موعظة المؤمنين | بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال الصلاة | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم اشرح صدرنا للإسلام وثبت قلوبنا على الإيمان واهدنا إلى أقوم طريق لا يهدينا إليه إلا أنت، وافتح علينا فتوح العارفين بك، ورقق قلوبنا لذكرك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وفهمنا من كتابك. مرادك وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا، حبب لنا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره لنا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا
من الراشدين ومن المتقين ومع الصادقين، أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتنين، اغفر وارحم وتجاوز عما. تعلم أنك أنت الأعز الأكرم. قال رضي الله تعالى عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: باب بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال الصلاة. الصلاة إنما هي لحضور القلب، والحضور معناه أن القلب يحضر في حضرة القدس، وحضرة القدس معناها أن تكون. مع الله والمعية
يشعر بها الإنسان ولا يحسن التعبير عنها بلسانه ولا باللغة لأن المعية درجة وليست لكل أحد، وهذه الدرجة ولأنها ليست لكل أحد فإنه لا يعرفها إلا من ذاقها، ومن ذاق عرف، ومن عرف اغترف، لأن من ذاق وعرف حلاوة الإيمان فإنه لا يتنازل عنه أبداً وإذا دخل. الإيمان الحقيقي في درجة الإيمان قلب المؤمن فإنه لا يخرج أبداً. قالوا إن أول علامات دخول
الإيمان في قلب المؤمن، أول العلامات، رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام. فإذا رأى أحدنا نبي الله في المنام على هيئته التي وردت بالشمائل، فإن ذلك يكون من البشرى التي تقول. له: اتقِ الله فإنك على أول الطريق، وفي تشجيع وفي بشرى. ولا يعني هذا أن الذي لم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على شر، بل لم يُبشر بعد. قالوا: ونهاية هذا أن ترى النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً، يعني في اليقظة هكذا، وليس في الحلم. والثانية
في العلم فمن رآه يقظة ختم له بخير. اللهم اجعلنا منهم ممن يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامهم أبداً. وكان المرسي أبو العباس دفين الإسكندرية يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة دائماً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" يعني. قد يراني في اليقظة، ويعني قد يراني قبل وفاته، ويعني قد يراني يوم القيامة. فسيراني في اليقظة يعني يوم القيامة، ولا نُحجب عنه صلى الله عليه وسلم، فيتشفع فينا ويقول: "يا رب، أصحابي أصحابي". إذاً،
فرؤية النبي صلى الله عليه وسلم إنما تنشأ من حضور القلب، ولذلك قالوا: إذا ذُكرت. الله كثيراً رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وكان المرسي يقول لو غاب عني طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين، ونحن منّا أصبحنا مسلمين وانتهى الأمر هكذا، هو الذي أحسن ونحن منّا. هو يقول هكذا، أما نحن فلا دخل لنا، "لو غاب عني طرفة عين" يعني معه دائماً. وكان الإمام السيوطي أميناً لمكتبة المحمودية. مكتبة المحمودية عندما تسيرون هكذا في الغورية إلى الخيامية بعد بابيلة ستجدونها على يساركم موجودة حتى الآن.
