مكونات العقل المسلم | 7 | المنهج | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. من مكونات العقل المسلم هذه المكونات المنهج، والمنهج أمر اهتم به المسلم اهتماماً بليغاً، ورأيناه بعد ذلك قد انتقل إلى العلم المادي التجريبي، وأخذه علماء الغرب عن طريق المسلمين في مواطن الاتصال بهم. في الأندلس وفي صقلية وفي غير ذلك من مواطن الاتصال، والمنهج والنهج والمنهاج في لغة العرب بمعنى واحد وهو الطريق. ما معالم الطريق الذي يسلكه المسلم وهو
يريد علماً من العلوم أو يريد سعياً بعد الوعي؟ المنهج بالرغم من أن لغة العرب تفرق بين الزيادة في المبنى والزيادة في المعنى. فتفرق بين الكلمة المكونة من حروف قليلة والكلمة المكونة من حروف أكثر في المعنى، فتجعل الزيادة في المبنى زيادة في المعنى. إلا أننا رأيناها هنا تقول أن النهج والمنهج - وهو أكثر من كلمة نهج، فالنهج ثلاثة حروف والمنهج أربعة، ومنهاج وهي خمسة - كلها بمعنى واحد ولا زيادة فيها، بأن
الطريق واحد مهما أطلقنا عليه من ألفاظ تشتمل على حروف زائدة، وهذا له معاني معرفية عميقة في هذا المجال. واللغة العربية هي من اللغات الراجح أن الله قد وضع فيها الإشارة إلى هذه المعاني والحكمة العميقة في أن المنهج حيث ما كان سواء كان على مستوى النهج أو سواء. كان على مستوى المنهاج فإنه شيء واحد يعرف المسلمون المنهج بأنه رؤية كلية ينبثق عنها نظام.
إذًا فنحن أمام رؤية كلية. رؤية كلية لماذا؟ يعني أنا أرى، ماذا؟ ورؤية كلية ما الذي أرى؟ الإنسان وهو محور الكون والحياة التي يحياها والكون الذي يحيط به وما قبل هذا الإنسان وما... بعد هذا الإنسان، فإن الرؤية الكلية هي رؤية شاملة للإنسان والحياة والكون وما قبل ذلك وما بعد ذلك، فهي إذاً إطار معرفي كبير ينبثق عنه نظام، وينبثق عن هذا النظام
أداة، وسنرى ما هي هذه الرؤية الكلية. الرؤية الكلية تجيب عما يسمى بالأسئلة الكبرى في حياة الإنسان التي حاولت كل من أين كنا؟ سؤال عن الماضي. ماذا نفعل الآن؟ سؤال عن الحاضر. ماذا سيكون غدًا؟ سؤال عن المستقبل. هذه أسئلة فلسفية كبرى. حتى تكون الفلسفة مذهبًا فلسفيًا، فلا بد لها أن تجيب على كل هذه الأسئلة؛ أسئلة تتعلق بالماضي، وأسئلة تتعلق بالحاضر، وأسئلة تتعلق بالمستقبل. ولذلك يتحدثون عن المشكلات الفلسفية الله والإنسان
والوجود والأخلاق والجمال والمنطق وكيفية التفكير وكل هذه المشكلات أجاب عنها الإسلام، وكل هذه الأسئلة أجاب عنها الإسلام، ولذلك يصح أن نكوّن مذهباً فلسفياً من الإسلام ومن إجاباته، لأن الإسلام يجيب على المشكلات الفلسفية العظمى والأسئلة الكلية الكبرى التي حيّرت الإنسان والتي جعلته يختلف فيما بينه وبين الآخرين. من أين جئنا؟ أجابت الإسلام الواضحة أن الله قد خلقنا. وتكلمنا عن الإيمان بالله. وماذا نصنع
الآن؟ إجابة الإسلام الواضحة أننا من المكلفين، أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب وأمر ونهى وكلّف. ولذلك فنحن قد كُلِّفنا بشرعٍ يجب أن نطبقه في هذه الحياة الدنيا. ماذا سيكون غداً؟ إجابة. الإسلام يشير إلى أن هذا العالم فانٍ وأن الله سبحانه وتعالى سنرجع إليه في يوم ما، وأن الله في هذا اليوم سيقدِّم العقاب والثواب للإنسان بعد قضية الحساب. إذاً فالإسلام يجيب على كل الأسئلة الكبرى التي حيَّرت الإنسان والتي اختلف الفلاسفة أيضاً فيها، بل إن بعض الاتجاهات الفلسفية قد نحت فقالت: أما من أين جئنا فلا إجابة عليه ولا
