موعظة المؤمنين | باب فضل الجمعة وأدابها | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه اللهم اشرح صدورنا للإسلام واغفر ذنوبنا اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ونور قلوبنا بنور الإيمان وحببه لنا وزينه في قلوبنا وكره لنا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين ومع القوم الصادقين واجعلنا شهداء على الناس أجمعين وأقمنا حيث ما ترضى وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك ومن المعصية إلى الطاعة ومن
الضيق إلى السعة. اللهم اشرح صدورنا للإسلام وثبت أقدامنا في الجهاد في سبيلك وبلغ بنا دينك ورد علينا القدس ردًا جميلًا. اللهم يا أرحم الراحمين. أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم يا ربنا أقمنا بالحق وأقم الحق بنا. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا. علّمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وانصرنا بالحق وانصر الحق بنا. اللهم احشرنا تحت لواء نبيك يوم. القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً ثم أدخلنا الجنة من غير
حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب. اللهم فهمنا مرادك، اللهم أقمنا على سنة نبيك، اللهم اعف عنا ونور قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر غيوبنا وارزقنا علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ورزقاً واسعاً وعيناً دامعة. ونفساً قانعةً وشفاءً من كل داء، كن لنا ولا تكن علينا، وارحم حيّنا وميتنا، وحاضرنا وغائبنا، ووحّد قلوب المسلمين، وأقمهم حيث ما ترضى يا أرحم الراحمين، مكّن لنا في الأرض كما مكّنت للذين من قبلنا، وأعنّا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللهم صلّ وسلّم على صلِّ وسلِّم
على سيدنا محمد في الأولين، وصلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في الآخرين، وصلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في العالمين، وصلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين. قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في فضل الجمعة وآدابها. اعلم أن هذا يوم عظيم عظَّم الله به الإسلام وخصَّ به المسلمين. قال تعالى: "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع". تحرم الاشتغال
بأمور الدنيا وبكل صارف عن السعي إلى الجمعة. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "خير يوم طلعت عليه الشمس". يومُ الجمعةِ، وقالَ صلى اللهُ عليه وآله وسلم: "مَن تَرَكَ الجُمُعَةَ ثلاثاً مِن غيرِ عُذرٍ طَبَعَ اللهُ على قلبِهِ". فَمِمَّا اختصَّ اللهُ المسلمينَ به يومُ الجمعةِ، أخفاهُ اللهُ سبحانه وتعالى عن سائرِ الأممِ وهدى المسلمينَ إليهِ. وكانَ اسمُهُ في الجاهليةِ يومَ العروبةِ، ولكنهُ سُمِّيَ بيومِ الجمعةِ لاجتماعِ المسلمينَ فيهِ بعبادةٍ. ربهم بصورة مخصوصة تتقدمها خطبة يجلس
الخطيب بين الأولى والثانية فيها ثم يصلي بالناس ركعتين ثم بعد ذلك يحل ما كان محظوراً من البيع والشراء والانشغال بأمور الدنيا. والجمعة عيد في السماء فجعله الله في اجتماع المسلمين وكان فيها إشارة إلى أنه عيد في الأرض. والجمعة من خصائص هذه الأمة كثيرة تفردت بها معجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث إن الأنبياء من قبله قد وصفوه لأممهم، ومما وصفوه به هذا اليوم أن هذه الأمة التي
