مكونات العقل المسلم | 5 | الأخرة | أ.د علي جمعة

مكونات العقل المسلم | 5 | الأخرة | أ.د علي جمعة - التفكير المستقيم, مكونات العقل المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع مكونات العقل المسلم وكيف تؤثر هذه المكونات في تعامل المسلم مع الحياة ومع العصر الذي نعيش فيه ومع الأحداث ومع الأفكار. العقل المسلم يؤمن بالله ويؤمن بالوحي والرسالة والنبوة والكتاب ويؤمن بالتكليف ولذلك. فهو يؤمن باليوم الآخر، واليوم الآخر هو يوم الحساب يوم
الدين، لأن الله سبحانه وتعالى ما دام قد كلفنا وأمرنا ونهانا، وطلب منا أن نفعل شيئًا أو أن نترك شيئًا، فإنه لا بد إذًا من الحساب والثواب والعقاب. وهناك تخيل عند بعض البشر دلهم عليه إبليس، يقول لهم أن الأرواح تتناسخ فتخرج من جسد الإنسان ثم تعود مرة أخرى من أجل نظرية الحساب هذه، الثواب والعقاب، فإن كان قد فعل خيراً فإنه يُمتَّع في الدنيا، وإن كان قد فعل شراً فإنه يُعاقب
في الدنيا وينزل في طبقة من المنبوذين من الناس الذين يعانون الجوع والعُري والمرض والجهل والنبذ من المجتمع. من المجتمع، بل إنه تمادى البشر وتكلموا عن أن التناسخ يكون بين الإنسان وإنسان آخر، ولكن هناك التفاسخ وهناك التراسخ. والتفاسخ هو أن تحل روحه في حيوان، فبدلاً من أنه كان إنساناً، فإنه بعد ذلك يحل في حمار أو في خنزير أو كلب. والتراسخ يحل في نبات، روحه تحل. في نبات
كل هذه الأفكار ما أنزل الله بها من سلطان، ولذلك يتميز عنهم المسلم ويقول: أنا مؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عنده يوم آخر، وهذا اليوم الآخر يتم فيه الحساب، ولذلك هو يؤمن بأن هذا اليوم ستُعرض فيه الأعمال على الله سبحانه وتعالى، وهو قد خلق الخلق ويحييهم كلهم. في المحشر ويوقفهم للحساب ويحقق معهم ويزن أعمالهم بميزان لا يكذب، وبعد ذلك يُخرِجُ نتيجة الحساب: الخيرات والحسنات في جانب، والشرور والمعاصي والباطل في جانب آخر، وتتم عملية مقاصة
بينهما، ثم بعد ذلك يخرج الإنسان إما إلى الجنة وإما إلى النار، وفي النار أيضاً إما أن يخرج منها إلى الجنة. بعد ذلك إن كان موحداً وإما أن يبقى فيها خالداً فيها أبداً، هذه الصورة من مشاهد يوم القيامة من وجود الجنة ومن وجود نار ومن وجود حساب ومن وجود ثواب ومن وجود عقاب ومن وجود ميزان ومن وجود كتاب أُحصيت فيه أعمالهم في الدنيا ومن وجود صراط يسيرون عليه وهذا منصوبٌ على النار يسيرون إلى الجنة، كل هذا التصور هو في وجدان المسلم وفي مكونات عقله في أن هناك يوماً آخر
سوف يقومون فيه للحساب، للثواب أو العقاب. المسلم في سلوكه اليومي يريد الثواب ويخشى من العقاب، فيؤثر ذلك كما قلنا في إقدامه وفي إحجامه. يفكر المسلم في أن يحصل. شهوة ثم يرى أن هذه الشهوة محرمة وتراه يبدأ في تحصيلها لأن نفسه تدفعه إلى تحصيل هذه الشهوة ثم يفيق ويتذكر فيحجم ويمتنع عن إكمال هذا الحرام. لماذا يفعل ذلك إذا كانت هذه فيها لذة وإذا كان هذا فيه منفعة؟ لأن المنفعة هي جلب اللذات ووسائلها ودفع
الآلام ووسائلها. فإذا كان في هذه المعصية لذة، فلِمَ يمتنع عن هذه اللذة؟ الإجابة أنه يؤمن بالحساب، وأنه يؤمن بيوم القيامة، وأنه يؤمن بالعقاب والثواب، وأنه يرجو ثواب الله ويخشى عقابه. وهذا الشعور والفكر والمكون العقلي الذي استقر في ذهنه هو الذي جعله يُقبل على الطاعات ويُحجم عن المعاصي. إذا كان الإيمان باليوم الآخر يؤثر عملياً في سلوكيات المسلم، فإن الإيمان باليوم الآخر يجعله دائماً
