موعظة المؤمنين | باب فضيلة المكتوبة وباب فضل الجماعة | أ.د علي جمعة | بتاريخ 2004 - 06 - 11

موعظة المؤمنين | باب فضيلة المكتوبة وباب فضل الجماعة | أ.د علي جمعة | بتاريخ 2004 - 06 - 11 - إحياء علوم الدين
الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، يا رحمن يا رحيم نستغيث برحمتك يا كريم فأغثنا وأدركنا وأيدنا وأنزل السكينة على قلوبنا وثبت أفئدتنا وألق فيها حبك وحب. اللهم يا ربنا حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين
ومع القوم الصادقين واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وانصرنا بالحق وانصر الحق بنا. واحشرنا تحت لواء سيدنا محمد يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين اللهم يا ربنا صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى
آله الأبرار الأطهار وأصحابه الأخيار ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. فضيلة المكتوبة، تكلمنا المرة الفائتة على الأذان وكيف أنه يؤذن بدخول الصلاة وأنه ينقل العبد إلى وقت الصلة بالله، والصلاة خير. موضوع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "لا بارك الله في عمل يلهي عن الصلاة"، وقال: "إن عمود الأمر وذروة سنامه الصلاة"، وقال: "من ترك الصلاة
فقد كفر"، يعني فعل فعلاً من أفعال الكفر. وجاءه قوم يسلمون من وفد ثقيف، وكانوا يشترطون عليه الشرط الفاسد في الإسلام. فيقرهم عليه حتى عنون الفقهاء في كتبهم قبول الإسلام مع الشرط الفاسد، يعني يأتي الرجل ويقول: يا رسول الله، أسلمُ بشرط ألا تحرم علي الخمر، أو ألا تحرم علي الزنا، أو أن تتركني أفعل كذا وكذا من المعاصي. فيقبل إسلامه ويعيده مرة ثانية إلى حظيرة الإيمان وحلاوة الطاعة، لأن الإيمان. إذا خالط الإيمان القلب فإنه يزداد ويتمكن حتى يمنع صاحبه
من المعاصي ومن القاذورات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الإسلام مع الشرط الفاسد حتى قال العلماء: يُقبل الإسلام مع الشرط الفاسد إلا الصلاة. قالوا له: يا رسول الله، لا نريد أن نمرغ وجوهنا في التراب. قال: لا في دينٍ ليس فيه صلاة، يبقى إذاً الصلاة غير مقبولٍ أن نقبل الإسلام بدونها. يعني عندما يأتي شخص ويقول لنا: "عندنا في بلدنا الخمر منتشر، اتركوا لنا شرب الخمر"، نقول له: "حسناً، ادخل في الإسلام ونتفاهم في موضوع الخمر هذا لاحقاً". أو يقول: "إن الزنا منتشر في بلدنا"، فنقول له: ادخل فقط الإسلام وقضية الزنا
هذه سنقوم بتنظيمها لاحقاً، والله دع مسألة الصلاة هذه، لا نقول له أبداً لا يصح، ولا خير في دين ليس فيه صلاح، فالصلاة خير موضوع لأنها هي التي بعد ذلك سنحمل عليها الدين كله، وهناك حديث الولي أخرجه البخاري رضي الله تعالى عنه: "من عاد ومن والاني فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي
يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن استعاذني لأعيذنه، ولئن سألني لأعطينه. إذاً فالصلاة خيرٌ من صلاة النافلة وفي كلٍّ منهما خير لأن "خير" اسم تفضيل ليس على وزنه. "خير" و"شر" وزنهما ماذا؟ "أفعل". معناها "أفعل" لكنها ليست "أفعل"، هي "خير" و"شر"، لكنها كأنها "أخير" و"أشر"، كأنها هكذا. "خير" و"شر" بالذات بمعنى "أفعل" وهي ليست على وزن "أفعل". فـ"خير" هذه المكتوبة خيرٌ من. النافلة تعني في كل خير،
