مجلس الجمعة 13- 04- 2018 | أ. د. علي جمعة

مجلس الجمعة 13- 04- 2018 | أ. د. علي جمعة - مجلس الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم يا ربنا اشرح صدورنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ونور قلوبنا ويسر غيوبنا وأجمعنا على الحق في الدنيا والآخرة وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وحبب لنا الخير واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة. واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، سهل علينا أمور الدنيا واسترها فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك يا أرحم الراحمين،
آمين، وصلاة وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. اللهم يا ربنا صلِّ وسلّم صلاة تامة كاملة على سيدنا النبي المصطفى المجتبى، وجازه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه، وشفّعه فينا يوم القيامة، وانفعنا به في الدنيا والآخرة، أحينا على شريعته، وأمتنا على ملته، وابعثنا تحت لوائه، آمين. يسأل سائل فيقول: ما صفات العبد الرباني؟ وكيف نحاول أن نتحلى دائماً بالبعد عن حب الدنيا ومتاعها ونحن دائماً نسعى
للنجاح فيها بما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟ حل هذا الإشكال هو التفريق بين الدنيا والحياة، فنحن قد أُمرنا بحب الحياة. فهذه الدنيا حياة، لكنها جزء صغير من الحياة، ثلاث دقائق كما حسبناها. مرارًا، لو عشت مائة سنة فكأنك جلست ثلاث دقائق، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية لو كانوا يعلمون. فالحقيقة والحياة الأبدية المستمرة التي هذه الدنيا جزء بسيط منها هي الحياة الآخرة. لذا نريد في هذا الامتحان والاختبار الدنيوي
أن ننجح حتى ننال رضا الله وثواب الله وجنة الله في هذه خالدين فيها أبداً ويصبح الموت بين الجنة والنار ويقول يا أهل الجنة خلود لا موت بعده ويا أهل النار خلود لا موت بعده ولكن معبر الدنيا هو الذي فيه الثواب هو الذي فيه الاختبار هو الذي فيه الامتحان هو الذي فيه التكليف فنحن نحب من الدنيا الحياة ونكره من الدنيا دناءتها وقذارتها ونكدها وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنها لو ساوت جناح بعوضة ما
سقى منها الكافر شربة ماء. إذاً فهي، أي الدنيا، شيء ليس مرغوباً فيه. وسُميت الدنيا لأنها قريبة منا ومن شهواتنا ورغباتنا، ولأنها دنيئة. أما الحياة، فأبداً، الحياة افتخر الله علينا بها فقال وجعلنا. من الماء كل شيء حي، فالله هو الحي القيوم الذي ظهر وتجلى باسمه الحي على هذه الكائنات، فأصبحت الحياة لها احترام. وفي الفقه يقول: ويجوز لك التيمم إذا كان معك ماء يحتاجه ولو حيوان محترم، يعني
بقرة ليست غانمة، لكن فيها حياة، فهي تصبح محترمة ويجب أن نحافظ عليها ونتيمم. والمياه أمامي لأن هذه المياه يحتاجها خروف أو تحتاجها معزة. إذا فالحياة ممدوحة ولكن الدنيا مذمومة، ولأن الدنيا تُطلق على هذه الفترة ما بين الميلاد إلى الوفاة فلها وجهان: وجه يمثل الحياة، ووجه يمثل الكثرة والنكد والرغبات والشهوات والدنايا. والذي أمرنا الله به أن نتمسك بالحياة فحرم علينا. الانتحار، ولو كانت الدنيا بمعنى