كان أمين مكتبة لديه كتب كثيرة، فجلس يقرأ ليل نهار، وكان كثير الذكر حتى أنه كان يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيصحح. عليه الحديث يعني يقول له: "يا سيدي، أنت قلت هذا الكلام أم لم تقله". الحديث الذي فيه شك هكذا، السند واضح، خلاص لا يسأله عن السند، ليس هناك موضوع. لا يشغل باله، فهي فترة بسيطة يريد أن يستغل الوقت فيها. أما إذا اشتبه عليه الكلام وفي مثل هذا يعني "قيل وقيل"، فليقم بالسؤال. ويكون معلِّماً على الأشياء، فعندما يراه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقظت سيدنا رسول الله. وما رأيك في هذا الحديث، أصحيح هو أم لا؟
عليه الصلاة والسلام بركة، فاللهم أعِد لنا البركة. فقال له أحدهم ذات يوم: توسَّل لي عند الحاكم الفلاني. وكان الحكام يُحبونه، وكان الغوري، السلطان الكبير رئيس البلد، يُجلسه في مجلسه يستفيد منه هو والذي قابله توسل إليه عند الحكام، فقال له: "لا، فهذا لي أوراق موقوفة". فتوسل إليه قائلاً: "مصلحتك شخصية ومصلحة المسلمين عامة، ولو ذهبت إلى الحكام ولو في شفاعة انقطع عني رسول الله صلى الله عليه وسلم". أنت تدرك يعني أن الدخول على الحكام له شروطه، فليس من الشروط أن أذهب لكي أنهي لك أوراق الأرض
الخاصة بك وتستفيد أنت، وبعد ذلك أذهب فلا أجد رسول الله، أيرضيك ذلك؟ قال له: لا، لا يرضيني. قال له: ابقوا على السلامة، ليس الآن، بل لاحقاً إن شاء الله. حضور القلب يُظهِر للمؤمن خفايا الكون، والصلاة خير موضوع كما قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم، والخشوع في الصلاة من علامات المؤمنين. ولأننا لا نخشع لا يحضر القلب، ولأنه لا يحضر لا نرى شيئًا، ولأننا لا نرى شيئًا ننكر ونقول: ما هذا الكلام؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ لا، ليس كلامًا فارغًا، بل أنت الفارغ، أنت خاوٍ من الداخل يا مسكين. أَرِق الإناءُ وما هناك شيء، لا
تُصلي بشكل صحيح، ولا أنت خاشعٌ في صلاتك، ولا أنت حاضرُ القلب، ولا تنكشف لك أسرارُ الكون حتى يزداد إيمانُك وتتعلم الأدب مع الله، فلا تعترض على مراده ولا على قضائه ولا على قدره، وتكون مؤمناً قوياً لأن الدنيا في يدك وليست في. قلبك بدلاً من ذلك تنكر لأنك لم تعرف ما هو المرء، عدو ما جهل. فواحد جاهل هذا فيقول لك: لا يوجد، أنا لم أذهب إلى السفارة للندن فإذاً لا توجد لندن. لم أر الكعبة فإذاً لا توجد كعبة. أيكون هذا كلاماً؟ أكل شيء لم تره يكون غير موجود؟ ولذلك... قالوا فقد الوجدان لا يلزم منه فقد الوجود قاعدة.
ماذا تعني قاعدة "فقد الوجدان"؟ تعني أنه ليس لازمًا أن فقد الوجدان أو عدم رؤية الشيء يعني أنه غير موجود قطعًا. لماذا؟ لأن الإنسان محدود في زمنه، محدود في مكانه، محدود في قدرته، محدود في إرادته، محدود في... شخصه محدود في حاله، كله محدود، محدود في علمه، محدود في عقله، في قلبه، في نفسه، في روحي، إذًا أنت محدود، فكيف تستوعب؟ اللا محدود لا يمكن، فلتستحِ إذن واعرف قيمتك. قيمتك لا تتأتى إلا بما أقامك الله فيه، متى تكون إنسانًا حسنًا هكذا أيها الإنسان؟
