مصر أرض الصالحين | سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه ج2 | حـ #2 | أ.د علي جمعة | 14-04-2021

ندعو لمصر وأهلها بما وصفها به عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فنقول: اللهم اجعلهم أكرم الناس وأسمحهم يداً وأفضلهم عنصراً وأقربهم رحماً بالعرب وبقريش، ومن أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها ويزهر ربيعها وتُكسى بالنوار
أشجارها وتغني أطيارها. اللهم. آمين. نستكمل مع حضراتكم اليوم قصة وسيرة سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه، سيد شباب أهل الجنة كما أطلق عليه ووصفه المصطفى صلى الله عليه وسلم. سنتوقف اليوم عند محنة كربلاء، ماذا حدث فيها وما الذي أدى إلى استشهاد سيدنا الحسين، وكيف وصلت الرأس الشريف إلى مستقرها هنا. على أرض
مصر كل هذا في مصر أرض الصالحين، كعبة مصر زاد مجداً بالسيد بن البتول، ركن هذا المقام حاز فخاراً بالإمام الحسين سبط الرسول. سيدنا الحسين أحبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حباً جماً، فأنزله منزلة رائقة فائقة حتى قال فيه: "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من..." أحب حسيناً. مرحباً
بحضراتكم مشاهدينا الكرام، وهذه السيرة الطيبة والعطرة لسيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه. ونستكمل هذه المسيرة مع فضيلة العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. السلام عليكم مولانا. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم. فالدكتور اليوم نتحدث عن سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه الأب والزوج. كيف كان في بيته مع زوجاته ومع أولاده، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. ينبغي علينا - ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينبئ بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة - أن ندرك أن الحسين مات في
عز فتوته وأن الحسن. كذلك مات في عز فتوته، فالحسين كما ذكرنا أنه من مواليد سنة أربعة، ولما يكون الاستشهاد الشريف في سنة ستين يبقى إذًا عنده ستة وخمسون سنة لم يتعدها، فهو في عز القدرة على العطاء. وحتى نتخيل من هو سيدنا الحسين، كان أيضًا كريمًا، والكرم الحقيقة هو الخلق الذي ينبثق منه. مجموعة كبيرة من الأخلاق منها الهدوء النفسي ومنها الحب ومنها الرحمة. كان مرة هو وأخوه الحسن فوجدا أعرابياً كبيراً في
السن، وبعد ذلك هذا الأعرابي لا يعرف كيف يتوضأ، يقول: فاستخف بوضوئه، يعني قصَّر، يعني الأعرابي. فذهبا إليه هما الاثنان وقالا له: "يا أخا العرب إنا ما زلنا صغاراً ونريد أن" نتوضأ فترى إذا ما كنا أحسنا الوضوء، هنا الأدب، حتى في التعليم متأدبين، يعني في بلاد الناس طبعاً، يعني متعبين. فتوضأ أمامه، فالرجل أدرك أن هذا هو الذي فهمها، فيقول لهم: "جزاكم الله خيراً علمتماني"، يعني أنتم علمتموني، لست أنا الذي سأعلمكم. عندما جاء سيدنا الحسن وقال له. سأترك
الأمر درءاً للفتنة وما إلى ذلك، فقال له: "أتعصى علي وتطيع معاوية؟" فقال له: "أراك تخالفني في كل شيء". قال: "والله لا أخالفك في شيء، أنا معك. حسناً، أنا جندي، هذا يمين يمين، شمال شمال". نعم، كربلاء يعني الدافع وراء خروج سيدنا الحسين رغم التحذيرات التي أتته من أنه قد تحدث خيانة أو يحدث تراجع من أهل الكوفة وكان ذلك في المقدمات، ولكن لماذا أثّر وهل كان ما ورد عنه أنه كان هناك من يشاوره أو كان يأخذ رأي أحد، أو ربما كانت هناك إمكانية للتراجع عن الذهاب إلى الكوفة؟ لا، سيدنا الحسين كان حكيماً. لكن حدثت خيانة يعني هو من ناحية المعلومات أو من ناحية كذا، لا، هو اتخذ الإجراءات التي يتخذها أي سياسي في العالم. فأول