تتبع المسيح الذي بشر به موسى وبشر به عيسى وبشر به إبراهيم كما بشر به آدم، أن من خصائص هذه الأمة أن تجتمع. للصلاة في هذا اليوم فكل ذلك يصب في إثبات نبوة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فإن للأمة الإسلامية خصائص منها أنها الأمة الوحيدة التي تسجد لله فلا يسجد لله أحد من البشر سوى المسلمين ولو لم يكن في الإسلام إلا هذا لكفانا دليلاً على صحته وأنه الحقيقة الوحيدة في هذا العالم الذي لا تهتز باستهزاء المستهزئين المجرمين ولا
بتأويل المتأولين ولا تعطيل المعطلين لأحكام الله سبحانه وتعالى وأنواره أن تصل إلى قلوب الناس، وإنما قولنا كما قال سلفنا: حسبنا الله ونعم الوكيل، سيغنينا الله من فضله ورسوله، ومن خصائص هذه الأمة أن أبرز الله لها قبر نبيها ولم يبرز. قبر نبي قط بل كلها أوهام وحكايات وأساطير، فأصبحت هذه الأمة هي الأمة الوحيدة التي بها يثبت الدين لأن أحداً من العالمين لا يتصل سنده رؤية كابراً عن كابر إلا عند المسلمين. نحن الذين علمنا ربنا أن الإسناد من الدين، ووفق الأمة
لحفظ كتابها مسموعاً مقروءاً مكتوباً جيلاً بعد جيل. يأخذه الصغير عن الكبير والخلف عن السلف إلى أن يرقى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس هناك سند لأحد من الأمم قط، لا ممن ادعى أنه من عند الله ولا ممن ادعى أنه من عند نفسه، فلا يبقى سند في العالم، فما الذي يثبت وجود عيسى؟ وجود عيسى وما الذي يُثبت وجود موسى؟ لا شيء. ليست هناك لا آثار ولا نقوش ولا شيء مطلقاً. الذي يُثبت ذلك هو القرآن الكريم الذي ما زال معجزاً من ناحية ويرويه المسلمون بالملايين
عن الملايين إلى أن يرقى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إن كل عاقل لا يستطيع أن ينكره لأنه واقع محسوس ملموس لا تختلف نسخه باختلاف الأقطار ولا بكر الزمان، فالحمد لله رب العالمين: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾. ومما اختص الله به هذه الأمة أنه أكرمها فلم يخذلها قط، فبدأت الحرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فرد. من المشركين في مكة وظل هؤلاء يحاربونه في أصحابه وفي نفسه وفي دولته وفي مدينته إلى
أن ضغطوا عليه بالحرب فحاربوه أكثر من ثمانين حرباً في عشر سنوات، أي حاربوه كل ستين يوماً حرباً، كل ستين يوماً حرب، فنصره الله ولم تقف الحروب، جاءت لنا فارس والروم فنصرنا. الله وجاء لنا الصليبيون وجلسوا مائة عام فنصرنا الله، فجاء التتار فنصرنا الله ودخلوا في دين الله أفواجًا بدلًا من أن جاؤوا ليكسروا الإسلام، دخلوا الإسلام وأصبحوا من المسلمين وحسُن إسلامهم، وبقيت
الأمة. وجاءنا الاستعمار بكل ألوانه وأشكاله وسرقوا أموالنا وديارنا فنصرنا الله، وما زال هذا المسلسل القذر مستمرًا لم... يتوقف، فما الذي كان؟ ما الذي كان؟ كان أن زاد المسلمون فأصبحوا أكثر أهل الملل عدداً. الله! أهذا كلام معقول؟ ما هذا الأمر المثير للغيظ! حرب مستمرة منذ ألف وخمسمائة سنة بالإبادة الجسدية، فأبادوا المسلمين في الأندلس، وأبادوا المسلمين في روسيا، وأبادوا المسلمين في الهند والصين،
وأبادوا المسلمين وما يزالون. يبيدونهم إلى يومنا هذا وتسلطوا على بلاد المسلمين فاستعمروها وتسلطوا عليهم فسرقوا الناس واستعبدوهم. ذنوب أمريكا كلها قادمة من المسلمين في غرب إفريقيا. ألا توجد فائدة؟ ما هذه الواقعة؟ إنها أمر يثير الغيظ. أليس من الواجب أن يحن قلبك على هؤلاء الناس؟ هؤلاء الناس لا يعرفون ماذا يفعلون. ماذا؟ مساكين! حسناً قاتلونا وقتلناكم، جوّعونا وجوّعناكم، استعمروا واستعمرناكم ومستمر وليس هناك فائدة. حسناً، جعلوا المسلمين كسالى فأصبح المسلمون كسالى، وخوّفوهم فأصبحوا خائفين، والإسلام ينتشر. الله! وبعد ذلك،
