مراد الله من الخلق | المبشرات | حـ 6 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات المبشرات، الحلقة السادسة، برنامج اليومي مع فضيلة الإمام الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك، أهلاً وسهلاً. بك يا مولانا كنا في نهاية الحلقة الماضية، الحلقة الخامسة. يا مولانا كانت فضيلتك قد قلت لنا أن ننظر للتاريخ من منظور متكامل، وضربت لنا مثال أبي نعيم الأصفهاني وأبي الفرج الأصفهاني. كنا نريد أن نصل يا مولانا إلى سؤال حلقة اليوم، وهو أسباب أو الأساسيات والأسس للشريعة الإسلامية التي وتعمير الأرض وتزكية النفس وعلاقة ذلك بالبشر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه بشرى لنا معشر الإسلام أن ربنا سبحانه وتعالى قد أمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر قد أمرنا بالإيمان
ونهانا عن الكفر قد أمرنا بالتزكية ونهانا عن الدنس أمرنا ربنا سبحانه وتعالى أمرنا بالمقدس ونهانا عن المدنس في كل شيء، فهذه بشرى لأن هذا هو الذي يتفق مع فطرة الإنسان. فلما رأينا دين الإسلام قد اتفق مع فطرة الإنسان عرفنا أن هذه بشرى من الله، حيث إنه لم يكلفنا إلا بما يتفق مع الفطرة، ولم يكلفنا بما لا نطيق، لا يكلفنا إلا بالجمال والحلاوة. فعندما يأمرنا بالإيمان
فهذه بشرى. الحمد لله الذي جعل ديننا يجعلنا من المؤمنين لا من الملحدين ولا من الكافرين. ربنا يقول: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". ولذلك كانت العبادة والعلاقة بين الإنسان وربه أساساً من أسس الدين. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وفي تفسير هذا كيف تعدل سورة سدس القرآن، أي أنها تعدل المحاور الثلاثة الأساسية التي نزل عليها القرآن. "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، هذا أول أساس وهو العبادة. الأساس الثاني العمارة،
يقول ربنا: "إني جاعل في الأرض خليفة"، فهو خليفة الله. في أرضه من أجل أن يُعَمِّرها بالأمر، يقول ربنا سبحانه وتعالى: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها"، وكلمة "استعمركم" تعني طلب منكم عمارة الأرض، أن تُعَمِّروها. جميل! فطلب العمارة أساس من أسس الاستخلاف، هو أمرنا بأن نُعَمِّر فيها، ونهانا عن الإفساد والفساد "ولا تعثوا في الأرض مفسدين". جميل! عمارة فنستطيع. أن نقول إنه أمرنا بالتعمير ونهانا عن التدمير،
أمرنا بالتعمير ونهانا عن التدمير. جميل التعمير والتدمير، نعم، ما هذا يعني؟ ولذلك سُمي الإنسان بنيان الرب، بنيان الرب، هذا فيما أخرجه أبو الشيخ الأصفهاني أنه "ولا تهدم بنيان الرب"، يعني لا تقتل، جميل، لأن هذا الجسم الله هو الذي خلقه. هذا الله الذي خلقه، والله الذي خلقه مثل ماذا؟ مثل العمارة هكذا، مثل البنيان. ولذلك ممنوع أن تفسد في الأرض وذلك بالقتل. جميل، واتلُ عليهم نبأ ابنيْ آدم بالحق إذ قرّبا قرباناً فتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتقبَّل من الآخر. وقصّ لنا قصة القتل الأول الذي تجرأ فيه
