مكونات العقل المسلم | 1 | العقل | أ.د علي جمعة

مكونات العقل المسلم | 1 | العقل | أ.د علي جمعة - التفكير المستقيم, مكونات العقل المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يسأل كثير من الناس عن مكونات العقل المسلم، مما يتكون هذا العقل وما هو. والحقيقة أن مكونات العقل المسلم كثيرة، وهي التي تميز المسلم عن باقي الخلق، وهي التي تمكن المسلم من عبادة الله الكون وتزكية النفس وهي التي يمكن أن يجيب بها المسلم عندما يُسأل من أنت وما الفرق بينك وبين الآخرين أو عندما يُسأل لماذا أنت مسلم أو بماذا أنت مسلم. ولذلك
وحتى نجيب بعمق على هذا السؤال: ما مكونات العقل المسلم؟ ينبغي علينا أولاً أن نتأمل في قضية العقل، والعقل سُمي بذلك في لغة العرب لأنه يمنع الإنسان من فعل المرديات المهلكات ما يؤدي به إلى الهلاك وإلى الضياع وإلى الضرر وإلى الخسران، ولذلك قال العاقل قسيم نفسه، هو يحاسب نفسه أولاً بأول، وعقله وحكمته تمنعانه من فعل الخطأ. كيف وصل الإنسان إلى هذا؟ وصل إليه بأمور
من ضمن هذه الأمور... الحواس من ضمن هذه الأمور، والدماغ من ضمن هذه الأمور، والواقع الذي نعيشه والتجربة التي يتقلب فيها الإنسان سواء بنفسه أو عن طريق آبائه وميراثه عبر التاريخ. وهناك أيضاً عنصر مهم مكوِّن للعقل المسلم وهو المعلومات السابقة. فيمكن إذاً أن نتخيل العقل المفكر بطريقة محددة وهو أنه مكون من أربعة عناصر من الدماغ ومن الحواس السليمة، كما أنه مكوّن من المعلومات
السابقة التي يمكن للإنسان بواسطتها أن يفكر وأن يتدبر، وكذلك الكون المحيط. بمعنى آخر، لو افترضنا أن الإنسان قد خُلق في الفراغ، وكلمة فراغ معناها أنه ليس هناك شيء حوله، والإنسان يصعب عليه أن يتصور هذه الحالة. تخيل... نفسك في فضاء فسيح ليس هناك شمس، ليس هناك قمر، ليس هناك أرض، ليس هناك نجوم، ليس هناك أي شيء حولك، فإنك سوف تدرك ذاتك ولكن لا تدرك غير ذلك. كذلك لو تأملنا في الدماغ وعرفنا أن به خللًا فإن
هذا الدماغ لا يفكر، وكيف نتوصل إلى أن هناك خللًا الدماغ إذا بدأ الإنسان ففقد إدراكه بالزمان أو بالمكان أو بالأشخاص أو بالأحوال المختلفة التي حوله، فإننا سنلاحظ أنه قد فقد عقله. في الصيف يظن أنه في الشتاء فيلبس الملابس الكثيرة، وفي الشتاء يظن أنه في الصيف فيتعرى ويخفف من ملابسه حتى يصاب بالبرد إذا التقى بأستاذ. في الجامعة يتحدث معه كما لو كان بائع سلعة متجولاً، وإذا وجد البائع في الصباح يأتيه باللبن فإنه
يتحدث معه في المسائل الفلسفية المعقدة كما لو كان أستاذاً في الجامعة. إذاً هناك خلل في إدراك الزمان أو المكان أو الأشخاص أو الأحوال، فتراه يضحك في المأتم مثلاً، أو تراه يبكي وهكذا خلل ما أصاب الإنسان جعله غير سوي، وهذا الخلل يرجع إلى الدماغ أو الإفرازات التي تتم فيه، كذلك الحواس. لو تخيلنا أن إنساناً قد خُلق أعمى وأصم وأبكم، لا يستطيع أن يتكلم ولا أن يسمع ولا أن يرى، فإنه يكون قد أُصيب في إدراكه إصابةً تستوجب التكليف، ولذلك قالوا. العقل مناط التكليف، والعقل هنا هو
سلامة هذه الحواس، ولذلك اشترطوا الإسلام حتى يكون الإسلام قد وصل إلى الناس. يقولون أن يصله الإسلام وهو سليم الحواس بصورة لافتة للنظر حتى يكون مكلفاً، فإن لم يكن كذلك فهو ليس بمكلف، لأن هناك خللاً ما حدث في الحواس. تخيل أن طفلاً دماغه... سليمة حواسه، سليم الواقع المحيط موجود، لكنه ليست عنده معلومات سابقة، فإنه لا يستطيع أن يفكر. يبدأ في التلقي، فيبتسم لأبيه ويبتسم لأمه، ويتحرك ويبكي ويضحك ويلعب، لكنه آخذ في تحصيل هذه المعلومات في الذهن حتى تكون حصيلة له بعد ذلك. التفكير العقلي
إذاً هو ذلك المكون من تلك الأربعة. من عقل سليم ومن حواس سليمة ومن واقع المعيشة ومن معلومات سابقة يستطيع الإنسان أن يخزنها في ذاكرته وأن يسترجعها حينما يريد أن يربط بينها وبين المعلومات الجديدة أو بينها وبين بعضها فيتولد منها فكر جديد، وبذلك يقوم العقل بآثاره وبمنافعه، فتراه عندما يستعرض العواقب وعندما يستعرض المقدمات وعندما... يستعرض المعلومات ويمنع الإنسان ويعقله من الهلاك الحسي أو الهلاك المعنوي أو يمنعه من الشر أو يدفعه إلى الخير، ويبدأ العقل في عمله. هذا
هو العقل في عمومه، إذًا فلا بد أن نبحث عن المعلومات السابقة التي عند المسلم، لأن المسلم شأنه شأن غير المسلم في تكوين مخه ودماغه في... تشكيل حواسه في تكوين الواقع المحيط، فما الذي يفرق هو المعلومات السابقة، ولذلك سنحاول أن نرحل رحلة في عقل المسلم وفي معلوماته السابقة حتى نتبين منها ما الذي ميّزه، وما الذي جعله يقول أن هذا هو العقل المسلم، هذا هو الذي نريد أن نعيش معه سوياً، فكان لا بد. أن نتحدث عن العقل،
فالعقل نور من الله سبحانه وتعالى ونعمة من الله يؤتيها عباده. العقل عرّفه الفلاسفة بأكثر من ألف تعريف، حتى أن بعضهم قال إنه لا تعريف له لأنه مسألة واضحة جداً، وكلما ازداد الأمر وضوحاً فإنه لا يحتاج إلى تعريف ويكون من المسلمات والبديهيات التي لا يختلف. فيها اثنان ولا يتناطح فيها كبشان، وغيرهم عرفوه بآثاره، بعضهم عرفه بأحكامه وأقسامها. أقسام حكم العقل لا محالة هي الوجوب ثم الاستحالة ثم الجواز ثالث الأقسام، فافهم مُنحت لذة الأفهام. هكذا يقول الشيخ الدردير في خريدته. فبعضهم يقول إن العقل
هو مجموعة العلوم الضرورية والممكنة وإدراك المستحيل. إلى لقاء آخر. أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته