موعظة المؤمنين | فصل في كيفية الوضوء | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم يا ربنا اشرح صدورنا للإسلام واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر غيوبنا وأجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة. اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك وعلمه بين يديك فارحم ضعفنا وكن لنا ولا تكن علينا. وارحم حيّنا وميتنا وحاضرنا وغائبنا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا. اللهم
حبّب لنا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكرّه لنا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومع الصادقين ومن القوم المتقين. اللهم يا ربنا أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين. جنّبنا الخطأ والخطيئة. اللهم يا ربنا ارحم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم اجعل لنا نوراً، وفي سمعنا نوراً، وفي بصرنا نوراً، وفي
عصبنا نوراً، ومن أمامنا نوراً، ومن خلفنا نوراً، وعن أيماننا نوراً، وعن شمائلنا نوراً، ومن فوقنا نوراً. وَمِنْ تَحْتِنَا نُورًا وَاجْعَلْ لَنَا نُورًا نَرَى بِهِ الْحَقَّ حَقًّا وَنَتَّبِعُهُ وَنَرَى فِيهِ الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَنَجْتَنِبُهُ. اللَّهُمَّ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ارْحَمْنَا، وَيَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ أَغِثْنَا، طَهِّرْ قُلُوبَنَا وَأَخْلَاقَنَا وَأَعْرَاقَنَا، وَثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى الْإِيمَانِ، سَدِّدْ رَمْيَ الْمُجَاهِدِينَ وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ فِي سَبِيلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَتَقَبَّلْ عِنْدَكَ الشُّهَدَاءَ وَرُدَّ عَلَيْنَا أَرْضَنَا وَاحْمِهَا. أعز عرضنا وارفع أيدي الأمم عنا. اللهم يا أرحم
الراحمين وفقنا إلى ما تحب وترضى، وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، وارحمنا برحمتك، وافتح علينا فتوح العارفين بك، واسلك بنا الطريق إليك. اللهم نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. اللهم يا رب العالمين إنا نعوذ بك مما استعاذك سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعبادك الصالحون ونسألك من كل خير سألك منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون. اللهم يا رب العالمين استجب دعاءنا ولا تردنا خائبين. قال رضي الله تعالى عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. فصل في كيفية الوضوء، شرط الصلاة
الوضوء. فلا بد من التطهر من الأنجاس والأرجاس، ولابد من التطهر من الأحداث، والوضوء إنما يزيل ما قام بالجسد من مانع يمنعك من الصلاة، وهو الذي يسميه الفقهاء الحدث. فالحدث أمر وإن كان اعتبارياً لا نراه، لكنه قائم بأعضاء الوضوء، يمنع من صحة الصلاة، يعني لو اندفعت إلى الصلاة بدون وضوء. لا تصح صلاتك فلا بد إذاً من الوضوء، والصلاة عماد الدين، فالوضوء مقدمتها
وشرطها، فلا تقبل صلاة من غير طهور، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، يعني لا بد أن تتطهر. والأحداث كان يراها أهل الله من كبار الأولياء، فإذا رآك عرف بنور الله. إذا ما كنتَ متوضئاً مستعداً للصلاة أو كنت غير ذلك، ولهم في ذلك قصص عجيبة عندما اشتغلوا بكتاب الله وشغلوا قلوبهم به وتركوا الدنيا وراءهم ظهرياً، وجاهدوا في سبيل الله لا يبغون إلا الله، نوّر الله قلوبهم
وأبصارهم وبصائرهم، فأراهم الأحداث، بل إن بعضهم كان يرى الذنوب في الوجه التي هي ما المِئضَة؟ مكان الوضوء. بعد أن تغتسل، يقوم ينظر هكذا إلى المياه التي تنزل منك ويعرف كل المصائب التي فعلتها. عندما ترتكب المعاصي وتذهب لتتوضأ، فإن الله يغفر لك. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "يا رسول الله، فعلت كذا وكذا" لذنب اقترفه. قبّل امرأةً فقال له: "هلّا توضأت ثم صليت ركعتين؟" فالشيخ من هؤلاء كان قديماً في الأزمنة الماضية، لا أعرف إن كان موجوداً الآن
أم لا، ينظر إلى الماء هكذا، ثم يقول له سبب ذلك، ويعرف الذنب الذي ارتكبته، لأن هذا الذنب قد نزل مع ماء الوضوء الذي توضأت به من بالله تعالى هو يفتح لك الطرق لكي تعود لكي تستحي وترجع. كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون. لا تيأس، فابن آدم هكذا كثير الشكوى، ولكن مفتوح له الجانب الآخر. هذا من الأسرار، هل يوجد أحد من الخلق يعرف هذا؟ لا أحد يعرف أنه عندما يذهب ليتوضأ. قُمْ ولا تدعه يقول لك هذا خرف، حسناً ماشٍ، لكن عندنا هذا السر، يكون الوضوء هذا سر الآية يغفر الصغائر، قال: "إلا اللمم" الذين يجتنبون
كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم، فقال ابن عباس: "يذهبه الوضوء"، يعني اللمم يذهبه ماذا؟ الوضوء. في النظر المحرم، السمع المحرم، جاءتك شهوة هكذا. تسمع أخاك وأخاك الآخر يتحدثان في أي أمر، فهذا خطأ في الأذن، ما زلت فعلتها. قم بالوضوء، فهو ينظف الآذان، وينظف العين، وينظف الأنف من الشم الحرام، وينظف الفم من الكلام. اغتبت شخصاً هكذا أو شيئاً ما، قلت هو فقط، وهذا يعكر البحر ذنباً. حسناً، وبعد ذلك نحن جميعاً هالكون. هكذا نحن طوال النهار بعدها نقول هو وإياه، أجل هذا بكل اللغات. قال: لا، إن الوضوء بماذا يساعدك؟ يطهرك. فاللهم طهرنا
من ذنوبنا وأخرجنا منها كيوم ولدتنا أمهاتنا وافتح لنا صفحة جديدة مع ملائكتك يا أرحم الراحمين. فإذا الوضوء هذا له سر، كانوا ينظرون هكذا يرون الأحداث وينظرون. ويرون الذنوب. كان سيدنا الشيخ الشاطبي، هذا الرجل من العلماء الكبار خاصة في القراءات السبع. اختار السبع، سبع ابن مجاهد، وقام بتأليف "حرز الأماني"، وإلى يومنا هذا تُحفظ الشاطبية لكي تحصل على الإجازة في القرآن. هذا الرجل الشاطبي كان من أولياء الله المُنوَّرين، وكان ضريراً، أي
لا يُبصر. أنت الذي لا ترى، أنت لديك عين وغيرها وما إلى ذلك، ولكن المسألة ليست هكذا، ليست بصراً فقط، بل هناك بصيرة. فقد كان ضريراً وكان يجلس في الحلقة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء، فكان يبدأ بمن على يمينه في القراءة ليسمعه. لكي يصحح له وبعد ذلك في يوم قال له اقرأ، فقرأ الدور على الذي بعده من على يمينه حيث أن النبي يحب التيامن في كل شيء، فتركه وقال له لا تقرأ، اقرأ الذي بعده. فالرجل عندما قال له لا تقرأ، أخذ في نفسه وقال: "الله، الشيخ غاضب مني!