عندما تكون ممتثلاً لأمر الله تعالى ممتثلاً لتوجيهه وإرشاده، فإن كنت كذلك فأنت عبد رباني، وإن لم تكن فسنرجع مرة أخرى: أنت تساوي كم؟ حللوا الإنسان فوجدوا فيه كالسيوم وفوسفور ومغنيسيوم ومغناطيس وما إلى ذلك، وجدوا بمائة وخمسة وسبعين قرشاً. مائة وخمسة وسبعون قرشاً، يعني أنت بأكملك تساوي هذا المبلغ. كم في الميزان؟ سبعون كيلو؟ مائة كيلو؟ مائة كيلو. هناك أناس أكثر من مائة. تخضع للرجيم كله بمائة وخمسة وسبعين قرشاً، لأن الباقي مياه، يعني أي كلام. مائة وخمسة
وسبعون قرشاً قيمتك هكذا. لكن عندما تكون عبداً ربانياً، ما أشد حُرمتك على الله! وَلَلمؤمن المسلم أشد عند الله. حرمة منك تساوي الكثير عندما تكون عبداً. ما معنى أن تكون عبداً ربانياً؟ يعني أن تكون حاضر القلب. إذا سمعت نداء المؤذن وهو يقول: "الله أكبر"، فاحضر في قلبك هول النداء يوم القيامة. كل هذه وسائل لتصل بها إلى الحضرة القدسية. تخيل هكذا يوم القيامة والنداء مثل الميكروفون وينادي عليك يوم... القيامة تعني يوم الحساب، يوم الفضيحة. أي فضيحة؟ الفضائح التي ارتكبتها في الدنيا. أتتذكر حين اغتبت
فلاناً ودبرت لإيذاء علان، وأضمرت في نفسك الشر ضد كذا وكذا؟ كل هذا سيكون مكشوفاً أمامك إذا لم يسترك ربنا. ولذلك نقول: "اللهم استر"، فالستر الجميل هو هويتنا. ضعافٌ أنا، ليس لي دعوة، أنا مخطئ، ترابٌ ابن تراب. تفضل تقول هكذا لأن الفضيحة تكون مدوية. ما كنت فيه يظهر في الوجه كالمرآة، ويتضح أنك كنت في القفز العالي، وحينئذٍ ستتعب. ولذلك ربنا كريم حليم ستار يستر، والذي فعلناه في الخفاء وتواضعنا، وكم من معصية أورثت
ذلاً في القلب. هي خير من طاعة أورثت كِبراً. عندما ارتكبت المعصية في الخفاء وتعبت نفسياً، قلت: انظر، أنا أفعل هكذا، أنا سيء. هذه أفضل من أن أصلي ركعتين في جوف الليل وأقول: أنا شخص صالح. قد تكون المعصية محنة وفيها منحة أمامك، تستطيع أنت تحويلها إلى منحة. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. أعم أعمال سيئاتهم حسنات، أعمال السيئة تتحول إلى حسنة، كيف؟ بالندم، بالخبوت، بالخشوع، بالرجوع، بالتوبة، بالتواضع. هذا أنا لا شأن لي، أنا تراب بن تراب، عدم، لا
شيء. يعني الشيخ أحمد رضوان، رضوان الله عليه، ينزل هنا في فندق رضوان الذي بجانبنا، هذا سمَّوه فندق رضوان على اسمه، وكان من أهل التمكين وكان يقول من لا شيء وهو يكتب الرسالة بدلاً من أن يقول من أحمد رضوان شيخ المشايخ التقي النقي، لا يقول ماذا؟ من لا شيء. هو الذي لا شيء، أما نحن فماذا؟ شيء. نحن شيء، هل تعلم؟ شيء بمائة وخمسة وسبعين درهماً. من لا شيء إلى المحب فلان الفلاني كذا. كذا كذا كذا لا شيء أحمد رضاه من أجل أن يعرف ما هو هذا اللاشيء، لا شيء اسمه لا شيء. وكان الشيخ محمد أمين البغدادي
يقول له: "يا شيخ"، فيرد: "أنا شيخ ماذا؟ الشيخ هذا شيخ، هذا تركناه في السليمانية، الشيخ عمر شيخ عثمان طويلة، أنا تراب بن تراب، قولوا لي يا". تُراب، ألا تقولوا لي شيخٌ. هذا حال مَن حضر قلبه أول الطريق استحضارَ يوم القيامة. فأول ما تسمع الأذان تتذكر يوم القيامة. فكروا أنه ماذا سيكون؟ يوم حساب. يوم حساب يعني ماذا؟ ثواب وعقاب. ثواب على ماذا؟ الطاعات التي قصرت فيها. وعقاب على ماذا؟ على المعاصي التي أكثرت منها. إذن... الحكاية خاسرة أم رابحة؟ يبدو أنها خاسرة. هذا هو بداية الكلام. فيكون أول الأمر الخوف. حسناً، وتشمر بظاهرك وباطنك للإجابة والمصارعة.
