معنى : (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) | أ.د. على جمعة

معنى : (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)  | أ.د. على جمعة - فتاوي
مع كتاب الله وفي سورة الأعراف يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾. استوى على العرش، واستوى معناها عند أهل السنة المؤولين من الأشعرية والماتريدية: استولى. واستولى لأن العرش هو أعظم مخلوقات الله من ناحية الفخامة ومن ناحية الضخامة. ومن ناحية العظمة والمكانة والمكان فهي أمور كبيرة جداً مما يجعله أكبر من السماء وأكبر من الأرض وأكبر من الجنة
وأكبر من النار وهو محيط بها كلها. وكلمة "استوى" في لغة العرب لها معانٍ كثيرة، أوصلها بعض أهل اللغة إلى خمسة عشر معنى، خمسة عشر معنى من ضمن هذه المعاني "استوى". يعني نضجت تقول استوت التفاحة استوت يعني نضجت، يعني في هذا المقام معناها هكذا، استوى الأرز يعني الأرز نضج، ومنها استوى بمعنى أنه أصبح مستويًا، مستويًا يعني متساويًا، يعني ليس
فيه انبعاج ولا عِوَج ولا اعوجاج، بل هو مستوٍ. واستوى معناها أنه طاف وعام، فلما استوى على البحر. يعني استوت السفينة على البحر يعني سارت وعامت وطافت لم تغرق إنما على سطح البحر مشت. واستوى بمعنى جلس وتمكن من جلوسه. واستوى بمعنى قهر وغلب وأخضع. ذهب
بعض الناس إلى أن استوى معناها جلس، ثم استوى على العرش، وفي "ثم استوى إلى السماء" استوى أيضاً معناها ارتفع وعلا ومن. ضمن الخمسة عشر معنى، إنما نحن معنا هنا "استوى على" بصيغة "فعلى". هذه تصلح مع "جلس" وتصلح مع "قهر" و"أخضع" و"استولى". "استولى على العرش" ماذا تعني؟ تعني تحكم فيه قهراً. "استولى"... شاعر يقول، الأخطل: "لقد استوى بشر على العراق"، "استوى بشر
على العراق" يعني استولى عليها من غير سيفٍ جاء. هو بهيبته هكذا وبجيشه دخل العراق واستولى عليها دون سيف ودون حرمة أو دم مُراق، ودون أن يريق دماء. إنما أي استيلاء؟ استيلاء أبيض وليس أحمر. الأبيض يعني دون دماء، والأحمر يعني فيه دماء تصل إلى الركب. لقد استولى بشر على العراق دون سيف أو. دمٌ مُهراقٌ "استوى" أي بمعنى "استولى"، فقال بعضهم: "استوى" بمعنى "جلس"، لماذا؟ اعتماداً على حديثٍ موضوع،
حديثٍ ضد حديث. عندما يأتي قومٌ يُخيفون العلماء قليلاً هكذا، ألا يكون من الأفضل أن يكون سيدنا قالها؟ فلنقف حتى نتأكد هل قال هكذا؟ إذا كان قد قال فخلاص، وإذا كان لم يقل فلا نرجع. للغة ولأصول الدين والعقل وكل شيء، لكنه قال هكذا، قال إن العرش إذا جلس الله عليه سُمع له أطيط صوت، يعني حديث موضوع غير صحيح. هذا الحديث غير صحيح لأن الله ليس جسماً حتى عندما يجلس على العرش - حاشا لله - ونسمع له صوت صرير أو
أزيز هكذا، سبحان الله. حاشا لله، لا يصح أن يكون الله جسماً، والله تعالى ليس له ثقل أو ما شابه. عندما تتأمل في هذا الحديث الموضوع تجده ظاهر البطلان تماماً، ولذلك غضب ابن عساكر عندما وصله هذا الحديث، فقام بتأليف كتاب أسماه "بيان التخليط في حديث القطيط"، ألّف الكتاب واسمه "بيان التخليط في..." حديث ضعيف يعني هذا كلام تافه وسخيف وسمج، فهو ليس حديث سيدنا. سيدنا كان أفصح العرب وكان كلامه عليه نور، فعندما يأتي شخص ويفتري عليه ويقول "قال رسول الله" ويأتي لنا بحديث تافه هكذا، فمثل هذه الأشياء