ولكن الخير الذي في المكتوبة أعلى من الخير الذي في النافلة، لأنه "ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه". وعلى ذلك فالمكتوبة هي الأساس. ولما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعرابي ناصح يسأل، ونُهي الصحابة عن السؤال فما سألوا. أكثر من ثلاثة عشر فقط، يعني كل الأسئلة التي وُجِّهت إلى سيدنا رسول الله كانت ثلاثة عشر سؤالاً، كلها موجودة في القرآن: "يسألونك عن الأنفال"، "يسألونك عن المحيض"، "يسألونك ماذا ينفقون"، "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه"، "يسألونك"... وهكذا، ولكن رسول
الله قال: "اتركوني ما تركتكم، إنما هلك الذين من هلك مَن كان قبلكم بكثرة ترددهم على أنبيائهم وبكثرة سؤالهم لأنبيائهم. لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم. إذا امتثلوا الأمر ولم يسألوا، ليس كما يحدث اليوم حين تفتح الباب فيأتيك الشاب ومعه أربعون سؤالاً. الأمم السابقة سألت وتراكمت الأسئلة عليها وكفرت بها، ثم أصبحوا بها، أي بسببها، كافرين. لا يجب أن أتأكد أنا أعمل
مثل من؟ كالبقرة التي لليهود، ظلوا يسألون عنها حتى كادوا أن يضلوا. وقال: "لا تتخذون سنن الذين خلوا من قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم وراءهم". فنهانا عن أن نمتثل لهم أو نقلد مناهجهم أو نسير على طريقهم لأن... الله قد كفانا بسيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم وأرشدنا إلى الحق وإلى الحقيقة، فتكلم عن يوم الجمعة فقال: هُدينا إليه ولم تُهدَ إليه اليهود ولا النصارى. اليهود أخذوا السبت والنصارى أخذوا الأحد، ولم يعرفوا أن يجدوا اليوم الذي هو عيد في السماء. وقال في القرآن: من ابتغى الهدى غيره أضله الله، فأنت إذا
أحببت الهدى أول كلمة "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين". إذا أردت الهدى فاقرأ القرآن، خذ هداك من القرآن ولا تأخذ هداك من غيره وإلا أضلك الله. فلما كفانا بسيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم فأرشدنا إلى الحق وإلى الحقيقة وعلمنا مواقيت التي بها الشأن كله عند الله سبحانه وتعالى خيرها المكتوبة، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، ولذلك سُميت مكتوبة لأن المكتوبة بمعنى المفروضة. فجاء الأعرابي يسأل، وكانت الصحابة تحب الأعرابي الناصح، ليس
هناك أعرابي يدخل متمتماً: "نعم، أنت يا محمد، أنا هذا محمد، أعطني إبلاً"، هذا هو. أحمق إذًا أنه لم ينتبه من الذي أمامه، فالنبي كان يمشي في مكة وأبو لهب رآه، بعينه نعم، لكنه رأى فيه يتيم أبي طالب، أما لو كان رأى فيه سيد الخلق لآمن على الفور. عمه وأبناؤه أخذوا بنتي رسول الله، الأنوار كلها، ولكن... لا فائدة، فأنا لا أراه. ما الذي يراه فيه يتيم أبي طالب؟ أنت لست أنت الذي كان ربك أبو طالب، نعم هو كذلك، فأنا لا أراه. هناك أناس هكذا لا ترى بسبب عنادك. فالأعرابي الذي يدخل واضعاً عقله في غنمه أو
بقرته أو إبله يصبح عبداً لأنه أمامه سيد الخلق أيُّ كلامٍ هكذا، لكنَّ الرجلَ العاقلَ كانَ يدخلُ فيسألُ في الدينِ وهوَ أعرابيٌّ، يعني مرفوعٌ عنهُ الآيةُ والألمُ والتكليفُ لأنهُ في جفوةٍ هكذا، هذه طبيعتُهُ. أمَّا الصحابةُ الذينَ حولَ سيدِنا رسولِ اللهِ فتأدَّبوا بالأدبِ العالي، وهذا يأتي ويذهبُ، خلاصٌ سيذهبُ، إنَّما أيضاً فضلٌ عظيمٌ أنْ رأى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ. عليه وسلم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآه دخل الجنة وهو مؤمن دخل الجنة، وعدا هكذا: من رآه وهو مؤمن به ومات على إيمانه دخل الجنة. يعني قد عبر القنطرة، فهي عملية صعبة جداً أن