نشغل بالنا به، وأما إلى أين سنذهب فلا نشغل بالنا به أيضاً، وإنما علينا أن ننظر إلى وجودنا الحالي وأن نفلسف هذا الوجود ونرى من أين نأخذ مصادر معرفتنا ومن أين نأخذ معاييرنا في تقويم الخير. والحق والجمال، وهكذا إذا نحن تماماً مذهب متكامل فلسفي في رؤية كلية، تكلمنا عن بعضها باعتبارها من مكونات العقل المسلم، وسنظل نتكلم حتى نستوفي بعض مكونات العقل المسلم. هيا بنا نذهب إلى المنهج، رؤية كلية أجابت عن الأسئلة الكبرى،
انبثق عنها أداة ونظام نستطيع به أن نتعامل مع الأمور، فما... هذه الأداة رأينا هذه الأداة وفي تعريف مدرسة الإمام الرازي لأصول الفقه وبالتالي فسنجد هذا المعنى في علم أصول الفقه. فأصول الفقه عندهم وأول من كتب فيه وأبرز هو الإمام الشافعي في كتابه الرسالة: معرفة دلائل الفقه إجمالاً وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد عندما نستعمل هذا المكون العقلي نستعمل
هذا. التعريف ونقول إننا في المنهج الذي سوف نتخذه في البحث والتفكير وتنظيم العقل المسلم وهو يفكر ويبحث ويقوّم ويستنتج هي معرفة مصادر البحث وكيفية الاستفادة منها وشروط الباحث، ولذلك فالمنهج عند المسلمين يتكون من هذه الثلاثة. صحيح أن هذا موجود في أصول الفقه باعتباره أنه تعريف خاص بأصول الفقه لكن... وراءه تفكير مستقيم أخذه من منهج البحث، لا بد وأنت تدخل في أي بحث أن تعرف مصادر البحث، مصادر
المعرفة. تكلمنا عن مصادر المعرفة وعرفنا أن الإنسان يأخذ معرفته من الأكوان ومن القرآن. الإنسان المسلم يأخذ معرفته من الأكوان ومن القرآن، إذاً ليس في حاجة كما في خطاب بسنت مثلاً. لبابا الكاثوليك في أواخر القرن التاسع عشر حينما واجه الحداثة وأصبحت هناك مشكلة بين الكنيسة وبين الحداثة واعتبر أكثر من سبعين علماً أنها علوم باطلة وعلوم ينبغي علينا أن نبتعد عنها. ليست هذه الإشكالية موجودة عند المسلمين، بل الذي هو موجود عند المسلمين عكس ذلك، وهو أن هذا الكون نحتاج انكشافه وإلى
معرفة حقائقه التي خلقها الله، وأن هذه الحقائق التي خلقها الله لا تتعارض إطلاقاً مع القرآن، كما ذكرنا في مكوّن العلم قبل ذلك. معرفة المصادر: مصادر المعرفة هي الكون والقرآن، وكيفية الاستفادة منها. إذاً، فسوف أضع برامج، وهذه البرامج قد تتطور عبر القرون وعبر الأشخاص لدراسة هذه الأكوان. ولدراسة هذا القرآن كيفية الاستفادة منه ولدراسة السنة عندما ندخل في الدين مثلاً كمادة، فنقول: مصادر المعرفة لدي هي الكتاب والسنة وكيفية الاستفادة منهما. فوُضِع أصول الفقه لكيفية الاستفادة منهما. والركن الثالث من الأداة المنهجية هو شروط الباحث
أو حال المستفيد، أي أن كل علم له طريقته في الباحث ومصطلحاته طريقة استجلاب هذه المعلومات وتوثيقها والتأكد منها وربطها بعضها مع بعض والقيام بالاستنتاج والبناء على هذا الاستنتاج وكل ذلك يعرفه ذلك الباحث المتمكن، ولذلك لا بد أن يكون هناك شرط للباحث أو صفة لهذا الباحث، ولذلك لا يدخل الإنسان في غير مجاله ولا يهرف بما لا يعرفه، فلا بد من احترام التخصص هو من احترام العلم، وليس في العلم كهانة، فليس هناك
مانع من أن يكون المرء أبيض أو أسود، أعجمياً أو عربياً أو أي شيء آخر، ولكن المهم أن يكون عن علم وعن قواعد، وأن يكون منتمياً لطائفة هذا المتخصص المجتهد. المنهج رؤية كلية ينبثق عنها نظام أو أداة، معرفة المصادر وكيفية الاستفادة منها حلٌّ وشرطٌ للمستفيد، وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.