الإنسان على... أن يقتل أخاه، قال الله وجعلها مصيبة من المصائب وكبيرة من الكبائر، وحمّل قابيل كل دم يجري بعد ذلك على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من اتبعها إلى يوم القيامة"، "فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً". التزكية. قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. جميل، إذاً، قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى. التزكية هي تزكية النفس، وهذا أمر جميل. تزكية النفس تعني "تزكى"، أي طلب أن يزكي نفسه بأن يطهرها، لا
بأن يمدحها. "ولا تزكوا أنفسكم" بمعنى لا تمدحوا أنفسكم، لكن هنا "قد أفلح من طهرها جميل وبذلك تكون هذه الثلاثة هي أسس القرآن وبذلك تكون سورة "قل هو الله أحد" ثلث القرآن وهي التوحيد أو عبادة الإله الذي هو تنظيم العلاقة بين العبد وبين ربه. أما الرب فقد وصف نفسه بأسمائه الحسنى "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" وصف نفسه بحيث إنك تعلم من تعبد وأمرك بأن تعبده وبين لك كيف تعبده فتكلم عن الطهارة وتكلم عن الصلاة وتكلم عن الزكاة وتكلم عن الصيام وتكلم عن الحج وتكلم عن الذكر وتكلم عن الدعاء وتكلم عن النذر وتكلم عن الكفارات التي يؤديها الإنسان حتى يكفر عن ذنبه
تكلم عن العبادة وتكلم عن الأيمان وتكلم عن النظر إلى كل العبادة بالتفصيل التي تكلم عنها ربنا سبحانه وتعالى جميل، وقد حرر الإنسان من الشرك ونهاه عنه بكل صوره الظاهرة والباطنة، حتى الرياء حرره منه والنفاق وسوء الأخلاق، وكل ذلك من العبادة. تكلم عن العمارة وكيف تُعمَر فأمر ونهى، وتكلم عن التزكية فتحدث عن التخلية من كل قبيح إذا أصبح الأمر واضحاً: عبادة وعمارة وتزكية، فهذه بشرى لنا، لأن كل ذلك من ناحية العبادة في علاقة الإنسان مع ربه،
ومن ناحية العمارة في علاقة الإنسان مع كونه، ومن ناحية التزكية في علاقة الإنسان مع نفسه، وجعل القواعد والأسس والمبادئ والمناهج والأوامر والنواهي والضوابط ضابطة لكل هذا، أمر. موافق لفطرة البشر، وهنا تأتي البشارة جميلة بأن أمرني بعلاقة بيني وبينه توافق الفطرة، وأن أمرني بعلاقة بيني وبين الكون توافق الفطرة، وأن أمرني بعلاقة بيني وبين نفسي توافق الفطرة. بشرى أن هذه العلاقات الثلاثة هي العلاقات الواقعية، فالإنسان يرى بينه وبين نفسه، بينه وبين كونه، بينه. وبين ربه بشرى أن
هذه هي الإجابة على الأسئلة الفلسفية الكبرى التي شغلت البشر. عندما نذهب لدراسة الفلسفة ونتعلم كيف يعظمون الفلاسفة والمفكرين، وأنه لا يوجد ما هو أبعد من ذلك، ونسأل الفلاسفة والمفكرين ما هي مشكلاتكم، يقولون: والله لدينا مشكلة كبرى تسمى مشكلة الإنسان، ومشكلة كبرى تسمى مشكلة الأكوان، ومشكلة ثالثة تسمى مشكلة الرحمن الإله والكون والإنسان وأن هذه ثلاث مشاكل كبرى يجب على الفيلسوف أن يضع حلاً لها. سبحان الله، والحل موجود عندنا في الإسلام. حسناً، الحل موجود عندي، فالحمد لله رب العالمين. إذن أنا فيلسوف حقيقي. فيلسوف لم ينتبهوا إلى هذه النقطة. يقولون لك إنه لا يوجد فلاسفة عند العرب
لا يوجد فلاسفة عند المسلمين، إذ لا يوجد فلاسفة في العصر الحديث في عصر الفلسفة. ماذا تريدون من هذه الفلسفة؟ هي عبارة عن تفكير في مشكلات، فما هي مشكلاتكم؟ الإله والأكوان والعالم - سموه العالم، حسناً - والإنسان، حسناً. وهناك ثلاث مشكلات أخرى، ما هي؟ قالوا: طريقة التفكير المسماة بالمنطق، الخير والشر أو الحق والباطل وقضية الجمال، وبهذه الثلاثة مع تلك الثلاثة يتكون المذهب الفلسفي. نقول لهم: حسناً، لدي منطق أستطيع أن أضعه أمامكم، لدي قواعد