والكلام التافه لا نسميه حديثاً، هم سموه حديثاً باعتبار... كاذبة، فما هو الكاذب؟ إنه يقول: "هذا حديث"، فنقول له: "حسناً، هذا حديث موضوع"، وهو ليس حديثاً أصلاً. أليس الموضوع يعني أنه ليس حديثاً؟ لكن درج العلماء على هذا المجاز بأنهم يسمون القول المنسوب إلى سيدنا رسول الله بأنه حديث موضوع، لكنه في حقيقته ليس حديثاً ولا شيء. هذا كلام باطل، فالكلام الباطل هذا أثّر في عقول بعض السامعين وقالوا الاستواء بمعنى الجلوس. قلنا لهم: لا، هذا لو ورد في الحديث الصحيح جلوس سنؤوله لأن الجلوس لا يشابه حال هذه الكلمة عند البشر لأن الله منزه عن الثقل ومنزه عن الجسمية
ومنزه عن التركيب ومنزه عن الابتداء والانتهاء. إذن ماذا يعني أن الربّ ربّ والعبد عبد وهناك فرق بينهما؟ هذا مستحيل! كنا نقول لمشايخنا: "يا مشايخنا، هؤلاء الناس كيف يفكرون؟" وكانت هناك ردود بسيطة لم نفهمها، ثم يقول لنا الشيخ: "إنهم لم يدرسوا في الأزهر". يعني هل كان يجب على كل المسلمين أن يدرسوا في الأزهر؟ لم يكن هذا قصده. هكذا قصده أن الأزهر علّمنا كيف نفكر من أساسه، فكان يقول لنا: انظروا يا أبناء، الخريدة تقول ماذا؟ الخريدة تقول: أقسام حكم العقل لا محالة هي الوجوب ثم الاستحالة ثم الجواز
ثالث الأقسام، فافهم مُنحت لذة الأفهام. ما هو يعني قال: عقلك قد ترتب هكذا أنه حكم العقل. إما مستحيل، وإما واجب، وإما جائز. والكلام هذا مستحيل، فيكون ربنا منزهاً عنه وانتهى الأمر. وهذه الكلمة البسيطة التي للشيخ الدردير في قصته الخريدة، لا يعرفها إخواننا. قال: لا، إنهم لا يعرفونها، فهم لا يفكرون هكذا، بل يفكرون بطريقة أخرى. يقول لك: هذا نص، وما دام هذا نصاً فيجب... نأخذه على ظاهره، وطالما نأخذه على ظاهره فإنه يعني أن الله تعالى قال هكذا. لا، بل اعكس الأمر وقل إن مقتضيات العقل
التي علمنا إياها الله والتي نفهم من خلالها الدين والدنيا والتي بها آمنا، هذه المفاتيح هي التي جعلتنا نقول إن هناك إلهاً ورسولاً وإعجازاً وكل شيء. تأبى ذلك، فعندما يقول: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل يوم في ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفر فأغفرَ له؟ هل من سائل فأعطيَه؟" بالرفع هكذا في البخاري. لا تقل لي إذن "فأغفرْ له فأعطِه" لأنك أيضاً تمشي على آراء العلماء. فقد قال لي أحدهم: "لا، فأغفرَ له". فقلت له: "ماذا تعني؟" فقال: "لا يصح". حسنًا،
ليس بالسهولة هكذا في صحيح البخاري، فالرواية "فاغفر له" التي صححها ابن مالك هي "فاغفر له" وليست "فاغفرها". الرواية الثانية نعم صحيحة لغويًا، لكن في صحيح البخاري الصحيح هو "فاغفر له". حسنًا، يعني الفاء هنا ليست للسببية بل هي للعطف. المهم، كيف ينزل ربنا؟ وينزل في الثلث الأخير من الليل في مصر، وماذا عن ليبيا؟ في الجزائر ثم بعد ذلك المغرب ثم وأمريكا سينزل أيضاً في يعني يطوف حول الكرة الأرضية، فيكون ينزل أمر ربك، ينزل ملك ربك، ينزل رحمة ربك. وما الذي يجعلك تأتي بهذا التأويل؟ استحالة حمل الكلام على ظاهره، استحالة. وكلمة "استحالة" هذه