لا إله إلا الله. حسناً، ماذا سنفعل؟ هيا نجلس للصلاة وندعو لأجل هذا أو ذاك ليرضى عنا. يا رب، خيبتنا! فهو ربنا. هو الذي فعل ذلك، ماذا أفعل إذن؟ فليذهبوا ويحققوا مع الله. هل سيبارزون الله بالمعصية؟ لأننا نحن لا شأن لنا. نحن أغلب خلق الله وأكثر خلق الله، ولم نترك شيئاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وطبقناه في أنفسنا، وما زال الإسلام ينتشر. إذًا وبعد ذلك، ماذا لو عدنا يعني هكذا همسًا، ماذا سيحدث؟ وماذا لو أحببناه في قلوبنا فانطبع هذا في سلوكنا، ماذا سيحدث حينها؟ هذا إذا كانت الحالة
متردية ولا نعرف ماذا نفعل، يا لها من حال! فما بالك لو أن القلوب قد صفت، ولو أن القلوب قد جعلته صلى الله حسنة أمامها بأنواره وتقف عند أقدامه من خصائص هذه الأمة أن جعلها الله واحدة في شهر صيامها وفي قبلتها وفي كتابها وفي نبيها وفي توحيد ربها سبحانه وتعالى فليس هناك نبي بعد ذلك النبي وليس هناك كتاب يضم إلى ذلك الكتاب وليس هناك قبلة يتشتت حولها المسلمون وليس
هناك شهر يختلفون في صيامهم، فبعضهم يصوم رمضان وآخر يصوم شوال دائماً. ومما أنعم الله به على هذه الأمة أن كانت أمة توحيد، فكانت أمة واحدة، كانت أمة متميزة، فأصبحت أمة واحدة متحدة. فكانت أمة متفردة، أي أنها فريدة متميزة. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾. هذه الأمة أكرمها الله فصدقها، ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا
الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً. انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، كيف سنعمل إذا ضاع قبره؟ كانت ستصبح الأمور منتهية ولا معنى لها. تأمل في الكون، والوحي بأيدينا، نحن الذين دوّنا المصحف فحافظنا عليه. ما غيرنا كان أكثر ولم يعرفوا كيف يحافظون على شيء، أما نحن فقد وجدنا الشيخ الحصري يقرأ القرآن مثل الشيخ الروكي الذي يقرؤه في أفريقيا ومثل الشيخ عبد
المتعالي الهندي الذي يقرؤه في الهند. هو نفسه، يصحح للطفل إذا أخطأ في المصحف. هو ليس فيه نسختان: مزيدة ومنقحة في مكتبة اسمها صبيح، جاء رجل من الأرياف، فضحكوا عليه وقالوا له: "أتريد أن تحفظ القرآن؟" فقال: "أنا لا أعرف". فقالوا له: "يوجد شيء اسمه مختصر القرآن، اذهب وأحضره واحفظه، فهو سهل، أسهل من القرآن". فلما نزل هنا، ذهب المسكين إلى مكتبة صبيح، رحمهم الله، وقال له: "هل لديك مختصر حسنًا، جلس وأخذ
يفكر: ماذا أفعل به؟ أأضربه أم أعلمه أم أعطيه للشيخ؟ وبينما هو يفكر، دخل شخص يسأل عن الكتاب، فقال له: "هل لديك مختصر صحيح مسلم للمزني للشيخ المنذري؟ مختصر مسلم للمنذري". فقال له: "خذ هذا". فالذي سأل عنه كان مختصر القرآن، فاعتبروا أنه مختصر صحيح مسلم. هكذا لأنه ماذا سيفعل، قال له: خذ هذا، هو مختصر مسلم، لأنه ما زال لا يعرف أن القرآن لا يتبدل ولا يتغير وليس فيه اختصار وليس فيه أي شيء. من الله علينا، ادعُ
ربنا أن يغفر لي، عليه الصلاة والسلام: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر قومٌ ذهبوا وأبرزوا قبره إلى الآن، والنبي يقول: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد". يريد أن يبين لك أن هذا الرجل العظيم الذي اسمه سيدنا محمد إذا دعا استجاب الله له. قامت الأمة بفعل كل خسة من بعده إلا أنها لم تعبد محمداً. بعضهم عبد سيدنا علي، وبعضهم كفر، وبعضهم ما يوجد طيف أبداً عبدَ سيدنا
