيما أقر الله وحكم، خلق
الكون والناس من الأنبياء والرسل والأولياء وأصحاب الهمة العالية من أولي العزم من الرسل وما دونهم يحاولون أن يقلدوا ذلك. المثال الأتم صلى الله عليه وآله وسلم ويحاولون إلى أن يصلوا إلى هذا الإنسان الكامل وكل بحسب توفيق الله له. هل كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظل أو أنه صلى الله عليه وسلم نور لا ظل له؟ وردت الروايات أن الصحابة رأت ظله ووردت روايات أنه كان. لا ظل له فهكذا
ورد وهكذا ورد، وعندما يختلف الأمر فيظهر ظله في حال ويختفي في حال، فتسمى هذه بالأحوال، ودوام الحال من المحال. ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في تجلٍ معين لا ظل له، وكان مع تجليات أخرى له ظل، وكلاهما يمكن الجمع بينهما. معنى "محلي حيث حبستني إن حبسني حابس": هذه كلمة وشرط يقولها المُحرِم تخفيفاً عن نفسه، فعندما أُحرِم أقول: "لبيك اللهم بعمرة" أو "لبيك
اللهم بحج" قاصداً البيت الحرام محرماً، ودخلت في الإحرام، ثم أقول مشترطاً على ربي سبحانه وتعالى - وهو رؤوف بنا - "واجعل محلي حيث حبستني إن حبسني إذا حدثت ظروف وإذا حدثت أحداث لا حسبان لها ولم تكن على البال فإنني سأخلع هذا الإحرام وأرجع إلى صورتي المدنية فألبس ملابسي لأنني لو لم أشترط هذا لحُبست في الإحرام إلى أن أكفّر أو أبلغ البيت الحرام. لا قدّر الله حصلت حادثة منعتك من الوصول إلى الحرم، لا قدّر اللهم إذا حدث ما
يمنعني من الوصول إلى الحرم، فهذه الكلمة: إن حبسني عن الحرم حابس، فاجعل محلي من ثياب الإحرام والعودة إلى ملابسي المعتادة حيث حبستني. فإن حبسني في القاهرة، حُبِستُ في القاهرة إذا كنت قد دخلت الإحرام، وإن حبسني في جدة، حُبِستُ في جدة، وإن حبسني في الطريق، فكان هذا المكان للحبس هو نفس المكان الذي أغير فيه الإحرام دون تردد ودون انتظار، ولذلك فهو من الأهمية بمكان أن تقول هذا الشرط لأن فيه تخفيفاً، وإن كان الإنسان يحج منذ أكثر من - يعني من نحو خمسين سنة - ونحن نحج لم تحدث
هذه الحالة وبالرغم من ندرتها لانها موجودة وإن كانت نادرة لأنها تتصور في صورة المنع أو في صورة الحادث، ولذلك نقول دائماً: "لبيك اللهم بحجة" أو "لبيك اللهم بعمرة واجعل محلي من ثيابي هذه حيث حبستني". فقط كلمتان: "واجعل محلي حيث ورثت قطعة ارض وقمت ببيعها بمبلغ كبير هل فيها زكاة ليس فيها زكاة،زوجتى توفيت بعد أربعين عاماً من زواجنا ما مصير مهرها؟ أأدفعه وهو يدخل في التركة وكيفَ أُقدِّرهُ نظراً لاختلافِ
قيمةِ العملةِ مع مرورِ الزمنِ بقيمتِهِ بالذهبِ، وهذا مذهبُ أبي يوسفَ من الحنفيةِ التقويمُ بالذهبِ عندَ غلاءِ أو رُخصِ النقودِ، وألَّفَ ابنُ عابدين "نشر البنود في غلاء ورخص النقود". هل جزاءُ الصبرِ ينالُهُ الإنسانُ في الآخرةِ فقط أم ينالُ جزءاً منه في الدنيا؟ اللهُ كريمٌ، زوجي. كان يساهم بكفالة يتيم في جمعية ما وأوصى رحمه الله عليه بأن يستمر هذا التكافل، هل يجوز أن أنقل التكافل إلى جمعية أخرى؟ المراد هو الرعاية وليس المراد جمعية معينة لأن الجمعية
قد تغلق وقد يحدث فيها فساد، قد يحدث فيها نقصان لخدمة اليتيم فننقل إلى جمعية أخرى أو... تكون هي أقرب إلى البيت فهي أكثر استمرارية إلى آخره. هل فتوى الحنفية بجواز عقد العقود الفاسدة مع غير المسلمين في بلادهم يندرج تحتها أو يقاس عليها إباحة إدارة مسلم لبيت دعارة إن كان قانون هذا البلد يسمح بذلك؟ لا علاقة إطلاقاً بإدارة الدعارة ولا بالدعارة مع العقود الفاسدة العقود. الفاسدة هي العقود المالية، وهذا ليس عقداً مالياً إطلاقاً، ولذلك فهذا حرام عند جميع المسلمين. كذلك شرب الخمر ليس عقداً حتى يُباح في بلاد الكفار أو في بلاد غير المسلمين