عبارة عن ماذا؟ واحدة من الأحكام الثلاثة التي تعلمناها في ابتدائياً هي تقول: أحكامه أقسامه، حكم العقل لا محالة هي الوجوب ثم الاستحالة ثم الجواز الثالث الأقسامي، فافهم. الشيخ يقول لك ماذا؟ افهم يا أخي، فافهم، منحت لذة الإفهام، يكون عندك لذة هكذا. فالمهم أننا عندما يأتي "الرحمن على العرش استوى" أو عندما يأتي "ثم استوى". على العرش حققوها ودققوها وتتبعوا موارد الشرع الشريف وآمنوا بها ووضعوا لنا المنام، فكان يقول لنا ماذا. في الحقيقة هم لم يتعلموا في الأزهر. الله علمه في الأزهر أقسام حكم العقل، لأن الذي يتعلمها مباشرة يقول ماذا، ولذلك تجد أناساً غاضبين من
الأزهر. لماذا؟ كفى الله الشر، غاضب من... لماذا يقول لك الأزهر - والعياذ بالله - إنه أشعري؟ مع أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة! يقولون - والعياذ بالله - أن في أقسام حكم العقل... الذي ما حاله... أنت وصلت إلى هذا الحد! إذن لا يوجد خطاب معك، فأنت مجنون! تكلمنا عن قوله تعالى "ثم استوى على العرش" وقلنا أن... استوى لها معانٍ كثيرة في اللغة وأن بعضهم انصرف ذهنه خطأً على أنها بمعنى جلس وهو مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة. ولذلك عندما وضحنا لهم الأمر وأن "استوى" هنا بمعنى استولى ولا تُحمل على معنى ناضجة حاشا لله ولا معنى ارتفع
ولا معنى كذا وكذا ولا معنى جلس فإنهم تنبهوا لخطئهم ولكن عندما لم يتعلموا مراتب العلم شيئًا فشيئًا ولم يتعلموا أن أقسام حكم العقل لا محالة هي الوجوب ثم الاستحالة ثم الجواز الثالث الأقسام، فافهم مُنحت لذات الأفهام، ذابوا إلى رشدهم ولم يرجعوا عن غيّهم، وأيضًا اتضح لهم أن هذا دين الله وهذه مصيبة، فجلسوا يلفقون الكلام. تلفيقاً فيقولون هو جلس جلوساً يليق بذاته ليس كجلوس المخلوقين،
إذا أصبح الجلوس لا معنى له حيث أنه لم يعد كجلوس المخلوقين، وجلوس هو يليق بذاته وذاته لا تقبل الجلوس، فلم يعد للكلام معنى. لماذا هكذا؟ قال: لأننا لا نؤول النص، فنبقى مع النص هكذا فقط، وأيضاً حتى لا نقع. في المحظور الذي نبهتنا عنه، جزاك الله خيراً، أهل السنة لا يعرفون هذا اللف والدوران، بل يعرفون التأويل مباشرة حتى لا نقع في المحظور وحتى لا يتطرق إلى أذهان العوام ما لا يليق بجلاله سبحانه وتعالى. فأهل السنة الأشاعرة وإخوانهم الماتريدية لا يختلفون عنهم إلا في ثماني مسائل فقط. هكذا بسيطة، واحد وعشرون شيئاً بالتفصيل. لا
يضر أيضاً أهل السنة لأنها في تفاصيل التفاصيل وليست في أصول المسائل. إنما أهل السنة والجماعة على أن "استوى" هنا بمعنى قهر واستولى. ويأتي الكلام: هل هناك مخلوق يُقهر أمام الله أم أن المخلوقات ضعيفة بحيث أنها لا توصف بأنها قد قُهرت؟ نقول... منهم من يحتاج إلى القهر فيقهره ومنهم من يحتاج إلى الإكراه فيكرهه سبحانه وتعالى وهو القاهر فوق عباده، أي أن هذا العبد قد قُهر واستوى.
وفي لغة العرب معنى استوى هو استولى، فاستوى هنا نختار لها من المعاني الخمسة عشر الخاصة بها معنى استولى، فيكون الكلام صحيحاً أن الله سبحانه وتعالى بعدما خلق السماوات والأرض واستوى على العرش، والاستواء على العرش له حقيقة وهو أنه ملك الملوك. إذن لماذا سمى هذا المخلوق عرشاً؟ رمزاً لربوبيته. إن ربكم الله، إذاً فقد استوى سبحانه وتعالى على العرش.