من يتوكل على الله فهو حسبه | الحكم العطائية | حـ 25 | أ.د علي جمعة

من يتوكل على الله فهو حسبه | الحكم العطائية | حـ 25 | أ.د علي جمعة - الحكم العطائية, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات الحكم العطائية. يقول السيد ابن عطاء وهو يقرر حقيقة مهمة في حياة المسلم تتعلق بالتوكل على الله من ناحية وبالدعاء له سبحانه وتعالى والالتجاء إليه وحده. في تفسير قوله تعالى "إياك نعبد وإياك نستعين" أي نعبدك وحدك يا رب ونستعين بك وحدك دون من سواك. يقول:
ما توقف مطلب أنت طالبه بربك، ولا تيسر مطلب أن تطالبه بنفسك. يعني ومن يتوكل على... الله فهو حسبه كما نص ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، يعني أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنك إذا أردت أن يُستجاب الدعاء وأن تصل إلى نجاح الطلب الذي تطلبه والرغبة التي ترغب فيها، فيجب عليك أن تطلبها بربك. وكان النبي صلى الله عليه وسلم دائماً يقول والذي نفس محمد
بيده، هو يعيش دائماً تحت سلطان الله وتحت أمر الله سبحانه وتعالى، وهو يعلمنا صلى الله عليه وسلم، فهو سيد الخلق وهو المصطفى المختار، يعلمنا أن الأمور إنما نطلبها بالله رب العالمين، وربنا سبحانه وتعالى يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها" زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، يعني عندما يسأل أحدنا أخاه في شيء من أمور الدنيا فيقول له: بالله عليك تفعل كذا. وكان سيدنا
عمر عندما يسمع هذا وعندما يأتيه شخص ويقول له: بالله عليك تفعل كذا، فإنه يفعله. وكان بعضهم يقول له يعني... هذا يخادعك فكان يقول مرحباً بمن خدعني في الله وخدعني بالله، يعني ما دام قال بالله عليك تفعل لي كذا، فإنه كان يبر قسمه تعظيماً لله سبحانه وتعالى. إذ الناس تعودت أن تسأل بالله، تتساءلون به والأرحام. هنا كلمة الأرحام في الآية فيها قراءتان، قراءة، قراءة الجمهور بالنصب، يعني ليست... هي معطوفة على الضمير،
وقراءة أخرى بالجر يعني "والأرحامِ" أو "والأرحامي"، وهي قراءة سيدنا حمزة. تسألون به وبالأرحام، أو هذه التقوى التي طُلبت منا أيضاً أن نتقي الأرحام، ونتقي قطعها، ونصلها كما أمرنا الله سبحانه وتعالى. قراءتان وكلتاهما من المتواتر، وكلتاهما معناها صحيح، وكل قراءة منهما تضيف إلى الأخرى معنى إنك إذا أردت إنجاح مقاصدك ومطلوباتك في الدنيا فعليك أن تطلبها بالله، وهذا قد تطلب بالله من الله سبحانه وتعالى، وقد
تطلب بالله من البشر. فإذا طلبت بالله من الله سبحانه وتعالى فهذا معناه "إياك نعبد وإياك نستعين"، إنك أفرغت وجعلت قلبك خالياً من كل توجه وكل اعتماد على غير سبحانه وتعالى، هذا كله يحتاج منا إلى تربية وإلى تدريب وإلى أن نعيش هذه المعاني، لأننا لو عشناها لوجدنا لها لذة ولوجدنا لها أثراً في الدنيا. يعني قضية الدعاء هذه قضية كبيرة جداً وتزيد من الإيمان، لأن ربنا عندما يستجيب دعائي تجد أنني قد ثبتني في الإيمان وحببني في الإيمان.
ووجدتُ طريقةً هي طريقةٌ مهمةٌ في قضاء الحاجات في هذه الحياة الدنيا، ما توقف مطلبٌ أن تطالبه بربك أبداً، لا يتوقف ولا يتخلف. دائماً عندما نسأل الله بذاته أو نسأل البشر بربنا سبحانه وتعالى أو حتى نستعين بذلك في أنفسنا، نجد أن الأعمال قد تحققت. هذا دليلٌ آخر على وجود. الله هذا دليل آخر يسألنا عنه الملحدون ويقولون أنتم لماذا تؤمنون بالله كل هذا الإيمان ولماذا لا نؤمن نحن؟ وتأتي
الإجابة بهذه الكلمة: إننا لنا تجربة مع الله سبحانه وتعالى، نصلي فنشعر براحة، نذكر الله فنشعر براحة، ندعو الله سبحانه وتعالى فإذا به يستجيب، نلتجئ إليه في مناجاة فإذا به يتمُّ المقصودُ ويتمُّ المقصودُ بصورةٍ غريبةٍ عجيبةٍ، فهذا الذي يجعلُنا نتمسَّكُ كلَّ يومٍ ويزيدُ إيمانُنا كلَّ يومٍ. فيقولون: نحنُ لم نُجرِّبْ هذا، لم نُصلِّ، لم نذكرْ، لم ندعُ، ولكنَّنا بعقولِنا هكذا، يعني نريدُ أن نتفلَّتَ، نريدُ أن لا يكونَ علينا تكليفٌ. هذا هو الفرقُ بينَ المؤمنِ وبينَ غيرِ المؤمنِ، المؤمنُ... توكل على الله ثم من تجربته
الروحية ومن تجربته العملية كل يوم يرى الله سبحانه وتعالى وكل يوم يزداد إيمانًا مع إيمانه وكل يوم يشعر بصدق هذا الوحي، فعندما ينظر إلى قوله تعالى "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" فيجد قلبه فعلًا يطمئن بذكر الله، عندما يجد أن الإيمان له حلاوة يجد أن غض البصر له حلاوة في القلب، وعندما يجد أن الخشوع في الصلاة له حلاوة في القلب، فإنه لا يستطيع أن يترك كل هذا من أجل قول قائل لم يجرب بعد هذه اللذة، ولا تيسر مطلب أن تطالبه بنفسك، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ومن يتوكل على الله.
فهي آية عظيمة جداً "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" يعني هو كفايته. "حسبنا الله ونعم الوكيل" معناها كفايتي ربي. ربنا كفاية، فهو الذي يكفيني وهو الذي يستجيب دعائي وهو الذي يحقق مطلوبي وهو الذي يوصلني إلى مقصودي، فهو سبحانه وتعالى قبل كل شيء ومع كل شيء وبعد كل شيء. كل شيء هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وبكل شيء محيط، ربنا سبحانه وتعالى عندما يستجيب دعائي وعندما أيضًا
يسارع في هواي، هذا في الدرجة الثانية، وهو كما قالت السيدة عائشة عندما قالت لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "أرى الله يسارع في ينفذ للإنسان الشيء قبل أن يطلبه أصلاً وقبل أن يدعوه أصلاً، وهذا حال الذاكرين المعلقة قلوبهم بالله رب العالمين، حال الذاكرين الذين يُقال عنهم في الحديث القدسي: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". هذه الحالة، حالة المبادرة من الله سبحانه وتعالى قبل الطلب، تتأتى بإخلاص العبادة
يجب أن نطلب من الله بالله رب العالمين، إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.