محمد، هذا من عند الله. لم يكن ممكناً أن يقلد الناس المسيحيين والبوذيين وغيرهم ويقولوا: لماذا نحن بالذات؟ "اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة". لم يُقلَّد، ولم يكن هناك خمسة أو ستة أشخاص يتخبطون في أفكارهم ويعبدون محمداً أبداً تشريفاً له. هذا غير وارد. مِن عند الله أم لا؟ نعم، إنها من الله. هذا أمر يثير الجنون يا إخواننا. لو كانت هذه الحوادث والأحداث والأفراد ليست من عند الله، بل من عند غير الله، لأصبح الأمر مجنوناً حقاً. لقد ستر الله المسلمين وطمأن قلوبهم، وهو يطبطب عليهم، وجعلهم أمة تسجد، وجعلهم أمة تجتمع،
وجعلهم تعرف قبر نبيها وحماهم من عبادته وحفظ لهم الكتاب وكأنه قد نُزِّل الآن، أليس كل هذا كرماً؟ وأنت أمام هذا الكرم ماذا تفعل؟ تخرُّ ساجداً، عيناك تدمع وتقول له: "ياه ما أجملك يا رب هكذا"، وتقول له: "ياه، من غير حول مني ولا قوة أخرجتني". مسلماً فالحمد لله رب العالمين، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. ستقول له: ماذا تحمد الآن؟ فالحمد لا يكفي، ولكن تقول له: أنت كما أثنيت على نفسك وتنتهي. فيوم الجمعة يوم مبارك يدلنا على أن
الله قد فضّل بعض الأماكن على بعض، المسجد وما... ثمة مواضع للذكر ليست كالأسواق التي تشهد الأيمان الكاذبة والحلفان الباطل والنجاسات والقاذورات الظاهرة والباطنة. الكعبة، كما ورد في الحديث، النظر إليها عبادة، والنظر إلى الكعبة عبادة. وبابها يُسمى الملتزم لأنه مكان يُلتزم عنده للدعاء حيث يُستجاب الدعاء. تمسك به وتدعو فلا بد أن يُستجاب لك، وكذلك تحت الميزاب ومن صلى في حجر إسماعيل، ومن وقف مقابل الحجر الأسود الأسعد، إنها أماكن
طاهرة جميلة، ومن وقف على الصفا، ومن وقف على المروة وهو يسعى بينهما، وهو يطوف حول البيت الحرام كطواف الملائكة حول العرش. مكانته! فكما فُضِّل بعض المكان على بعض، كذلك فُضِّل بعض الزمان على بعض، ففُضِّل يوم على سائر الأيام وفضل ساعة في يوم الجمعة على سائر ساعاته على سائر ساعات الأسبوع. إن في الجمعة لساعة لا يصادفها عبد يصلي فيدعو ربه إلا استجاب الله له. وكان سيدنا عمر يقول إن صاحب الحاجة
يمكث اليوم كله. لقد اختلفوا أين هذه الساعة، فأخفى الله هذه الساعة في يوم الجمعة كما أخفى غيرها في غيرها، أخفى اسمه الأعظم في أسمائه الحسنى حتى تذكر بكل الأسماء الحسنى، وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، وأخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة، وساعة الإجابة في الثلث الأخير من الليل، وأخفى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وأخفى الصغائر في الذنوب لكي أين الذنوب كلها؟ أين الصغائر وأين الكبائر؟ قال لك: لا أعرف. حسناً، إذن اترك الذنوب
كلها. لا تحتقرن ذنباً صغيراً، فإن الجبال تتكون من الحصى الصغير. وولي الله بين الناس أكثر خفاءً. ولي الله بين الناس - فهذا الشخص الذي أمامك قد يكون ولياً من أولياء الله، فاحذر، احذر، يبدو هكذا حراً، لا، أنت الذي حر، هو ليس حراً ولا شيء، الله أعلم، فدعها تمضي هكذا، لا تتدخل، لا ترفع ذيلك، دعها تمضي هكذا بشكل جميل. إذا أخفى أشياء في أشياء، ففي ساعة في يوم الجمعة لا يصادفها عبد يصلي، فكانوا يقولون إنها بعد العصر، قالوا يا بعد العصر. في صلاة قال لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس
بعد الصلاة يسبح وكذا فهو في صلاة"، فتكون هذه صلاة أي امتداد، يعني امتداد الجلسة التي بعد الصلاة. وقيل إنها عندما يجلس الخطيب بين الخطبتين، لأنه عندما يدعو في خطبة النعت، الخطبة الثانية في الجمعة، اسمها خطبة. النعت كأنك تصف فيها ربك بما يستحق وتدعوه، هي مُصممة هكذا لتدعو فيها، فيسميها العلماء خطبة النعت. يعني الصفة. في خطبة النعت قال: تأتي بعد ذلك ساعة فتقوم فتلحق أن تدعو لنفسك وتقول: لعلها تكون ساعة الإجابة، يا رب تكون هذه ساعة الإجابة. فيوم الجمعة يوم عظيم.
