مكونات العقل المسلم | 23 | المسؤولية الفردية | أ.د علي جمعة

مكونات العقل المسلم | 23 | المسؤولية الفردية | أ.د علي جمعة - التفكير المستقيم, مكونات العقل المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع مكونات العقل المسلم ورحلة في هذا العقل الذي يفهم النص ويدرك الواقع ويحاول أن يربط بينهما، يعيش عصره ويخدم مصره. من مكونات العقل المسلم التي استقرت في وجدان المسلمين وكونت طريقة تفكيرهم ما... يمكن أن نطلق عليه المسؤولية الفردية، والمسؤولية الفردية أساسها في كتاب الله مؤكد في أكثر من آية. قال تعالى: "لا تزر وازرة وزر أخرى" وقال
تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً" وقال تعالى: "يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، إذاً فكل إنسان هو مسؤول عن نفسه، وهذا المكون جعل المسلمين يرفضون فكرة ميراث الخطيئة التي نجدها في بعض الديانات، أن آدم عندما أخطأ فإن هذه الخطيئة يتوارثها
أبناؤه، هذه الفكرة، فكرة ميراث الخطيئة، ليست موجودة في الإسلام يؤكد أن الإنسان حر طليق، وهذه الحرية تحمل معها مسؤولية فردية. وهذه المسؤولية الفردية وعدم السؤال عما فعله الجار تهدم القاعدة الجاهلية التي كانت تقول "خذ ثأرك من جارك". هذا ليس في مفهوم الإسلام، بل جاء الإسلام وهدم ميراث الخطيئة، وهدم مبدأ أن يؤخذ الإنسان بجريرة غيره، وجعل هذا
من العدل في شيء، ولذلك المسؤولية الفردية تتحكم في سلوك المسلم في كل شيء. هذه المسؤولية الفردية نراها في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونراها في قصص الأنبياء، ونراها في العقيدة وفي كل كبيرة وصغيرة في الإسلام، مما يجعل المسؤولية الفردية مبدأً عاماً ويجعل المسؤولية الفردية مكوناً أساسياً. من مكونات العقل المسلم إذا ذهبنا إلى قصص الأنبياء نرى أن إبراهيم كان
نبياً من أنبياء الله الكبار، فقد كان أباً للأنبياء ومثالاً للأنبياء، حتى أن الله سبحانه وتعالى قد علمنا الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم بالتشبيه والطلب من الله سبحانه وتعالى كالصلاة على إبراهيم، اللهم صل وسلم. على سيدنا محمد كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم، اللهم صل على سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وآل سيدنا إبراهيم. في كثير من صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي
وردت عنه، وهي نحو أربعين صلاة، كانت هذه الصلوات تتضمن مقارنة. بين سيدنا محمد وآل سيدنا محمد وبين سيدنا إبراهيم وآل سيدنا إبراهيم، وجعل المشبه به سيدنا إبراهيم تبع ملة إبراهيم حنيفة وما كان من المشركين. سيدنا إبراهيم له قيمة كبيرة. سيدنا إبراهيم كان أبوه كافراً وتبرأ إبراهيم عليه السلام منه، ولم تنقل هذه الخطيئة من والد إبراهيم إلى إبراهيم ولم. أيُؤاخذ إبراهيم بما فعله أبوه؟ نرى أن نوحاً كان
من أولي العزم من الرسل ولكن ابنه كفر وعصى، وقصة طويلة في سورة هود يحكيها ربنا سبحانه وتعالى عن هذا الابن العاق العاصي. "يا بني اركب معنا" ولكنه لا يستمع إلى هذا، ولا يُؤاخذ نوح بما فعل ابنه. ونرى أن امرأة... نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين صالحين فخانتاهما، إذاً الإنسان ليس مسؤولاً عما تفعل زوجته، ليس مسؤولاً عما يفعل ابنه، ليس مسؤولاً عما يفعل أبوه، وهكذا أبداً. إذاً علينا
