موقفك من التدبير | الحكم العطائية | حـ 4 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ومع سيدنا ابن عطاء الله السكندري دفين سفح المقطم بالقاهرة، نعيش هذه اللحظات مع حِكَمِه التي تركها لنا من. أجل أن يرسم طريق الإحسان الذي تكلم عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهو يعلم الصحابة عند سؤال جبريل: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك"، فيبين لنا المعاملة مع
الله سبحانه وتعالى والمعاملة مع النفس والمعاملة مع الناس ومع الأكوان التي حولنا، يقول: ابن عطاء وهو يريد أن يطمئن بال المؤمنين وأن يطمئن قلوبهم بذكر الله وباستحضار ربنا سبحانه وتعالى يقول: ارح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك. هذا مبني على نظرة واقعية وهو أن الله سبحانه وتعالى لما خلق الإنسان وخلق بني آدم جعلهم يحتاجون بعضهم. إلى بعض وجعلهم
لا يستطيع أحدهم أن يعتزل الاعتزال التام إلا بمشقة بالغة، ولذلك قال بعض الفلاسفة وهو يرى هذا في واقع الناس: "الإنسان حيوان اجتماعي"، يعني هو كائن حي ولديه إرادة، ولكنه يحتاج إلى الناس، يحتاج إلى الخباز، ويحتاج إلى النجار، ويحتاج إلى كل شيء، فقال هنا إذا كان في الحياة الدنيا من يقوم لك بشيء فلا بد أن تريح نفسك عنه، هذه قضية العقل، العقل يقول هذا، فأنت لا تستطيع أن تفعل كل شيء، ولذلك فإن وجدت من يعينك ووجدت من يحضر لك طعامك أو ملابسك أو شيئاً ما في عملك فإنه
من العقل ألا تشغل نفسك بهذا وذلك مبني على أنك ضعيف، وهو أمر واقعي وأمر موجود في الشريعة أيضًا، خُلِقَ الإنسان ضعيفًا. أرِح نفسك من التدبير، كلمة التدبير قد تطلق ويراد منها التخطيط، وقد تطلق ويراد منها الاقتصاد وعدم الإسراف، فالواحد يكون مدبرًا، وقد تطلق ويراد منها نوع من أنواع الأعمال المتتالية بحيث. إنك تدبر أمرك هنا، أرِح نفسك من
التدبير. هذا كلام متعلق بما بعده، فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك، وإلا فأنت تنسى ضعفك، وأنت تنسى الوقت المحدود. فلا يمكن أن نفعل كل شيء في الوقت المحدود، وأنت تنسى أن عمرك أيضاً محدود. الليل والنهار محدود، وأيضاً عمرك. محدود وأنت في ذاتك، في عقلك، في قدراتك محدود، إذاً فمن العقل والواقع أن تفعل هذا. في الحديث: "التدبير نصف المعيشة"، التدبير الذي في الحديث معناه الاقتصاد،
معناه الادخار، معناه عدم الإسراف. وهذا حاول أناس كثيرون حتى عندنا تحويله إلى أمثال شعبية، مثل: "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، هذا هو معنى التدبير نصف. المعيشة، فبعض الناس كلما جاءته أموال فإنه ينفقها ولا يبقى معه شيء وتذهب معيشته ويذهب ماء وجهه ويبدأ في الاستدانة ويبدأ في إذلال نفسه، ولكن الإنسان عندما يقوم بالصرف فإنه يقوم باقتصاد وتدبير، "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" قاعدة عامة، "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا". تبسطها
كل البسط، إذا فالوسط أو الاقتصاد أو التدبير الوارد في الحديث ليس هو الوارد في "أرح نفسك من التدبير"، فالتدبير هنا بمعنى القيام بأعمال قد كُفيتها، ولكن التدبير الذي في الحديث معناه الاقتصاد، ولذلك في روايات أخرى "الاقتصاد نصف المعيشة"، والاقتصاد هنا معناه الاعتدال في الصرف حتى لا يقع. الإنسان في المحظور أرح نفسك من تعب التدبير المنافي للعبودية، فننتقل إذاً إلى مستوى علاقة الإنسان بالله. يعني كل الذي نقوله هذا هو علاقة الإنسان مع نفسه وماله والآخرين، وأنه لا بد أن يكون
فيها نوع من أنواع الاقتصاد، ولابد ألا يشغل باله بما يقوم به الآخرون، لكن بيني... وبين الله، فإن الله سبحانه وتعالى كفل لي الأجل وكفل لي الرزق، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأجمل في الطلب"، يعني اطلبوا الأشياء بعزة نفس، لا تذل نفسك، لا تلح في الطلب من البشر، لا تخف على حالك ومالك، فإن الرب واحد والعمر واحد، فإن الرب. واحد والعمر واحد، هذه تجعل الإنسان حراً، تجعل الإنسان
لا يتذلل لبشر، أرح نفسك من التدبير، من تعب التدبير المنافي للعبودية مع الله سبحانه وتعالى، فإن الله سبحانه وتعالى تكفل برزقك، وإن الله سبحانه وتعالى تكفل بأجلك، والله سبحانه وتعالى ما دام تكفل بذلك وليس بيد أحد من الخلق أن. يزيد أو ينقص رزقك ولا يرد ما رزقك الله سبحانه وتعالى به، وليس هناك أحد من البشر يستطيع أن ينتقص من عمرك ولو للحظة. ولذلك في المثل البلدي يقول: "لو صبر القاتل على المقتول لمات لوحده"، لأن الله سبحانه وتعالى قد حدد أجلاً
واحداً لكل إنسان أن يموت في الساعة الفلانية، وفي هذه الساعة سيموت. فيها فلولا أنك اعتديت عليه وقتلته لمات وحده. ما كان مرادك؟ مرادك أن هذا الإنسان لا يوجد؟ حسناً، كان في نفس الساعة لا يموت، ولكن لأنك تعتمد على عملك، ولأنك ترى نفسك، ولأنك لا تعرف حقيقة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ولا تؤمن بأن الله سبحانه... وتعالى قد أراحك وأنك لو قتلته ولم يأتِ أجله لا يموت، وأنك لو قتلته ستتحمل ذنبه، ولو لم تقتله لما تحملت ذنبه ولا مات. لو عرفت هذه الحقائق البسيطة التي تقول إن الأمر بيد الله، التي تقول إنه لا حول ولا قوة إلا بالله. انظر معنى جديداً
للا حول ولا قوة إلا بالله، لو عرفت هذا لأرحت نفسك. أرِح نفسك من التدبير، يعني المنافذ. العبودية المتوكل على الله الذي يعرف الحقائق، فما قام به غيرك وهنا فما قام به الله سبحانه وتعالى عنك لا تقوم به لنفسك. ولذلك فإن الإنسان لا يستطيع أيضاً لنفسه أن يزيد رزقه، إنما يستطيع أن يعمل وأن يدعو وكل زيادة هي لك، وهذا المعنى هو أيضاً معنى جديد لـ"لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.