موعظة المؤمنين | كتاب أسرار الصلاة ومهماتها مقدمة | أ.د علي جمعة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر غيوبنا وقنا الخطأ والخطيئة والزلل، واجمع قلوب أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الخير في الدنيا والآخرة، وأحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين، اغفر وارحم وتجاوز عما. اعلم أنك أنت الأعز الأكرم. اللهم يا ربنا اشرح صدورنا للإسلام، وثبِّت قلوبنا على الإيمان، وأحينا مسلمين، وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين، واحشرنا تحت لواء سيدنا محمد يوم القيامة، واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً،
ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا. عتاب. اللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في الأولين والآخرين والعالمين وفي كل وقت وحين وسلِّم تسليماً كثيراً وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين. اجلس يا بني أنت وهو، اجلس. من يريد أن يحضر فليجلس، ومن لا يريد فليأخذ متاعه ويذهب. طيب، قال رحمه الله تعالى. ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين كتاب أسرار الصلاة ومهماتها. إن
الصلاة لها أسرار، أول سر أن الصلاة في اللغة هي العطف، وكلمة العطف معناها الانثناء، يعني يكون سائراً في طريق ثم انعطف. يعني انثنى، والانثناء معناه أن هناك شيئاً وأن هناك ثانياً. انثناء يعني ماذا؟ يعني... وأنتَ تسير في الطريق ثم انعطفت، أي دخلت في طريق آخر، فالعطف لا بد أن يكون بين اثنين.
ولذلك سمّوا الصلة - الصلة بين نقطتين، الصلة بين شخصين - سمّوها صلة لأنها شيء بين اثنين. والوصلة: هات وصلة الكهرباء، وصلة المياه. فالوصلة ماذا تعني؟ إنها من الصلة، أي في محطة وهناك بيت، وسنوصل المقياس إلى البيت والبيت إلى المقياس، فيكون هناك اثنان. والصلة تعني الهدية التي يقدمها شخص لآخر، فيقال إنه قدم له صلة. والصلاة
لا بد فيها من اثنين، من هما الاثنان؟ العبد والرب. فإذا كان الله تعالى ليس حالاً في الكون ولا له جزء منه، ولا يمكن أن إليه فيصبح هو كما بقي. راقت بعض العقائد الفاسدة التي يعبد بعضها بوذا، والتي يعبد بعضها عيسى، والتي يعبد بعضها عزيراً، والتي يعبد بعضها فلاناً، والتي يعبد بعضها روحه. لا، إن الرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق. انظر إلى عقائد المسلمين، ولذلك عندما نأتي لنتسابق في الخيل ماذا نسميه في اللغة العربية؟ المجلي، أول شخص نسميه ماذا؟ المجلي،
حسناً، والشخص الثاني المصلي. إذاً، مَن هو أول شخص؟ إنه المجلي. أول شخص المجلي، ثاني شخص المصلي. ونحن عندما نصلي، ماذا يسموننا؟ مجلي أم مصلي؟ مصلي، أي رقم اثنين. ها، نحن نأتي في المرتبة الثانية، والتي تأتي في المرتبة سبقه سابق ولا لم يسبقه سابق فيكون ربنا سبقنا لأنه هو القديم وهو الأول وهو الآخر. هذا المصلي الصلة، الصلاة أصلها في اللغة العطف، يقول ابن هشام: "وأصل الصلاة في اللغة العطف". حسناً، وهذا العطف نستعمله في ماذا أيضاً؟ نستعمله في أن الواحد
يعطف على الثاني، نستعمله في أن في... العطفة هنا العطفة تعني الحارة أي طريق تفرع من طريق آخر فأصبح عطفة. حسناً، هل الصلاة فيها عاطفة وحنو أم ليس فيها؟ في الأصل الله رحيم ففيها عطف، والعطف هذا بمعنى الميل والانثناء وكما قلنا بمعنى الحنو. يحدث فيه ماذا؟ هناك شخص يحن على آخر، والله من أسمائه... ما هما "الحنان" و"المنان"؟ في حديث أبي هريرة الذي ذُكِرت فيه أسماء الله الحسنى، رُوِيَ بثلاث
روايات وليس برواية واحدة. نحن نحفظ رواية واحدة فقط، وهي الرواية الأولى في سنن الترمذي، ولكنه رُوِيَ بثلاث روايات مختلفة، وبين كل رواية والأخرى اختلافات تصل إلى أربعة وثلاثين اسماً، ولذلك لو جمعنا الأسماء هذه الثلاثة وغيرها تُظهر أسماء الله الحسنى مائة وأربعة وستين اسماً في السنة المشرفة، ومائة واثنين وخمسين اسماً في القرآن الكريم. وعندما نجمعهم معاً يصبحون مائتين وعشرين مع حساب المكرر. وهذا الكلام ذكرناه من قبل، لكننا نعيده لأن المكرر أجمل. قالوا: لمسلم فضل، فقلت: البخاري أعلى. قالوا: المكرر فيه، فقلت... المكرر أجمل، ما الذي المكرر الذي يكون أجمل؟ السكر، عندما يكون مكرراً يصبح أجمل.