الحياة فقط، وأن الدنيا ذميمة، فالحياة ذميمة، لَأَمَرَنا بأن يقتل أحدنا نفسه وأمرنا بالانتحار، لكنه لم يفعل، بل رغّب فينا الحياة لأنها من عنده جليلة. فالنبي حل هذه المشكلة. أنا أريد أن أكون ناجحاً في الدنيا، فما هي الأعمال التي أفعلها هكذا؟ فقال فيما... فهمه عنه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين والمتحدثين والمحدثين المتصدرين "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". يقول ابن الحاج في المدخل: "فالفرق
الذي بيننا وبين الجيل الأول من الصحابة أنهم كانوا يحولون كل شيء من أفعالهم بالنية لله، فإذا لبس أحدهم ثوباً جميلاً غالياً نوى إظهار..." نعمة الله عليه، وأما بنعمة ربك فحدث، فيشعر أنه وهو يلبس الجميل الجليل الغالي أنه يطيع الله، وأنه يفعل هذا من أجل إظهار نعمة الله عليه. ثم يضيف إليه نية أخرى وهي أن يراه الفقير ويرى سمته، فيذهب إليه ويطلب منه حلاً لمشكلته: محتاج علاج، محتاج مال،
محتاج معونة، محتاج. شفاعة فيتحبب بالناس ويرضى الله، يرضى الله وأنت تلبس هذا الثوب. أما إذا لبسته كِبراً وبَطَراً وفخراً وتعاجباً فإنك قد ارتكبت إثماً، لأنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر. والملبس واحد إلا أنه توجه بالنية ما بين أن يكون ثواباً وما بين أن يكون عقاباً هو نفسه لبسه شخصٌ
ما. إنما الأعمال بالنيات، ينبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يمكن أن نحول كل حركاتنا وسكناتنا في هذا الكون بالنية لله. فإذا أكل المرء نوى التقوي على العبادة والتقوي على عمارة الأرض والتقوي على تزكية النفس وامتثال أمر الله فيه، حيث إنه والشرب يعني أمرنا بالأكل والشرب، قال تعالى: "وكلوا" أمره، "واشربوا" أمره، "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". إذاً الأفعال كلها التي تتعلق بالدنيا ستصبح للآخرة من
حركاتٍ وسكناتٍ، وليس الذي هو للآخرة محض العبادة، بل إنها هي الإناء الذي تضع فيه مكارم الأخلاق، "وإنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق"، فلا بد. من الصلاة ولا بد من الصيام لرمضان ولا بد من الحج لبيت الله الحرام ولو مرة في العمر ولا بد من إخراج الزكاة ولا بد من إعلان الشهادتين وكل هذا يعد إناءً لا بد منه وبدونه تذهب الأعمال وقدمنا إلى ما عملوا من عمل إذا هم عملوا أهو وقد يكون عمل لوجه الله أو الخير فجعلناه هباءً منثورًا مثل الماء بدون إناء. الماء بدون إناء يُهدر تمامًا،
ولن تستطيع الاستفادة منه. أما الذي في الإناء فتشرب منه فيروي ويذهب العطش وتستفيد منه هكذا. والذي ليس في إناء، ابحث عنه إذًا، اذهب وانظر أين هو موجود، لقد انتهى ولم يعد له إنما الأعمال بالنيات، ولما عرف العلماء المتصدرون أهميته وأنه مفتاح يكاد يكون لكل الدين، جعلوه أول حديث في كتبهم. فصدر الإمام البخاري صحيحه بحديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله". ورسوله ومن
كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، والفعل واحد: هاجر وهذا هاجر، ولكن هذا جعل الهجرة لله وهذا جعل الهجرة لمصلحة يتغياها، فأُثيب هذا وأُعطي هذا على قدر ما نوى، فادَّخر هذا ثوابه في الآخرة - بقية الحياة، الحقيقية - وضيَّع في الدنيا نعمة البصر ونعمة الصحة ونعمة الغنى ونعمة أي نعمة من النعم، هذا هو الحال. فصفات العبد كيف نجمع بين مفهوم الدنيا ومفهوم الحياة؟ الحياة هي الأساس
المستمر المطرد المحافظ عليه الذي أمرنا الله بالحفاظ عليها حتى في سورة البهيمة، ولكن الدنيا هي شهوات ورغبات نظمها الله. لنا وحد لنا حدوداً ورسم لنا خطوطاً لا نتعداها ومن يتعدى حدود الله إذاً فقد ظلم نفسه، تلك حدود الله فلا تعتدوها. سائل يسأل: كيف ندعو للمتوفى منذ زمن بعيد، أي الذي مر على وفاته عشرة أو عشرون سنة، ندعو
له وماذا نقول؟ إن فكرة أن اليوم عند الله بخمسين الأرواح التي صعدت إلى باريها كروح السيد النبي صلى الله عليه وسلم منذ ألف وأربعمائة وبضع سنين، والساعة تعادل ألفي سنة، أي يتبقى لنا ستمائة سنة حتى تكتمل ساعة، بمعنى أن النبي انتقل منذ ثلثي ساعة أو أربعين دقيقة، ولذلك فالأرواح في هذا العالم الذي تختلف قوانينه عن قوانيننا يصلهم. الدعاء لمدة عشر
أو عشرين سنة أو أربعين سنة هو شيء، لكن هذا لم يمض عليه سوى دقيقة واحدة. هذا يعني أنه واصل، أعطه دقيقة. ثلاثة وثلاثون سنة وثلث يعني أنه واصل، أعطه الدقيقة الواحدة. فهو يحتاج إلى بعض الأنوار، بعض السكينة، بعض الرحمة. يريد أن يخلق جواً معيناً، فتصل وتُهدي بثوابها ختمة، وتُهدي بثوابها الدعاء كذلك، أو ابن صالح يدعو له. ومن دعائك: "اللهم هب مثل ثواب ما فعلتُ لروح أبي وأمي وإخوتي وأخواتي وخالتي وعمي وجدي وجدتي". والله واسع، فتصل هذه الحسنات وتُوزَّع في ملفات أعمالهم. أليست هذه قاعدة؟ الآن يعني دقيقة أو نصف دقيقة فيدخل عليهم.
هدية مكتوب عليها ابنك فلان قم يدعو لك أيضاً، أي إن القضية هي دعاؤك، وستأخذ جزاءً، خاصة أن الأنبياء والأولياء لا يحبون أن يأخذوا من أحد. فعندما يصل هذا، قال: "فيرد الله إليّ روحي فأجيبه السلام". قال: "فإن وجدت خيراً حمدت الله، وإن وجدت غير ذلك استغفرت لكم"، عليه الصلاة قال: مررت فيما أخرجه البخاري على قبر موسى وهو يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر. هو كلام واضح أوضح من الواضحات أن موسى يصلي وأن النبي صلى الله عليه وسلم على حالة اتصال
دائم بقلوب ضارعة لله رب العالمين، وأنه لا يترك أمته لأنه يحبها حتى يوم القيامة يقول. قال الله سبحانه وتعالى: "يا محمد، أنا أرحم بهم منك. عندما يرون الآن بعض الضيق علينا هكذا، دعهم لي، أنا أرحم منك يا أبا محمد. أظننت أنك أرحم مني؟ أنت رحيم بأمتي، اسكت الآن، حسناً، سأفعل". وهو رحيم سبحانه وتعالى، الرحمن الرحيم. فإذا النبي... يحبنا وربنا يحبنا لأننا صنعته، فإذا آمنا به أفاض علينا من حبه سبحانه وتعالى، لأننا في نعمه
المتوالية المتتالية، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. فادعوا لمن مات قديماً أو حديثاً: اللهم اغفر له، اللهم وسع مدخله، اللهم أنزل السكينة على روحه، اللهم أدخله الجنة، اللهم شفع فيه نبينا، اللهم. باللذي تقدر عليه كما لو كان حياً، لأن الأرواح بإجماع المسلمين، بل وسائر أهل الديانات، حية لا تفنى. كل المسلمين يعتقدون في الروح أنها تبقى حتى عندما يأتي الأمر الإلهي بهلاك كل شيء، فإن
