مكونات العقل المسلم | 3 | الإيمان بالرسل | أ.د علي جمعة

مكونات العقل المسلم | 3 | الإيمان بالرسل | أ.د علي جمعة - التفكير المستقيم, مكونات العقل المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع مكونات العقل المسلم، حيث يسأل كثير من الناس ما مكونات العقل المسلم الذي يستطيع أن يعيش بها في عصرنا هذا وأن يواجه بها العالمين وأن يجيب بموجبها على أسئلة توجه إلينا وعلى شبهات. تُساق ضد المسلمين وضد الإسلام وضد تاريخ المسلمين وضد نبي المسلمين وضد كتاب المسلمين. لو أدركنا العقلية المسلمة نعرف كيف نربي أبناءنا ونعرف كيف نتعامل مع عصرنا ونعرف كيف نخدم مصرنا ووطننا ونعرف كيف نفيد أمتنا ونعرف
كيف نعيش حياة هنيئة في هذه الحياة الدنيا حتى ننقلب إلى الله سبحانه. وتعالى فيدخلنا الجنة. أول هذه المكونات الإيمان بالله جل جلاله. وذكرنا في الحلقة السابقة أن إيمان المسلم بالله إيمان عميق حتى أنه إذا ما ذُكر ذلك اللفظ تراه قد دخل في وجدانه وعرف أنه أمام خالق عظيم حكيم متصف بالصفات العلى، بصفات الكمال والجلال والجمال، وأنه سبحانه وتعالى يحبنا. وأنه يرزقنا وأنه يمن علينا بالمنن وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير وأنه
لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا الإيمان في الحقيقة هو إيمان راسخ عند المسلمين ومكوِّن من مكونات العقل الذي سوف يدرك الأشياء، وسوف يتعامل مع الأشياء، وسوف يُقَوِّم الأشياء، وسوف يضع معياراً لذلك التقويم، وسوف ويفعل إذا نحن أمام شيء كبير جداً وهو الإيمان بالله وتوحيد الله سبحانه وتعالى، يؤمن المسلم أن الله سبحانه وتعالى لما خلق هذا الخلق لم يتركه عبثاً. هناك من الخلق من يظن هكذا، نقول لهم: من الذي خلق هذا الكون؟
فيقول: الله. نقول: طيب، لماذا لا تصلي؟ لماذا لا... تصومُ لماذا لا تزكي؟ لماذا لا تحجُّ؟ لماذا لا تبيعُ بالحلال أو تلتزمُ؟ يقولُ: ما كلَّفَنا اللهُ بهذا! هل تعتقدون أنَّ اللهَ لمَّا خلق لنا العقلَ خلقَ شيئًا آخر؟ هو خلقَ الإنسانيةَ ثمَّ خلقَ العقلَ ثمَّ تركَ الناسَ بعقولهم تعيشُ في هذه الحياةِ الدنيا. هذا صنفٌ من الناسِ موجودٌ سمعناهُ. كثيراً لكن المسلم من مكونات عقله أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل الرسل، إذاً هذا مكون مهم جداً سيترتب عليه مكونات ثالث ورابع وخامس وسابع، ولكن نحن نبني الهرم الذي به يتكون العقل المسلم حتى نعرف من نحن وكيف
نتعامل وكيف نتقي ما حولنا من شرور وكيف نثير ما حولنا. من خير أن الإنسان المؤمن بالله ومؤمن أن الله ينزل الوحي على رسله والأنبياء، والكتب كلها متعلقة بقضية أن الله سبحانه وتعالى لم يترك الناس عبثًا، بل وضح لهم الطريق إليه، فأمرهم بعبادته ونزل في القرآن: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، "إني جاعل في الأرض خليفة". أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها قد أفلح من زكاها وقد خاب
من دسّاها فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي. إذاً هناك هدى سينزله الله سبحانه وتعالى وهناك اتباع لهذا الهدى ثم هناك الجزاء. أو إذا هناك رسالة وهناك يوم آخر وهو أيضاً من مكونات العقل المسلم الإيمان بالله وأن هذا الله لم يتركنا عبثاً يترتب عليه الإيمان بأن هناك من البشر من اصطفاهم الله سبحانه وتعالى واختارهم وجعلهم رسلاً وأنبياء في هذا المجال يسأل السائل
من الرسول ومن النبي وهنا تختلف المذاهب. الإسلامية ولذلك عندنا آراء في الإسلام حول هذه القضية. الرأي الأول أن الرسول والنبي لفظان مترادفان، يعني معناهما واحد. الرسول هو النبي، والنبي هو الرسول. فقد أرسل الله إنساناً برسالة، يعني أنه قد نبأه فهو نبي. وكانت العرب منها من يهمز النبي، ومنها من يقرؤها من غير همز، فبعضهم يقول... نبي وبعضهم يقول نبيء، وكلمة نبيء
تأتي على وزن فعيل، وهذا الوزن في لغة العرب يطلق ويرد منه اسم الفاعل فهو منبئ، أي إنه ينبئ قومه بالكلام الذي ينزله الله سبحانه وتعالى على قلبه. ويطلق ويرد منه اسم المفعول فهو منبأ، فالله سبحانه وتعالى ينبئه بأمور تتعلق بالغيب أو بالوحي أو بالحقائق التاريخية التي تُؤخَذ منها سُنن الله سبحانه وتعالى في كونه، فهو قد نُبِّئ من قبل الله سبحانه وتعالى، ويُطلق التنبؤ على بعض العلم بالغيب. فالأنبياء كانوا يأتون لأقوامهم،
فلا بد أن يميز الناس من النبي ومن المجنون ومن المدعي الكذاب ومن الساحر ومن الكاهن، ولذلك كان لما يأتي. النبي وهناك رفض له في بداية الأمر، على الدوام يُتهم بهذه التهم الجاهزة، إما أن يكون ساحراً، وإما أن يكون كاهناً، وإما أن يكون كذاباً مفترياً، وإما أن يكون مجنوناً، وهكذا. النبي يُنبئ بشيء من الغيب فيذكره لقومه حتى يؤمنوا، ولذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان الأنبياء من قبله أصحاب معجزات خوارق للعادات. هذه الخوارق للعادات ترد على يد النبي من أجل أن يطمئن البشر.