شأنٌ تسعى فيه إلى الصلاة، ومن تخلف عن الصلاة بلا عذر. ما هو العذر إذن؟ المطر، المرض، كبر السن. قالوا: السمنة، شخص بدين جداً، خمسمائة رطل، لا يستطيع الحركة، لا يقدر على النزول، ولو نزل وصعد قد يُصاب بنوبة قلبية. ليس بالضرورة أن يكون ذلك من كثرة الأكل، ربما يكون المهم أنه بدين، ما أشد بدانته! إنه مفرط في السمنة، لا يستطيع أن يتحرك. قالوا: هذا لا تجب عليه صلاة الجمعة. صلاة ظهر الجمعة هذه مستقلة بذاتها أو أنها بديل عن الظهر. الراجح
أنها مستقلة بذاتها هكذا، ولذلك الإمام أحمد أخذ حديث مسلم أنه يجوز صلاتها في وقت الضحى. حديث نصلي وبعد أن نصلي نذهب، كان لم يؤذن للظهر بعد، وتجد الجماعة السعوديين يسيرون على هذا المذهب. عندما تذهب إلى الرياض تجدهم ينهون صلاة الجمعة في الساعة الحادية عشرة والنصف أو نحو ذلك، انتهوا من الجمعة وخلاص. حسناً، ربما هذا جائز، إنما إذا فعله أحد فهم مسلمون طيبون، وهذا يدل إنها صلاة مستقلة لأنها لو كانت تابعة للظهر تماماً ما كان فيها خلاف وما كان يجوز أن تؤدى قبل صلاة الظهر. الخوف
مثل أن يكون هناك مظاهرات أو إطلاق نار في الشارع أو ما شابه ذلك، فلا تذهب لصلاة الجمعة. أما من غير عذر، فقم، وليسامحك الله في المرة الأولى ثالث مرة، الثالثة، ما هي ثابتة؟ من أين جاء الناس بهذه الأمور؟ الذي يطلق المرأة الثالثة لا يمكن أن ترجع إليه زوجته، والذي يتغيب ثلاث مرات متتالية عن صلاة الجمعة يُطبع على قلبه والعياذ بالله. وما ضرر طبع القلب هذا؟ أنك تبقى شهوراً تذكر الله حتى يُمحى هذا الطبع. مثل عندما يكتب المرء بالحبر، وعندما يكتب بماذا؟ بالرصاص. الرصاص قابل
للمسح بسرعة، لكن الحبر لا تستطيع مسحه، تظل تحكه حتى يتمزق الورق. ومعنى الطبع في اللغة، طبع اللغة هكذا هو التنجيس والتدنيس. طبع على قلبه يعني أن هناك شيئًا غير نظيف وُضع على قلبه، ولذلك عندما جاءت انظر إلى العلاقة بين إسرائيل وقالوا نريد أن نفعل ماذا؟ تطبيع، يعني التنجيس. أتفهم؟ هذا من عند الله، وما شأني بذلك، هكذا اللغة. ماذا يعني التطبيع؟ التنجيس. قال بعد أن جعلوها دماءً ويقتلون أبناءنا في فلسطين، قال ما زلنا نُطَبِّع؟ أي تطبيع؟ يعني نُنَجِّس.
