مقدمة في أصول الفقه ونظرياته ج 2 | بتاريخ 2-10-1994م | ا.د. علي جمعة

نظرية الدلالة: كيف تدل الألفاظ سواء كانت مفردة (ألفاظ مفردة: صلاة، زكاة، وغيرها) كيف تدل على معانيها، أو سواء كانت مركبة مثل: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل"، فهذا كلام مركب، فكيف يدل على معناه؟ وبأي وسيلة تكون تلك الدلالة؟ وما هي أقسام هذه الألفاظ: خاص، عام، مطلق، مقيد، أمر؟ نهي ثم ينتقلون إلى ما هو أبعد من ذلك فيقول الأمر هذا يفيد التكرار أم يفيد المرة، يفيد الفور أم يفيد التراخي، يفيد الوجوب أم لا يفيد الوجوب، وهكذا فيتعمقون في هذا الجانب بما يمكن أن نسميه تلك المعلومات تكون نظرية متكاملة عن كيف نفهم بمعنى
نظرية الدلالة بعد ما يأتي هذا وهي نظرية الدلالة أقع في مشكلة وهو أنك أمورًا قطعية لا خلاف عليها ولا يمكن إلا أن تحدث يقينًا في قلبي وأن هناك أمورًا ظنية يقع فيها الخلاف وتختلف فيها الآراء ويأخذ بعضنا بغير ما يأخذ أخوه فتنشأ عندهم هنا نظرية متكاملة عن القطعية والظنية ويحتاجون هنا إلى الإجماع لأن الإجماع يرفع الخلاف لأن الإجماع يحول الظن إلى قطع لأن الإجماع يجعل الإنسان مطمئناً إلى فهمه أنه سائر على الطريق السوي والصراط المستقيم. هم
يتكلمون عن كيفية نقل هذا الإجماع أيضاً ويربطون بينها وبين نظريات الثبوت مرة أخرى، أي أن هذه النظريات ليست بهذا الترتيب بل بعضها أيضاً. يأخذ من بعض بالرغم أنني رتبت هذا الترتيب إلا أنني لا، كل هذه النظريات تكون شبكة في عقل المجتهد في نهاية الأمر وفي عقل الأصولي تمكنه من إصدار حكم في المسألة من إصدار وصف لفعل البشر بأحد الأحكام الخمسة التي سنتكلم عنها هذه النظرية نظرية القطعية والظنية نظرية. متكاملة، جزءٌ منها يتعلق بالدلالة، وجزءٌ منها يتعلق بالثبوت، وجزءٌ منها يتعلق بالأدلة مثل الإجماع الذي نحتاج فيه إلى تحويل
الظن إلى قطع. ومن هنا كان هذا العرض الجديد لأصول الفقه من خلال هذه النظريات، أن كل نظرية من هذه النظريات قد تأخذ مسألة أو أكثر من عدة أبواب مختلفة. لكننا لو ركزنا في ذهننا كيف فكر الأصولي الأول فإننا سنجد أنه بحث عن الحجية ثم بحث عن الثبوت ثم بحث عن الدلالة ثم بحث عن القطعية والظنية ثم بعد ذلك وجد نفسه أمام محدثات متكاثرة وأفعال كثيرة تحدث كل يوم فاضطر إلى نظرية الإلحاق التي يسميها بعضهم بالقياس والتي يسميها الظاهرية بجريان النص على أفراده والتي يسميها بعضهم بتطبيق المبدأ العام إلى آخر ما هنالك من ألفاظ مختلفة وإن كانت في حقيقتها إنما تنصب على قضية الإلحاق أنه إلحاق المسكوت
عنه بالمنصوص عليه إما على سبيل القياس الذي قال به الجمهور أو على سبيل أن هذا الحادث إنما هو فرد من أفراد ذلك المنصوص، فحينما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"، وتظهر لنا أشياء ليست من الخمر في شيء، الخمر هذا من عصير العنب، لكن يظهر الويسكي من عصير البصل، والشامبانيا من عصير التفاح، وهكذا. هذه الأشياء عندما ظهرت يتم إلحاقها. بذلك نحرم الخمر ونقول إنها حرام، ويأتي شخص آخر ليقول: لماذا تفعل ذلك؟ إنها محرمة بالنص. هي أحد أفراد هذا النص "كل مسكر خمر". وهنا انتقلت عبارة "خمر" من كونها مقابل عصير العنب عند العرب إلى كونها تعني
كل مسكر في الشرع، وعلى ذلك فهذا فرد من أفرادها وواحد منها. الثاني يقول: لا أبداً، هناك مبادئ عامة وهي أن ذهاب العقل حرام، أي شيء يُذهب العقل يكون حراماً، ولذلك سنحرّم بموجبها الحشيش والأفيون والمخدرات والخمر والويسكي وما إلى ذلك، لأنه مُذهِب للعقل. فهذا من قبيل تطبيق المبدأ العام، وهذا يقول لك إنه من قبيل فرد من أفراد النص، والثاني يقول... لا، لقد أجريت عملية قياس وهكذا، لكن في الجملة يمكن أن نسمي هذه القضية قضية أن المحدثات المستجدات في حياتنا لا بد علينا أن نفتي فيها على نمط ما أراده الله ورسوله بقضية الإلحاق، أننا نلحق الأحداث الجديدة والمستجدات الحادثة في الأحكام بما يشبهها وبما يمكن أن تلحق به. منصوصٌ عليه في الشريعة
الإسلامية. بعد ذلك عندما فكّر وجد أنه في حاجة إلى أدلة أخرى يعتمد عليها، هي نعم تعتمد على القرآن والسنة، لكن اعتماده عليها سريعاً يسهّل له القضية ويوضح له الفهم ويجعله أكثر تمكناً وأكثر دقة في إصدار الأحكام بسرعة، وهذا أمر مهم أن يكون. المفتي مستحضراً الحكم حتى لا تتعطل مصالح الناس وحتى لا تتعطل عمارة الأرض وبدقة وبسرعة وبدقة، ومن أجل ذلك أنشأوا مجموعة من الأدلة غير الأدلة الأربعة واختلفوا فيها وفي كونها هل هي أدلة مستقلة أو لا وفي كونها هل لنا حاجة إليها
أو لا وفي كونها هل هي فيها حجية. ولا لا وهذا ما أسموه هم أنفسهم بالاستدلال وأنا أسميه بنظرية الاستدلال، والألف والسين والتاء تدخل في لغة العرب للطلب، يعني طلب الدليل. استدلال يعني طلب الدلالة، طلب الدلالة من من من هذا المصدر. فنظرية الاستدلال أيضاً نظرية تكون مع أخواتها فكر الأصولي عبر التاريخ الإسلامي، ثم بعد ذلك وجد. الأصولي نفسه أنه بالرغم من أنه قد حدد الحجة وقد اطمأن إلى ثبوتها وقد فهم دلالتها وقد بيّن القطعية منها والظنية وقد عرف كيف يتم الإلحاق وعرف
كذلك كيف يقع الاستدلال إلا أنه يجد نفسه أمام تعارض بين هذه الأشياء في الحكم على ما كانت تحطم الشريعة فماذا
أن يفعل. التعارض بالترجيح وأراد أن يقوم بإدراك للواقع حتى يُوقِع الوحي عليه، وهذه كوّنت عنده نظرية الإفتاء التي استلزمت أن يبيّن أيضاً شروط الباحث أو شروط المجتهد، أو من الذي يُفتي ويجتهد. ذلك الذي يكون قادراً على إدراك الواقع، وقادراً على إدراك النص، النص والواقع، وقادراً أيضاً على إنزال ذلك النص. على الواقع وهذا هو حقيقة المجتهد، فجاءت قضية نظرية الإفتاء لتلم شعث هذه المتفرقات، فمثل النبي صلى الله عليه وسلم كمثال للتعارض الظاهري الذي قد يوقع المجتهد في حرج. يقول:
"يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحداً يطوف بهذا البيت في أي ساعة شاء من ليل أو نهار أن يصلي". لله ركعتين إذا فقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي ركعتين الطواف في أي ساعة شئنا، وهذا الأمر منطقي، فالبيت لا ينتهي من الطواف حوله أربعة وعشرين ساعة طوال السنة، وأنا آتي مكة فأجد نفسي قد وصلت إليها الواحدة مساءً، بعد الفجر، بعد العصر، بعد الظهر، أي. وقت فمن المنطقة وأنا مسافر ومجهد وطفت حول البيت أني أصلي ركعتين الطواف في أي وقت شئت من ليل أو نهار هذا منطقي، إلا أن حديثاً آخر يقول فيه الرسول عليه وسلم أنه قد نهى عن الصلاة بعد العصر إلى
غروب الشمس وبعد الفجر إلى شروق الشمس وعندما تستوي الشمس. يعني قبل الظهر بخمس دقائق وعندما تستوي الشمس في السماء، أي الحديثين آخذ به وأي الحديثين يخصص الحديث الآخر؟ هل أقول أن الإنسان له أن يصلي ركعتين في أي وقت شاء إلا هذه الأوقات التي قد استثناها رسول الله من الصلاة صلى الله عليه وسلم في موضع آخر، أو أقول؟ أن حديث بني عبد المناف هو الذي خصص حديث النهي عن الصلوات، فالنهي عن الصلوات في كل الأماكن إلا في الكعبة. يعني هل أجعل الحديث الأول
هو الذي يخصص الثاني أو الحديث الثاني هو الذي يخصص الأول؟ يعني هل أجعل التخصيص مكانياً أو زمانياً؟ حيرة يختلف فيها الآراء إذا ما... الإنسان يصرّح هكذا ويقول: لا منطقياً، نجعل الكعبة هي التي موجودة، والثاني يقول: لا، نجعل الكعبة هي المستثناة، ونجعل كلام رسول الله العام لجميع المسلمين في جميع أقطار الأرض هو الذي يشمل مكة. وتأخذ المسائل تتقلب عليك إذا لم تفكر فيها، فما هو الضابط؟ كيف نحل هذا التعارض أو... كيف نقوده؟ كيف نقود هذه الأزمة؟ كيف يتم هذا الترجيح؟ وبموجب ماذا تتم هذه الترجيحات؟ ولا
يجوز كما قلت أن أفتي فتوى بهذه الأمور ثم بعد ذلك أجد نفسي قد حطمت الدين بالكلية. فمثلاً الإمام الشافعي يتكلم عن أن العلة في الزكاة كما كانت العلة في الربا هو أن وسيط... التبادل بين الناس الذهب والفضة يعني إذا كان عندي في ملكي ذهب وفضة تجب علي الزكاة ويحرم في الذهب والفضة الربا. طيب فهم جعل حجته الكتاب والسنة وثبت عنده هذا وفهم على مقتضى قواعد الفهم هذا
وكان هذا عنده واضحاً ثم بعد ذلك جاء وقال افرض أن وسيط التبادل بين الناس ليس الذهب والفضة كما هو حالنا الآن، الورق الذي نتعامل به هكذا. قال: إذا كان هذا شأن فلا ربا فيه ولا زكاة، فلا ربا فيه ولا زكاة. لم يكن عند الإمام الشافعي تصور بأن الذهب والفضة سينتهي التعامل بهما في الأرض، كان يظن أنها عملات مساعدة أما... أن ينتهي بالكلية التعامل بالذهب والفضة كوسائط للتبادل ولا أيضًا يكون حتى مقابلًا للعملة وتعوم العملة في العالم كله وتنفصل عن قاعدة الذهب والفضة في السبعينات، هذا لم يكن يخطر ببال أحد لا الشافعي ولا غيره. فلا يأتي
فقيه شافعي الآن ويقول أنه لا زكاة علينا ولا ربا في تلك. الأموات نعم لا يقول هذا لأنه سيؤثر بذلك على الدين بالجملة بالمطلق، فيصبح لا يوجد تعاون بين الناس ولا فرائض ولا نصر للضعيف ولا خلاص، يعني الدين يتفكك هكذا، لا يجوز له ذلك، لماذا؟ لأنه قد أفتى فتوى أثرت على مقصد الشريعة بالإبطال، فماذا عليه أن يفعل؟ عليه أن يراجع نفسه ويراجع قواعده تلك ونظرياته تلك ويذهب مرة أخرى إلى النصوص ومرة أخرى إلى القواعد ومرة أخرى إلى ترتيب هذه الأصول والقواعد حتى يفتي فتوى تتسق مع المقصد حتى يزيل تعارضاً ويرجح ترجيحاً يحقق مقصد الشرع من شرعه ويحقق
مراد الله من خلقه لا أن يكر على المسائل بالبطلان هكذا، هذه شروط الإفتاء، وعليه أن يدرك الواقع في نظرية الإفتاء، وسنفصل كيف يدرك الواقع، وهنا سنفصل أيضًا إن شاء الله تعالى كيف يستفيد علم أصول الفقه من العلوم التي نشأت بعده في الغرب والشرق من العلوم التي تحاول أن تصف الواقع وأن تدرسه وأن توصفه وأن تتعامل. معه وندرس أيضًا كيف أن أصول الفقه يمكن أن يفيد تلك العلوم وما هي هذه الإفادة وكيفيتها من خلال تلك النظريات التي نراها واضحة جلية في أصول الفقه. هذه إطلالة سريعة
على علم أصول الفقه من خلال نظرياته، إلا أن كتب أصول الفقه التي سوف ترونها ليست ممنهجة على هذا. المنهج ليس مكتوباً بهذا الأسلوب بل هو مكتوبٌ على التعريف، فيتكلمون عن الأدلة ثم عن كيفية التعارض والترجيح ثم بعد ذلك عن شروط المجتهد، وكل هذه المباحث والمسائل والفوائد المبثوثة في أصول الفقه هي أيضاً في تلك النظريات، لكن بعضها آخذٌ برقاب بعض، فإذا ما خطر في بالكم قضية الحجية. فهي قضية كبيرة ينبغي عليكم أن تتأكدوا منها وأن يكون لكم مذهب فيها ورأي واضح من خلال هذا الكلام أو من خلال عروض العقول المختلفة عبر العصور في مذاهب أصول الفقه، كيفية الثبوت وموقعه، نظرية الدلالة، نظرية
الإلحاق، نظرية القطعية والظنية، نظرية الاستدلال، نظرية الإفتاء، ينبغي علينا أن ندركها كشبكة. متكاملة وليست كنظريات منفصلة بعضها عن بعض، بل هي شبكة متكاملة تُكوِّن عقلية الفقيه وتُكوِّن عقلية الأصولي وتُكوِّن في نفس الوقت عقلية المجتهد. إذا استطعنا أن نسير هكذا فنعتقد أن أصول الفقه ستحل كثيراً من مشكلاته لدى كثير من الناس، ويبقى أناس لا يستطيعون أن يفهموا شيئاً أيضاً وهذا واضح. على بعض العيون وهذا أمر لا شأن لي به، يعني اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد. شرح مقدمة أيضاً من المقدمات التي يمكن أن نصيغها نظريةً وهي قضية الحكم،
فيتكلمون عن الحكم وهو كما تذكرون هو الخبر في مسائل الفقه، الجملة المفيدة هي الأخبار، يعرّفون الحكم، تعريف الحكم خطاب. الحكم هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.
الحكم هو خطاب الله، فالله سبحانه وتعالى يخاطب البشر، لكن خطاب الله للبشر منه ما هو متعلق ومختص بأفعال المكلفين كصفة من صفات هذه الأفعال، ومنه ما هو متعلق أي مختص بغير صفات الأفعال، بالذوات مثلاً، بالصفات، بالأخبار، بأي شيء آخر. خطاب الله هو كلام الله لأن الخطاب هو توجيه الكلام، فالله سبحانه وتعالى يخاطب أو يوجه الكلام إلى البشر، فيذكر لهم أن
هناك جنة وناراً. هذا لا علاقة له بالحكم، هذا ليس حكماً شرعياً. يذكر لهم أنه قد أرسل إلى بني إسرائيل، أرسل لهم موسى، وأنه قد تربى في بيت. فرعون وذهب إلى مدين وعاد مرة أخرى فأرسل معه هارون ورحل ببني إسرائيل فتاه في الأرض أربعين سنة، كل هذه ليست من الأحكام الشرعية في شيء لأن فعلاً خطاب الله يُستفاد منه أشياء كثيرة لكنه لا يتعلق بأفعال المكلفين. الحكم الذي يتعلق بأفعال المكلفين فاكتبوه ولا تيأسوا أن تكتبوه ولا. تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ولا تمشي في الأرض مرح إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً، وهكذا هذا هو الأمر والنهي، هذا هو الحكم، خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين. بعضهم يقول بأفعال العباد، لكن الجمهور يقول بأفعال المكلفين، لأن من قال بأفعال العباد أراد أن يُدخل في خطاب الله ما تعلق
بغير المكلفين كالبهائم. نفرض أن حيواني أو بهيمتي. البهائم يُطلق على الأعجم الذي لا عقل له. عندي بقرة، هذه البقرة جاءت إلى حقل مجاور لي فأكلت زرعه وأتلفته. هذا الإتلاف للزرع أنا أضمنه، فهذا حكم الله لأنه تعلق بفعل استوجب "افعل" أو "لا تفعل". فقالوا: ولكن البهيمة ليست من المكلفين، فعلينا أن نقول بأفعال العباد لأن الضمان لفعل البهيمة. من الأحكام الشرعية الثاني قال لا، فهي لا تُخاطب بها البهيمة، إنما المخاطب بها صاحبها. وعلى ذلك فقالوا: المكلفين، والأمر سهل. المهم أن المعنى واحد، وهو أن الله سبحانه
وتعالى يخاطب البشر بخطاب متعلق بأفعال المكلفين أو متعلق بأفعال العباد، بحيث يكون هناك اقتضاء، أي طلب. معناه الطلب أو التخيير أو وضع الطلب، إما أن يكون طلب فعل أو طلب ترك، وكل واحد منهما إما أن يكون جازماً أو غير جازم، والترك أيضاً جازم أو غير جازم. وهنا سمّوا كل قسم من تلك الأقسام اسماً، وجعلوا هنا فاصلاً ما بين الاقتضاء والتخيير وما
بين كلمة الوضع. الاقتضاء والتخيير أسموها الحكم التكليفي، أما هذا فسموه الحكم الوضعي، فأصبح الحكم الشرعي نوعان: حكم تكليفي وحكم وضعي. الحكم التكليفي خمسة: أن يُطلب منك طلباً جازماً أن تفعل، أو
طلب غير جازم وهو المندوب، أو الترك الجازم وهو الحرام، أو الترك غير الجازم وهو المكروه، أو التخيير وهو. المباح خمسة: واجب، ومندوب، وحرام، ومكروه، ومباح. هذه مشهورة بقول الأحكام الخمسة التكليفية، وهي التي عادة نجدها كأخبار في كتب الفقه على أفعال الإنسان كلها، ولا يخرج فعل من فعل الإنسان عن
واحد منها. فإما أن يكون فعل الإنسان واجباً كالصلوات الخمس، أو يكون مندوباً كالسنن، كالأكل باليمين، كل العادات. تندرج تحت المكروه عند تركها كل الأمور مثل: الأكل باليمين، وذكر اسم الله، والأكل مما يليك، وهكذا. أو هي مباحة مثل: ألوان الملابس، والأكل، والشرب، والعادات، وما إلى ذلك فهو مباح. وعلى ذلك فإن
هناك في الواجب إثم لتركه وثواب لفعله، أما المندوب فلا إثم لتركه وهناك ثواب لفعله، أما الحرام فهناك إثم لفعله وثواب لتركه، والمكروه. في ثواب لتركه ولكن لا إثم لفعله، فإن فعله الإنسان لا يأثم، لكنه لو تركه لأُثيب. والمباح لا إثم فيه ولا ثواب. إذا كان لا إثم فيه ولا ثواب، فكيف يكون من التكليف؟ قالوا: ليس من التكليف. وقالوا: إذا لم يكن من التكليف، فلماذا وضعتموه في الأحكام التكليفية؟ قالوا لأنه متعلق بفعل المكلف وليس هو تكليف إلزام ما فيه مشقة، قالوا إذا كان الأمر كذلك
لماذا سميت أحكاماً تكليفية؟ هذه أربعة فقط هي للتكليف لكن الخامس ليس تكليفاً. قالوا تغليباً، يعني أسمينا هذا على قبيل التغليب، أو بالإجابة الثانية أن هذه الأحكام إنما هي منسوبة إلى المكلف. فسميت بالأحكام التكليفية. أما الحكم الوضعي فهو خمسة أيضاً على المشهور عند علماء الأصول، وإن كان بعضهم أوصلها إلى تسعة وعشرة، لكن نأخذ الخمسة المشهورة فنقول أن الحكم الوضعي هو: السبب، والشرط، والمانع، والصحة،
والفساد. ووضعي أي أن الله سبحانه وتعالى قد وضع أشياء بإزاء أشياء أخرى إذا كانت. الشمس تحت مستوى الأفق بنحو ثمانية عشر درجة، إذن الفجر يجب عليكم أن تقوموا لتصلوا الفجر، وهذا الفجر ممتد إلى أن تخرج فوق الأفق أول شعاع من أشعة الشمس، وفي الوقت ما بين وجودها تحت الدرجة ثمانية عشر إلى صعودها أعلى الأفق، هذا الوقت ينبغي علينا أن نصلي فيه صلاة. الفجر هذه علامة الشمس
علامة حركة الشمس هذه الظاهرية وهي تعبر عن حركة الأرض الحقيقية تماماً. هذه العلامة جُعِلت بإزاء وجوب الصلاة، فإن وُجِدَت وُجِدَ ذلك الوجوب، وإن لم توجد لم يوجد ذلك الوجوب. إذاً لو أذّن الفجر يعني الشمس أتت في هذا المكان وجبت الصلاة، وقبلها لم تجب. الصلاة إذا هذا هذه ما كيف نسمي تلك العلاقة بين هذه العلامة وبين هذا الفعل الصلاة فعل علامة إذا جاءت إلى درجة تسعين في القبة السماوية كان الاستواء واحد وتسعين يؤذن الظهر إذن
الظهر وجبت صلاة الظهر طيب وهي في حال تسعين لم تجب صلاة الظهر ما الذي يسمي هذه العلاقة بين الشمس وبين تلك الفعلة وهي الصلاة قالوا إن هذا يُستفاد من عدم هذه العلامة عدم وجوب الفعل، ويُستفاد من وجود العلامة وجوب الفعل. قالوا هذا نسميه السبب ونعرفه بأنه ما يلزم ومن عدمه العدم، لكن وجدوا علامات أخرى علاقتها بالأفعال مثل الوضوء بالنسبة للصلاة إذا كنت متوضئًا. ليس ضرورياً أن أصلي، ها نحن