هل الخاسر يتمادى في خسارته؟ أم إذا فُتح له باب الفضل والربح ولجه ودخله؟ طبعاً لو كان أمامك شيء فيه ربح، يجب أن تذهب إليه. فأنت خاسر، ولذلك يجب عليك أن تعوض. اعمل مع الله، فأنت عليك مليون جنيه وسيأتي لك مائة ألف هم وتقول لهم: لا، هذا مستحيل، أنا أريد المائة ألف وأريد أن أزيد منهم أيضاً، فتذهب مباشرة لتأخذ الربح. إن المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون باللطف يوم العرض الأكبر، ولذلك كان هناك علاقة بين تلبيتك. للصلاة وانظر كم هو فضل الجماعة
وبيِّن حالك مع الله الذي يحافظ على الجماعات ينوِّر قلبه. وأما الطهارة، فعندما سمعت النداء جئت إلى المسجد، ولما وصلت إلى المسجد وجدت أنهم قد جدَّدوا دورة المياه، وبارك الله في من جدَّدها. دخلت لأتوضأ بعد أن سمعت النداء، تتوضأ، فإذا أتيت بها في مكانك وهو ظرفك الأبعد ثم في ثيابك وهو غلافك الأقرب ثم في بشرتك وهو قشرك الأدنى، فلا تغفل عن لبك الذي هو ذاتك وهو قلبك، فاجتهد له تطهراً بالتوبة والندم على ما فرطت. إذا أول
ما تدخل تتوضأ الوضوء، تفعل به ماذا؟ تطهر بدنك من الأنجاس، حسناً، هنا شيء هكذا ليس... نظيفة نجسة أزلتها وبعد ذلك توضأت ووجدت شيئاً ما أيضاً دماً أو شيئاً على الفوطة، أزلته وغسلته بالماء هكذا. الحمد لله أصبحت طاهراً في البدن وطاهراً في الثياب وأيضاً متوضئاً. يكفي هذا ظاهراً، فإن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم. حسناً، فلأطهر ما بالداخل. إذاً لا بد من الظاهر والباطن معاً، فلا يصح أن أطهر ما بداخلي وأقول: إنني والله قد طهرت باطني، سأذهب لأصلي المغرب ثلاث ركعات
وأنت غير متوضئ، هذا لا يصح، لأن قلبك حينئذٍ لا يكون طاهراً ولا فيه طاعة، لأن الوضوء قبل الصلاة من الطاعة، وأنت قلبك خالٍ منها. طاعة يصبح قلبك أبيض لازم تتوضأ، هل يكفي الوضوء؟ لا، أنت اشتريت هكذا الكوب، الكوب سقيتك ورويتك، لازم الماء، أين الماء؟ في القلب، إذن لازم تطهر قلبك يا حبيبي. أول شيء في الطهارة أن تجعلها رمزاً لما في الباطن، ولكن أن تجعلها يصبح لازماً أن نتوضأ. الفرق بين الباطنية الملاحدة. والصوفية هي أن الباطنية اكتفوا بالباطن دون الظاهر فضلوا وأضلوا وأنكروا الشريعة فخرجوا من الملة، لكن الصوفية جمعوا بين الباطن
والظاهر وجعلوا الكل لله. هذا هو الفرق بين الإيمان والكفر، هذا هو الفرق بين السماء والأرض، هذا هو الفرق بين اللبن وبين الطين، هذا وحل وهذا كان رسول الله صلى. الله عليه وسلم إذا شرب اللبن قال: "اللهم زدنا منه"، وإذا شرب أو أكل أي شيء آخر قال: "اللهم ارزقنا خيراً منه"، إلا في اللبن يقول ماذا منه فقط؟ يدل على أن اللبن هذا أفضل شيء، لماذا قال ذلك؟ لأنه يقول "منه"، فليس هناك شيء أفضل منه، وإلا لكان قال. خيراً منه، حسناً، هل يوجد شيءٌ أفضل من اللبن أبداً؟ إذا لا بد من الطهارة الظاهرة والطهارة الباطنة. وأما ستر
العورة فاعلم أن معناه مقابح بدنك. يا سلام! هؤلاء الناس يفهمون بشكل جيد جداً. يأتي ليقول لك الآن أصل جسد المرأة فتنة، ويقولون عنها ماذا؟ فاتنة. وماذا تعني فاتنة؟ تعني جميلة. يسمع الكلام ويفهم الكلام. فاتنة وهو يقول: "لا، انتبه، نظرك إلى هذا الذي تشتهيه. انظر، أنت تشتهيه حقيقةً، إنما هو مقابح بدنك، إنما هو قبيح، أي بدنك. أنت تظن أن عورتك هذه من السرة إلى الركبة عند الرجل، وجسد المرأة