يختار الحق، ودائماً يختار الخير عند تذكره، وأيضاً يجعله لا يستمر في الخطيئة ولا المعصية ولا الشر إذا وقع فيها، فليتذكر فيعود. الإيمان باليوم الآخر عندما لا يكون واضحاً في ذهن البشر تراهم يتجرؤون الشر بكل وسيلة وتراهم لا يبالون وتراهم أنشأوا مقياساً آخر غير مقياس الحلال والحرام وهو مقياس المصلحة المحضة، والمصلحة الحقيقية تختلف باختلاف الأشخاص، فمصائب قوم عند قوم فوائد، وفوائد
قوم عند قوم مصائب، ولذلك تحديد هذا المعنى متعذر جداً أن نصف هذا الفعل بأنه حسن وهذا الفعل بأنه قبيح. من عند أنفسنا هذا أمر لا يمكن أن يتم لأن الناس تختلف في التقويم وفي المصالح بل إنها تتنازع في هذه المصالح. اليوم الآخر إذاً مكون مهم ومهم جداً في حياة المسلم. اليوم الآخر ليس فقط عقيدة بل إنه مكون من المكونات الذين يعني يقولون أنه ليس هناك يوم. آخر وأن الدنيا ستظل هكذا
أبداً وأن الروح الإنسانية تتناسخ أو لا تتناسخ، فالذين يقولون بالتناسخ يقعون في تناقض عجيب بسيط وهو أنه: حسناً، أنت الآن كانت هذه روحنا في اليوم السابق ثم حلّت فيك أنت. حسناً، أنت مؤمن باليوم الآخر أم لست مؤمناً باليوم الآخر؟ فقال: أنا مؤمن باليوم مَن منكما أنت أم نابليون الذي سيُحسب؟ نابليون قدَّم مقدمات وأنت قدمت مقدمات، من منكما يُحسب؟ ثم إن هذا التناسخ، هل سيتم مرة بعد مرة بعد مرة؟ يعني مثلاً روح نابليون هذه كانت في شخص قبل ذلك، والشخص قبل ذلك كان قبله آخر، طيب أيُّ واحد فيهم الذي هو... مسؤول عند الله ثانياً،
يعني نريد أن نفهم كيف أن هذه الروح مرة تفعل الخير ومرة تفعل الشر ومرة تفعل بين وهكذا. فكيف تُحاسَب؟ فيقول: إذا أنا أقول أنه ليس هناك يوم آخر، ومن هنا ما هو لا يحل هذه الإشكالات. وفي يوم القيامة، ما دام في يوم القيامة لا يمكن أن يكون الشخص عشرة لأنه من الذي سيُحاسب منهم، ولذلك يضطرون إلى أن يقولوا لا يوجد يوم قيامة. عندما ظهرت البهائية قالوا هكذا، قالوا لا يوجد يوم قيامة، انتهى الأمر، فكل فترة تدخل أرواحها في أرواحنا. حسناً، لا عليهم إيمان وعلينا منه، ولكن القضية أن التناسخ ضد العقيدة. الإسلام وعلى ذلك فالإيمان باليوم الآخر
مكون أساسي من مكونات العقل المسلم. قد يشترك بعض الناس في عقيدة التناسخ التي نجدها في الهندوسية والبوذية وبعض الشنتو، ولكنني أجد أن أهل الكتاب من المسيحيين واليهود وكذلك المسلمين لديهم هذا المكون من المكونات التي نراها، ولذلك إذا ما فهمنا ذلك. فهمنا لماذا كان أهل الكتاب هم أقرب الناس إلى المسلمين لأنهم يؤمنون بالإله، ولأنهم يؤمنون بالوحي وبالرسل وبالكتب، ولأنهم يؤمنون بالتكليف، ولأنهم يؤمنون أيضاً باليوم الآخر. إذاً، فما الذي بيني وبينه إذا كان هو متفق معي حتى الآن في تلك المكونات؟ الذي
بيني وبينه هو الإيمان بالنبي المصطفى والحبيب المجتبى. وما يترتب على ذلك من الإيمان بالقرآن وما يترتب على ذلك من الإيمان بالشريعة، ولكنه متفق معي في مساحة كبيرة جداً، ولذلك سميناهم أهل الذمة وسميناهم أهل العهد، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالوفاء بذلك العهد وبتلك الذمة، وقال: "من آذى ذمياً فقد آذاني"، لماذا؟ لأنه الفرق الذي... بيني وبينه هو سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، هو لا يؤمن به لأي سبب أو عارض كان، والمسلم يؤمن بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين وأنه صاحب الرسالة الأخيرة للعالمين وأن كتابه محفوظ إلى يوم الدين
بحفظ الله له "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". لكن لو أن أحداً أنكر الإله أو أنكر الوحي أو أنكر التكليف أو أنكر الرسالة والكتاب أو أنكر يوم القيامة فهو بعيد عني وليس قريباً مني. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.