قد أخرنا صلاة العشاء وأنا متوضئ، لكن إذا لم أكن متوضئاً فلا أستطيع أن أصلي. إذا كان هذا يُستفاد من عدمه العدم، يُستفاد من عدم الوضوء عدم الصلاة، لكن وجوده لا يُستفاد منه شيء. فقالوا هذا نسميه الشرط، والشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده شيء لا وجود ولا عدم، يبقى السبب كمواقيت الصلاة، والشرط مثل الوضوء، والمانع وجدوا أيضاً علاقة ما بين العلامة وبين الفعل. هذه العلاقة كالآتي:
أنها إذا ما وجدت امتنع الفعل ولذلك سموه مانعاً، وإذا ما لم توجد لم تؤثر شيئاً، قد يوجد الفعل وقد لا يوجد، يعني كأنها عكس الشرب، كأنها عكس الشرط، وهو ذلك مثل المانع، القرابة في الزواج. نفترض أن هناك إنسانة - في اللغة العربية "إنسان" يطلق على الرجل والمرأة - هذا مثال فقط، إنسان سيتزوج، فهذه الزيجة مُنع منها بسبب الرضاعة، يعني تبين أنها أخته في الرضاعة، هذا وجوده. ليس عدم وجوده يؤدي إلى عدم الزواج، حسناً،
ثبت بعد ذلك أن هذا الخبر كذب ولا يوجد رضاع بيني وبين هذه المرأة، قد أتزوجها وقد لا أتزوجها. لا يؤثر يعني عدم وجود رضاع بيني وبينها لا يجعلني بالضرورة وحتماً عليّ أن أتزوج هذه الفتاة، إذاً المانعية هنا معناها أنه... يلزم من وجوده العدم يعني ولا يلزم من عدمه أي شيء. وجدوا أيضاً شيئاً غريباً عجيباً وهو أن بعض الأمور التي وضعها الشارع يُلفظ أثرها ويتم تؤتي ثمارها وتستتبع غايتها. هذا كلامهم
هكذا، يقولون: الصحة استتباع الغاية، استتباع الغاية يعني أنها تؤتي ثمارها، وبعضها لا تستتبع فيها الغاية ولا تؤتي. ثمارها فسموا ما يؤتي الثمار بالصحة وسموا ما لا يؤتي الثمار بالفساد مثل العقود، عقد البيع عقد بيني وبينك. هذا العقد مؤداه أن تنتقل الملكية مني إليك في السلعة ومنك إلي في الثمن، سأبيع لك شيئًا. هذا العقد إن وقع صحيحًا مستوفيًا أركانه وشروطه وموافقًا للشرع وللعرف وبالرضا بدون إكراه. بدون
تدليس، بدون غرر، بدون مانع من الموانع، فوقع صحيحاً يستتبع غايته. وما هي غايته؟ أن ينتقل ملك السلعة إليَّ وينتقل ملك النقود إليك. وما معنى انتقال الملك إليَّ؟ جواز التصرف. آخذ هذا الشيء وآكله فيكون حلالاً لأنه ملكي، أهبه، أهديه، أتصرف فيه، أعطيه ضيافة، أنا كما أريد، أحتفظ به. أبيعه مرة أخرى، أموت فيرثني ورثتي، إلى آخر ما هنالك من التصرفات، أرهنه وآخذ رهناً عليه. أنا حر، من أين أتت هذه الحرية؟ من ملكيتي له. ومن أين أتى هذا الملك؟ من صحة العقد. فالعقد إذا وُصِفَ بالصحة بمعنى استتباع الغاية، غاية عقد البيع
هو نقل الملكية، وقد تم صحيحاً. فعليه إذاً أن يستتبع غايته أي أن ينفذ أثره، يعني يتم ويقع الأثر والثمرة التي من أجلها أُنشئ ضد الفساد. لو أنني قد أخذت هذا الشيء من غير رضا، من غير ألفاظ، من غير كذا، إذاً فالعقد الذي بيني وبينك فاسد. هذا العقد الفاسد لا ينقل الملكية ولا تصبح السلعة. في ملكي ولا يجوز لي أن أتصرف فيها ولا يصح الثمن ولا يجوز لك أن تتصرف فيه إلى آخر ما هنالك. هذه الأحكام يسمونها الأحكام الوضعية. إذاً فالأحكام التكليفية خمسة والأحكام الوضعية خمسة، والمجموع في الحكم الشرعي عشرة، خمسة
منها تكليفية وخمسة منها وضعية. إذاً هذه هي الأحكام التي يصف. بها الفقيه مسائله أفعال المكلفين لينشئ في مادته أو في فنه أو في علمه وهو علم الفقه لينشئ مسائل ذلك العلم فيقول عقد البيع إذا توفرت فيه الأركان الفلانية كان صحيحاً. أهو صحيح؟ أهذا هو الحكم؟ هذا حكم عليه بالصحة يعني حكم عليه بوجوب استتباع الغاية والصحة هنا ليست حكماً. شرعياً تكليفياً يعني لا تكلفني ولا تطلب مني أن أفعل شيئاً، بل إنها تصف فعلاً من فعل الإنسان بأنه سبب، بأنه شرط أو مانع، أو أنه صحيح أو فاسد، ولكن هناك ما سأقوله الآن، ولكن هناك أشياء ترجع إلى
الطلب والتكليف وإلزام ما فيه مشقة وهو حقيقة التكليف طلب. وما فيه مشقة وهي الأحكام التكليفية الخمسة بأن يقول لي امتنع عن هذا الفعل لزوماً أو امتنع عنه من غير لزوم أو امتنع أو افعل هذا الفعل لازم عليك تفعله أو افعل هذا الفعل ولكن يجوز لك أن تتركه أو يقول أنت مخير وأنت بالخيار بين هذا كله أمامنا نصف. ساعة يمكن أن نفتحها للأسئلة والمناقشات والمداولات ونحن
ذلك إلى آخره تفصيل للاقتضاء أو التخيير، فلماذا؟ لماذا يعني لماذا أفرده هو الإمام البيضاوي ومدرسة الرازي لا يفردونه ويقولون كما تقولين، وهذا يجعلني مسروراً جداً الآن أنك وصلت إلى مرتبة الرازي والبيضاوي من محاضرة واحدة، فهذا يعني نجاح. كبير جداً لكن الذي زاد أو الوضع هو مدرسة الآمدي وابن الحاجب والبيضاوي، عندما عرّف الحكم عرّفه إلى قوله التخيير، وقال ليس هناك حكم وضعي، فالحكم
الوضعي يؤول إلى - هو نص كلامه في المنهاج هكذا - يؤول إلى التكليفي، فالخلاف لفظي، يعني كونكم أنكم أفردتموه هو في الحقيقة لا يُفرد لأنه... يؤول إلى التكليفي كما قلت بالضبط، وهذا التفصيل أنا ذكرته للسببين حتى يتعود السامع على هذه الألفاظ، ولأن فيه في الحقيقة مزيد تشقيق يجعل هناك لدى الذهن مزيد التفات لهذه المعاني، التي إذا ما أُدمجت في المعاني الأخرى فات علينا ذلك الالتفات، فليس في التقسيم في رأيي تقسيم حقيقي. هو تقسيم حقيقي بل هو تقسيم لمزيد التركيز والاهتمام
والتوضيح والالتفات إلى هذه الأقسام التي تؤول في حقيقتها إلى الحكم التكليفي، إلا إذا كنت قرأتها في كتاب هكذا أو هكذا، وهذا يعني أنه يكون... ما أظن، أنا أعتقد أن شرحي جيد. حسنًا، لنبدأ من اليمين، هل هناك أحد يفهم شيئًا؟ حسنًا، لنعد مرة أخرى. أنا مستعد أن نعيد مرة أخرى. لا يوجد مشكلة. لم أفهم شيئًا ولا أريد أن أقترض شيئًا. حسنًا، فهمت، انتهى الأمر. حسنًا، هل فهمت؟ أخبرني، هل من بجانبك فاهم أم فاهمة؟ ماذا؟ لا، نعم، ماذا؟ يبدو أنك غير فاهم.
