محاضرات في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض | الأولى | أ.د علي جمعة | بتاريخ 2009 - 10 - 4

محاضرات في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض | الأولى | أ.د علي جمعة | بتاريخ 2009 - 10 - 4 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى, سيدنا محمد
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. مادتُكم هذه "السيرةُ" على صاحبها أفضلُ الصلاةِ وأتمُ التحيةِ عليه الصلاةُ والسلامُ. والسيرةُ وموضوعُها حياةُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وآله وسلم، ألَّفَ فيها كثيرٌ جداً وقسَّموها أقساماً كثيرةً جداً ومن مداخلَ مختلفةٍ، فرأينا... ابن إسحاق يؤلف في السيرة سرداً متتابعاً، أي يذكر ما حدث قبل المولد الشريف من إرهاصات. والإرهاصات تعني التنبؤات أو الأمور المهيئة
للخبر، شيء من هذا القبيل. الإرهاصات تعني أنه حدثت أشياء تجعل المرء يقول: هل هناك شيء ما؟ هل سيحدث شيء ما؟ هذه هي الإرهاصات، أي أحداث لاحظها الناس. تتساءل ما هذا الأمر؟ لا بُدَّ أن شيئاً سيحدث. فهذا الكلام هو الأحداث التي تحدث وتنبئ عن المستقبل القريب، يسمونها إرهاصات. فحدثت إرهاصات، وبدأ الناس يتحدثون عن هذه الإرهاصات، ثم جاء المولد، ثم مرحلة الطفولة، ثم وفاة والده، ثم وفاة والدته، ثم وفاة جده، ثم كفالة عمه له، وهكذا صلى الله عليه وسلم إلى البعث. فيتحدث
عن البعثة والفترة المكية ثم يدخل في الفترة المدنية ويتحدث عن الغزوات واحدة تلو الأخرى أي بترتيب زمني. وهناك قلّده ابن هشام. سيرة ابن إسحاق وصلت إلينا ناقصة، طُبعت في مجلد، وفي كل فترة يضع المحقق نقاطاً ويقول خرم في المخطوط. والخرم يعني النقص، فخرم في المخطوط يعني يوجد نقص. في المخطوط إذا هي لم تصل إلينا كاملة، والدليل أيضاً على ذلك أن ابن هشام نقل منها، وتوجد أشياء كثيرة في كتاب ابن هشام لم نجدها في المخطوطة الوحيدة الفريدة الشريدة التي ظهرت عليها سيرة ابن إسحاق. إذن الرجل هنا ليس
كاذباً، بل إن الرجل هنا نقل مما ضاع فيما ضاع، وبعد ذلك جاء. الواقدي ألف المغازي، وجاء ابن هشام وألف السيرة، وهي أول سيرة كاملة وصلت إلينا، فاعتنى الناس بها. كل هذه أمور زمنية، وكان كل واحد يأتي من العلماء الكبار يحاول أن يؤلف شيئاً في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي تتبع ما هنالك من أمره وشأنه، لأن أمره وشأنه. خطير، ففيه يتم التشريع والسيرة كالحديث. ما الفرق بين السيرة
والحديث؟ الحديث يصل إليك الكلام فقط، لكن السيرة تشرح لك المواقف التي كان يقف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأحداث المختلفة. في الحديث تسمع "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة". الإيمان هكذا، لكن في السيرة ترى شيئاً أنه ذهب إلى ابن التيهان في بيته هو وعمر، فخرج فوجد عمر ووجد أبا بكر، فقال: "ما أخرجكما في هذه الساعة؟" قال: "أخرجنا الذي أخرجك يا رسول الله"، وهو كان قد خرج يبحث عن شيء يأكله، قال: "إذاً فهيا بنا إلى". ابن التيهان وكان في ضواحٍ وكان يسكن في ضواحي المدينة فذهبوا
إليه فلم يجدوه فقالوا لزوجته انظري ماذا يرسم لكِ، يرسم قصة. ذهبوا هم أولاً، خرج الأول وخرج الثاني وخرج الثالث، وبعد ذلك ذهبوا للرجل الذي لديه طعام. يبدو أن ابن التيهان هذا من أغنياء المسلمين، وبعد ذلك قالت زوجته: ذهب. يستعذب لنا ماءه، ذهب ليحضر لنا مياهاً صحية. والله هؤلاء أغنياء فعلاً. أنت تفهمني، أي أنه ذاهب لأنهم غير راضين بالشرب من البئر التي بجانب الفيلا الخاصة بهم في ضواحي المدينة. هذا ذاهب ليستعذب لنا ماءً ويحضر لنا ماذا؟ كرتونة مياه. قال لهم: طيب، السلام عليكم. قالت لهم: لا، هذا يخرب بيتي. لو علم أن سيدنا جاء