هذا أنه لم يبادر، هو كان في المدينة، وهو في المدينة جاء والي المدينة وقال له: "البيعة منك أنت بالذات"، لأنه كان يزيد قال له: "دع..." انتبه للحسين وانتبه لعبد الله بن عمر وانتبه للناس الذين هم الصحابة، يجب التشديد عليهم في البيعة. فقال له: لا، هذه الصيغة ليست مناسبة. ما هو المناسب؟ المناسب أن أكلمك الآن في الدائرة هكذا وأقول لك: بايعت. ليست هذه هي البيعة. ولا هي هذه فلسفة البيعة. البيعة هذه لا بد أن تكون أمام الناس، فوعده غداً، بعد غد، وهكذا إلى آخره. فشعر سيدنا الحسين بشيء
من الخيانة في هذا المقام، فذهب إلى مكة وجلس فيها معتزلاً. أخذت رسائل الكوفة تأتيه: تعال إلينا، نحن شيعتك، نحن أتباعك، نحن محبوك، نحن... فلم يصدقهم. أيضاً يعني بدورهم التحوط وجمع المعلومات والأمور المقدمات والمعلومات هذه وإدراك الواقع، فبعث لهم مسلم بن عقيل. عقيل هذا هو ابن أبي طالب الذي هو أخو علي، فعقيل يكون عم سيدنا الحسين. فذهب ابن عقيل إلى الكوفة فوجدهم جاهزين، وجدهم كلهم على كلمة واحدة، حتى أنه بايعه ثلاثون. ألفا من أهل الكوفة باسم الحسين، ولكن يا مولانا لما قُتل مسلم بن عقيل على يد عبيد الله بن زياد والي
الكوفة وقتها، وجاءت هذه الأنباء بعد أن خرج سيدنا الحسين، وهو في الطريق علم أن ابن عقيل قد قُتل، وعلم أن يزيد موجود في كل مكان. واحد من السفاحين عبيد الله بن زياد وكذا إلى آخره، وعبيد الله بن زياد بالرغم من أنه سفاح كبير إلا أنه عندما حوصر الحسين، وبعد ذلك لأن الناس انصرفت لأنهم ساروا على طرفين عندما علموا أن ابن عقيل قُتل، قالوا له: "نرى أن نذهب"، فقال لهم: "حسناً، أنا لن أفرض". عليكم حاجة، الذي يريد أن يذهب فليذهب، والذي يريد أن يأتي فليأتِ. فلم يبقَ معه إلا أهل بيته وبعض أصحابه، ورجع كثير من الناس الذين كانوا خارجين معه. هذه هي الخبطة الأولى. الخبطة الثانية: ابن عقيل قُتِل.
الخبطة الثالثة: أنه عندما وصل وجد الثلاثين ألفاً قد خدعهم عبيد الله بن زياد. وأخذهم عنده خيانة في خيانة في خيانة، يعني هذا الكلام ضد المتوقع وضد العهود التي أُخذت عليهم وأخذوها عليهم. نعم، أستأذن فضيلتك بعد الفاصل لنرى ما الذي حدث في الكوفة وتحديداً في كربلاء وكيف كان الاستشهاد الشريف لسيدنا الحسين رضي الله عنه. إنه طمأنينة
للقلب، فالسماء صافية وأسراب الحمام. المغرد في كل مكان حول قبته سيدنا النبي، قال: "جعل الحسين مني وأنا من الحسين، أحب الله من أحب حسيناً". سيدنا الحسين سيد شباب أهل الجنة، وقد حمى الله سبحانه وتعالى مصر بوجود آل البيت. على أعتاب ساحة مسجد الحسين رضي الله عنه وأرضاه، تجد في الجهة المقابلة مآذن الجامع الأزهر. الشريف شامخة شاهقة وما بين ضروب المسجدين تجد الحواري والشوارع والأزقة التي تحمل بين طياتها عبق التاريخ فتجد متحفا فنيا فريدا من نوعه ليس له مثيل في سحره الأسطوري وجماله التراثي يمر بين أركانه
التاريخ ويحفر طابعه الفريد على معماره والمباني القديمة تحمل ملامح الزمن ويمتزج تغريد أسراب الحمام بدقدقة النحاس أما عن روحك فتأثرها حكايات الزمان داخل شارع المعز وخان الخليلي. أرحب بحضراتكم مرة أخرى وأجدد الترحيب بفضيلة العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. دكتور، أهلاً بحضرتك مرة أخرى، أهلاً وسهلاً بكم. دكتور، الآن يعني سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه على وشك الاستشهاد ونحن نقرأ في التاريخ فيما... حدث في كربلاء يكاد المرء يجن. كيف للإنسان أن يقدم على هذا العمل البشع؟ فهل كان سهلاً على زياد وعبيد الله بن زياد وغيرهم من القتلة أن يمثلوا بجسد