ولا اليوم سيحرمني من القراءة أم ماذا بالضبط؟ فألهمه الله وذكره أنه على جنابة. يا الله! وكيف عرف الشيخ ذلك إذا كنت أنا نفسي لا أعرفها؟ من أين عرف الشيخ ذلك؟ فقام وذهب واغتسل وعاد وجلس في مكانه. وكان الشيخ جالساً يمشي في سلسلة الحلقة إلى أن عاد، فقال له: "اقرأ"، قال حدثنا الشيخ الجاد الرب رحمه الله، وكان يُسمى بالشافعي الصغير لأنه كان من كبار علماء الشافعية، أنه كان يدرس هو وزملاؤه على الشيخ المعداوي الصعيدي بالظاهر جاشنكير، وكان
الشيخ ضريراً. فدخلوا عليه مرة وكانوا ستة، فقال: "اخرجوا، فوالله ينقطع هذا الذي يبارز الله بالمعصية، بل ويفضح على رؤوس الأشهاد خارجاً". وطردهم، وبعد أربعة وعشرين ساعة وجدوا اسم أحدهم معلقاً على باب الدرس. كانت الكلية هنا حديثة النشأة، كلية الشريعة، أنه قد ارتكب الفاحشة وفُضح وقُبض عليه متلبساً وطُرد من الكلية. فعادوا إليه وأصبحوا خمسة، واحد سقط مسكين
في الطريق، سقط مع الله لأن الله يستر ثم يفضح، فنحن دائماً نقول... ما هذا! استر العيوب واغفر الذنوب، فعادوا إليه قائلين له: علمنا الآن سيدنا الشيخ، أهذا وحي أم إلهام أم عفريت أم ماذا بالضبط؟ ما الذي أعلمك بهذا؟ المصيبة أنهم قبضوا عليه بعد أن كان عندك هنا وسمع الكلام ولم يتقبله، فكيف عرفت ذلك؟ لقد ذكرت البرنامج كله. منذ البداية قال له: يا بني، عندما دخلتم عليّ دخلت عليّ أنوار، فلما دخلتم عليّ الآن دخلت عليّ ظلمة. أنا لا أعرف من منكم، لكن هناك شيء مظلم
دخل عليّ. انظر إلى هذه الشفافية، من أين جاءت؟ هكذا هو الحال. لا الرجل يقول أنا يوحى إليّ ولا يقول... أأؤمن بوجود الجن والعفاريت؟ بل هذا أمر سهل. فمن كثرة اشتغاله بالعلم واشتغال قلبه بالذكر، ومن كثرة لهج لسانه بذكر الله، تحصل هذه الشفافية لديه وهو ضرير. إن الذي يرى بعينيه على وشك أن يظهر ما يراه، أما هذا فلا يرى بعينيه، لكنه يرى بنور قلبه وبصيرته. فوجدت ظلمة دخلت عليّ فعرفت أن هناك فاحشة، وبعضهم يشم بأنفه رائحة الذنوب. فالوضوء يُذهب كثيراً جداً من هذه العملية التي هي اللمم، أي الصغائر. فما الفرق بين الكبيرة والصغيرة؟ الفرق بين
الكبيرة والصغيرة أن الكبيرة يُتوعد فيها بالنار أو يجعل الله بإزائها حداً مثل الزنا والسرقة والقتل. والذي إلى آخره، والرد والعياذ بالله تعالى، أو لعن الله ورسوله فاعلها، فإذا كانت واحدة من هذه فهي كبيرة وإلا فصغيرة. ولكن قال: خل الذنوب كبيرها وصغيرها، ذاك التقى، واصنع كما تمشي فوق أرض الشوك حذراً مما ترى، لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى. يعني ليس لأنها صغيرة تذهب لا وأيضاً
ابتعد عن الصغائر حتى ينور قلبك بإذن الله. الوضوء يساعدك على هذا، ولذلك كان من الصحابة من إذا توضأ صلى ركعتين، بالرغم من أن هذا ليس فرضاً ولا سنة، ومنهم بلال، حتى قال له رسول الله: "يا بلال، ما بالك رأيتك وسمعت خشخشة نعليك قبلي في الجنة البارحة". رأيتُ في المنام وسمعتُ صوت نعليك، فقد كان لديه نعلان يشبهان الأحذية هكذا، عندما يمشي تسمع لهما ذلك الصوت الخاص بالأحذية. سمعتُ صوت أحذيتك يا بلال بالأمس في الجنة قبلي. ما هذه المكانة! قبل سيد الخلق؟