ومضى هكذا فهذا غير مناسب، تعالوا اجلسوا في حديقة البيت حتى يأتي. انظر، إنه يرسم لك أشياء تستطيع أن تستنبط منها أموراً. هذا يُعتبر السيرة التي تبين لك المواقف، والحديث ينقل لك معلومات محدودة، لكن هذا يوضح لك كيف كانت العلاقات. كيف خرج فوجد أصحابه قد ذهبوا. للصحابة الثاني ومطارٌ في المدينة، فذهبوا معاً يتحدثون، وبعد ذلك وصلوا إلى بيت ابن التيهان فلم يجدوه فيه. "هل نرجع؟" "لا، لا ترجعوا". فقرروا أنهم سيستقبلون الناس الغرباء في الحديقة، حتى يأتي الرجل. فلما جاء ابن التيهان، أحضر لهم عذقاً من البلح، إذ صعد على النخلة، أما السيدة... ألا تستطيع أن تصعد على
النخلة وتقطع لهم عذقاً من البلح ليأكلوا؟ والبلح كان الشيء الأساسي حينئذ في المدينة، وبلح المدينة حلوٌ، وما زال حلواً إلى يومنا هذا ببركة سيدنا رسول الله. كل هذا إلى أن ذبح لهم شاة، وريثما تُشوى. فهو يرسم لك أشياء والمياه العذبة. التي آتية طبعاً سيقدم لسيدنا منها ثم يشرب، فيكونوا قد شربوا مياهاً باردة ونظيفة، وأكلوا لحمه، وأكلوا بلحاً حلواً من الدرجة الأولى، أي من بلح المدينة، وقد استضافهم ابن التيهان، وبهذا الشكل يمكنك أن تستخلص
منها معاني كثيرة جداً: كيف كانت علاقتهم، وكيف كانوا يعيشون، ومن الذي كان يسكن بجوار المسجد، ومن الذي كان يسكن بعيداً، وهو ابن الطيهان هذا كان يحضر الصلاة كل مرة، يعني تفكر هكذا هذا بعيد، هذا لابد أن عنده شيء ما. هل كانت هناك مساجد أخرى؟ عندما تدخل في السيرة وتقف تفكر، ستظهر لك أشياء كثيرة وتتضح لك معلومات كثيرة. نعم، كانت هناك مساجد كثيرة، هناك مسجد القبلتين والمسجد الذي عند... الخندق وفي المسجد الذي في قباء وفي المسجد وكلها مساجد عامرة يُصلَّى فيها، فإذا لم يكن كل الصحابة يصلون في مسجد واحد، فقد كانوا يصلون في مساجد أحيائهم. ثم يأتيك حديث معاذ أنه كان يصلي مع رسول الله ثم يعود إلى أهله فيصلي بهم. إذن هم لم يصلوا مع رسول الله. الله وتتصحح عندك مفاهيم كثيرة وتغتسل لك أمور
كثيرة يؤخذ منها في النهاية أحكام شرعية ويؤخذ منها طريقة حياة وتجد أن طريقة الحياة هذه التي تؤخذ من السيرة أوسع حتى من طريقة حياتنا نحن الآن يعني نحن نضيقها قليلاً على أنفسنا مع الخطأ الذي نحن سائرون فيه فهذا يعطيك ساعةً وأنت في الدعوة تدعو الناس إلى أن حياتهم أوسع قليلاً من حياتنا. نحن ننظر في الكتاب ونريد أن نطبقه، لكن الأمر كان أكبر من ذلك، لأن ما في الكتاب هو واحد من عشرات الأمثلة الموجودة، وتوجد أمثلة أخرى. لماذا تضيّق على خلق الله؟ أنت لست صاحب الإسلام، صاحب الإسلام هو... الله، أنت ناقل
علم، ناقل تنقل الإسلام، فيجب عليك أن تنقل عن علم وليس عن جهل. فمن ضمن الناس الذين ألّفوا في السيرة سيدنا القاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي، وسبتة هذه مدينة في الأندلس. كان أهله يسكنون في الأندلس قديماً، وقبل ذلك كانوا يسكنون في فاس، وابن محمد يقول وقبل ذلك. كنا ساكنين في الأندلس، يعني كأنهم كانوا في الأندلس وانتقلوا إلى فاس، ورجع صاحبنا يعيش في الأندلس ثانية التي هي موطن أجداده. تتلمذ على أناس أقوياء جداً لأنه دخل
الأندلس بعد سنة خمسمائة وهو مولود سنة أربعمائة وستة وسبعين هجرية، يعني من الناس الذين أدركهم أبو بكر بن العربي. صاحب التفسير الكبير في تسعين مجلداً أبو بكر بن العربي، عندما ألَّف التفسير الكبير اختصروه في كتاب "أحكام القرآن". أحكام القرآن يقع في أربعة مجلدات مطبوعة. عياد هذا يُعَدُّ تلميذاً من ضمن الذين أدركهم أبو الوليد بن رشد، وهو علامة كبير في الفلسفة وفي غير الفلسفة وغير ذلك. يعني علامة كبيرة وهو نفسه ألّف أشياء كثيرة
وهو القاضي عياض، ومن ضمن ما ألّف وأبدع وأبقى ما ألّف كتاب الشفا الذي هو الكتاب الذي بين أيديكم هذا، وهو يُعرّف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، يعني المصطفى له حقوق في رقابنا، هو تكلم هنا عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما الطريقة الثانية غير طريقة السرد الزمني فعملهم أقسام