فقل ما تقول، ولن نتأثر. إننا لا نتقبل هذا التطبيع، فما مدى طوله؟ ثلاثون سنة حتى الآن، وها هو يدخل في الثلاثين. لماذا لم نطبِّع معهم؟ لأنهم مجرمون، أمة مجرمة، أمة تذبح الأطفال والشيوخ في دير ياسين وفي كفر قاسم وفي كل مكان. في البوسنة كانوا يحرقون المساجد، والملحدون الذين هناك والذين هم الصرب، والمسلمون وتركوها قالوا ديننا لا يسمح بأن نحرق الكنائس، لأن ديننا لا يسمح لنا بشتم سيدنا عيسى. حسناً، فمن يشتم
سيدنا عيسى منا ماذا يكون؟ كافر. وكذلك الأمر مع سيدنا موسى. ولكن عندما يسيئون أدبهم على سيدنا محمد سيد الخلق، هل يجوز أن نرد عليهم بشتم نبيهم؟ لا يجوز. انظر إلى انظر كيف نحن أناس راقون ومتحضرون. انظر كيف أننا لا نستطيع أن نسيء إلى آدابهم كما يسيئون إلى آدابنا. كيف ربى الله المسلم؟ ماذا علّمه ربه؟ نحن متربون حقاً، ومن يتطاول على سيدنا رسول الله فهو قليل الأدب وغير متربٍ. أما المسلم فقد رباه ربه، لذلك سكتنا وضبطنا أنفسنا وقال اسكت! الحقيقة هكذا أن هذا
الرجل عظيم الذي اسمه سيدنا عيسى، وأن هذا الرجل عظيم الذي اسمه سيدنا موسى، هذا كليم الله. حاضر، لأننا أصحاب حق وحقيقة. حق والحقيقة إن كل هذا منذ يوم الجمعة، نعم، الله لأن الله قد أكرمنا به. حسناً، لماذا أكرمنا؟ لأننا مؤدبين والمؤدب نعطيه جائزة ولا نشدد عليه، نعطيه جائزة والمؤدب نرحمه ولا نعذبه. بسم الله الرحمن الرحيم، ربك هو يكلمك، يقول لك ماذا؟ بسم الله الرحمن الرحيم، وليس بسم الله الرحمن المنتقم. يقول لك: بسم الله الرحمن الرحيم، يعني سأغمرك في رحمتي. الشيخ سيد: نعم يا حبيبي، يا رب هي ربٌّ يقول لي سأغمرك في
رحمتي يا حبيبي، يا رب رحمة، وإنه هو الغفور الرحيم. وبعد ذلك جلس سيدنا الشيخ الإمام الغزالي يخبرنا أن هناك أموراً وآداباً كلها تُظهر أن المسلم رجل مؤدب، شخص مؤدب هكذا مسلم. لماذا؟ ماذا يقول من هذه الآداب؟ يُستحب الغسل فيه حين تذهب. تغتسل، انظر النزاهة، انظر النظافة، انظر الحلاوة. تغتسل يوم الجمعة حيث تكون الدنيا مزدحمة، لا نريد العرق وما شابه وتكون متضايقاً. قم
فاغتسل وخذ من شعرك وقلِّم الأظافر. إنه والله ذاهب نظيفاً، وليست يداه مليئة بالقاذورات. يأخذ من شعره ويذهب مبكراً إلى الجامع. قم واذهب هكذا، استرح قليلاً من أجل هذه تكون في أمر جميل داخلاً وخارجاً، يجلس يذكر، يجلس يصلي، يجلس يتلو، يسير هكذا يؤدب نفسه، ليس يلعب كرة وهو ذاهب ويمرر الكرة، لا، إنه ذاهب بخشوعه هكذا. إذن ما فائدة هذا الخشوع؟ ينظم النفس، وتنظيم النفس ماذا يفعل؟ يهدئ البال، وتهدئة البال ماذا تفعل؟ تُحضِر الخشوع في الصلاة. هذه تهيئة للخشوع في الصلاة