شخصاً يرى هكذا. يعني هذا الأعرابي لو رأيناه لقبّلنا فوق قدميه، لكننا... نتحدث الآن عن مقام رسول الله، نقول إنه ساذج لماذا يعني في مقام رسول الله، أما هو في ذاته لو ظهر الآن هنا، وهو سنقطعه قطعاً ونقبله ونفعل به هكذا، لماذا؟ لأنه رأى سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، نعم بالطبع من أصحابه وإن لم يكن قد صاحبه السنة. والسنتين أو غزا معه الغزوة والغزوتين الذين هم أصبحوا الصحابة الذين حوله أولئك الذين في المدينة الذين تربوا معه صلى الله عليه وسلم، لكنه آمن ومنّ الله عليه برؤية الحبيب جهاراً عياناً نهاراً، فدخل فقال:
"يا رسول الله، يزعم رسولك أن الله قد أرسلك بكلمة التوحيد، والذي خلق السماوات والأرض." نعم، والله الذي أرسلك بكلمة التوحيد. قال: والذي خلق السماوات والأرض، إن الله أرسلني بكلمة التوحيد. إن رسولك يزعم أن علينا في اليوم والليلة خمس صلوات. نعم، والله الذي خلق السماوات والأرض. هل الله أنزل عليك؟ نعم، إن الله أنزل علي خمس صلوات. واستمر هكذا حتى أكمل أركان الإسلام الخمسة. فقال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: لا. قال: والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص. قال: أفلح وأبيه إن صدق، لو صدق أن وفَّقه
الله على أن يحافظ على هذه الخمسة كما ينبغي أن يحافظ المسلم عليها، يفلح عند الله. أفلح وأبيه. انصرف. قال صلى الله عليه وسلم في شأن... المكتوبات الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، فنحن لدينا كبائر وصغائر، وفائدة الصلاة أنها تغسل الإنسان من الصغائر خمس مرات يومياً، ثم تأتي الجمعة، فإذا كان هناك مكان كالكوع لم يُغسل بعد، أو بقعة لم تزل عالقة لأنك كنت ظالماً فيها قليلاً. قم يوم الجمعة
لتؤديها، فهي مثل الفم الثاني هكذا. أليس كذلك؟ قم ليغسلك خمس مرات في اليوم، وبعد ذلك يغسلك كل أسبوع مرة، التي هي حمية العيد. فانظر كيف أن الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. فيجب علينا أن نعرف ما هي الكبائر وما هي توجد ذنوب كبائر وصغائر، وقد أخفى الله الصغائر في الكبائر حتى نجتنب الذنوب كلها. ما هي الذنوب الصغيرة والكبيرة؟ إن كنت لا تعرف، فاجتنب جميعها. لا تستهن بصغيرة، فإن الجبال تتكون من الحصى الصغير. اجعل الذنوب كبيرها
وصغيرها ذلك هو التقوى، واصنع كما يصنع من يمشي فوق أرض الشوك يحذر الحصى عندما تكون صغيرة وصغيرة تُكوِّن جبلاً بعد ذلك، فلنتجنبها كلها. أخفى الله ثمانية في ثمانية، فأخفى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وأخفى اسمه الأعظم في أسمائه الحسنى، وأخفى السبع المثاني في القرآن العظيم، وأخفى الصلاة الوسطى في سائر الصلوات، وأخفى الكبائر في سائر الذنوب، وأخفى... ولي الله في الناس يعني يمكن أن تقابل شخصاً تظنه إنساناً عادياً وهو ولي الله، ولكن ليس بشكله الذي تتوقعه. ما عليك بشكله أو عدم شكله، احترم الناس جميعاً إن شاء الله، حتى وإن
