مكونات العقل المسلم | 26 | الإنسان فريد مكرم وليس جزءا من هذا الكون | أ.د علي جمعة

مكونات العقل المسلم | 26 | الإنسان فريد مكرم وليس جزءا من هذا الكون | أ.د علي جمعة - التفكير المستقيم, مكونات العقل المسلم
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ. مِن مكوناتِ العقلِ المسلمِ رأينا أن الإنسانَ إنما هو سيدٌ في هذا الكونِ وليس سيداً للكونِ. هذا ولَدَ مكونٌ آخرُ أن الإنسانَ مكرمٌ فريدٌ وأنه ليس جزءاً من هذا الكونِ. المكونُ الأولُ أن الإنسانَ سيد في الكون جعله يعتز بنفسه، جعله يعمر هذا الكون بعقله
وسعيه وتوفيق الله له، جعله يشكر ربه ويشعر أن الله سبحانه وتعالى قد رفع شأنه وقد أعلى ذكره وقد جعله على قمة الهرم الخلقي. لاحظ نفسه فوجد أنه ليس كالبهائم وأنه ليس كالجمادات ولا النباتات وأنه فريد فعلاً فليس هناك حيوانات ولا نباتات ولا جمادات قادرة على أن تنشئ المجتمعات وليست قادرة على أن تنشئ الفكر ولا أن تسجل العلم ولا أن تراكم هذا العلم ولا أن تستفيد
من هذا العلم ولا أن تطور هذا العلم هذا مختص بالإنسان شعر الإنسان إذا أنه سيد في الكون وهذا الشعور دفعه إلى الشعور بالقمة لا أقول بالتعالي لأن التعالي لا يجوز بحق الله تعالى، الكبرياء رداؤه والعظمة إزاره، ومن نازعه سبحانه واحدة منهما أخذه ولا يبالي. ولذلك فالإنسان يجب عليه ألا يتعالى وإنما يشكر ربه على النعم التي أولاها إياه، وربنا سبحانه وتعالى أعطانا نعمة كبيرة جداً وهي أن وضعنا على قمة
هرم الخلق تولد من هذا أن الإنسان ليس جزءاً من الكون وإنما هو مكرم فريد. هذا المكون الجديد جعل الإنسان ليس تصلح معه المناهج الإحصائية والتطبيقية. الإنسان ليس كالخشب ولا الشجر. الإنسان ليس كالحجر ولا البقر. الإنسان ليس كالأنهار والبحار. الإنسان ليس كالهواء ولا النار. الإنسان
لا تصلح معه. الطرق الإحصائية التطبيقية التي يُقال عنها في الإنجليزية "إمبريكال ميثودز" أي المناهج التطبيقية، ولذلك عندما نحا الغرب نحو المادة المحضة واعتبر أن الإنسان جزء من الكون، رأيناه يتعامل معه في هذا المنطق، فلجأ إلى الدراسة المادية: النبض، تحليل الدم، خفقان القلب،
وهكذا. ومن الدراسة المادية في بعض الأحيان يشكو الإنسان من المرض ثم تحدث هذه الدراسة المادية كلها ثم لا نخرج بشيء يقول لك ليس لديك شيء ثم يحيل الأمر بعد ذلك إلى قضية النفس أن هناك مشكلة في النفس كل ذلك من منطلق المناهج التطبيقية التجريبية التي تتعامل مع الإنسان أولاً بصورة جزئية ثانياً بصورة مادية هذا المنهج بنيت عليه علوم الأدوية (الفارماكولوجي) ولكن
ترتب عليه آثار جانبية كثيرة، فبرزت مناهج أخرى تدعو إلى دراسة الإنسان بصورة كلية، وإلى دراسة الإنسان بصورة شاملة كلية ضد جزئية، شاملة ضد مادية. فأصبح هناك مناهج حديثة في الطب تدعو الناس والأطباء إلى أنه إذا ما جاءه المريض أخذه ككل، فجلس يتحدث معه عن ظروف بيته ومشكلاته مع زوجته وأبنائه وحالته المادية أو الاقتصادية وهمّه الفكري، يشم عرقه وينظر إلى عينيه ويستنبط من مجموع
ذلك مع الفحوصات المادية للدم والضغط وخفقان القلب وما إلى ذلك من دقات قلبه، يأخذ من كل ذلك شيئاً ويتوصل بكل ذلك إلى علاج، وعندما يريد العلاج فإنه لا لا بد عليه أن يدرس الإنسان بصورة شاملة لا أنه يريد الآن أن يعالج ما في العين دون أن يلتفت إلى أن هذا العلاج قد يؤثر على علاج آخر بالبطلان، ورأينا في المستشفيات الحديثة أن الإنسان إذا أراد أن يجري فحصاً مرّوه على عدة أقسام ثم في النهاية تؤول كل هذه الأقسام إلى طبيب كبير واعٍ يدرس الأمر كله