حسنًا، أخبرني. حسنًا، نعم، تفضل. حسنًا، ارفع صوتك، لا تخلط المقاصد. الشرع، أجل، الشرع أمر ونهى. عندما تأملوا في هذه الأوامر والنواهي بجملتها، عارفين أنه بين أيدينا الآن في كتب الفقه حوالي مليون ومائتي ألف مسألة. جملة مليون ومائتي ألف جملة، كل جملة لها حكم شرعي على فعل من أفعال الإنسان. عندما جاؤوا ليتأملوا هذا الخضم الهائل من المسائل، مليون ومائتان. ألف باب ومليون ومائتا ألف مسألة محصورة تحت فروع،
والفروع تحت مباحث، والمباحث تحت فصول، والفصول تحت أبواب، والأبواب تحت كتب. فتجد أن أبواب الفقه أربعة وستون باباً أو خمسة وستون باباً. وتجد أننا عندما نحصي الفصول يصل عددها إلى سبعمائة فصل أو شيء من هذا القبيل. وتجد عندما نذكر المسائل يصل عددها إلى حوالي ألفي مسألة. مسألة كما في مغني ابن قدامة، لكن هناك المسائل الفرعية مليون ومائتا ألف مسألة. عندما تدبروا في هذه المسائل كلها ووجدوا إلى ماذا تدعو وماذا تقصد، ولماذا؟ لماذا أرادوا أن يجيبوا عن اللفظ؟ لماذا؟ لماذا حرم الله الخمر؟ حتى لا يذهب العقل. لماذا حرم الله القتل؟ حتى لا يذهب. النفس، لماذا حرّم الله الكفر؟ حتى لا يذهب الدين. لماذا أوجب الله الوضوء؟ حتى يُقام الدين. فظلوا يتتبعون هذه المسائل بهذه الكيفية،
فوجدوا أنفسهم أنهم يصبُّون في خمسة مقاصد أساسية. والغريب أنهم تأملوا في هذه المقاصد فوجدوها أنها لا تتغير من دين لآخر، بل كل الشرائع تنزل للحفاظ على هذه. المقاصد فهي مقاصد يمكن أن نقول إنها شرعية، يمكن أن نقول إنها إنسانية، إنها كل عقلاء البشر إن كانوا عقلاء وإن كانوا يدركون مصالحهم لا بد أن يقولوا بها. هذه المقاصد الخمسة أظهرها غير واحد منهم الإمام الغزالي وكذا إلى آخره، وتكلم عنها بتوسع الإمام الشاطبي حتى نسبت إليه وهي. حفظ النفس لا بد أن أحافظ على نفسي لأنه بحفظ النفس يمكن أن أحافظ على الأشياء الأخرى، لكن لو ضاعت نفسي فليس هناك محافظة لأي درجة
من درجات، فاعتبروا حفظ النفس مقصداً من مقاصد الشريعة، ثم حفظ العقل بعد ما أحافظ على نفسي ينبغي أن أحافظ على عقلي حتى يدرك. حتى يفهم ولا بد علي بعد ذلك أن أحافظ على ديني فأصبح حفظ الدين هو المقصد الثالث والمحافظة بعضهم يعبر عن العرض والكرامة الإنسانية والشرف وبعضهم يعبر بالنسل وبعضهم يجعل هذين المقصدين مقصدين مختلفين مقصد العرض أو الكرامة الإنسانية والشرف ومقصد النسل وهو تعمير الأرض يعني ثم بعد ذلك يحافظ على المال الذي به قوى من حياة والتداول بين الناس، وأن
كل شريعة قد حافظت على هذه الخمسة، وأن كل المليون ومائتي ألف فرع فقهي بافعل ولا تفعل على سبيل الوجوب أو الندب أو الحرمة أو الكراهة أو الإباحة، إنما كلها تصب في حفظ هذه المقاصد الخمسة، فسموا هذه مقاصد الشريعة وبعضهم. أضاف قيماً لها وهي في الحقيقة ليست مقاصد إنما هي قيم موجودة في كل المقاصد مثل العدل أو مثل حقوق الإنسان أو مثل الحرية أو مثل هذه الأشياء. بعض الناس اقترحها كمقاصد للشريعة، لكن لا، هذه قيم وهذه القيم مبثوثة في تلك المقاصد كلها، ففي كل هذه المقاصد يصل. الإنسان يصل إليها بالعدل، ويصل الإنسان إليها بالحرية، ويصل الإنسان إليها بالمساواة، ويصل الإنسان إليها بالمحافظة
على كرامة الإنسان وحقوق الإنسان، ويصل الإنسان وهكذا. فهذا يمكن أن نفرق به بين المقاصد وبين القيم المبثوثة في هذه المقاصد وبين الأحكام الشرعية التي تحمي تلك المقاصد، وبذلك يتضح الحال والله أعلم بالمقال. نعم. بأسلوب معين مخصوص وهو علم ينبغي أن يكون علماً مستقلاً لأن هناك من الأحاديث ما يقدم الدفاع عن المال على النفس فيقول مثلاً: "فمن استشهد دون ماله فهو شهيد". بعضهم يقول لا، هو لم يدعُ إلى أن
أقدم نفسي على المال، إنما هو يدعو إلى الحفاظ على المال محافظة شديدة. حتى إذا ما ضعت نفسي في الطريق لا أكون أنا مخطئًا ولا أكون أنا مضيعًا لها لكن هو لم يأمرني بتضييعها في سبيل ما لكنه أمرني بتضييعها في سبيل الدين كما في شأن الجهاد فهنا ستتعارض مسألة تقديم النفس على الدين ولكن نقول إن الحقيقة أن الجهاد ليس محافظة على الدين الجهاد محافظة على الإسلام، والإسلام أكبر من الدين. الإسلام هو الذي يأمر بالحفاظ على النفس، ويأمر بالحفاظ على العقل، ويأمر بالحفاظ على الدين. فالحفاظ على الإسلام حفاظ على النفس. فهذا ليس تعارضاً بين النفس والدين، بل هو تعارض بين النفس وبين النفوس، فأنا أدافع أو أصد المعتدين
دفاعاً. عن النفس الكلية عن بيتي وأرضي ووطني وناسي وأهل ديني وكذا إلى آخره أو عن نفسي أنا أيضًا وأيضًا حتى في الخروج في الجهاد لم أؤمر بأن أقتل نفسي، أنا أُمرت أن أخرج حتى لو قُتلت. هناك فرق كبير بين أن أؤمر بأن أقتل نفسي وبين أن عادة الناس الرغبة. في السلامة فأنا وأنا خارج في الجهاد أريد أن أرجع بالنصر لا بالشهادة أصلاً هكذا ولكن لو جاءت الشهادة فبها ونعمت وسيكون لي الجنة وكذا إلى آخر ما هنالك من التشويق لكن هنا ليس هناك تعارض بين هذه الخمسة بهذا الترتيب عند التأمل لكن على كل حال هذه المساحة من مساحات المباحث الأصولية لم تُخدم بعد الخدمة الكافية لعمل
الجدول المناسب والأوزان النسبية لكل تعارضات هذه المقاصد والبحث فيها تُفضل بكون مثلاً في التصوير الحقيقي. يعني أنت تحدثت حقاً عن مشاهدة كبيرة وعشق قراءة ومعنى. فصاحب هذا أو ما هو ليس سؤالاً. يعني لو يمكن لحضرتك أن تقترح لنا أسماء كتب. تكون قريبة مناهجها من المنهج الحديث الدراسي لأنه من الممكن أن نقرأ أيضاً خلفية تساعدنا على الفهم وتساعدنا على أن تكون لدينا تساؤلات جديدة. نعم، من المراجع التي يمكن أن ترجع إليها: أصول الفقه لعبد الكريم زيدان، وأصول الفقه لحسن هيتو، وأصول الفقه