للتفكير. أولاً، أقسام العقل عندي هي الوجوب والإمكان والاستحالة. حسناً، لننتقل إلى الفاصل يا مولانا لكي نكمل، هذه الثلاثة. فاصل ونعود إليكم. فابقوا معنا فاصل ثم نواصل. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم، الحلقة السادسة من برنامج المبشرات مع فضيلة الإمام الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. تفضل يا مولانا، كنا توقفنا عند الفرق بين الفلاسفة وبين الإسلام. إننا نقول إن الدين الإسلامي أجاب. عَلَى الأَسْئِلَةِ الكُبْرَى عِنْدَ الفَلَاسِفَةِ: الفَلَاسِفَةُ يَتَحَدَّثُونَ عَنِ الإِلَهِ، وَيَتَحَدَّثُونَ عَنِ العَالَمِ، وَيَتَحَدَّثُونَ عَنِ الإِنْسَانِ. نَعَمْ، الإِلَهُ تَحَدَّثَ عَنْهُ الإِسْلَامُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ مِنَ الكَلَامِ، بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى، وَبِكَيْفِيَّةِ العِبَادَةِ، وَبِالأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الجُزْئِيَّةِ الَّتِي تَرْسُمُ
العَلَاقَةَ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ. تَحَدَّثَ عَنِ العَالَمِ وَعَنْ قَضِيَّةِ التَّعْمِيرِ وَعَنْ أَنَّنَا فِي هَذَا الكَوْنِ. قد أُمرنا بالتعمير لا بالتدمير، وكيف عن طريق الأوامر والنواهي وتحديد السقف المعرفي لنا مع هذا العالم، فإننا قد حددنا علاقتنا الفلسفية مع العالم أنه حادث، أنه ليس بقديم، أنه فانٍ، أنه مطية للآخرة، أنه فيه المقدس وفيه المدنس، وهكذا. نعم، جميل. قضية ثالثة وهي قضية التزكية، علاقة... الإنسان مع نفسه: التخلية من القبيح، والتحلية بالصحيح، والتجلي بكل الأسرار والأنوار التي من الله على فطرة الإنسان بها. إذاً، هذه القضايا لنا فيها كلام
في منطقة الحق أو الخير والجمال، وأيضاً لنا فيها كلام واسع وبكل تفاصيله جميل. يقول أصحاب الفلسفة إنك إذا أجبت على هذه الستة تصبح... المذهب الفلسفي يكون مذهباً فلسفياً إذا أجاب على بعض الأسئلة وترك بعضها لأنك لا تريد الخوض فيها أو لأنك لا تعتني بها أو همّشتها، فيصبح اتجاهاً فلسفياً. هذا هو الفرق بين الاتجاه الفلسفي والمذهب الفلسفي. فالمذهب الفلسفي يكون قد أجاب عن الأسئلة الستة، بينما الاتجاه الفلسفي يكون قد أجاب عن بعضها وترك بعضها، نحن أحضرناها عنها كلها يمكنني أن أكوّن مذهباً فلسفياً، أي مذهب فلسفي إسلامي. مذهبي أصله قادم من عقلي لكن مذهبك هذا قادم من الوحي. قلت له: لا، أنا عندي قراءتان، أنا أقرأ "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وأقرأ
"وربك". الأكرم الذي علّم بالقلم، جميل الوحي والوجود معاً. أنت معك الوجود فقط وجلست تلعب فيه، لكنني عندي الوحي والوجود معاً. الرحمن علّم القرآن، خلق الإنسان، علّمه البيان. جميل إذن أنا معي وحي ومعي وجود. هذا الوحي من عالم الأمر، وهذا الوجود من عالم الخلق. ألا له الخلق والأمر تبارك. الله رب العالمين، فأنا معه في الإسلام لما أمرني بالعبادة والعمارة والتزكية وما إلى آخره. أنا أعرف أين تسكن هذه الأشياء، وهذه بشرى جميلة. بشرى في أي شيء؟ بشرى أنها توافق العلم،