هناك ما يسمى بمعجزة الرسالة وهناك ما يسمى بمعجزة الرسول. أما معجزة الرسول فهي عندما يرسل النبي إلى قومه خاصة فتظهر بعض المعجزات للبشر الذين كانوا حوله يرونها بأعينهم. أما معجزة الرسالة فهي تتجاوز الزمان والمكان وتبقى. إذا كان هذا النبي قد أُرسل إلى العالمين، لم نرَ في الأنبياء من له معجزة رسالة ومعجزة رسول إلا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. معجزة الرسالة هي القرآن لأنه معجز في ذاته وهو باقٍ عبر القرون، فهو كالنبي المقيم.
معجزة الرسالة الرسول رآها. أقوامه عدّوا له أكثر من ألف معجزة، منها تسبيح الحصى في يده صلى الله عليه وسلم، ومنها حنين الجذع إليه، ومنها فيضان الماء من بين أصابعه الشريفة، ومنها أن سجد له الشجر وكلّمه الحيوان، وهكذا يعني معجزات وخوارق للعادات كثيرة، حتى أنه قال: "كيف تكفرون وأنا فيكم"، وكان النبي صلى. الله عليه وسلم يُجري الله على يديه كل ما وهبه لغيره من الأنبياء من المعجزات. الإيمان بالرسول مهم، وأول تعريف له أنه مرادف للنبي. التعريف الثاني أن النبي أعم، الأنبياء
كُثُر، ثم بعد ذلك يصطفي الله من الأنبياء الرسل. الأنبياء من نُبِّئ لنفسه أو لغيره، ولكن الرسول يكون صاحب رسالة. للناس من عند الله، فإذا كان من أُنبئ لنفسه ولم يبلغ ولم يؤمر بتبليغ ذلك فهو نبي. أما إذا أُمر فهو رسول. وعلى هذا التعريف يتفق أكثر العلماء، وذلك لحديث وإن كان ضعيفاً في هذا الشأن، وهو أن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم عدد الأنبياء قال رسول الله: "مائة وأربعة وعشرون ألف نبي". فكم الرسل منهم؟ يبقى هذا المفهوم أن الأنبياء أوسع من الرسل، لأن الأنبياء يدخل فيهم من أُمر بالتبليغ ومن لم
يؤمر. فقال: "ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً". إذاً هذا هو التعريف الثاني. التعريف الثالث أن يُعكس ويقال الرسول هو أوسع من... النبي الرسول يعني الريح رسول والإنسان رسول وقد يكون الجن رسولاً وقد يكون الرسول في اللغة يُطلق حتى على غير من أوحى الله له. يعني الرسول هذا شيء كثير، لكن النبوة هي الأقل، فيعكس المعنى الذي قلناه. نحن هناك نقول: كل رسول نبي لكن ليس كل نبي رسولاً. هنا يقول كل نبي رسول لكن ليس كل
رسول نبيًا، هذا هو القول الثالث. هناك قول رابع أن بينهما عمومًا وخصوصًا وجهين. لا نريد أن نستفيض في هذا المعنى، لكن على كل حال هناك إيمان بالرسالة وبالنبوة وبالوحي وبالتكليف وبالكتب التي نزلت كتبًا مقدسة لأنها تحكي عن الله سبحانه وتعالى. فهي التي تبين لنا معنى الخير ومعنى الشر، معنى الحق ومعنى الباطل، معنى طريق الله سبحانه وتعالى وكيف نسير فيه. إذاً من مكونات العقل المسلم الإيمان بالوحي والرسالة والنبوة والكتب المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى.
وفي لقاء بعد ذلك سنرى كيف نبني من هذا الإيمان بقضية التكليف. السلام عليكم. ورحمة الله وبركاته