سيدنا الحسين الشريف؟ بعض الأعراب الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا". أسلموا وانضموا إلى المسلمين في الظاهر لكن قلوبهم كما هي، لا في الأخلاق ولا في التربية، وليس فيهم أيضًا أي نوع من أنواع التهذيب. عقولهم فيها غباوة وعناد، وكان على رأس هؤلاء من كتب الله عليه هذه الجريمة مع فريق الإجرام الذي كان معه وهو شمر بن ذي الجوشن. شمر بن ذي الجوشن هذا رجل ليس له حسب ولا نسب ولا غير ذلك إلى آخره. وعندما استشعر الحسين عليه السلام بأن هؤلاء تركوه في الطريق، والرجل
مسلم مات بن عقيل، والثالث هذا هو الذي كان موجوداً عندنا في الكوفة من الشيعة الذين كانوا ثلاثين ألفاً والذين باعوا بن عقيل باسم الحسين. تركوني وحدي، فأرسلت إلى عبيد الله بن زياد أن يدعني أذهب إلى مكة، فاقتنع عبيد الله بن زياد، وبالرغم من اقتناعه إلا أن شمراً الذي كان جالساً بجانبه أجرى الله على لسانه السوء، فأقنع عبيد الله بن زياد بأنك لو تركته لا رجع ولا حدثت فتن وليس هو ليس سيترك هذا الأمر ولا تدعوه يمضي إلا أن تذله أو تقتله. في هذا الوقت أرسل يزيد
إلى عبيد الله أنكم إذا لم تقتلوه فلتجري الخيل بسنابكها على صدره. لا إله إلا الله، يعني في انتقام وفي غل، وهذا الغل له تاريخ. ففوجئ سيدنا الحسين بهؤلاء القوم يتكاثرون عليه كان. سيدنا الحسين عندما يأتي لينظر إليهم هكذا يفرون من شدة فروسيته المهيبة ومن شدة ما أوقع الله في قلوب هؤلاء القتلة المجرمين استباحة أهل البيت. وقد كان سيدنا الحسين معه أربعون رجلاً ومعه سيدات ومعه أطفال، وكان واثقاً جداً
في بيعة مسلم بن عقيل، وكان واثقاً جداً في الشيعة الذين شيعوه بالنساء وبالأطفال، عبد الله بن عباس قال له: "فإذا ذهبت وكان لا بد، فلا تأخذ لا نساء ولا أطفالاً". صحيح قدَّر الله ذلك لنا لكي نتبين أن الله قادر على كل شيء، وأنه فعَّال لما يريد، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي أبقى أهل البيت، لا هذا في يد. النبي ليس في يد أحد ولا في يد أهل البيت أنفسهم، لأنه كان قادراً أن يمحو هذا النسل من الوجود ولكنه أكثر منه. فصدق الله، ربنا يصدق نفسه: "إنا أعطيناك الكوثر"، يصدق نفسه أن "شانئك هو الأبتر". فبالفعل لا نعرف من هو شانئه هذا، لكن نعرف
سيدنا محمداً ونعرف أهل بيته. الكرام فهجموا عليه وظلوا يقاتلون يوماً واحداً فقط وقطع رأسه بعد مقتله الشريف أيضاً شمر بن ذي الجوشن هذا وحمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد وعبيد الله بن زياد يعني أيضاً كان يريد التشفي لأن هذا زياد بن أبيه الذي استلحقه معاوية بن أبي سفيان وبعدين عبيد الله حمل الرأس الشريفة ودفن الجسد في كربلاء وهو عليه مزار الآن، وقيل أنه نُقل بعد ذلك إلى البقيع، وذهبت الرأس إلى دمشق حيث مقر يزيد بن معاوية. وُضعت في صندوق من خشب الأبنوس وغير ذلك إلى
آخره، ودُفنت في مخزن السلاح. ومخزن السلاح هذا هو شيء مثل ماذا يعني؟ إنه شيء لا يمكن الوصول إليه. إليها فهي وُضِعَت في مخزن السلاح حتى لا يصل إليها أحد، أي في منطقة عسكرية، وظلت هذه الرأس الشريفة هناك إلى أن سقطت الدولة الأموية. حُمِلَت هذه الرأس إلى عسقلان، وبقيت في عسقلان كثيراً إلى أن دخلت مصر في عهد الدولة الفاطمية، وتفاهم فيها من كان يمسك الولاية حينئذ. في مصر كان رئيس الوزراء يُدعى طلائع بن زر رزيك أو زريك، أراد أن يفوز بمكرمة إحضار الرأس الشريفة إلى مصر، فبنى مسجداً عند باب زويلة.