لعمر الأشقر، وهناك كتب أعلى من هذه وهي. أصول الفقه الخلاف وأصول الفقه لمحمد أبو زهرة. أريد أن أعيد ثانية، نعيد ثانية أصول الفقه لعبد الكريم زيدان، لحسن هيتو، لعمر الأشقر. بعدها وأعلى منها خلاف عبد الوهاب خلاف، محمد أبو زهرة. أعلى منها أبو النور زهير، أصول الفقه لمحمد أبو النور زهير في أربع
مجلدات، وأحسن بعد ذلك ما. لا تقرؤوا شيئاً، هل ستدخلون في الكلام مرة أخرى؟ نعم، تفضلوا. انتظروا قليلاً. بالنسبة لترتيب المقاصد عند القدماء، كيف يمكننا أن نعرف أيهم المقصد الثاني؟ إن فك التعارض لا يتم بالمقاصد، بل يتم بآليات معينة سندرسها بالتفصيل، منها أننا عندما نذهب إلى الحديثين، أول شيء نبحث عنه... فيهم بنظرية الثبوت ونرى أيُّهما أصح، فلو وجدنا الحديثين صحيحين وعلى درجة واحدة من الصحة
نرى أيُّهما مقدم على الآخر في الكلام، يعني رسول الله قال النهي الأول والنهي الثاني، فإن لم نعرف، وعادةً لا نعرف لأنه لا يُنقل إلينا هذا النوع من العلم كثيراً متى قال رسول الله هذا. الكلام في قرائن يمكن أن أتوصل إليها متى وأجيب عن السؤال، لكن في كثير من الأحيان لا يمكن. وفي الحديثين هذين لا يمكن فهمهما على درجة واحدة من الصحة، ولا أعرف المتقدم منهما، ودلالتهما متراجحة. بهذا الشكل تبدأ تدخل مسألة قرائن الأحوال: أيهما أكثر خصوصية، مكة أو بعد العصر وبعد الظهر؟ وكذا إلى آخره، فالأكثر خصوصية
هي مكة، إذ هي التي تُعطى الخصوصية، فنقدم ونجعل حديث "يا بني عبد مناف" هو المخصص لأحاديث النهي عن الصلوات في كل مكان إلا مكة. يبقى كان رسول الله في المُجمل قال: "لا تصلوا بعد العصر النافلة إلا في مكة". هذه واحدة الشافعي حلها. بطريقة أكثر تعقيداً من هذا استخدم الميكانيزم أو الآليات التي توجد لفك التعارضات، واستطاع أن يصل إلى أن يشمل الأمرين سوياً ويجمعهما مع بعض. قال: إن الصلاة المنهي عنها بعد العصر وبعد الفجر وما إلى آخره هي
الصلاة النافلة التي ليس لها سبب سابق أو مقارن لها، أما إذا ما كان لها سبب لاحق عليها أو لم يكن لها سبب فهي المقصودة بالنهي، وعلى ذلك عنده عند الإمام الشافعي جمعاً بين الروايتين أن من دخل المسجد عليه ركعتين تحية المسجد. ما سبب الركعتين؟ الدخول. الدخول سابق على الركعتين، نعم الدخول أولاً ثم الصلاة. الثانية إذاً يجوز له أن يصلي بعد. صلاة الكسوف والخسوف، إذا حدث كسوف في الشمس أو خسوف في القمر قمنا بصلاة الكسوف والخسوف شكراً لله على نعمته وتذكيراً لأنفسنا
بأن لا يقع علينا من بلاء الكون والزلازل والعواصف وحجب نعم الله عنا ما يستوجبه العصاة. هذه الصلاة تتم مع السبب المقارن لها وهو الكسوف والخسوف. شاغل وأنا أصلي فيجوز لي أن أصلي في أوقات الكراهة طيب، لكن لو كان لاحقاً عن ركعتين مثل ركعتي الاستخارة، أصلي ركعتين وبعدها أدعو الله. ما الذي جعلني أصلي ركعتين أن أقدمهما بين يدي دعاء الله؟ أو أصلي ركعتين ثم أستسقي، ما الذي جعلني أصلي الركعتين للاستسقاء وهو لاحق؟ فهذا... لا يجوز، فجعل هناك قاعدة عامة بناءً
على الميكانيزم الذي كان يسير عليه وهو أن يجمع بين المتعارضات إن أمكن، فأمكنه ذلك وأوجد قولاً بأنه يمكن الجمع بينهما بأن الركعة التي كان لها سبب سابق أو مقارن يجوز أداؤها في وقت الكراهة، وعلى ذلك فلو طفت بالبيت يجوز لي أن أصلي ركعتين لأن سبب هاتين الركعتين هو الطواف وقد تم قبل الآية قبل الصلاة، فهمت؟ نعم، وهكذا، وهذا هو التعارض والترجيح في ذاته، وهو أمر
سنراه عند الكلام على نظرية الإفتاء. تفضل، نعم، صحيح، هذا نعم. نعم، المجتهدون مذهب، يعني مدرسة. هناك مجتهد له عقلية، له طريقة في التفكير. كل مجتهد له أصوله، لكن قد يتفق كثير من المجتهدين على كثير من الأصول ويختلفون في بعضها، ولكن بتميزهم في هذا البعض يتميزون في مذاهبهم ويختلفون بناءً على هذا. بعضهم قضية الحجية عنده في الكتاب والسنة فقط، وبعضهم لا، بل في الكتاب والسنة والاستدلال، وبعضهم طريقة الثبوت عندهم يكفي فيها الآحاد. بعضهم لا يكفي فيها الاستفاضة، يشترط فيها شروطًا، وهكذا كل مجتهد من المجتهدين. ونحن تحت أيدينا أسماء تسعين
من الصحابة أو أكثر كانوا من المجتهدين، وأسماء تسعين من المجتهدين في القرون الثلاثة الأولى، في الثلاثمائة سنة الأولى، حوالي خمسة وتسعين عالمًا، وحوالي ثلاثة عشر منهم شاعت مذاهبهم إلى أن... وصل إلينا الأربعة المشهورون لكن كل مجتهد من هؤلاء المجتهدين كانت له أصوله، وبذلك عندما ينشئ هو ويتبنى أصولاً ويتكون له أصول متكاملة ومنهج متكامل، هذا يسمى بالمجتهد المستقل لأنه استقل. فإن جئت أنا وقلدت ذلك المستقل في أصوله كلها وتبنيتها كلها وأفتيت في كل الفقه، أُسمى المجتهد. المطلق ثم إذا ما استطعت أن تجتهد في كل مسألة بل في العبادات فقط أو في المعاملات فقط تسمى المجتهد الجزئي، وإذا كنت تابعاً
لإمام معين لا تخرج عنه أبداً فيسمى المجتهد المذهبي لأنني تابع لإمام معين. المجتهد المطلق يتخير من عدة مجتهدين أصولهم لكنه لا ينشئ القاعدة أما المجتهد المستقل فهو ينشئ القاعدة. هل انتهى المجتهد المستقل من الوجود؟ يعني يبدو أننا لأننا قد جئنا متأخرين بعد ألف وأربع مئة سنة من العمل المتواصل في هذا العلم، يصعب علينا أن نتبنى شيئاً لم يقله أحد من قبلنا ونكون فيه مصيبين ولسنا مخطئين. يصعب لكن لا يستحيل. رأينا من مشايخنا. مَنْ تبنّى بعضَ الآراءِ التي لم تُقَلْ أبداً في التاريخِ الإسلاميِّ ولها وجهٌ ولها دليلٌ ولها كذا، لكنْ أولاً ما رأينا على هذا الشأنِ إلا واحداً أو اثنينِ وكلُّ واحدٍ منهم أتى بمسألةٍ