توافق ترتيبات ذهن البشر وهم يبحثون عن الحقيقة. فهؤلاء الفلاسفة يقولون لك: نحن نبحث عن الحقيقة، فأنا... عندما آتي لأخاطبهم أقول لهم وأنا معكم أبحث عن الحقيقة لكنني أملك وحياً يرشدني وأنتم لا تملكونه. لدي شيء أريد عرضه عليكم: ما رأيكم في العلاقة بيني وبين ربي؟ ما رأيكم في العلاقة بيني وبين نفسي؟ ما رأيكم في العلاقة بيني وبين الكون؟ ما رأيكم في كلامي حول... المنطق أو حول الجمال أو حول الأخلاق، الحق، الجمال، الخير، وهكذا. فكل هذه القضايا أنا لي فيها رأي. رأيي موافق للفطرة، رأيي أيضاً موافق لترتيب الباحثين عن الحق. جميل، إذاً أنا في بشرى جميلة. كنت فضيلتك قلت لنا ونحن خارجون من
الفاصل أن هناك شيئاً يسمى في العقل المدرك والممكن أو الإدراك والإمكان، وإلا فأقسام حكم العقل لا محالة هي الوجوب ثم الاستحالة ثم الجواز ثالث الأقسام، فافهم مُنحت لذة الأفهام جميل. يعني هذا الشيخ من الذي يقول هكذا؟ الشيخ الدردير في الخريدة الخاصة بالتوحيد التي كان الأطفال يحفظونها مثل الأغاني في وقتنا الحاضر. صحيح، العقل لدينا ثلاثة أقسام في أحكامه إما أن تكون الأشياء واجبة الوجود مثل الله سبحانه وتعالى، أو تكون مستحيلة الوجود مثل اجتماع النقيضين، أو تكون ممكنة الوجود مثل الخلق. فالله قادر على أن يخلق وقادر على ألا يخلق، وبإمكانه أن يهدي من يشاء وأن يُضل من يشاء. هذه الإمكانية
تتعلق بالوجود والعدم، فالشيء قد يكون واجب الوجود وقد يكون مستحيل الوجود وقد يكون ممكن الوجود عقلي يفهم هكذا بشكل صحيح، فهذا جميل. إذن، ها هو الكلام موجود في الكون، موجود في الوجود والأشياء. أنتخب على هذه الأمور الثلاثة، نعم، وفي علل الأشياء وهكذا. وقد بُنيت على هذه الأمور علوم عديدة، فبُني على ذلك علم الكلام، وبُني على ذلك علم المنطق، وبُنيت على ذلك الحكمة العالية والمتعالية تبحث عن الوجود والعدم بنى المسلمون علوماً من هذا ولم يقصروا أنفسهم على شيء واحد ولا كذلك فتحوا نسقاً مفتوحاً، دخلوا الهند فألّف البيروني "تحقيق ما للهند من مقولة مرذولة في العقل أو ممدوحة أو ممدوحة في العقل أو مرذولة" لكي يوازن مع تحقيق ما للهند من مقولة، دخل ودرس. سمع
ولخص وفهم وعرض وقوّى وقال هذا ممدوح وذاك مرذول. جميل. دخلنا بالوحي الإلهي بالوحي الإلهي ويأخذ هذا مسموح به نقبله، وذاك مرذول لا نريده. دخلنا على أرسطو في الأرغانون الكبير وترجمناه وأخذنا المنطق الخاص به، ورأينا أنه مقسم إلى تسعة أقسام فحذفنا منه وأضفنا إليه دلالات الألفاظ. والموجهات وقدَّمنا وأخَّرنا وأخذنا منه الخلاصة التي يتفق معها ضبط تفكير البشر ورفضنا الباقي، نعم وجعلناه آلة الخطأ. الخطأ. الخطأ. ونسبة المنطق للجنان كنسبة النحو إلى اللسان. جميل! عملنا علم النحو لكي يضبط اللسان