وعندما بناه، رفض الخلفاء الفاطميون ذلك وقالوا له: "أنت الذي ستأخذ كل الاهتمام، وستحصل على الشهرة والمجد والمحبة". الناس لا، يجب أن ندفنه في قصورنا. وكانت منطقة مسجد سيدنا الحسين الحالي هذا قصرًا من قصور الفاطميين، ودفنوه فيها في حرير وفي أبنوس، وظلت الرأس الشريفة هناك. طيب، مولانا لجنة الأوقاف التي نزلت في الثمانينات في الحجرة التي فيها رأس سيدنا الحسين وتوثقت من الأمر حتى أن أحد الأئمة شاهدوا الرأس الشريف وشاهدوا الستارة الخضراء ورائحة المسك. هذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الرأس الشريف
لسيدنا الحسين موجود في مصر في مكانه المعروف. هو موجود في مصر، موجود في مصر بدون شك. وهناك أيضاً مخطوطة في المتحف البريطاني يروي فيها صاحبها. مشاهدة دخول الرأس الشريف فلا يمكن ألا تكون موجودة من الناحية الأخرى. هذه اللجنة كانت تسبقها لجنة الشيخ الرفاعي عبيد عافاه الله وأمد في عمره، وقبلها كانت لجنة أخرى حضرها الشيخ الشيمي، وكان قبلها في أواخر القرن التاسع عشر لجنة أخرى فُتحت ونزلت السرداب لما... فتحت ونزلت إلى السرداب فوجدت
كرسياً من خشب الأبنوس والرأس الشريفة موضوعة في حرير أخضر. تأكدوا من هذا وخرجوا. كانت لجنة التأمينات من مجموعة البهرة تريد أن تجدد الضريح والمقام وما إلى ذلك، فنزلوا من أجل رؤية هذا الأمر فوجدوه. بعد ذلك، في سنة ألفين وخمسة، بُني عليه قبر من الألبستر. في السرداب تحت هذا الذي رأيناه، أي أننا عندما ننزل في السرداب تحتَ، رأينا شبيهاً بالصندوق من الألبستر مبنياً، بداخله الرأس الشريف. فالرأس الشريفة موجودة، لذلك كان
مشايخنا يقولون: إذن مَن الذي يجذب كل هذه الآلاف ومئات الآلاف في مولده الشريف؟ لا بد أن يكون هناك سبب. في شيء حدث للناس جعلهم يتعلقون بقلوبهم لهذا المكان وهو الرأس الشريف بالتأكيد، وكنا نقوم برحلات ونحن شباب هكذا، نذهب إلى سيدنا الحسين وبعدها نذهب إلى بناته، ثم نذهب إلى السيدة سكينة ونذهب إلى السيدة فاطمة النبوية لأنهم هكذا إلى آخره، ومرة فعلناها وذهبنا متجهين إلى حفيدته التي هي السيدة حرية التي في السويف، طب ما تأتي يا سيدنا لنقوم بهذه الرحلة من الغد أو من اللقاء القادم إن شاء الله. سنقوم بهذه الرحلة إن شاء الله بإذن الله إن شاء الله، يعني نتتبع هذه الآثار النبوية الشريفة في البيت الكريم في مصر إن شاء الله. شاكر لفضيلتك على كل هذا. القدر من المعلومات الطيبة حول سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه، شكراً
شكراً لحضرتك وشكراً موصول لحضراتكم. إلى اللقاء. إذا أردت أن تكون مستجاب الدعاء فراعِ المكان والزمان والأشخاص والأحوال. المكان كباب الكعبة والملتزم الذي تُستجاب عنده الدعوات، ومن المجربات أن تضع خدك تحت الميزاب في حِجر إسماعيل. والزمان كليلة القدر والعشر الأوائل من ذي الحجة وثلث الليل الآخر، والأشخاص كالوالدين والصالحين والعلماء والأخ على ظهر الغيب، والأحوال كنزول المطر وكالسفر وكحالة أن
تُظلم، فاللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الأوقات والأحوال، فإنها أشياء تقربك من الله وتقربك من استجابة الدعاء.