أو اثنتينِ، يعني شيءٌ مثلَ هذا، شيءٌ ضيقٌ، وهذا ليس قصوراً في العقلِ البشريِّ ولا غباءً فينا. إنما لانتهاء القسمة العقلية في هذه الأقوال، يعني كما لو أننا أردنا أن نُجلِس ثلاثة من البشر على ثلاثة كراسي، فإننا نكون بستة احتمالات، لا يمكن إحداث السابع، ليس غباءً منا، وإنما لانتهاء القسمة العقلية في هذه الاحتمالات. أرى أن يده ارتفعت هنا. طيب، لنجعل التعقيب كان هنا أولاً. نعم نعم نعم لنأخذ الطعام مثلاً على سبيل الفعل المباح. الطعام لو أنا تجاوزت
فيه حدي قد أصل إلى حد الكراهة، والكراهة قد تصل إلى حد الكراهة التحريمية من سمى، فمن الممكن أن أعاقب على مثل هذا الفعل. الطعام لو أنا نويت به أن أتقوى على طاعة الله قد يصل. إلى حد المسؤولية، وبالتالي فأنا أظن أنه ربما لو أمعنا النظر في الفكرة قليلاً، قد نجد للمباح بعض الجوانب يُحاسب فيها فاعله ويُعاقب فيها تاركه، ومَن سَلَكَ له موضعه في إطار التكليف. طيب، لقد فكروا في هذا وألّفوا فيها كتباً كثيرة حتى لا نقع في هذا الإشكال. الإشكال محلول وهو أن... هناك فارقاً بين الفعل وبين عوارضه، وهناك فارقاً ما بين الفعل وبين النية. فالفعل هو الازدراد، أمسك يدي وأقبض هكذا
على الطعام، وتنتقل من مكان إلى مكان، وتلقم الفم باللقمة والأسنان، هو هذا المباح. أما كونه هناك نية في القلب تواكب وتواكب هذا الفعل، فهذا أمر. آخر أو تصاحب هذا الفعل فهذا أمر آخر. هذه النية عمل للقلب عليها ثواب، ومن هنا أتحدث عن من قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشيته، في جبلته، يحب الحلوى ويكره الحارة، ويحب اللبن والدباء واللحم، ويكره كذا ويحب كذا، ويكره الضب. خرج إنسان
يحب هذه الأشياء. ويكره هذه الأشياء من غير شيء من غير نية لا ثواب ولا عقاب عليه فهو مباح، لكنه لو فعلها ناوياً التأسي بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مندوب، وهذا كما يقول ابن الحاج في ثلاث مجلدات كبيرة يسميها بالمدخل إلى الأعمال الصالحات بالنيات الطيبات، هذا هو الذي الفرق بيننا وبين الصحابة والجيل الأول ذلك أن الصحابة كانوا إذا فعلوا فعلاً استحضروا من النيات ما يحول ويكثر هذا الفعل إلى أفعال كثيرة وهو من المباحات، فهو يلبس ويلبس دائماً ولا يبالي بماذا يلبس، ماذا يلبس، لكنه إذا لبس ثوباً غالياً فخماً
نوى في قلبه ستر العورة والتزين للصلاة. والخروج والتعرض للمساكين حتى يسألوا ومد، وهكذا يبدأ نيات كثيرة إلى أن وجد بعد حصر هذه النيات سبعين نية في اللبس، وثمانين نية في الأكل، وتسعين نية في الذهاب إلى الصلاة، ولا أعرف كم، مائة وخمسين نية، وهكذا. فإذا هذه الأفعال المجردة عن النية هي التي يُطلق عليها أنها مباحة. لكن النية عمل مستقل، بدليل أنك ما الدليل على أنه مستقل، أنك لو نويت ولم تفعل لأُثبت. إذاً فهو عمل مستقل، الثواب عليه وليس على الفعل المجرد. ومن هنا كان التشبه بفعل الفاسقين كمن
أخذ كوباً من الماء وفيه ماء، وتخيل وتهيأ أن فيه خمراً، وشربه وهو يتمنى من قلبه. أن يكون ذلك خمراً ويفعل به فعل شارب الخمر على هيئته وحركاته ويرضى بذلك في قلبه فإنه يأثم بالرغم من هذا ما يفعل شيء إنما الفعل هذا وإن كان مباحاً في ذاته وهو ازدراض الماء في هذا الوقت الذي ليس فيه صوم فرض ولا كذا إلا أن النية التي صاحبته نيةٍ خبيثةٍ يستوجب عليها الإثم، فهنا لا بد علينا أن نحذر أن المباح لا إثم فيه ولا ثواب، إنما الثواب والإثم سيأتي بما صاحبه من الأفعال. وهذه الحمد لله يعني تناولها العلماء كثيراً، إلى أن الحاج بن الحاج في ثلاث مجلدات قام بعمل عملٍ ليبين
ما فيه من النيات وكيف. يولد الإنسان، يقول ابن الحاج أن الصحابة كانت تذهب إلى المفعال فتلحق المكروه بالحرام فلا تفعله، وتلحق المندوب بالواجب فتؤديه، وتأتي في المباح فتوجهه بالنيات، وتكثر منها حتى تكثر ثوابها. في حد آخر كان هناك ظن طيب بالآخرين. وبعد ذلك، يا حازم، هناك فارق ما بين الفقه وأصول الفقه. هو المال الذي به يتم استنباط الأحكام هو الأداة هو المفتاح هو الوسيلة سمِّه ما تسميه لكن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية. فقه الأولويات
عبارة عن تطبيق لأصول الفقه تطبيقاً صحيحاً فقط لا غير. لو أنني طبقت أصول الفقه بما فيه من نظريات الاستدلال التي تشتمل على ارتكاب أخف الضررين التي تشتمل على دفع أشد المفسدتين التي تشتمل على أن أفعل الشيء بحيث لا يفوت ما هو أعظم منه، هذا هو فقه الأولوية وهو تطبيق لقاعدة أصولية، لكن الأصول لا يتكلم عن الفروع إنما الأصول يتكلم عن المفاتيح، عن الأصول، عن القواعد، ثم بعد ذلك. تأتي التطبيقات في صورة والنتائج في صورة، فالفرق بين فقه الأولويات وبين أصول الفقه كالفرق بين الثمرة والشجرة. فأصول الفقه هي الشجرة التي تخرج منها ثمار،
فهناك فارق ما بين الثمرة وما بين النخلة أو الشجرة التي تنبت منها. نحن الآن ندرس في هذه النخلة، وهناك أيضاً فارق ما بين تلك النخلة وما بين البذرة فهناك فارق بين الثمرة والشجرة والبذرة. فالبذرة التي لأصول الفقه هي علم اللغة وعلم الكلام والأحكام الشرعية وعلم المنطق. هذه البذرة بتكوينات مختلفة كوّنت عندي منهجاً للفهم يبقى للنظريات التي ذكرناها، ثم بعد ذلك بتطبيق هذه على النصوص ينتج عندنا الثمرات، والثمرات هي... عبارة عن مسائل الفقه لأن هذا هو أصولنا الأخرى حازم، ثم نقوم إلى الصلاة. هل يوجد أحد يريد أن يسأل شيئاً آخر؟ طيباً، تفضل يا