أن نتبين وأن نعرف هذا المعنى الجليل، المعنى الذي جعل امرأة فرعون من الصالحات وهي زوجة لأعتى بشر قال أنا. ربكم الأعلى، لكن لما كان أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وكانت المسؤولية الفردية واضحة في عقيدة المسلمين، في قصص الأنبياء، في سيرة سيد المرسلين، في أوامره ونواهيه، رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكم على عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين أنه من المنافقين، وكان بينما كان
معه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، وكان عبد الله الابن رضي الله تعالى عنه مسلماً مؤمناً صادقاً لا شأن له بأبيه، لأن هناك مسؤولية فردية يتحملها هو بنفسه ولا ينظر إلى أبيه وإلى فعل أبيه، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخاف. أن يأمر غيره بأن يقتله إذا كان قد حُكم عليه بالقتل، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل أحدًا حتى من المنافقين، وقال: "لا يُقال إن محمدًا يقتل أصحابه". علّمنا كيف نسد الذريعة على الآخرين، علّمنا كيف
نراعي الملاءمة العالمية، علّمنا العفو والصفح والصبر بالرغم من أن الله وتعالى قد أباح له أن يقتل المنافقين قال تعالى: "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا". إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل أحدا من أصحابه أبدا وقال: "لا يقال". إن محمداً يقتل أصحابه حتى لو أباح الله قتلهم وحتى لو أباح الله من أجل نفاقهم أن لا يكونوا من أصحابه ولا من المؤمنين أصلاً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يُعلمنا كيف
نتعايش مع الناس من خلال مفهوم المسؤولية الفردية "لا تزر وازرة وزر أخرى"، كانت من مكونات العقل. المسلم وكانت أيضاً من المبادئ العامة كما سنرى في القرآن الكريم، والمبادئ العامة في القرآن الكريم يصلح كل واحد منها أن يكون من مكونات العقل المسلم. ونحن نبحث في مكونات العقل المسلم ونضرب المثال تلو المثال ونبحث فيها ونتكلم عنها، كيف تتحكم في السلوك وفي رسم المنهج فإننا مع ذلك لا نحصرها فكلما فكرنا وتفكرنا وكلما مضى علينا زمان ظهر لنا شيء آخر
من مكونات العقل المسلم نكتشفه ونجده في أنفسنا وفي عقائدنا وفي فقهنا وفي تاريخنا وفي شريعتنا ونجد له أمثلة في التطبيق العملي وفي التعامل مع النفس ومع الأمة ومع الغير مع غيرنا ولكن بالرغم من كل ذلك إلا أننا قد نكون لم نلتفت إليه أو مررنا عليه مرور الكرام. كلما تأملنا وكلما تدبرنا وكلما مر علينا الزمان، كلما اكتشفنا من مكونات العقل المسلم ما يؤكد عمقه وما يؤكد ربانيته وما يؤكد حضاريته. فهذا العقل عقل رباني وعقل عميق مستنير، لأنه
مستنير بالله رب العالمين. لا تزر وازرة أخرى هذا المبدأ أشار الإسلام إلى أنه لم يتفرد به بل إنه أيضاً قد وُجِدَ في صحف إبراهيم وموسى، فلمّا ظهر عكس ذلك المبدأ في بعض الشرائع الأخرى عرفنا أن هذا من طول العهد والنسيان لشرع الله. جاء القرآن وعلّمنا أن نُحيي في أنفسنا دائماً الشرع الأول الذي أراده الله. سبحانه وتعالى للبشرية علمنا ربنا سبحانه وتعالى كثيراً من هذا الشرع الأول وصحح به مفاهيم
مغلوطة كانت بسبب طول الزمان وقسوة القلب وكانت من جراء الفهم الخطأ المتراكم المتراكب لبعض كهنة الدين الذين انحرفوا بشرع الله الأول عن مساره. لا تزر وازرة وزر أخرى، كنز من الكنوز، مبدأ من المبادئ. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، العامة مكون من مكونات العقل المسلم.
    مكونات العقل المسلم | 23 | المسؤولية الفردية | أ.د علي جمعة | نور الدين والدنيا