كان أياً كان، ليس لك شأن بذلك وإلا ستكون متكبراً. من الممكن أن هذا الشخص الذي تكون ماذا؟ أتحسب أن الإنسان الذي أمامك قد يكون من أولياء الله، وستكون ليلتك سوداء مظلمة إذا اعتديت عليه بهذا الأسلوب. إنه سبحانه أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة، وأخفى ساعة الإجابة في الثلث الأخير من الليل، ثمانية في ثمانية. ولماذا كل هذا؟ من أجل... أن يجعلك تهتم بالعبادة وتبتعد عن المعاصي، طيب ابن فورك يقول: الكبيرة علامتها أن يرد فيها لعن من الشارع،
الذي هو الكتاب والسنة، الشرع يعني الشريف، الله هو الحاكم هو الشارع الذي يشرع، فلو أننا وجدنا ذنباً عليه لعن، يكون معلوماً مباشرة أن هذا اللعن يفيد. أنه كبير أو نجد أن عليه حداً على هذا الذنب، حدٌ مثل الزنا مثل السرقة مثل القتل مثل غير ذلك، فيكون فيه حد إذاً فيكون كبيراً، أو الخلود في النار، قال أنك إذا دخلت النار أو وصفه بالكفر، الشرع وصف هذا الفعل بماذا؟ بالكفر، فيكون ما دام وصفه. بالكفر يصبح كبيرة من الكبائر، إذًا سنجد
من الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين والكذب والسرقة والزنا والافتراء على المحصنات وشهادة الزور والسحر، كل هذا من الكبائر التي ورد فيها اللعنة. اجتنبت كل هذا، ولا تفعل هذا، ولكنك تفعل أشياء أخرى. كل بني آدم خطّاء، ولكن خير الخطائين التوابون. وسُئل صلى الله عليه وآله وسلم أيُّ العمل أفضل؟ فقال: "الصلاة لمواقيتها". أفضل العمل الصلاة لمواقيتها، فينبغي للمرء أن يحرص على الصلاة كثيراً لأنها الإناء الذي
سوف يفتح الله بسببه عليك، أو إذا لم يفتح عليك وضع فتحه فيها في الصلاة. فالصلاة هذه مسألة مهمة جداً، وكان أبو بكر رضي الله. عنه يقول: "إذا حضرت الصلاة قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فأطفئوها". الذنوب نار، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. إذاً دائماً ما نشبه الذنوب بالنار، ونحن جالسون طوال النهار نوقد ناراً من الذنوب التي نرتكبها. لو تركناها، ستحترق حياتنا. فماذا نفعل؟ نطفئها، وبماذا نطفئها؟ بالصلاة، بالوضوء، بالصدقة، بالاستغفار، بالقراءة.
القرآن دعا إلى السعي لطلب الرزق وعمارة الأرض، وكل هذه الأمور من مكفرات الذنوب والآثام. الشيخ جعفر الكتاني ألف كتاباً اسمه "شفاء الأسقام في مكفرات الآثام". ما الذي يكفر الذنب؟ كل هذه الأشياء، ومنها أن تعين أخاك المتعب، فإذا ساعدت شخصاً متعباً وحملت عنه متاعه وأنت تسير في الطريق، فهذا والتبسم في وجه أخيك صدقة. انظر إلى هنا أخي، أنت متعب من الداخل فقط، ومع ذلك عليك أن تُظهر أسنانك وتجعل شفتيك بجانب أذنيك، وتصبر على الناس. نعم، الناس مزعجة، لكن
هكذا دائماً. أنت متعب من الداخل، متعب داخلياً، ولكن دع عنك هذه الحالة المتجهمة دائماً. هم بالطبع لا يهتمون لا نعلم أنك متعب أو أي شيء، وإن التبسم في وجه أخيك صدقة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وهكذا. ثم تحدث عن فضيلة الجماعة وأن الدين جماعة، فسيدنا رسول الله يقول هكذا، إنه يجعل منا أمة واحدة. لم يتركنا كل واحد يصلي بمفرده، بل