متواضعاً مبادراً إلى ندائه تعالى، وبعد ذلك لا يتخطى رقاب الناس إلا إذا وجد فجوة قصّر الناس في ملئها، لكي يأتي الناس ويترك مكاناً لغيره. ولكن يجب ألا يستخف بالأمر ولا يركب رقاب الناس لأن هذا يعتبر فيه أنانية، وإذا دخل المسجد ركع ركعتين ولو الإمام يخطب، وهذا مذهب الشافعية، ولا يمر بين يدي الناس بل يجلس إلى أقرب أسطوانة، أدباً واحد نفسيته هادئة لا يريد أن يشاكس مع أحد،
نظيف في الخارج نظيف في الداخل. وبعد ذلك تبدأ الخطبة فيستمع للموعظة، فمن قال لصاحبه والإمام يخطب: "أنصت"، فقد لغا، قال: ومن لغا فلا من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت فقد لغا، هذا أخرجه كثيرون، أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم. أما هذه الزيادة "ومن لغا فلا جمعة له" فإنهم لم يخرجوها. شيخ مشايخنا الشيخ أحمد بن الصديق الغماري جلس يبحث عنها، وكان من كبار المحدثين، فلم يجدها، ثم بعد ذلك كان هنا عند... بحث
في شارع عبد العزيز فوجد نسخة من تاريخ واسط لبحشم، تاريخ واسط لشخص اسمه بحشم، فوجد الحديث مسنداً فيه وفيه الزيادة ولم تكن جمعة له، فقال لبائع الكتب: "الله يرحم الجميع، أشتري هذا". قال له: "نحن نطبعه يا مولانا". فقال له: "أشتريه بوزنه ذهباً"، يعني يضعه هكذا وينظر كم مقدار الذهب ويعطيه وزنه ذهباً، قال له الله: اشتره بوزنه ذهباً، هذا أنا كنت سأعطيك هدية لو كانت ثقيلة عليّ قليلاً، لكن لماذا؟
قال له: وجدت فيه سنداً لم أجده في كتب الحديث. انظر كيف كانوا يحبون سنة رسول الله. الشيخ أحمد بن الصديق كان يحفظ خمسين ألف حديث، زارَ الشيخُ محمدٌ أمينٌ البغداديُّ هنا، وزارُوه في خلوتِهِ في الظاهرِ جِشنكير، وجاؤوا ليصعدوا، فقال له: "تفضَّل يا سيدي أحمد بن الصديق، هو الصغير ومحمد أمين كبير". فأصبح أحمد يقول لمحمد: "تفضل يا سيدي، اصعد أنت أولاً لأنك الكبير". قال: "اخرجوا، وأنا أرى نور النبوة يتلألأ في صدرك". ما هو حافظٌ للأحاديث بأسانيدها وكان من كبار الحفاظ، قالوا: "إذا كنتُ أرى بعيني الآن أنوار النبوة تتلألأ في صدرك، فكيف أخرج؟" انتبه، إن من يرى أنوار
النبوة في صدر الحافظ للحديث النبوي يكون وليًا كبيرًا جدًا. هو الثاني، انتبه للكلام، وإنما يقول: "كيف أخرج وأرى؟" تتلألأ أنوار النبوة في صدرك، رضي الله تعالى عنهم. ولم يرض أن يخرج، فخرج الشيخ أحمد بن الصديق، ودعا له الشيخ محمد. دعا لمن؟ للشيخ أحمد بن الصديق. شيخ توفي سنة أربعين، والآخر توفي سنة ستين، أي بين وفاتيهما أربع وعشرون سنة، إذن هي سنة رسول الله. ما الذي نستفيده نعم، هذا مات وهذا
مات وهذا مات، لكن هذا نور. فعندما يكون حافظاً للنور يصبح شيئاً آخر. كيف أخرج وأرى نور النبوة يتلألأ في صدرك؟ أنوار النبوة التي هي الأحاديث والسنة. فجلس رضي الله تعالى عنه يبيّن لنا هذه الآداب التي تعني أنه لا بد من الجمع بين الظاهر. الطاهر وبين الباطن النقي فلا هذا يُغني عن ذاك ولا هذا يحل محل هذا أبدًا، فالظاهر والباطن أخوان بهما التقوى، وهكذا يعلمنا أهل الله رضي الله تعالى عنهم.