إلا الوجه والكفين، تظن أنها فاتنة جميلة؟" وأنها تخفي هذا الجمال أبداً بينك وبين نفسك وربك، وذلك لأنه لا يطّلع عليه بأمر الله إلا بشروط من الزواج وما إلى آخره. إنها مقابح وليست مفاتن. ما هذا؟ هو يفهم، يفهم أن القبح، يفهم ماذا؟ أن القبح والحسن إنما هو بمراد الله. القبح والحسن ليس خاصته. هذا وقت الخمر هكذا. وجدتُها جميلةً، هذه ليست جميلة، هذه قبيحة! بالعكس، أراها جميلة وأريدها. نعم، أنت
ترى القبيحة حسنة لأنك تعاني من انحراف. زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث. الله! أليست كل هذه الأشياء جميلة إذاً؟ أليس الخيل جميلاً؟ إنه جميل ولكن... بإذن الله المرأة ليست جميلة جمالاً كبيراً، وكذلك بإذن الله الرجل ليس جميلاً جمالاً كبيراً، ولكن بإذن الله، حسناً، خارج إذن الله يصبح قبيحاً. إذاً من الذي يحدد القبح والحسن؟ الله. هذا هو الفرق الذي بيننا وبينه، هذا هو الفرق الذي بيننا وبينه، الذي بيننا وبين العالمين. ما الذي يميز المسلمين عن غير المسلمين؟ هي. من الذي يحدد القبح والحسن؟ أأنت بطبيعتك هكذا من غير حاجة تمشي كذلك وتتركه لله في
الدنيا، أم الله رب العالمين هو الذي يقول لك هذا شر وهذا خير؟ هذه هي القضية. حسناً، عندما آتي لأسرق، أليست السرقة أمراً حسناً؟ ستزيد أموالي وستزيد متعتي. حسناً، عندما آتي... اقتل ما القتل حلو لأنني سأصبح جباراً والناس تخافني وتفعل ما أريده وإلا أقتلك أنا قتل اقتل. مَن الذي قال أن هذا شر؟ الله! ومَن الذي قال أن قيامك بالليل ووضوءك على المكاره وذهابك في الظلمات إلى المساجد خير؟ قد تتعثر أو يهاجمك كلب أو... شيء من ذلك، هو قال الله، فيكون إذاً لازم نَعُدَّ الرحمة
ونَعُدَّ المحنة، أن الحسن والقبح إنما هو من الله، فالمقابح الفتنة، يقول لك هذه فتنة فاتنة أو فاتن أبداً، وأما ستر العورة فانظر ماذا يسميها، ليست المفاتن، العورة، فاعلم أن معناه مقابح بدنك عن أبصار الخلق، فإن ظاهر بدنك موقع لنظر الخلق، فما بالك في عورات باطنك وفضائح سرائرك التي لا يطلع عليها إلا ربك؟ فأمرنا الله أن نستر هذه الأمور عن أعين الناس بالشروط المحددة. إذن هذا الكلام ليس مني ولا منك ولا من المرأة التي جاءت وقالت
إنها تكره الحجاب وهي... محجبة قالت: لا تدخلي الجنة مباشرة لأنك مع كراهيتك للحجاب ارتديته. لماذا تحجبت؟ خوفاً من الله وطاعة له. إذاً، كراهيتك للحجاب لا تؤثر عليه سواء أحببته أم كرهته، والوضوء على المكاره يعني أنك إذا كرهت الوضوء لكنك توضأت مع ذلك قائلة: "بسم الله يا معين"، وفعلت ما أُمرت به. "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ"، ستُثاب عليه. لا، عندما تجعله لله، أنا أريد أن أُجرح وأريد أن أُقتل وأريد أن أرجع ناقص رِجلٍ، مع شيء أيضاً يجعل المرء يخاف، ولكن ما رأيك أنك