هذه مكانة، أي أنه ليس سيدخل قبله، لكنها مكانة خاصة. شيء عظيم جداً أن تكون مداوماً على الطهارة دائماً. "اتبع السيئة الحسنة تمحها". جالس يتوضأ باستمرار، فالوضوء سلاح المؤمن، ولذلك لا يتأخر عن صلاة الجماعة ولا عن الصلاة لأنه مستعد. هكذا يكون المؤمن وهكذا تكون حاله مع الوضوء. ينبغي بقدر المستطاع أن تهتم بالوضوء دائماً من غير وسواس. أصبحت أراك متسرباً للمياه مصاباً بالإنفلونزا لأجل ماذا؟ لأنني أرى أن الوضوء ضروري. ليس هكذا بالسياسة، فإن هذا الدين متين فتعمق فيه برفق. والعمل بالوضوء
يبدأ بالسواك، والسواك كما قال الإمام مالك، اجعله قبل الوضوء ولا تجعله قبل الصلاة، لأن المسجد منزه عن إزالة القاذورات فيه، فتُزيل القاذورات [خارجه]. هكذا وتضعها في جيبك. الإمام الشافعي قال له: "لا، الصلاة" في الحديث، يعني الصلاة. قالوا: "لا، لا بأس، نريد أن نكون أنيقين قليلاً" أي أناقة. الإمام مالك، نحن نترجم الفقه بلغة العصر، ولا يقولن أحد: "لا، إن الإمام مالك قال أناقة". لم يقل ذلك، لكنها هكذا، تضع فمك أمام الماء. لكي تتمضمض وتغسل السواك، لا تُزِل ما علق بأسنانك من بقايا الطعام
وتضعه في جيبك فتصبح رائحته كريهة. يا الله، ما هذا! لقد كانت نزاهة كبيرة جداً وجميلة. ولذلك عندما نذهب لنخبر الناس ونبلغهم بهذا الكلام، أننا أيضاً حتى بقايا الطعام العالقة بأسناننا لا نرضى أن نضعها في جيوبنا. ما ستتغير لكننا نقول ماذا الآن؟ دعنا لا نهتم. ما الذي يضيعه؟ لكن الإمام مالك كان هكذا، طيب. ولماذا نتخير؟ لأن هؤلاء الناس في الخارج يظنون أننا غير نظيفين، بينما نحن أهل النظافة كلها. إذًا لماذا تعطي صورة سيئة عنك؟ حاول أن تبلغ عن الله لأجل الناس. تنشرح صدورها لك لأننا في عصر فتن ولسنا في عصر عمل، فقليل العمل
سيكفي ولكن لا بد من كثير من الأخلاق والآداب حتى تبلغ عن الله دينه. يغسل يديه ثلاثاً ثم بعد ذلك يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه مع نية رفع الحدث، والوجه من منابت الشعر المعتاد إلى آخره. الذقن ومن الأذن هذه إلى هذه، فالأذن ليست من الوجه. فيغسل هذا الحد ويأخذ شيئاً من رأسه وشيئاً من رقبته من أجل التأكد، ويغسل يديه إلى المرفقين،
ويأخذ شيئاً من العضد من أجل التأكد، ويمسح برأسه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل ويُدبر. أقبل وأدبر هي الحقيقة لازمة. تُقال ماذا؟ "أدبر وأقبل". كان يضع يده ويأخذهم للخلف، فيكون "أدبر" يعني طلب الآخِر الدُّبر، و"أقبل" يعني أرجع يده مرة أخرى. لكن العبارة تقول ماذا؟ عكس "أقبل وأدبر". لماذا قالوا هكذا؟ العلماء قالوا ماذا؟ هكذا هي جاءت هكذا من عند المهندس هكذا. هو "أقبل وأدبر" مثلما نقول... ليلاً نهاراً، صيفاً شتاءً، هل يصح أن نقول شتاءً صيفاً؟ قال: لا. هل يصح أن نقول نهاراً ليلاً؟ قال: إذن
نهارك بلا فائدة لأنها وردت هكذا في اللغة: ليلاً نهاراً، صيفاً شتاءً، شذر مذر. هل يصح أن تقول عليها مذر شذر؟ لا يصح. فتكون معوجاً. أقبل وأدبر، قالوا: هي هكذا، أشياء نحافظ عليها، لماذا؟ لغة كما هي هكذا وإن كان معناها غير ذلك. هي مركب يفيد أن اليد تذهب إلى الخلف ثم تذهب إلى الأمام. لا تحللها واحدة أبداً، خذها مجتمعة. اسمه المركب، والمركب في اللغة نأخذه مجتمعاً هكذا، وبعد ذلك بعدما يتمضمض ويستنشق ويغسل. وجهه ويغسل يديه ويمسح رأسه، لا يغسلها بل يمسحها.