المكرر أجمل. قالوا: "التكرار يعلّم الأذكياء"، يعني يجب أن تقولها بصراحة، لا تعرف أن تلف وتدور حول المثل وقوله للناس. حسناً، الصراحة تعني أنك تأخذها منه كثيراً وتقطعه. قال: "مداراة الناس من الإيمان"، مداراة الناس. ليس سيئاً يا إخواننا أن تقول الكلام الطيب الحلو رغم أنه يستحق أن تشتمه. جاء الأقرع بن حابس فاستأذن له على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكره دخوله وقال: "ائذن له" يعني أذن له متضجراً كأنه يقول: "أوه، أنت جئت، الله يخرب بيتك". فلما دخل بشّ
له في وجهه. أهلاً وسادت فقدّر، فقالت عائشة: "يا رسول الله، سمعتك تقول ما تقول" يعني قبل أن يدخل، فلما دخل بششت له. قال: "يا عائشة، إن شر الناس من يُتقى من أجل شره، لأن الأقرع بن حابس هذا كان سيء الأدب وطويل اللسان ومنافق ظاهر النفاق، كان يتألفه النبي صلى". الله عليه وآله وسلم مثل بعضهم في عصرنا الحاضر عندما نجلس معه أهلاً وسهلاً لئلا يشن عليك هجوماً هنا أو هناك. وأيضاً دعنا لا نقول لئلا يغضبوا. نحن لا نريد أن نُغضب أحداً، لا نريد أن نُغضب أحداً. هذا كان خُلق رسول الله صلى الله عليه
وسلم. تركنا هكذا عندما نأتي ونرى ماذا تعني الصلاة، نجد أن فيها حناناً لأن فيها عطفاً، والصلاة في اللغة هي العطف. وماذا يعني عندما نفهم الكلام عربياً في اللغة العربية؟ ما الذي ينفعنا فيه ذلك؟ ينفعنا في أن نفهم سر الشيء ونُبهر به. الصلاة، لقد نشأنا طوال حياتنا على ذكر الصلاة لكن لا يفهمون أن الصلاة عطف وحنو وثنائية وصلة ووصلة، والصلاة في اللغة هي الدعاء. كلمة العطف أعمق درجة، أعمق من
درجة الدعاء، لكن الدعاء أيضًا إذا فتحت القاموس يقول لك: والصلاة الدعاء. وهناك فرق بين صلى عليه وصلى له وصلى إليه. صلى عليه يعني دعا له بالخير بخلاف الدعاء، الصلاة معناها الدعاء، لكن إذا أردت الدعاء بالخير، تُدخل معه حرف الجر "على" وتقول: "صليت عليه". فما معنى "صليت عليه"؟ يعني دعوت له. في حين أنك لو قلت: "دعوت عليه"، فهذا يكون في الشر. الدعاء هنا يكون في الشر. "دعوت عليه" يعني قلت: "اللهم انتقم". منه تعلقته بصفات الجماد ودعوت
له أن يكون بالخير، إنما صلى يكون في الخير عليه، ولذلك "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"، يعني ندعو له بالخير وبالرحمة وبعلو الدرجة، وهو سيدنا رسول الله، وقد نص على أن العلو لا ينتهي والترقي لا فهو ما زال صلى الله عليه وسلم يترقى في مراتب العلو درجة بعد درجة، وكل ما بين الدرجة والأخرى كما بين السماء والأرض، لكن كل فيمتو ثانية بأسرع من سرعة الضوء. أكبر شيء في الدنيا ما هو؟