ستدخل الجنة وليس بينك وبين الجنة إلا أن تموت؟ إذاً، إذا لم يكن كلما كرهت شيئاً لا تفعله، افعله حتى لو كنت كارهاً له، ولك الثواب فيه. أيتها المرأة المحجبة التي يضيق عليها الحجاب وتكرهه، استمري محجبة ولكِ الثواب، وبعد ذلك قد يفتح الله عليها فيما بعد حتى يصبح هواها تابعاً لما جاء به المصطفى، وتقول: "يا الله، هل كنت مجنونة؟ إنه شيء جميل جداً". من الذي وضع في القلب الكراهية أو وضع في القلب الرضا والهوى؟ الله يفتح عليك،
خلاص طهرنا البدن والثوب وأجبنا المؤذن وسترنا العورة واستقبلنا القبلة. سنذهب لنستقبل القبلة الآن. الله أجر. أما الاستقبال فهو صرف الظاهر، فهو صرف لظاهر وجهك عن سائر الجهات إلى جهة بيت الله الواحد. كان من الممكن أن يذهب إلى أي مكان، ينظر للشرق، ينظر للغرب، ينظر، وكنت تدخل. تجد مسلماً يصلي هكذا، وآخر يصلي هكذا، وآخر يصلي هكذا. لو لم يُطلعنا الله على مسألة البيت الحرام، وهو محل نظر الله، فيلتف حوله المسلمون في العالم التفافاً واحداً، يظهر عنده ويختفي بعيداً عنه. إن
الدوائر لا تتضح إلا بالقمر الصناعي، فتظهر في بيت الله الحرام. نفسه تجدهم حوله هكذا هو ظهرت ها هي كلما ابتعد عن مكة كلما اختفت اختفى هذا لكنه واقع أم ليس واقعاً هل هناك شيء يكون واقعاً ومختفياً قال يا أخي النجوم مع الشمس النجوم مع الشمس هل النجوم في الصباح غير موجودة هي موجودة لكنها غير مرئية وعندما أضربك على أخبره أنه سيُريه النجوم في وضح النهار. حقاً تبدأ في رؤية النجوم وسيُريك النجوم في وضح النهار! عندما تشرق الشمس تختفي النجوم، ليس لأنها عُدمت بل لأن قوة
الشمس... أرسل الله الأديان لتضيء للناس وتعلمهم الطريق، فلما ظهر الإسلام وظهر نور النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك. كظهور الشمس مع النجوم، فهل كانت هذه الأديان بطلت؟ يعني إنها لم تبطل لكنها اختفت. لماذا اختفت؟ هل أنت ترى الآن بنور الشمس أم بنور النجوم؟ في الصباح أصبح هناك نور الشمس فلا حاجة لنا بالنجوم. هل أنت منتبه؟ نعم. وأما الاستقبال فهو أن تصرف وجهك عن كل الجهات. إلا عن محل نظر الله سبحانه وتعالى وهو البيت الحرام
فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره، فقد طفنا حوله وأصبحت قبلة لأن موسى قال: "واجعلوا بيوتكم قبلة"، "واجعلوا بيوتكم قبلة" تعني أن كل واحد يرى بيته أين ويجعله قبلته، لكن هدانا الله سبحانه وتعالى. إلى البيت الحرام الذي هو مثابة للناس، أفترى أن صرف القلب عن سائر الأمور إلى أمر الله عز وجل ليس مطلوباً منك؟ يعني لا بد عليك وأنت قد صرفت وجهك إلى بيت الله الحرام أن تصرف قلبك عن
كل شيء إلا الله. "أنا أغنى الأغنياء عن الشرك"، يبقى إذا ربنا... ما يحب الشريك يجب عليك أن تخلي قلبك من التوكل والاعتماد على أي أحد سوى الله، وهذه دلالته، ما الاستقبال؟ فكما أنك تستقبل بوجهك القبلة فلا بد أن تستقبل بقلبك رب العالمين. اللهم يا ربنا اشرح صدورنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر يا ربنا أمرنا وأجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة وكن لنا ولا تكن علينا واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا
تجعل فينا شقياً ولا محروماً اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار باعد بيننا وبين خطايانا ما بَعُدَتْ بين المشرق والمغرب