بعضه مع بعض ثم يعطيه العلاج الذي لا يتضارب بعضه مع بعض ويكون عند واحد يعرف كل ما يتناوله هذا الإنسان من دواء حتى لا يتداخل الدواء فيفسد بعضه بعضاً، هذه نظرة أقرب إلى نظر المسلمين، المسلم يرى أن هذا الإنسان يعني هو فيه جسد وهذا الجسد لو خرجت منه الروح لتحلل إلى تراب، هذا الجسد هو جزء من الكون، لكن لما وضع الله ونفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى صار هذا الإنسان فريداً ولم يعد جزءاً من الكون، مكون من المكونات العقلية يؤثر في اختيار المنهج، تخيل أنني عندما
يكون من مكونات عقلي أنني لست جزءًا من الكون، فإنني سوف لا أوافق على تطبيق المنهج التجريبي على الإنسان، لأن الإنسان عندي هو مخلوق فريد، لأن الإنسان عندي هو مكرم، لأن الإنسان عندي ليس هو جزءًا في حد ذاته من الكون. الإنسان عندي بهذا المفهوم مكون من الروح ومكون من الجسد. والروح يعرفها بعض العارفين لكنها في النهاية هي من أمر ربي وهي يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً. إذاً، فهذا
المكون يختلف عن المكون الذي ذكرناه من قبل من أن الإنسان سيد في الكون وليس سيداً للكون، هذا أمر وكأنه من من... شعور الإنسان إلى الأمام أما الذي معنا الآن وما تولد عنه وأنه ليس جزءاً من هذا الكون وهذا يتحكم في اختيار المناهج التي سوف نطبقها على هذا الإنسان ونرى كثيراً من المناهج الإحصائية والكمية والتجريبية نرى أن هذه المناهج لا تصلح مع هذه الغابة التي تسمى بالإنسان هو يتكون من عقل ووجدان وروح ونفس ناطقة وجسد
وتاريخ وعلاقات، يتكون من فطرة فطر الله الناس عليها، ومن شهوات، ومن معاصٍ قد تُقصي قلبه، أو قد تجعله في مرتبة النفس الأمارة بالسوء، أو النفس اللوامة، أو النفس الملهمة، أو المطمئنة، أو النفس الراضية، أو المرضية، أو الكاملة. فقد قسّم علماء المسلمين النفس إلى سبع. درجات تفصيلاً وإلى ثلاثة إجمالاً: النفس الأمارة بالسوء، النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على ما يقع منه من مخالفات، النفس الملهمة التي تندرج بعد ذلك فيها المطمئنة والراضية والمرضية والكاملة إلى آخره. إذاً نحن أمام مكون خطير
سيفيدنا في آفاق كبيرة جداً في العلوم الاجتماعية والإنسانية بل وفي العلوم أيضاً. الطبية بل أيضاً في غير ذلك من العلوم التي فيها نوع تحيز، الإنسان لا يستطيع أن يتخلى عن تحيزه، فما تحيز المسلم في هذا المجال؟ إن المسلم في هذا المجال سيتحيز إلى أن الإنسان ليس جزءاً من الكون، بل هو مخلوق مكرم فريد، ولذلك ينبغي أن يعامل طبقاً لهذا التكريم. وطبقاً لهذه الخاصية الفريدة فيه وطبقاً لواقعه الحقيقي ولذلك فهو
ليس جزءاً من الكون وبالرغم من ذلك هو على قمة خلق هذا الكون وبالرغم من ذلك هو سيد لهذا الكون هو سيد في هذا الكون وليس سيداً لهذا الكون السيد كما قال صلى الله عليه وسلم هو الله الله هو السيد إلى لقاء آخر مع مكون من مكونات العقل المسلم ندرك به كيف يتعامل المسلم مع الحياة، كيف يتعامل المسلم مع النصوص الشرعية، كيف يفهم المسلم عصره، كيف يفهم المسلم التاريخ، وكيف يفهم المسلم علل التاريخ. لا بد علينا أن نغوص أكثر وأكثر في
مكونات العقل المسلم وهذه المكونات التي نذكرها نذكركم إلى أنها على سبيل المثال على سبيل إثارة الفكر عند المسلمين وليست على سبيل الحصر ولا التضييق، فنحن نريد أن نُعلِّم المسلمين التفكير المستقيم، ونريد أن نُعلِّم المسلمين ألا يقلدوا الأسلاف، ونريد أن نُعلِّم المسلمين أن يقوموا بواجب الوقت الذي نحياه، وواجب الوقت أن يكون المؤمن مدركاً لشأنه. عالماً بزمانه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.