جميعنا نصلي معاً، وإذا الأعظم ومن شذ في النار، نحتاج هذا الحديث، وهو أخرجه ابن ماجة. في عصرنا كل واحد إذا رأيت هوى متبعًا وإعجاب كل ذي رأي برأيه وشحًا مطاعًا ودنيا مؤثرة، فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة. أين خاصة نفسي؟ قال: الجماعة. قالوا: أين الجماعة؟ قال: الحق الذي تركه. لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للحافظ السجدي أين الجماعة؟ قال: أنت الجماعة. يعني يمكن أن تكون الجماعة شخصاً واحداً لأن معه الحق. "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة". صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ الذي
هو المنفرد بسبع وعشرين بين كل درجةٍ والأخرى مسيرة خمسمائة عام، تفضل ماشياً بالضوء مسيرة خمسمائة سنة حتى تصل إلى الدرجة. إذن فضل الجماعة هذا فضلٌ كبيرٌ جداً، فلا نتهاون فيها إلا لعذر. فإذا كان هناك عذر، كشخص مثلاً صاحب عذر سلس البول، فإنه يتوضأ ويصلي مباشرة حتى يحافظ على وضوئه. لا بأس، من الأفضل أن يترك صلاة الجماعة؛ لأننا نريد صحة الصلاة قبل مسألة الجماعة. لكن المعتاد أن يحافظ الناس على صلاة الجماعة ويدركونها لأن فيها بركة وفيها إشارة إلى وحدة الأمة، وقد قال: "من شهد
العشاء فكأنما قام نصف الليل، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة". فينبغي الحرص على تعديل قيام الليل، ولذلك مرة كان الإمام الشافعي - وكان الإمام أحمد يُعظِّمه جداً ويسير بجوار ركابه، فالشافعي راكب الفرس وأحمد يمشي وراءه، وهو يتلقى عنه - قال: هذا يوفر الوقت. فقال إسحاق بن راهويه: أتسير خلف هذا؟ فقال: لو عرفته لسرت من الناحية الأخرى. فكان الإمام محمد يُعظِّم الإمام. الشافعي: وعندما يُحب شخص آخر، تجد أبناءه في البيت يحبونك لأنهم يتذكرون أن أباهم يذكرهم بالخير عنك. والشخص
الآخر الذي يبتسم لك في وجهك، تراه في ابنه، حيث ينظر إليك ابنه من أعلى إلى أسفل هكذا ويُعطيك ظهره، فتعلم أن هذا الرجل لا يذكرك إطلاقاً بكلام طيب، ولكن الأطفال تكشف عليك أن تعلم، نعم، فيبدو أن أهاليهم قالوا لهم إن هذا الرجل جيد. فالإمام أحمد قال لأولاده إن هذا الرجل عظيم جداً، وهو الإمام الشافعي. فجاء وبات عنده ليلة، ومن الذي راقبته؟ البنت، ابنة الإمام محمد. وجدته قد صلى العشاء في جماعة وقبل الفجر قام. فتقول لأبيها: "أين العظيم إذاً؟ الليل نائم أم استيقظ أم ماذا؟ كنت أنتظر أنه سيقوم الليل ويستمع إلى القرآن وما شابه ذلك، مثل الشيخ الفلاني والعلاني، شيء من
هذا القبيل. فسمعها الإمام الشافعي وقال لها: "حللت ستين مسألة، وهذا هم المسلمين وأنا نائم. إن نومي هذا، يا عزيزتي، وأنتِ ساهرة تفكرين في هموم المسلمين، هو من الصلاة؟ وكيف ستُكتب عند ربنا؟ ها هو قد صلى جماعة في العشاء وصلى جماعة في الفجر واهتم أيضاً بأمر المسلمين. "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منا". اهتم بأمر المسلمين، ولذلك نقول للحكام: يا حاكم، أنت وهو صلِّ فقط لتصبح من كبار أولياء الله الصالحين، فقط صلِّ. حافظ على الصلاة فقط، وبذلك تكون ممن في عصرنا هذا يحافظ على الصلاة، واجعل
همَّ المسلمين في قلبك في مشارق الأرض ومغاربها، وهنا وهناك، ستكون دائماً من كبار أولياء الله الصالحين. لسنا راضين، ماذا نفعل؟ نقول يا جماعة إن هذا الأمر مفتوح، والله لم يضيّق المسألة أبداً، ماذا تريد أنت؟ أريد يا سيدي، فقط صلِّ الصلوات الخمس كما أنت وضع هم المسلمين في قلبك، ستصبح من كبار أولياء الله الصالحين. فاللهم يا ربنا وفقنا لما تحب وترضى، ومن علينا بالتقوى والطاعة وصلاة