ولا يُباح عندنا. هذا أمر وهذا أمر، لكن القضية تتمثل في البيع وفي الشراء وفي العقارات وفي البورصة وفي... غيرها من المعاملات التي تتعلق بالمال، فهذه هي فتوى أبي حنيفة، بل فتوى الأحناف، واستدلوا بأدلة كثيرة منها مراهنة أبي بكر في مكة المشركين في قصة ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾، فذهب وراهنهم أي راهنهم، والرهان حرام، لكن لما كان في مكة مع المشركين حلال، واستدلوا بمصارعة النبي لركانة، وكان ركانة
مصارعاً فجاء يتحدى النبي، ودفعه وحثه على ذلك بعض المشركين حتى يضربوا محمداً صلى الله عليه وسلم. فالنبي فهم مراده، قال له: "يا ركانة، على ثلث مالك". أما الرهان فهو حرام، إنما لما كان مع المشركين في ديار الشرك والكفر فصارعه فصرعه - صلى الله عليه وآله وسلم - رُكانةَ، فارتفع في السماء، فقال: "لا يا محمد، أنت أخذتني على حين غِرَّة". قال له: "نفعل مرة أخرى؟"،
قال له: "نعم، فهذا غير معقول هكذا". قال له: "حسناً، على ثلث المال الثاني، نصف هكذا"، طريقة نبوية، فارتفع ركانة وارتطم بالأرض، فقال يا محمدُ، أنتَ فعلتَ هكذا بسرعةٍ! قال له: خلاص، نعملُ على الثُلثِ الثالثِ. قال له: طيبٌ، وأنا موافقٌ على الثلثِ الثالثِ. حملوه وبدؤوا في الثلثِ الثالثِ. فلما فعلَ هذا، لاحظَ رُكانةُ أنَّ الأمرَ قد خرجَ عن المعقولِ، وأنَّ هذا الرجلَ مؤيَّدٌ - صلى اللهُ عليه وسلم - وهو نفسُ الشعورِ مع السحرة في قصة فرعون، أنهم استشعروا أن شيئًا
ما يفوق قدراتهم ويفوق ما فعلوا، فقالوا: "آمنا برب هارون وموسى". قال فرعون: "آمنتم له قبل أن آذن لكم، إنه لكبيركم الذي علمكم السحر"، إلى آخر القصة. نفس الشعور حدث لركانة، فشهد الشهادتين، وكان من المتوقع أن النبي سيحاسبه ويقول له: غلبتك ثلاث مرات فوهب له النبي ما له، وقال له: "اذهب، لا أريد منك شيئاً". وآمن ركانة. استدل الحنفية من هذا أن العقدة الفاسدة مع غير المسلمين في بلاد غير المسلمين جائزة. ولما صارت مكة دار
إسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن ربا الجاهلية موضوع تحت قدمى هذا وأول ما أضع ربا العباس عمي. العباس كان يعمل في الربا، نعم وهو مسلم، أسلم يوم بدر والفتح في السنة الثامنة. مسلم منذ ست سنوات والنبي يعلم، ويضع ربا العباس تحت قدمه وينفيه ويلغيه، نعم، لأن الدار صارت داراً إسلامية. فيبقى إذاً أن نأخذ من هذا أن... العقد الفاسد يجوز مع غير المسلمين، انظر كيف أن كلها أموال وهكذا. أشعر
بالغيرة على شيخي بسبب قرب البعض منه. تقول "قرب بعضهم" لأن الألف واللام لا تدخل على ملازم الإضافة، يعني لا يصح "البعض" ولا "الغير" ولا "المثل" ولا "الكل"، بل "كل الشيء". هذه الاشياء موغلة في الإبهام فهي ملازمة للاضافة يكون ليس فيه الف ولام وعدم قربي منه، فهل في شعوري هذا إساءة أدب؟ شعورك هذا فيه نوع من أنواع السذاجة وليس فيه إساءة أدب أو أي شيء، لكنه نوع من أنواع السذاجة. يريد شيخا خاصا به، تريد أن يكون الشيخ تحت ايديك ثم إن القرب والبعد مع الشيخ على السواء لا تخاف انما هذا هنا وبعدين
قلت له اجلس هنا، فيصاب بالازعاج؟ لأنه بعد قليل ربنا يُعلمنا مراده فيقول: "أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد"، فيتضح أنها أحوال وليست قرب مكان. وكان مشايخنا دائماً يقولون: اجعلوا قلوبكم على قلوب بعضكم البعض، لأنه ستتباعد بكم الأجساد فلتلتقِ الأرواح. فدائماً اجعل قلبك على قلب. أخوك وقلبك مع قلب شيخك، وليست القضية كم متراً، فهي لا تُحسب بالمتر. هل الربح الثابت من مشروع استثماري حلال أم حرام؟ نجعله تحت الحساب، ونبقي هذا الثابت لأن الثابت يفيد،
ونجعله تحت الحساب. وفي النهاية إن حدثت زيادة وزّعناها، وإن حدث نقص رحّلناه إلى السنة القادمة، ويسهل الأمر. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع حبستنى