ونعرف الفعل من المفعول والمرفوع من المنصوب، وعملنا علم المنطق ولم ننفِ أنه قادم من أرسطو لكي نجعله آلة قانونية تضبط مراعاتها الذهن عن الخطأ. جميل! وقال هذا الكلام في بيت من السُّلَّم ونسبته المنطقية. للمنطق بالنسبة للتفكير كنسبة النحو إلى اللسان، فهو جميل، إذ إن هذا يضبط الفكر وذاك يضبط المفاصل. نعم، وعندما أتى شخص واطلع على كلام أرسطو الواسع في الأرجانون، قال: "ما هذا الكلام الفارغ؟ هذا كلام فارغ، إنه كلام مخالف للواقع، نعم وفيه خيالات كثيرة". فذهب وقال: "إنه حرام أن نفعل فقالوا له: "لا، انتبه، الحرام هو الكلام الفارغ الذي تتحدث عنه، لكن الثاني هذا وابن الصلاح والنووي حرّموه، وقال غيرهم يجب
أن يعلمهم". والقولة الصحيحة الشهيرة أو الشهيرة الصحيحة: "جوازه لكامل القريحة موافق السنة والكتاب ليهتدي به إلى الصواب". يعني انظر هؤلاء العلماء، لم يحرموه، أنا أخذت من هنا. أخذوه الثانية عندما اطّلعت على مشكلات فيه وصوريته وإغراقه في هذه الصورية ومنعه للبحث العلمي ومنهاجه، قال هذا حرام. قالوا له: لا، كلمة حرام ستُغلق كل شيء وسترمي كل شيء. لا، لن نرمي كل شيء. القولة الشهيرة الصحيحة: جوازه لكامل القريحة، للذكي الذي لن يأخذ الشيء بسذاجة هكذا، موافقاً للسنة
ليهتدي بها إلى الصواب، يعني إذا وضعتُ معياراً لي وهو السنة والكتاب، أخذتُ وزدتُ، أعني قدّمتُ وأخّرتُ وأضفتُ بما يوافق اللغة العربية، وجعلتُ هناك منطقاً فعلياً يُهتدى به إلى الصواب، وهو المتفق عليه بين العقلاء، بحيث لا نصل إلى الشغب ولا إلى الصورية ولا إلى هذا الكلام. بشرى أن ينتج الإسلام العقل المنفتح، ينتج الإسلام العقلية العلمية وينفي العقلية الخرافية. ومن ضمن العقلية الخرافية أن تنكر الغيب، لأن الغيب هذا واقع لكنني لا أدركه. هناك ملائكة وجن، فإنكارك للملائكة وللجن ولكل غيب بدعوى العقلية العلمية، وهو ما حدث بعد ذلك عندما اقتصروا على مصدر واحد.
من مصادر المعرفة وهو الوجود، عندما أنكروا ذلك فقد وقعوا من حيث لا يدرون في العقلية الخرافية. نعم، أنكروا أشياء موجودة وإن كانت من الشيء فبعيني مثلاً، نعم، فهذا ليس عقلاً، لا، هذا في جملة علمية. هذه الجملة العلمية قد يكون مردها إلى الحس، وقد يكون مردها إلى العقل. قد يكون مردُّها إلى علوم أخرى مثل الرياضيات، وقد يكون مردُّها إلى الشرع، وقد يكون مردُّها إلى النقل مثل علوم اللغة. إذاً، الجملة المفيدة ليست من جنس واحد، بل بعضها مردُّه إلى العقل، وبعضها مردُّه إلى النقل، وبعضها مردُّه إلى الحس، وبعضها مردُّه إلى الشرع، وبعضها مردُّه إلى... وهكذا. جميلٌ، فهذا دينٌ لم
يُضيِّق عليَّ كما ضيَّق العلمُ التجريبيُّ على أهله بأن جعلهم ينكرون غير المحسوس. هذه مصيبةٌ سوداء. صحيح، فلماذا يُنكِر المرءُ معقولاً كثيراً ويُهدِر نقلاً كثيراً، ويُهدِر تجربةً إنسانيةً واسعةً منقولة؟ ولذلك فالحمدُ لله الذي جعلنا مسلمين، والحمدُ لله الذي جعلنا ننتمي إلى هذه الحضارة، والحمدُ لله. الحمد لله الذي بشرنا بكل هذا، الحمد لله رب العالمين، وبهذا الحمد لله سبحانه وتعالى أن جعلنا مسلمين ومؤمنين ومنتمين لهذه الحضارة، نختم هذه الحلقة السادسة ونواصل إن شاء الله في الحلقات القادمة مع مولانا الدكتور علي جمعة، نواصل الحديث عن المبشرات وعن سنن الله مثل سنة التدافع في. الكون ثم نتحدث عن صفات الموعودين
بنص الله سبحانه وتعالى إن شاء الله. إلى لقاء في الحلقات القادمة، نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.