الروح من الأشياء التي تبقى. يسأل فيقول: هل صحيح أن الإمام الغزالي وأن الأشاعرة رضي... أنكر الأشاعرة رضي الله تعالى عنهم السببية وأنكروا العلاقة بين السبب والمسبب والتفاعلات بين المواد كالنار وأثرها في الحرق. ولكن لماذا سموها سبباً ومسبباً إذا كانوا ينكرونها؟ لم ينكروها وإنما شرحوها. فانظر إلى الكلمة التي لا يفهمها الشخص، فيقول عدساً أو بطاطس. هناك سبب وهناك مسبب: السكين تقطع بها اللحم أو تشوي بها اللحم فيكون هناك سبب، الماء عندما
تشربه يحدث الارتواء ولا يحدث التهاب في الحلق أبداً، إنه يحدث فتشعر هكذا بأن العِشرة ما هي، وما العلاقة بين السبب والمسبب؟ هل هي علاقة ذاتية؟ ذاتية تعني ماذا؟ تعني تعمل بنفسها؟ قال: لا، تعمل بنفسها. قال: حسناً، يع- الذاتي هو الله فقط، الفاعل الذاتي هو الله. فأنت تريد ذلك كأنك تقول بتعدد الآلهة، فيصبح النار إله، والماء
إله، والهواء إله، والنمو إله، وأي شيء في أي شيء إله. لماذا؟ لأنها تؤثر بذاتها. إذاً إذا قلنا بذاتها يقتضي تعدد الآلهة. وما هو ثلث القرآن وما هو عمود الإسلام؟ قل أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. عمود الإسلام هكذا هو. كيف تدخل الإسلام؟ عندما تقول أشهد أن لا إله إلا الله، فهذا يعني أن النار ليست إلهاً، ولا المياه إلهاً، ولا الشجر إلهاً، ولا البقر إلهاً، ولا الحمق
إلهاً، ولا أي شيء. هذا معنى الله أخذ باله كيف جعلنا أيدينا هكذا هو واحد أحد فرد صمد، أمر أوضح من الواضحات وأجلى من البينات. فقال له: حسناً، أيضاً أريد فقط أن أشكك قليلاً في الكلام، أريد أن أفهم العلاقة بين السبب والمسبب هذه، أليست هي الذات؟ قلت له: لا، ليست الذات. قال لي: حسناً، دعها لتقولوا أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، ها لن نزعجكم. حسناً، نريد أن نقول إنها بالطبع التي خلقها الله. فيه بالطبع تقبيل. توكلنا
على الله. تبادل القُبَل، هيا يكون بالطبع. طبيعة المياه تحدث هكذا، طبيعة النار، طبيعة وهكذا. قلنا له ماذا تعني بالطبع؟ أيضاً نحن في بلدنا لا ماذا تقصد بالطبع؟ أليس من الأفضل أن يكون قد رفع تحديداً ووضع بالطبع؟ هي قلنا له: ماذا تقصد بالطبع؟ قال: أي أنها لا تتخلف أبداً، فكل نار تحرق، وكل مياه تروي، وكل هواء يفعل... لا أعرف ماذا، وهكذا لا تتخلف أبداً. قلنا له: والله لا يا أخي، فهي أحياناً سبيلُ أمرِ اللهِ "يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم" فكانت برداً وسلاماً على إبراهيم. وحضرتك هكذا ستنكر هذه المعجزات؟
أول خطوة لإنكار المعجزات إذا كانت العلاقة بين السبب والمسبب علاقة طبيعية لا تتخلف أبداً، يؤدي إلى إنكار المعجزات وهو مرفوض. يبقى الأمر الأول يؤدي إلى ماذا؟ إلى الشرك، والثاني إلى أي شيء، ليس إلى الشرك ولا أي شيء، هذا يؤدي إلى نفي المعجزات أيضاً ونحن نرفضها. انظروا كيف فكر الأشاعرة إلى أي مدى، لأنهم سادة المسلمين ولأنهم حافظوا على ما تركه لنا النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ولكن بمصطلحات وأساليب ترد على