حازم. إذا ما عرفنا أصول الفقه باعتبارها المنهج الذي يتم به استنباط الأحكام، وبأن مكونات هذا العلم تتعلق بعلم اللغة والمنطق وعلم الكلام، فبالتالي لا يختلف تماماً. عن تصورنا بأنه المنهج العلمي عند بريكون مثلاً كان مستقى بشكل أو بآخر من أصول الفقه، لأن المنهج العلمي ينبني على التجريب، والتجريب لا يقبل التعدد ويتعامل مع الواقع المتعاين المادي، بينما هذه العلوم التي تدخل في أصول الفقه متعلقة بالقانون أقرب منه إلى الفيزياء أو الكيمياء، هذا من ناحية. من ناحية ثانية، كيف نفرق هنا ما بين الاستنباط والاستقراء في عملية استنباط الأحكام؟ هل هي بلفظ الاستنباط؟ هل هي عملية استنباطية أم بها جزء استقرائي؟ ما هو الفرق ما بين علم أصول الفقه في المنهج - منهج علم أصول الفقه -
والمنهج عند المتكلمين، أو الفرق بين مساحات النقل والعقل ما بين؟ المتكلمون والفقهاء، هل الفقهاء لديهم مساحات من النقل عند بعضهم مختلفة؟ الحنابلة اختلفوا عن الأحناف، وكذلك نفس الإشكالية بالنسبة للعقل والنقل عند المتكلمين. أو ما العلاقة بالأساس في المنهج ما بين أصول الفقه وعلم الكلام؟ إذاً هذا السؤال مفضل. طيب، هناك ما يسمى المنهج وهناك ما يسمى بما وراء المنهج. يكون عندما لم ينقل أصول الفقه، إنما نقل هذا الذي وراء أصول الفقه، هذا الذي استطاع أن يكوّن أصول الفقه عندما أراد العقل المسلم أن يتعامل مع
مسألة أساسية حكمها منهج لتوليد هذا العلم. هذا المنهج الذي حكم العقل المسلم لتكوين وتوليد هذا العلم تكلم عن المصادر ثم... عن الطرق ثم عن الباحث، فعندما استطاع بكن أن يلمح هذا، جعل هذا الذي ما وراء العلم الذي انبثق منه هو المنهج العلمي لمعالجة أي شيء، سواء كان هذا الشيء ماديًا أو كان هذا الشيء تجريبيًا أو كان عقليًا أو غير ذلك إلى آخره، فإنه يتكلم هنا عن منهج البحث العلمي. كبحث علمي سواء كان المجال متعدداً أو في وحدة أو كان المجال في مادة أو كان المجال في أفكار أو خلافه، فإنني إذا ما أردت أن أدرس الأدب أو أدرس
الفيزياء أو أدرس أي شيء، لا بد علي أن أحدد المصدر، ومن هنا فإن دراسة الآداب ودراسة السياسة وهي جد. متغيرة والآداب وهي جد مختلفة من شخص إلى آخر في التذوق الفني والأدبي. كل هذه عُدت في الأكاديميات ودخلت الجامعات وأصبح لها منهج للدراسة. من أين وماذا يفعل في منهج الدراسة؟ لا بد من تحديد المصادر وطريقة البحث في ذلك العلم وشروط بحث هذا العلم. هذا كلام هو أوسع من... العلوم التجريبية فقط أو من المنهج العلمي بمعنى التجريب الذي أتى به ابن أخيه فرانسيس بيكون. هذا الكلام الذي أقوله كان لروجر بيكون العم الكبير، إذاً فهو قد لمح ما وراء المناهج أو لمح تلك العقلية التي ينشأ منها ويتولد منها العلم. هذه
واحدة، القضية الأخرى هي ما هي العلاقة. بين أصول الفقه وعلم الكلام: أصول الفقه بالأساس أتى ليكون مشتملاً على أسس الفهم، أسس فهم النص لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية. ولذلك ركز على هذا الجانب، ركز على جانب الاهتمام باستنباط الأحكام العملية، ولم يركز على الاهتمام باستنباط الأحكام العلمية من إدراك السنن أو من إدراك. القيم أو من إدراك الإلهيات أو نبوات أو
سمعيات، وهذه تشتتت في التراث الإسلامي ما بين علم الكلام وعلم التفسير. فعند علماء الكلام اهتموا بتلك المباحث الثلاثة: الإلهيات والنبوات والسمعيات التي هي من قبيل السمع، لا يدركها الإنسان إلا من سمعه، كالقيامة والنار والجنة والملائكة والغيب كله والميزان والحشر إلى... آخر ما هنالك مما لا يدرك الإنسان بعقله أو يتصور بعقله، بل أنه يدركه بسمعه، يسمع من الشارع، فوسط علم الكلام قصر حاله على هذا، وأصبح مساحة والاطلاع على علم السنن كسنن إلهية سواء كانت كونية أو كانت نفسية أو كانت تاريخية، وعلم القيم فلم يتعرض له إلا بعض
المفسرين. في شذرات من تفسيره، وهذا الذي دعا محمد عبده إلى الدعوة إلى إنشاء علم يسمى بعلم السنن في هذا المجال. القرآن أعظم من هذا كله، وفي عظمته أنه لا تنتهي عجائبه ولا يخلق أي لا يصيبه القدم من كثرة الرد، ولا تمله النفس إذا ما فهمته على حقيقته، ولذلك فإن علم أصول الفقه عند نشأته كان علماً يريد أن يستنبط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية بواسطة تلك الأدوات، أما علم الكلام فكان يريد أن يكون موضوعه الذات الإلهية من حيث ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حقها، وكذلك الذات النبوية، أي النبي، من حيث ما يجب وما يجوز. وما يستحيل في حقه والسمعيات
فهذا موضوع علم الكلام، موضوع علم الكلام الذات الإلهية ونبوة السمعيات، لكن موضوع علم أصول الفقه هو الأدلة الشرعية من حيث إثباتها للأحكام الشرعية، الأدلة الإجمالية من حيث إثباتها للأحكام الشرعية. وتتميز العلوم وتتميز المناهج بتميز موضوعاتها، على أن هناك مساحة لم تُغطَ بعد وإن. كانت فيها كتابات وفيها كذا لكننا في حاجة الآن إلى إنشاء علم ثالث هو علم السنن والقيم المكنونة أو المرتبطة مع هذه السنن والذي قد يغنينا في كثير من الأحيان عن كثير من مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية المعاصرة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.