مكونات العقل المسلم | 25 | الإنسان سيد في الكون | أ.د علي جمعة

مكونات العقل المسلم | 25 | الإنسان سيد في الكون | أ.د علي جمعة - التفكير المستقيم, مكونات العقل المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. من مكونات العقل المسلم، من مكونات العقل المسلم أنه يرى هذا الكون المحيط بنا وله موقف من هذا الكون. هذا الموقف من مكونات العقل المسلم. الموقف من الكون من مكونات العقل المسلم، مما يتكون. هذا الموقف من الكون هو أننا نأخذ شذرات مما ذكرنا ونضيف عليها حتى نفهم موقف العقل المسلم من الكون باعتبار ذلك مكوناً من مكونات ذلك
العقل. يرى المسلم في رؤيته الكلية لهذا الكون أن هذا الكون يسبح لأنه سمع قوله تعالى: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون التسبيح ويؤكد هذا ويرجحه ما ورد في البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سبَّح الحصى في يديه بين يديه في كفه الشريف وسمع هذا التسبيح الناس وكانت هذه معجزة لكن هذه المعجزة لم نرها إنما ترسخت في وجداننا وتأكدت من قِبَله تعالى من ناحية وأن
من شيء. إلا يسبح بحمد الله بحمده، ومن ناحية أخرى أن يسبح الحصى في يده صلى الله عليه وسلم، وينقل هذا المسلمون عبر التاريخ وهم يصدقون هذه المعجزة حتى لو لم يروها. لو جمعنا بين هذا لترسخ عندنا أن هذا الكون يسبح، وإذ بالمربين المتصوفين هؤلاء الناس يأتوننا ويقولون: لا تفزع الكائنات أن هذه الكائنات تسبح، ولذلك ينهون أن نتعامل بعنف مثلاً مع الباب، فلا نطرقه بعنف ولا
نتعامل معه بعنف، فنتركه يغلق بعنف، لا نغلقه بعنف. لماذا؟ هذا باب جماد لا يشعر، لا، يحس، لا أبداً. رؤية الكلية للمؤمن لهذا الكون أن هذا الكون في تفاعل، يشعر بالتفاعل. مع الكون، هذا الكون يسجد لله سبحانه وتعالى، هذا الكون والنجم والشجر يسجدان لهذا الكون، فما بكت عليهم السماء. إذاً السماء تبكي والأرض، والله سبحانه وتعالى قال للسماء والأرض: "ائتيا طوعاً
أو كرهاً"، قالتا: "أتينا طائعين". فالسماء والأرض تتكلم وتأتي وتطيع. "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن..." يأبين حملها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً. إذاً فالسماء والأرض والجبال والبحار والأنهار يعني عُرضت عليها الأمانة فأبت. إذاً فهي من شأنها أن تأبى وأشفقت من هذه الأمانة ولم تقبل. إذاً وقال تعالى "الرحمن على العرش استوى" ويقول أهل السنة استوى أي استولى، واستولى هنا بمعنى
قهر عُرِضَ عليه الإتيان بمثال لذلك، أو قد يكون حدَّث نفسه بشيء من العظمة. هكذا ينظر المؤمن في هذا الكون أنَّ فيه حركة وفيه تسبيح وفيه سجود وفيه شفقة وفيه رحمة وفيه قهر وفيه خضوع وفيه حركة، ولذلك هنا يأتي مكوِّن من المكونات الأساسية في هذه الرؤية. النظرة الكلية للعقل المسلم تتلخص في أن الإنسان ليس جزءاً من هذا الكون تجري
عليه تلك المجريات، إنما هو سيد فيه وليس سيداً له. انظر إلى الكلام، أمامنا أمران: الأول أن الإنسان سيد في الكون وليس سيداً للكون، هذا أولاً. وثانياً أن الإنسان ليس جزءاً من الكون لأنه سيد فيه. هذه تترتب على هذه وهما مكونان نفرد في حلقة قادمة أنه ليس جزءاً من الكون ولكن هيا بنا نتحدث عن أنه سيد في الكون وليس سيداً للكون. السيد هو الله، هكذا يقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم. سيد الكون هو من أنشأه وخلقه ورزقه وأحياه ويميته وينشئه، فهو الخالق. البارئ المصور ويُفنيه سبحانه وتعالى، فهو الأول والآخر. هذا هو سيد الكون الذي بيده المُلك والملكوت. أما الإنسان فهو سيد في الكون، سيد في الكون لأن الله سبحانه وتعالى وهبه العقل ووهبه العلم وحمَّله الأمانة، أمانة التكليف، فهو قابلٌ بهذه الأمور، ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى سيداً في الكون هذه. السيادة تتلخص في قوله
تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم"، إذ إن ابن آدم مكرم وليس مهملاً في هذا الكون. "إني جاعل في الأرض خليفة"، لا يصلح أن نقول إن بني آدم خليفة الله في أرضهم. حسناً، ماذا فعل الله سبحانه وتعالى حتى يثبت سيادة ابن آدم في هذا الكون؟ سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، يبقى نظرية التسخير كونت مكوناً مهماً في عقل المسلم. يقول ذلك المكون: أنت أيها المسلم سيد في الكون ولست سيداً لهذا الكون، بل إنك
سيد في هذا الكون. سخر الله لك الليل والنهار، سخر الله لك الشمس والقمر، سخر الله. لك الجماد والحيوان، وكذلك تسجد لك الملائكة. في قصة الخلق قصَّ الله علينا شيئًا غريبًا، وهو أنه قال للملائكة: اسجدوا لآدم، فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين. اسجدوا لآدم، فآدم سيد يُسجد له، سجد له الملائكة. يترسخ عند المسلم بأن الله حمَّله الأمانة وأن الله سبحانه وتعالى وهبه. العلم لما قال إني جاعلٌ في الأرض خليفةً قالوا أتجعلُ فيها مَن يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماءَ ونحنُ نسبحُ بحمدكَ ونقدسُ لكَ قال إني
أعلمُ ما لا تعلمونَ وعلّمَ آدمَ الأسماءَ كلها ثم عرضهم على الملائكةِ فقال أنبئوني بأسماءِ هؤلاءِ إن كنتم صادقينَ قالوا سبحانكَ لا علمَ لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم. وقد وهب الله لنا العلم، ووهب الله لنا الأمانة التي حملها الإنسان، ووهب الله لنا السيادة فأسجد لنا ملائكته. ترشح من كل ذلك هذا المكون للعقل أنني سيد في هذا الكون لأن الله سخر الكون له، وأنني لست سيداً لهذا الكون الله هو السيد وأنا مكرم في هذا الكون ويجب
علي أن أقوم بواجبي الذي كلفني الله به وخلقني من أجله. هذه الخلافة الربانية، هذا العلم الذي ينبغي علي أن يوصلني إلى الله رب العالمين. تكوين مكنون عقلي للمسلم بأنه عبد لله، سيد لهذا الكون، ليس سيداً، إنه سيد في هذا. الكون وأنه ليس سيداً لهذا الكون بل السيد هو الله، هذا هو الجزء الأول من هذا المكون. جاء من تراكم هذه الرؤية: التسخير، التسبيح، السجود، التفاعل الكوني، التكريم لابن آدم. كل هذه الأشياء نتج
منها هذا المكون المهم وهو أن الإنسان إنما هو سيد في الكون وليس سيداً. للكون نتج من هذا ما سنفرده مرة أخرى من أجل أن نتبين كيف تولد من هذا المعنى أنه ليس جزءًا من هذا الكون بل أنه فريد وحيد وهذا الكون كله قد سخره الله له. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.