الفلاسفة والحكماء والمفكرين وغير ذلك العلاقة بين السبب والمسبب لا تتخلف عادةً. ما رأيكم؟ قلنا له: هذا هو الكلام الصحيح. موافقون؟ إذن لا تعمل بذاتها، لا، لأنه سيؤدي بها إلى الشرك. لا تتخلف أبداً؟ لا، لأنه سيؤدي بها إلى إنكار المعجزات. إذن ماذا ستقولون؟ نعم، لا تتخلف، لكنها "عادةً". ماذا تعني "عادةً"؟ أي أنك تضع يدك فتُلسع، ونأتي بامرأة فتضع يدها فتُلسع، ونأتي
بطفل صغير فنقول ربما الكبار فقط هم الذين يُلسعون، فيُلسع. نأتي بشخص غير مسلم فيُلسع، مصري يُلسع، ماليزي يُلسع، إندونيسي يُلسع، الجميع يُلسع. فهذا يعني أنه لا يتخلف. حسناً، هو لا يتخلف، لقد قال "لا"، لكن مرة تخلف في سيدنا إبراهيم تخلّفت، فماذا نقول؟ لا نقول أبداً هذه، وإنما نقول عادةً. فإذاً، العلاقة بين السبب والمسبب إما أن تعمل بذاتها فلا، أو لا تتخلف أبداً فلا، أو لا تتخلف عادةً وهو كلام الأشاعرة رضي الله تعالى عنهم. سنأتي الآن ونريد أن نلعب، فيقول لك: حسناً، لا بأس. هل العلاقة التي بين السبب والمسبب
حتمية أم ضرورية أم دائمة؟ أتنتبه جيداً: حتمية أم ضرورية أم دائمة؟ قلت له أيضاً: اعرف الكلمات التي ترتبها بجانب بعضها، لأن كلمة "حتمية" غير موجودة في الكتاب والسنة، وأنا لا أستطيع أن أقبل منك شيئاً إلا بعد أن أفهمه. دعني أفهم أولاً معنى ماذا تقصد بالحتمية؟ قال لي: يعني أنها تعمل بذاتها. فقلت له: يا أخي، هذا غير ممكن. فقال لي: حسناً، هي ضرورية. فسألته: ماذا تقصد بالضرورية؟ قال: يعني لا تتخلف أبداً. فقلت له: يا أخي، يا أخي، هذا لن يصلح.
"لا تتخلف أبداً" و"تعمل بذاتها" أمر غير ممكن، ولن يصلح معه. هذا الشخص قال لي: "حسناً، أنت دائماً"، فقلت له: "دائماً على سبيل العادة، فلا أحد يخدعني الآن. فكلمة (دائماً) تكون على سبيل العادة، وليس على سبيل الطبع ولا الأبد ولا الذات ولا هذا الكلام"، لما يترتب على ذلك من مخالفة لعقيدة المسلمين أن الله أرسل الرسل وأجرى على... هذه من معجزات التي على مثلها آمن الناس، وأن الله الذي خلق قوانين العالم وسننه قادر على إيقافها بـ"كن فيكون". إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. ومثال ذلك
إسراء نبينا صلى الله عليه وسلم ومعراجه، الرحلة من مكة إلى القدس، كونها تستغرق ثانية لا يمكن أن ما هذا الأمر الذي تطلبه بسرعة فائقة هكذا؟ قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك. نقل العرش من اليمن إلى فلسطين في رمشة عين. هذا ممكن، أما المعراج فذهب فيه النبي إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى. ما الثقوب
السوداء هل هي منتهى العالم أم مبتدأ خلاف بين المفكرين والفلكيين والفيزيائيين هي منتهى أم مبتدأ يعني أنا عندما أعبر الثقب الأسود فهل أذهب إلى عالم آخر فهي منتهى أم هي مبتدأ شيء آخر فلو تأملت القرآن يقول لك سدرة المنتهى فهل كان أحد في العرب أو في العجم وليس هناك أي شخص يعرف المنتهى والمبتدى. نحن نقرأه فقط "سدرة المنتهى" ثم يأتون ليتجادلوا وهم لا علاقة لهم بالقرآن. هذا المكان الذي تحدث فيه