الغسيل هو سيلان الماء على العضو، فبمجرد أن تضع يدك تحت الصنبور وتجري المياه على يدك، فقد اغتسلت. الإمام مالك يقول: لابد أن تدلك يدك، أي تضيف إلى سيلان الماء الدلك. عند الإمام الشافعي الدلك سُنَّة، فنفعله من أجل الإمام مالك، يكون وضوؤك كاملاً عند جميع المذاهب ولا يحدث شيء، وهكذا دائماً. كلما وجدت خلافاً فقهياً واستطعت أن تخرج منه. فأنت عندما تقوم بالدلك، هل سيغضب الشافعي؟ لن يغضب. من الذي سيغضب؟ الإمام مالك سيقول لك: "لا، أنا أريد الدلك". فإن استطعت القيام بالدلك فحسناً، وبذلك نكون قد خرجنا من الخلاف، حسناً، قال لي
هذا هو الشافعي. ليس الشافعي قليلاً، بل هو كبير جداً. فهمه هكذا، والله أقامه في هذا. بعد ذلك يغسل رجليه إلى الكعبين، ويجب أن يرتب عند الإمام الشافعي هذا الكلام: الوجه أولاً، واليدين، والرأس، والرجلين، لأن الله سبحانه وتعالى وضع المسح بين الأغسال، وضع المسح بين الأغسال. اغسل وجهك، اغسل يديك، امسح رأسك، اغسل رجليك. ما هذا؟ انظر إلى كلام الإمام الشافعي، يقول لك إنه وضع المسح في وسط الأغسال. يعني قال لك في الآية:
اغسل، امسح، اغسل. فلابد أن يكون الترتيب مراداً، لأننا لا نخالف ونحشر المسح في وسط الغسل إلا إذا كان... مكانه هنا لأنه لو قال لك اغسل وجهك ويديك ورجليك وامسح رأسك لكان ذلك مقبولاً. لقد جعل الغسل كله مجموعة واحدة وجعل المسح مجموعة ثانية، لكن لا، بل قال لك: اغسل، امسح، اغسل، فماذا يعني ذلك؟ لقد وضع الغسيل ووضع في وسطه المسح، وما دام قد حشر المسح في مطلوب والله
إن العمرة ما كانت أبداً غير ذلك، عندما كان النبي يطبق القرآن لنا لكي نعرف. فالعمرة ما كانت غير ذلك دائماً. عندما يأتي ليغسل وجهه، ألا يغسل رجليه ثم وجهه؟ فهو كان مرة يفعلها كذلك ليبين أن هذا جائز، ولم يفعلها أبداً بطريقة أخرى. وعندما كان العرب لا المتماثلات إلا للترتيب، المتماثلات التي هي اغسل وبعد ذلك جاء مخالفها وجعلها أمسح في الوسط، تخالف هذا إلا للترتيب. إذا كان الترتيب واجباً، فهناك ست خصال: النية، غسل الوجه، غسل اليدين، مسح الرأس، غسل الرجلين، والترتيب. هذه أركان الوضوء. أما سننه فقال: هذه عشرة: أن تقول بسم
الله، والموالاة أن تتوضأ بشكل متتابع دون انقطاع. فلا تتوضأ بأن تغسل وجهك ثم تذهب للرد على الهاتف. وإن فعلت ذلك فالوضوء جائز، لكنك تكون قد تركت سنة الموالاة. وكذلك أن تغسل يديك ثم تذهب لفتح الباب، أو تمسح رأسك ثم تذهب لتقول: "نعم، خطر في بالي شيء يجب أن أكتبه افترض أن شخصاً قام بذلك، فوضوؤه صحيح لأن الموالاة ليست ركناً ولكنها سنة. وبذلك ستفوتك فضيلة البدء باليمنى، لأن النبي كان يحب التيامن في كل شيء، في مأكله ومشربه وأموره جميعاً وملبسه وترجله وهكذا. وكان يقول: "خذ بيمينك
وأعطِ بيمينك"، أخرجه ابن ماجه ومسلم، وهكذا إذاً. علينا أن نستنفر هذه السنة لأنها سنة ثواب، ونحن متعطشون للثواب الآن لكثرة البلاء الذي نمر به. نحن نعمل ليلاً ونهاراً في بلاء، فيجب علينا أن نعمل ليلاً ونهاراً أيضاً في شيء يوازن الكفة، أليس كذلك؟ ما رأيكم؟ نحن بحاجة إلى ذلك، وبعد ذلك احذر أن تثرّب في... الماءَ ولو كنتَ على نهرٍ جارٍ، ولذلك تجدُ بعضَ الناسِ وهو
يتوضأُ من الصنبورِ يُغلقُ الصنبورَ أثناءَ الانتقالِ من عضوٍ إلى عضوٍ، يعني يغسلُ وجهَهُ وبعدَها يديهِ ويمسحُ رأسَهُ، وحتى يرفعَ رجليهِ يذهبُ ليُغلقَ الصنبورَ ثم يفتحُهُ مرةً أخرى كي لا يُهدرَ ماءً كثيراً. ياه! نحنُ أصبحنا متعاونين مع البيئة. مع نعمة ربنا انظر كيف أن هذا الكلام نأتي به من عندنا ونؤلفه اليوم. هذا الرجل توفي سنة خمسمائة وخمسة، ولكن أين هو؟ في طوس في العراق. في مصر كلها أنهار ومياه كثيرة والحمد لله، ولو كنت على نهر جارٍ. وقال صلى الله عليه وسلم في شأن من زاد في الوضوء ومن زاد
فقد أساء وظلم، نعوذ بالله من الظلم، ظلمات يوم القيامة. يصبح أمرنا إنما هو على الاعتدال في التعامل مع هذا الكون، أساسه الاعتدال. هذه النقطة يجب أن تنتبه إليها، فليست هناك حساسية أو شيء في أن تغلق وتفتح الصنبور وما شابه، فأنت تتعامل مع الماء كأنه دمك تسمح له بأن ينزف، فهل تريد أن تموت؟ وكذلك هذا الماء، إنه ليس ملكاً خاصاً لك ولا شيئاً تتصرف فيه كما تشاء، بل هو عبارة عن دين ترجو به ثواب الله ولا تهدر نعمته. ويقول: "سيكون قوم من هذه
الأمة يعتدون في الدعاء والطهور". وقد حدث ذلك، ولذلك كان بالوسواس، وبعد ذلك، كان الشيخ الكبير جالسين، وهم هكذا في مكان، فسمع الماء ينزل لمدة ثلث ساعة، وظل الشخص يستحم ثلث ساعة، فقال: "ما هذا؟" قالوا له: "هذا الشيخ أحمد يستحم". الشيخ محمد أمين البغدادي رحمه الله قال لهم: "الشيخ أحمد يستحم ثلث ساعة؟" قالوا له: "نعم، وساعة وساعتين حتى أريد أن أدخل الحمام، فطرقوا على
بابه قائلين: "سيدنا الشيخ يريد أن يدخل، اخرج بسرعة". المهم، عندما استعجلوه، ذهبوا وأخرجوه، وقالوا له: "ها يا شيخ أحمد، هل انتهيت؟" فأجاب: "الثلث، والثلث قليل". يعني أنه غسل فقط ثلث جسمه في نصف ساعة. فكل الأباريق التي سُكبت على رأسه، ماذا كانت؟ الثلث فقال له: "ليس هكذا يا أبي، لا يصح هذا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذكر له هذا الحديث: "سيأتي قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور"، أخرجه أحمد. حسناً، فلنتجنب الاعتداء، ولنجعلها سهلة هكذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يستحم بصاع فقط. ماء بمقدار لتر
ونصف أو شيء من هذا القبيل، يعني زجاجة ماء، وكان يتوضأ بالمد، بحوالي ربع ذلك، أي بحوالي نصف لتر. فقال رجل: هذا لا يكفيني. فقال: إني كثير الشعر. عنده بعض الشعر في صدره وظن أن هذا ما لديه، بعض الشعر في صدره، فيحتاج إلى أكثر من ذلك، كفى الذي هو خير منك وكان أكثر شعراً منك. أتتصرف كرجل أم ماذا؟ بعض الشعر في صدرك تتظاهر لي به أنك رجل. كأنه يقول له هكذا: سيدنا رسول الله خير الرجال وأكمل الناس وكان يكفيه هذا، فاستحِ. كانوا
دائماً يعلّمون التابعين عندما يريدون أن يهربوا من سنة الرسول بأي طريقة. تأويل قوم يرجعون ثانية مثل سيدنا ابن عمر قال: قال رسول الله: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". فقال ابنه: "والله لأمنعهن". فقال له: "أقول لك قال رسول الله وتقول والله لأمنعهن؟ والله لا أكلمك حتى تموت". ها فحُفظت سنة رسول الله لأنها وجدت أقواماً يحافظون عليها. فاللهم... اجعلنا منهم آمين. إننا دائماً نحوّل الشرائع والطقوس إلى معانٍ نحافظ عليها، ولكن
لا بد أن ندرك أسرارها ونجعلها تُربّي نفوسنا على الخير، ونجعلها مفاتيح للفهم عن الله في مراده من خلقه ومن كونه ومن وحيه. فاللهم يا ربنا اشرح صدورنا واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.