سرعة الضوء، لكن النبي أسرع. حسناً، النبي نور؟ قال لك: لا، نور لا هو ليس نور كهرباء، إنه نور من عند ربنا، أسرع من النور. قال نعم، في المعراج ماذا فعل؟ ذهب ورجع في أربع دقائق ولا زال فراشه دافئًا. حسنًا، آخر نجم نراه يستغرق الوصول إليه بالنور ملايين السنين والعودة منه بالنور ملايين السنين، فكم تكون سرعته إذن؟ هذا لا يُقارن، هذا ربُّهُ أمَرَهُ أن يكونَ هنا فكان، لكن عندما كان، ماذا أصبح في الكون؟ أصبح أنور من الأنوار. ولذلك بعضهم يقول لك: عندما نقول إن النبي
نور، فإننا ظلمناه. لا، هو ليس نوراً، إنه شيء آخر. لا يصح أن نصفه بأنه نور. أي نور هذا؟ إنه شيء آخر. سراجاً منيراً، هذا هو منوِّر، وهناك فرق بين النور وبين المنوِّر. هو مصدر النور، المنوِّر هذا شيء آخر. يعني سيدنا رسول الله انتقل أسرع من الضوء، فالنبي ليس مجرد ضياء أو ضوء هكذا، لا، بل هو وُلِدَ الهدى فالكائنات ضياء، وفم الزمان تبسم وثناء. إذاً الصلاة عندما نعرفها في بهذه المعرفة وأسرارها، وأنت واقف، تعرف أنك في الحنان، في
المنة، في الصلة، في الهدية، في الدعاء، في العبادة. أول ما تقول "الله أكبر"، اعرف نفسك أنك قد دخلت في حظيرة القدس. هذا هو الكلام، هذه هي الصلاة التي لها معنى، ليست مجرد "يا الله يا أدنى، اختطف لنا ركعتين"، نُصلي ركعتين سريعتين ويكون قلبك معلقاً بالدنيا، ولا تعرف ما معنى الصلاة، ولا ما معنى العطف، ولا ما معنى الحنو، ولا ما معنى الدعاء، ولا ما معنى الهدية، ولا ما معنى الصلة، ولا ما معنى العبودية، ولا أي شيء على الإطلاق. لقد ضاع منك الطريق بهذه الصورة، لكن عندما تعرف... حقيقة الصلاة تعرف معها هذا الأمر، كنت أود
لو أننا تكلمنا في هذا، لكن وفقنا الله في شرح هذين السطرين وكفانا اليوم هكذا، لأن معنا ضيف وهو الشيخ الهلباوي الذي يأتي كل سنة مرة واحدة، فهي فرصة أن يكون معنا الشيخ الهلباوي الذي نراه كل سنة مرة واحدة أيضاً، فيكفي لكي نستمع إلى صوته الشجي الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع الصوت الحسن. عندما دخل مكة أراد أن يجعل فيها مؤذناً، فأقام مسابقة استماع أصوات واختار أبا محذورة ليكون مؤذناً له
في مكة. فكان سيدنا بلال في المدينة وسيدنا أبو محذورة في مكة. يُحبُّ أن يسمعَ القرآن من ابنِ مسعود، وقال: "إذا أردتم أن تسمعوا القرآن كما أُنزِل، فاسمعوه بقراءة ابن أم عبد". كان يُحبُّ أن يؤذّن بلال، وقال: "علِّمْه بلالاً فإنه أندى منك صوتاً"، فكان يُحبُّ الصوت الحسن. كان يُحبُّ المديح، "يا حسان قُلْ وروحُ القدس تؤيدك"، ولما دخل كعب بن... خلع زهير عباءته الشريفة البردة وأجلسه عليها وهو يقول له غزلاً يتغزل به، لكنه غزل عفيف: "بانت سعاد فقلبي اليوم متبول". إذاً هذا هو الحال الذي علّمنا إياه رسول الله صلى الله عليه
وسلم. نحيي سنته كما كانت، ونتمتع بالثناء على الله وبالصلاة على سيدنا رسول الله، ونعطيه المساحة الأكبر في شهر ربيع الأنور الذي سمي بالأنور لأنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نحتفل فيه في كل يوم بمولده الشريف ومقدمه المنيف صلى الله عليه وآله وسلم