العجائب بقوانين أخرى خارجة عن القوانين الكونية المربعة: الطول والعرض والعمق والزمن عند أينشتاين. هذا خارج عن هذه القصة، أهو مبتدى أم منتهى؟ بحث، طب ما رأيك أنني أقول لك وأنا لا أفهم شيئاً، هذا منتهى، لماذا؟ لأن ربنا قال سدرة المنتهى ولم يقل سدرة المبتدأ، ويعني يا أخي لو كان قال سدرة المبتدأ كنتم فهمتم شيئاً، والله ما كنتم فاهمين شيئاً أيضاً. نبي مقيم القرآن، هذا نبي مقيم في... وسطنا جالس يُجيب علينا، والغافل غافل، والذي ليس غافلاً ليس بغافل. فكيف
انتقل النبي من بيت المقدس إلى هنا إذا كان بينهما مليارات السنين الضوئية؟ بـ"كن فيكون"، لأن النبي لو تحول نوراً وضوءاً ما انتقل، لكان انتقل في مليارات السنين، لكن الله قال له: "كن في السماء الأولى" فكان. في السماء الثانية فكان كن في السماء السابعة فكان، وهل هناك أحد رأى؟ لا. إذن ما فائدة هذه المعجزة؟ تثبيت قلب النبي. وفي هذه الليلة عرف أنه سيد الكائنات. هذه هي فائدة الإسراء والمعراج. لكن أنا لم أر. لقد رأيت أشياء كثيرة غير ذلك، رأيت الحصى وهو يسبح، ورأيت الماء. وهو يسقي
الجيش ورأيت الطعام الذي يسقي به الجيش ورأيت الدعاء المستجاب ورأيت حنين الجذع ورأيت الإبل وهي تشكو له ورأيت الشجر وهو يسجد له. لقد رأيت أشياء كثيرة ورأيت القمر وهو ينشق ورأيت أشياء كثيرة. أنت لا، لكن هذا أخي الذي رأى، ها هو رأى أخوك وسمعت القرآن ورأيت من كل مكان وعلى مثل هذا آمن البشر بالنبي عليه الصلاة والسلام. رُوي عنه ألف معجزة. عندما جمع الشيخ النبهاني رضي الله تعالى عنه المعجزات، عدّ ألفاً وزيادة، من ضمنها الأمور التي نذكرها هذه، ومن ضمنها قصة عين
قتادة عندما سقطت عينه، فوضعها النبي مكانها وانتهى الأمر. فكانت أفضل عينيه، أي أن حدة البصر فيها تعادل ستة على ستة، والعين الأخرى ستة على تسعة، وهكذا، شيء غريب، أشياء غريبة عجيبة. نعم، هذا الذي يعني أن الله أوقف الأسباب، فمن الأسباب أن يد النبي تعمل في العين هكذا، فتُجرى فيها عملية جراحية لوصل ما انقطع من الشرايين وما والله هذا ليس هو المعتاد، ولكن المعجزة أمر خارق للاعتياد يأتي
على سبيل التحدي. فالغزالي والأشاعرة لم ينكروا السببية، إنما فسروها. انظر الفرق بين الإنكار وبين التفسير. هو عليه إذن يقول إلا أنها تعمل بذاتها أو تعمل أبداً أو تعمل كذا، وإلا يغضب مني. اتركني أعيش حياتي، نحن نقول. هكذا ومع هذا التصور اتسق الكلام عقلًا ونقلًا وذوقًا. هذه هي الحكاية، فهل هناك شيء والله؟ حسنًا، لنمضِ من غير عدد، توكلنا على الله. طيب، هل يجوز وأنا حائض أن أمسك السبحة؟ ماذا ستمسكين إذن؟ هي السبحة، سواء كنتِ حائضًا أم لا، فهذا شأنها
هكذا، لأن المؤمن كان يذكر الله أي سواء أكان صلى الله عليه وسلم جنباً يعلمنا، أو كان على غير هذا، يذكر الله على كل حال قياماً وقعوداً وعلى جنبه، وهو طاهر مطهر دائماً وأبداً، أو كان جنباً. نعم، هل يجوز أن أمسك بالمصحف حتى أسمع لابني القرآن؟ أمسكي الهاتف ولا تمسكي المصحف الورقي هذا. الهاتف الذي عليه لأنه هذه فوتونات والفوتونات هذه لا تأخذ في اللمس عند الأربعة حكمة المصحف الورقي. لم أزر
أبي المتوفى منذ أكثر من عام لبُعد المكان. كان علي زين العابدين السجاد رضي الله تعالى عنه يقول: القرب والبعد في القلب، القرب والبعد في القلب لا في المكان، يعني وأنت... بعيداً عنه، اقرأ له الفاتحة، ادعُ له، هَبْ له الثواب إلى آخره، لكن مسألة الزيارة هذه، الزيارة تتم بهذه الأشياء التي تصل إليها. هل يجوز لي أن آخذ قرضاً وأنا في الديار الفرنسية من أجل سكن؟ نعم، العقار في الدول غير المسلمة حلال على ما كان
من اتفاق. لماذا؟ لأن كل العقود الفاسدة حلال مع غير المسلمين في بلاد غير المسلمين ما داموا أقروها عندهم. يقول السرخسي: لأنها ليست محلاً لقيام أحكام الإسلام فيها. هل فرنسا تريد تطبيق الإسلام؟ لا تريد، حسناً. ماذا نريد؟ لديهم نظام، فنتماشى مع هذا النظام. العقد فاسد، نأخذ العقد الفاسد ونتعامل به، فقلنا الحنفية عندهم دليل قالوا إن ربا العباس في مكة وقد أسلم يوم بدر، فإن النبي ظل يتركه إلى الفتح، فلما تحولت مكة إلى دار إسلام قال: "ألا إن ربا
الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول ما أضع ربا العباس عمي". يعني أنه كان يعلم أن العباس كان يعمل في الربا وتركه في الربا من سنة اثنتين إلى أن افتُتِح، لا أعرف، سنة ثمانية، ستُّ سنوات وهو يعمل في الربا. لماذا؟ لأنها دار غير المسلمين، ونظام غير المسلمين هكذا. لا يوجد دليل ثانٍ. قالوا لنا إن هناك ثمانية أدلة. الدليل الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم صارع رُكانة على ثلث ماله. كان ركانداواد مصارعاً رومانياً لدى المشركين، وفي أحد الأيام حينما كان قادماً، أراد المشركون أن يؤذوا النبي، فقالوا
له: "انتبه إلى ذلك الرجل الموجود هناك، اذهب إليه، إنه يُدعى محمداً، وتشاجر معه وعاركه واضربه ضرباً مبرحاً". فقال لهم: "حسناً، سأفعل". فذهب وقال للنبي: "يا رسول الله، يا محمد، أتصارعني؟" فالنبي... فهمها ركانة أنه لا أحد يستطيع هزيمته أبداً. هؤلاء الأولاد الذين يتبعون ذلك المصارع الروماني، تجده هكذا ضخماً مثل الباب. فقال له النبي: "على ثلث مالك يا ركانة"، فقال له: "وهو كذلك"، يعني سأضربك وبعد ذلك لن تأخذ شيئاً، وسآخذ أنا الجائزة التي للمشركين. فالنبي عليه الصلاة والسلام... أمسكوه وعطروه هكذا، لفوه في الهواء وذهبوا نحونا، فقالوا:
"لا، لقد أخذتني مرتين". قال له: "على ثلث مالك يا ركانة". لو رأيت ذكاءه، ثلث المال مقابل أن يصرعه ثلاث مرات. فقام ركانة، والنبي عليه الصلاة والسلام قام بتلك الحركة ذاتها وطرحه أرضاً، فقالوا له: "لقد أخذتني مرتين أيضاً، حسناً". أخي قال له مع ثلث مالك الأخير. قالوا: طيب يا جماعة الأحناف، طيب ألا يُعتبر هذا قماراً؟ ماذا سأفعل معك؟ هل سنقيم مباراة على مالك وعلى ثلث مالك؟ ألا يُعتبر هذا قماراً؟ ولكنه مع ذلك جاز مع المشرك في وقت الآية في مكان دار غير
المسلمين، فكل... العقود الفاسدة لأن دار غير المسلمين ليست محلاً لإقامة الإسلام فيها. عملوا أيضاً هكذا، هو في المرة الثالثة وهو ملقى على الأرض قال له: "اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله". قال له: "ولك مالك يا راكب"، لم يأخذ منه شيئاً، لكن هذا العقد هذا كرم من ثانية لكن العقد يفهم منه الحنفية أنه جائز لهذا السبب، كذلك مناحبة أبي بكر، مناحبة أبي بكر التي هي المراهنة التي أجراها مع المشركين في قضية غلبة الروم "في أدنى
الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين"، البضع من ثلاثة إلى تسعة، فقال لهم بعد ثلاث سنوات بالضبط ستغلب الروم علينا. المراهنة هي المناحبة، وهي نفسها المراهنة. هل هذه المراهنة حلال أم حرام؟ هي حرام وعقد فاسد. فقال: أراهنكم على عشر من الإبل بعد ثلاث سنوات ستغلب الروم. وذهب إلى النبي، فقال له: زِد في الرهان وزِد في المدة، فإن البضع هو ما بين الثلاثة إلى التسعة. لماذا ثلاثة، اجعلهم تسعة، واجعلها على مائة من الإبل لأنه ليس من الممكن أن تتجاوز
البضع. فرجع إليهم أبو بكر وقال لهم: "ما رأيكم لو نجعلها مائة ولمدة تسع سنين؟" قالوا له: "أحسن، طبعاً أحسن". فوافقوا. فأخذ الحنفية من هذا أن هذه المصالحة جائزة ما دامت في دار الكفار مع غير أصبحوا يريدون الأدلة بهذا الشكل، وماذا بعد؟ ما الذي بالطبع لا يقرؤه الناس؟ ماذا أفعل إذن؟ فهذا حرام، وهذا عامل... حسناً، ليرحل إذن! فلماذا هو ذاهب إلى فرنسا؟ يضرب به الأرض! ضاقت بما خلاص! فليتخذ الأحكام الفقهية السارية ولا يقفز مثل الفول في النار لأنه ليس هو. أفهم شيئاً أو لأنه تابع للإخوان المجرمين، هل استماع القرآن مثل قراءته له
ثواب، وكل حاسة لها بكل حرف عشر حسنات؟ السمع له حاسة، واللسان له حاسة، والعين أيضاً في القراءة من المصحف لها حاسة، وكل ذلك مُثاب عليه. هل يمكن أن أصلي بآية واحدة كما يقول الشافعي أو ببعض يقول ماذا أو بعض ماذا؟ يعني يمكن أن تأخذ لك سطراً أو سطرين من آية من سورة من آيات الدين وتقولها. كان عندنا شخص في الماضي كان اسمه حب الرومان، وحب الرومان هذا كان يصلي حوالي مائة ركعة في الضحى، فكان يقرأ الفاتحة ويقول "مدهامتان" الله أكبر بهذا الشكل. صحيح؟ هو الشافعي كان يقرأ
أشياء غريبة جداً هكذا "إنّا أعطيناك الكوثر، الله أكبر، فصلِّ لربك وانحر، الله أكبر، إن شانئك هو الأبتر". وهذه هي الميت ركعة التي هي ماذا؟ ركعتان حتى ينتهي. وكان وجهه أحمر هكذا، هو كله فسموه حب الرمان. أجل، هل حرام أننا لا نسجد لا، السجود سنة، والنبي فعل الأمرين: سجد وترك السجود حتى يعلمنا أنها ليست فريضة. هل الشرع يعطي الزوج الحق في عدم إبلاغ الزوجة عند زواجه بامرأة أخرى؟ ليس من شروط الزواج أن يخبر زوجته بمن تزوج ومن طلق وأمور مثل ذلك، ولكن هناك ما يسمى بمكارم
الأخلاق. ومكارم الأخلاق هذه عالية، وضدها يعني سوءها أن يذهب ويتزوج ثم يُخفي ويفعل ما لا أعرفه ويلتف ويدور، كل هذا يكون ضد مكارم الأخلاق. اللهم اغفر لنا ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر غيوبنا واهدنا إلى أحسن الطريق. اللهم علمنا الأدب معك. اللهم يا ربنا نور قلوبنا واستجب دعاءنا وآتنا. في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وعلمنا العلم النافع ولا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا غائباً إلا رددته ولا مديوناً إلا سددت عنه يا أرحم الراحمين ارحمنا ويا غياث المستغيثين أغثنا وصلِّ
اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم